قروض الخصوبة في لبنان .. تعيد الأمل بنعمة الأطفال

لم يكن وقع «قرض الخصوبة» الذي قدمه مصرف «فيرست ناشيونال بنك» في بيروت كغيره من القروض التي اعتاد اللبنانيون على إعلاناتها، وهي تجتاح الطرق وتغزو وسائل الإعلام.


فهو قرض من نوع آخر وهدفه معالجة مشكلة انسانية ذات خصوصية معينة.

هذا الهدف كان كفيلا بأن يجعلنا نفكّر مليا بقيمة الإنجاب في مجتمعاتنا الشرقية، لا سيما أن هذا الأمر ليس مسألة خاصة بالزوج والزوجة فقط بل هو عبء ثقيل يلقيه القريبون والبعيدون على كواهل الشريكين منذ الشهر الأول لزواجهما، اذ يتكفلون باللّعب على «وتر الإنجاب الحساس» طارحين أسئلة هنا وهناك، وكلّها تصب في خانة الحمل والإنجاب مستفسرة عن «أخبار جديدة» أو «فرحة قريبة» بعريس تزينه الأم بعد فترة بعروس.

وهكذا تتحول المسألة الخاصة بين كل زوجين نقطة ضعف تثير مشاعر كل من لم يرزقه الله نعمة الاستمتاع بتربية فلذات أكباده والسير في طريق الحياة الطبيعية.

ولأن «الجمرة لا تحرق الا مكانها» كما يقول المثل اللبناني، لن يشعر بقيمة هذا القرض إلا من عانى فعلا مشكلة ما حالت دون قدرته على الإنجاب، والدليل على ذلك ما أشارت اليه نسبة الاتصالات العالية التي بدأت تتوالى على المصرف منذ اليوم الأول لإعلان القرض.

حيث تراوحت ما بين 300 و400 اتصال يوميا، كما أكّد لـ«الشرق الأوسط» رئيس ادارة التسويق في «فيرست ناشيونال بنك»، ماهر مزهر.

وأضاف مزهر: «فكرة القرض بنيت على نتيجة الدراسة التي أعدّها المصرف في ما يتعلّق بنسبة الإنجاب في لبنان، إذ كشفت أن حوالي 18 في المائة من اللبنانيين الذين خضعوا لهذه الدراسة وبلغ عددهم 600 شخص، لم ينجبوا بعد مرور سنوات عدة على زواجهم.

وبالتالي فقد تبيّن لنا أن من أسباب عدم الإنجاب هو أن لبنان يعتبر من أكثر الدول في الشرق الأوسط الذي تأثر شعبه بآثار الحروب المتتالية، الأمر الذي انعكس بشكل واضح على قدرة الإنجاب عند الرجال اللبنانيين نتيجة الخوف والتعرّض لضغوط نفسية.

كما يلعب ارتفاع معدّل سن الزواج في لبنان من حوالي 23 أو 25 عاما الى ما بين 32 و35 عاما، دورا في ضعف الخصوبة لدى الرجال والنساء بعد هذا السن.

من دون أن ننسى العامل الاقتصادي المتردي الذي جعل الأزواج يؤجلون قرار الإنجاب الى ما بعد سنتين أو ثلاث سنوات من الارتباط.

والمشكلة نفسها حالت دون قدرة الشريكين على تحمّل عبء تكاليف العلاج اذا أظهرت الفحوص الطبية معاناتهما مشكلات معينة».

ويشير مزهر الى نقطة مهمة وهي «أن قرض الخصوبة لا ينحصر بتكاليف علاج العقم فحسب بل يتوزّع على أربعة أجزاء وهي، الخصوبة التي لا تعني فقط التلقيح الاصطناعي الذي خصصنا له قرضا يتراوح بين 2000 و2500 دولار، بل هناك أسباب أخرى تحول دون القدرة على الانجاب وهي قد تكون عبارة عن حقن أو أدوية أو حتى مشكلة وزن زائد.

وعلاج كل هذه المشكلات يدخل ضمن تقديمات القرض ويتراوح المبلغ المخصص لها بين 500 و700 دولار». ويوضّح مزهر أن الجزء الثاني من القرض وهو لا يقل أهمية عن الأول، يرتكز على ما يعرف بالخلايا الجذعية أو خلايا المنشأ التي تستخرج من الحبل السري لحظة ولادة الطفل لتخزّن بمثابة «احتياط حياة» لمدة 25 سنة قابلة للتجديد يستفاد منها في ما بعد لعلاج الولد إذا أصيب بأي مرض مزمن أدى الى تعطيل عمل الخلايا كالسرطان أو القلب أو الشلل.

وتكون نسبة نجاح هذه العملية اذا خضع لها الولد نفسه 100 في المائة وبين 40 و70 في المائة اذا استفاد من هذه الخلايا أحد أفراد عائلته، ويتراوح قرض هذه العملية بين 2600 و3000 دولار.

ولم يكتف المصرف بتسهيل مهمة المرحلة الأولى، أي اجتياز مرحلة الحمل السليم، بل يرافق الشريكين في تأمين تكاليف الولادة، لا سيما أن الضمان الاجتماعي وشركات التأمين قد لا تغطي كامل التكاليف وتجهيز المولود الجديد، بحيث تم الاتفاق مع مؤسسات كبرى لبيع مستلزمات الطفل تقدّم حسومات تصل الى 20 في المائة لمن يستفيد من قرض الخصوبة».

وفي ما يتعلّق بالشروط الواجب توفّرها في الشريكين للحصول على القرض يقول مزهر: «يجب ألا يقلّ راتب مقدّم الطلب عن 600 دولار. واذا كان القرض لا يزيد على 3000 دولار لا يتوجب على المستفيد الا إفادة بالراتب، أما اذا تجاوز هذا المبلغ فعندها نطلب منه إما كفيلا أو توطين راتبه في المصرف».

ورغم أن ادارة المصرف تعتمد السرية التامة في درس كل الملفات التي لا تخرج عن دائرة مقدم الطلب والطبيب المتخصص والموظف المسؤول، يشير مزهر الى أن المهتمين بهذا الموضوع لم يكترثوا كثيرا لهذا الأمر لأن الأهم بالنسبة اليهم النجاح في الحصول على كل دعم ممكن ليحملوا فلذات أكبادهم ذات يوم بين أيديهم، كما أن مثل هذه الأمور لا تخفى على أحد.