كريستوفر بايلي مصمم «Burberry» .. شاب بديناميكية هائلة

كريستوفر بايلي: الموضة ليست ثورة بل تطور طبيعي..وسواء اطلقت عليها اسم موضة أو أسماء اخرى
كريستوفر بايلي: الموضة ليست ثورة بل تطور طبيعي..وسواء اطلقت عليها اسم موضة أو أسماء اخرى

للعام الثاني على التوالي فاز مصمم دار "بيربيري" كريستوفر بايلي بجائزة احسن مصمم للأزياء الرجالية، كما حصل على جائزة مصمم العام من مجلة "جي كيو"، ومنذ مواسم عدة، تقابل تشكيلاته بحرارة كبيرة من قبل وسائل الإعلام والمتخصصين على حد سواء.


ليس هذا فقط، بل أن بطل فيلم "جيمس بوند" دانييل غريغ، الذي ظهر في فيلمه الأخير "كوانتوم سولاس" (قدر من العزاء) في بدلات مفصلة بتوقيع توم فورد، الأمر المفروض عليه من قبل استوديوهات الإنتاج، اختار طوعا بدلات من تصميم كريستوفر في عدة مناسبات، مما يؤكد ان هذا الأخير مصمم الساعة بلا منازع.

وما لا يختلف عليه أي متابع لأحوال الموضة، على ان الدار البريطانية الأيقونية، التي التحق بها في 2001 تعيش في عهده عصرا ذهبيا تنتقل فيه من نجاح إلى آخر.

نجاح تترجمه أرقام الأرباح السنوية التي حققتها هذا العام، وتوسعها في الكثير من مناطق العام، رغم الأوضاع الاقتصادية الحالية.

فقد افتتح أخيرا محلا في منطقة "نايتسبريدج" الراقية، وفي الشرق الاوسط، افتتح عدة محلات جديدة في قطر ودبي وأبوظبي والكويت بالإضافة إلى محلات في كل من الرياض وجدة والخبر بالسعودية والآتي أعظم.

وفي لندن قررت محلات "هارفي نيكلولز" و"هارودز" بدورهما تخصيص ركن مهم لتصميماته.

ولأن "هارودز" ستفتتح قريبا مكانا جديدا مخصصا للأزياء الرجالية، ستعرض فيه ازياء لوي فيتون، كريستيان ديور، بالنسياجا، برادا وامثالهم، فقد بدأت منذ الآن تفكر في ركن خاص بخط "برورسم" من "بيربيري"، سيستمتع فيه الرجل بتشكيلة ربيع وصيف 2009.

كل هذا يؤكد ان هذا المصمم الشاب والهادئ، يحمل اسرار خلطة النجاح السحرية بين أنامله.

خلطة تتلخص في رؤية فنية واضحة تجمع بين العملية المريحة والاناقة الراقية، أو ربما فقط هو سحر تختزله شخصيته المتحفظة التي ساعدته أن يذوب في ثقافة الدار البريطانية العريقة ليصبح الاثنان واحد يمكن ان يطلق عليهما اسم ب.ب. أي بيربيري بايلي، بسهولة.

كريستوفر من المصممين القلائل الذين يميلون إلى الزهد في الاستعراض، وهذا أمر نادر في الوسط الذي يعمل فيه، حيث يرى البعض انه من الضروري إيجاد صورة لافتة، سواء بارتداء نظارات سوداء ضخمة طوال الوقت، أو ارتداء ازياء بوهيمية أو أزياء "داندية"، وما شابهها من مستلزمات المهنة وضرورياتها.

واختار في المقابل العمل الدؤوب بصمت، وكان من الطبيعي ان تنعكس شخصيته الهادئة والواقعية على إبداعاته، التي تبتعد عن الصرعات ومحاولات لفت الانتباه الصادمة، وهو ما يعلق عليه قائلا: "أنا لست من المصممين الذين يعتقدون بطرح تنورات للرجل، مثلا، لأني لا اعتقد أن المصمم يحتاج إلى شيء جذري كهذا لكي يغير طريقة تعامل الرجل مع الموضة".

ويتابع: «الموضة ليست ثورة بل تطور طبيعي..وسواء اطلقت عليها اسم موضة أو أسماء اخرى، فإن المهم هو الاسلوب الخاص بدءا من طريقة عقد ربطة العنق إلى العطر مرورا باختيار الكبك».

حتى خطه "برورسم" الراقي يتنفس هذه الروح، لأن الترف، حسب رأيه: "يجب ان يغري ويلهم وأن يقدم شيئا لا يتوفر في حياتنا اليومية، لكنه يجب ان يكون واقعيا.

أنا اشعر بأننا نعيش في وقت يسمح لنا بأن نحقق كل الأحلام، سواء كانت مادية أو معنوية، وبالتالي أشعر بالتحدي عندما اقدم جديدا يغذي هذا الحلم ويشبعه، وإن كان الترف، بمعناه الحقيقي، هو شيء لا نحتاجه بالضرورة بقدر ما نريده ونحلم بتجربته".

مما لا شك فيه أن كريستوفر كان هدية من السماء لـ"بيربيري" التي تحولت ماركتها المسجلة "الكاروهات"، في فترة من الفترات، إلى نقمة عليها، نظرا لإقبال حديثي النعمة ومشاغبي كرة القدم عليها، مما جعل الطبقات الأخرى تخاف من إيحاءاتها السلبية وتبتعد عن كل ما يمت لها بصلة من قريب أو بعيد.

عندما التحق بها كريستوفر كان التحدي امامه كبيرا، إذ كان عليه ان يخلصها من سلبيات التصقت بها لعدة سنوات، وفي الوقت ذاته أن يحملها إلى القرن الواحد والعشرين وإلى مصاف كبريات دور الأزياء العالمية الراقية.

كان التحدي كبيرا، لكنه كان أهلا له، وأذهل الجميع بما حققه من نجاح في وقت قياسي، ليس في مجال الأزياء النسائية التي تخصص فيها من قبل، بل حتى في مجال الأزياء الرجالية الذي كان جديدا عليه.

والطريف في الأمر ان كريستوفر لم يكن يحلم بان يكون مصمما في سنوات الدراسة، بل دخل المجال صدفة. فقد كان يريد ان يكون مهندسا، لكن أستاذه للفنون، شجعه على الالتحاق بجامعة "ديوزبري" لدراسة الفنون، وهناك تعرف على الموضة ووقع في حبها مما شجعه على التخصص فيها.

أثناء دراسته كان عليه ان يعيل نفسه كأي طالب لا يمتلك إمكانات عالية، فعمل في محل لبيع فساتين الزفاف، حيث كان يحضر القهوة والشاي للزبونات، وينقل السلع ويساعد في تثبيت الدبابيس عندما تحضر العرائس لقياس فساتينهن.

كانت هذه التجربة مهمة في حياته، لأنها كما يقول ساعدته على فهم التأثير النفسي للأزياء وما تثيره من أحاسيس عند ارتدائها، فضلا عن كيفية تعامل كل واحد منا مع جسده.

وكان لهذه التجربة الفضل في تشكيل إحساسه بجسد المرأة واحتياجاتها، الأمر غير المسبوق بالنسبة لأي مصمم بريطاني قبله، مما يفسر جمعه الأنثوي المثير بالمريح والواقعي العملي.

وعند التخرج، زارت المصممة الأميركية دونا كاران المعهد الملكي (روايال كوليدج) وسرعان ما انتبهت إلى إمكاناته، فلم تتردد في ان تعرض عليه العمل معها في نيويورك.

وهكذا من سنة 1994 إلى 1996 كان هو المصمم الفني للجانب النسائي في معملها، قبل ان يخطفه منها توم فورد.

كان هذا الأخير في أوج قوته ويعيش شهر العسل مع "غوتشي" التي منحها قبلة الحياة بعد ركود شديد تعرضت له وكاد يفلسها.

وربما تكون هذه الفترة هي التي علمت كريستوفر الإجراءات اللازمة لتجاوز المحن، وساعدته على إنعاش دار "بيربيري" عندما التحق بها.

بيد ان طريقته جاءت مختلفة تماما عن طريقة توم فورد. فبينما كان هذا الأخير يعتمد الأسلوب الصادم إلى حد ما والمفعم بالأنوثة المثيرة، كان كريستوفر أكثر هدوءا ولا يميل إلى الاستعراض او لفت الانتباه بقدر ما يميل إلى الرومانسية الواقعية.

بعد سنوات مع "غوتشي"، شعر كريستوفر انه وصل إلى نهاية الطريق، وأن الوقت قد حان لكي يأخذ فترة راحة من العمل، فاستقال منها، على أمل ان يستجم لفترة من الزمن يشحذ فيها طاقته ويفكر في ما يريد ان يفعله مستقبلا، لكن أمله في الراحة لم يدم طويلا، لأنه بعد اسبوعين فقط من تقديمه الاستقالة، تلقى عرض حياته كمصمم فني لدار "بيربيري" العريقة.

كان العرض مغريا والتحدي أكثر إغراء، فقد كانت الدار "بمثابة ماسة رائعة ظلت مدفونة لسنوات، وكل ما كان علينا ان نفعله هو ان ننفض عنها التراب وان نصقلها لتظهر وجوهها المتعددة والجميلة".

المثير في قصة نجاح دار "بيربيري" التي اصبحت مرتبطة إلى حد كبير باسم بايلي، انها في الوقت الذي بدأت فيه بعض بيوت الأزياء توجه الأنظار إلى الأزياء "السبور" التي تخاطب شرائح اكبر، لم تغير استراتيجيتها بالتركيز على خطها "برورسم" الذي يعرض في اسبوع ميلانو منذ سنوات، ويعرف نجاحا كبيرا سواء تعلق الأمر بالجانب الرجالي أو الجانب النسائي.

ويعتبر هذا الخط نخبوي مقارنة بـ"بيربيري لندن" وغيره من الخطوط التي تطرحها الدار.

والسبب يعود إلى ان الدار التي حققت أرباحا قدرت في شهر مارس الماضي ب995.4 مليون جنيه استرليني، تسمح لها إمكاناتها ان تركز على التطور والتطوير، رغم سحابة الأزمة الاقتصادية التي تخيم على الأجواء العالمية عموما، معتمدة على وجود طبقات لن تتأثر بالأزمة ولن يوقفها الركود على البحث عن الجديد والمميز، وهذا بالذات ما تلعب عليه الدار ومصممها، الذي يرفض ان يشتت فكره.

فالمهم بالنسبة له كما يقول "أن لا اتوقف على التقدم إلى الأمام وأن لا أحيد عن رؤيتي الواضحة.

طبعا علي ان أفهم حساسية الوضع الحالي، وآخذه في عين الاعتبار، لكن هذا لا يعني التوقف عن التطور والابتكار.

وهناك امل كبير في الأسواق الجديدة التي تقدر الترف وتساعد على استمراره وانتعاشه".

ترجمته لحساسية الوضع، ترجمه في تشكيلات الخريف والشتاء الحاليين والربيع والصيف المقبلين، من خلال أزياء هادئة تشوبها مسحة كآبة تجلت في الألوان الداكنة أو الدرجات المطفية، لكنها كآبة اقرب إلى الرومانسية منها إلى الاكتئاب السوداوي، لأن المشاعر كانت هي المحرك فيها وليس الجانب التجاري، خصوصا فيما يتعلق بتشكيلة الصيف المقبل التي كانت مستوحاة من حديقة بريطانية في نعومتها وألوانها المطفية إلى حد ما.

طبعا لم تغب النقوشات المربعة التي اشتهرت بها الدار، بل فقط تم التعامل معها بطريقة حديثة وبنظرة مستقبلية، كما هو الحال بالنسبة للمعطف الممطر وغيره من القطع الأيقونية، التي تشتهر بها الدار.