الآباء .. والتصدي لمحاولات الانتحار لدى المراهقين

لم يعد الانتحار مجرد حادث نادر الوقوع أو يخص فئة معينة أو عمراً معيناً، عانى صاحبه من حياة طويلة مليئة بالأزمات، بل أصبح ظاهرة تستدعي الاهتمام خاصة في أوساط المراهقين والأطفال. وقد صنف مركز مراقبة الأمراض والوقاية منها CDCP بالولايات المتحدة، الانتحار كثاني أهم سبب للوفاة بين الأفراد من عمر 5 وحتى عمر 18 عاما، بعد أن كان في المركز الثالث.


وعلى الرغم من الجهود المبذولة بالفعل في مكافحة محاولات الانتحار والحفاظ على الصحة النفسية للمراهقين فإن الأعداد لا تزال كبيرة ومزعجة، وتمثل مصدر قلق للجهات الصحية في العالم كله، وهو الأمر الذي جعل الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال AAP تصدر توصيات جديدة في شهر فبراير (شباط) الماضي للتعامل مع الاكتئاب في الأطفال بداية من عمر العاشرة.

علامات الإنذار
أوضحت المنظمة الأميركية لمنع الانتحار American Foundation for Suicide Prevention أن خطر الانتحار لم يعد قاصرا على عرق معين. وفى عام 2016 كانت النسبة الأكبر للانتحار من المراهقين البيض بمعدل 15 لكل 100 ألف مراهق.

وجاء في المركز الثاني الأطفال من أصول الهنود الحمر وسكان ألاسكا الأصليين. وفى السنوات الخمس الماضية أصبحت هناك زيادة كبيرة في أعداد المراهقين الذين يقدمون على الانتحار من أصول أفريقية خاصة الذكور، وهو الأمر الذي يعنى أن جميع الأعراق أصبحت مهددة بخطر الانتحار كنتيجة لسوء الحالة النفسية للطفل والمراهق؟ وأشارت المنظمة إلى أن الأسباب في ارتفاع حالات الانتحار غير واضحة تماما وبالتالي يجب أن يكون هناك عملية مسح حتى للأطفال الذين يتحلون بمظهر طبيعي.

ونصحت المنظمة الآباء بضرورة أن يكونوا على دراية بعوامل الخطورة المؤدية للانتحار وملاحظة هؤلاء الأطفال بعناية مثل الأطفال الذين تعرضوا لصدمات نفسية كبيرة مثل الاعتداء الجسدي أو الجنسي أو فقدان شخص عزيز لديهم وكذلك الذين لديهم تاريخ عائلي للانتحار حيث إن العامل الجيني يلعب دورا كبيرا في إمكانية الإقدام على المحاولة.

كما يتعين على الآباء أيضا عدم إغفال العلامات المنذرة بالخطر مثل كلام المراهق عن الانتحار أو عدم جدوى الحياة أو أنها عبء كبير ويستحسن التخلص منه، وكذلك إذا تبين أن الطفل أو المراهق يبحث عن وسائل الانتحار على الإنترنت أو انضم إلى مجموعات تشجع على الانتحار وتعتبره تصرفا شجاعا وقرارا صائبا لحل المشكلات النفسية.

وأشارت المنظمة إلى أن الآباء يجب عليهم أن يخبروا المراهق بدعمهم له والتعامل بجدية مع آلامه ومشكلاته وتشجيعه على الذهاب للطبيب النفسي. ويجب على الآباء تعلم الاستماع لأطفالهم وعدم السخرية من أحزانهم وكذلك عدم التضخيم من الأخطاء حتى لو كانت كبيرة بالفعل، خاصة في لحظات الضعف النفسي.

ويجب أيضا أن يكونوا على دراية بالرسائل الصامتة التي قد تبدو بعيدة عن الاكتئاب مثل إدمان الهواتف الذكية طوال الوقت أو القيادة بسرعات كبيرة أو تراجع الأداء الدراسي بشكل واضح أو الإقبال على الطعام وزيادة الوزن بشكل كبير.

اكتئاب المراهقين
لفتت المنظمة النظر إلى أن الاكتئاب في المراهقين قد يأخذ شكلا مختلفا عن البالغين ويبدو على المراهق القلق والتوتر أكثر من الحزن والإحباط ويصبح سريع الغضب كما يمكن أن يشكو المراهق من آلام جسدية غير مفسرة بمعنى الشكوى الدائمة من آلام في العضلات، والشعور بتكسير الجسم دون بذل مجهود بدني عنيف أو حوادث.

والحال نفسه يتكرر مع الصداع أو آلام المعدة خاصة إذا لم يظهر الفحص الطبي أي علامات على وجود مرض معين، وفى الأغلب فإن هذه الآلام لا تتحسن بالعلاج الطبي؟ وأيضا يكون المراهق شديد الحساسية للنقد حيث إنه يعانى من النظرة المتدنية للذات بالفعل خاصة بالنسبة للطلاب المتفوقين.

وخلافا للبالغين الذين ينعزلون عن مجتمعهم بالكامل في فترات الاكتئاب يحتفظ المراهق بالقليل من الصداقات ولكن يبدأ في الانسحاب من كثير من التجمعات ويبتعد عن الوالدين.

وأشارت المنظمة إلى أن الكثير من الآباء يختلط عليهم الأمر بين التغيرات النفسية العادية والتي تصاحب فترة المراهقة growing pains ويمر بها الجميع، وبين الاكتئاب الذي يمكن أن يؤدى إلى الانتحار.

وأوضحت أن المقياس هو: لأي مدى يكون تغير المراهق عن طبيعته المتعارف عليها؟ وأيضا لأي مدة؟ أي بمعنى أن التغيرات الهرمونية والنفسية في الأغلب تستغرق وقتا قصيرا وعلى فترات متقطعة وأيضا لأي مدة تكون حدة هذه التغيرات وانعكاسها على الكثير من جوانب حياته الدراسية والاجتماعية والنفسية.

وحذرت المنظمة من ضرورة الملاحظة الدقيقة للكلمات التي يرددها المراهق عن التخلص من الذات على سبيل المزاح وضرورة التعامل معها بمنتهى الجدية، خاصة إذا كان المراهق بدأ في تعاطي الكحوليات أو العقاقير المخدرة.

وشددت المنظمة على ضرورة أن يقوم الآباء بدور الصديق أكثر من دور المعلم بمعنى أن يكون الاستماع أكثر من النصح وتجنب النقد والدعم غير المشروط وأيضا نصحت بعدم التوقف عن محاولات الكلام مع الأبناء حتى لو رفض الأبناء في البداية.

وعلى الآباء عدم اليأس والمحاولة الدائمة على شرط أن يتم ذلك بلطف ومن خلال الحب وليس الإجبار على الحديث وكذلك يجب على الآباء الثقة في حاستهم كأمهات وآباء، بمعنى إذا شعرت الأم أن هناك تغيراً حدث لابنها أو ابنتها المراهقين حتى إذا اخبرهم الأبناء أن كل شيء على ما يرام، أن تسعى لإدخال طرف ثالث في العلاقة يكون مقربا للمراهق مثل أحد الأصدقاء أو الأقارب المفضلين لدى المراهق حتى لا تتفاقم الأمور.