أداما كاي .. مصممة من سيراليون تشق طريقها للعالمية

أبواب الغرب كانت مفتوحة لها لكنها فضلت العودة إلى مسقط رأسها لتنسج أحلامها
أبواب الغرب كانت مفتوحة لها لكنها فضلت العودة إلى مسقط رأسها لتنسج أحلامها

درست أداما كاي في نفس معهد الموضة الذي تخرج فيه مارك جايكوبس ودونا كاران، وكان بإمكانها ان تعيش بسهولة إما في باريس أو لندن أو نيويورك، لكنها فضلت العودة إلى سيراليون لتساهم في بناء بلدها لإضفاء بعض الجمال عليه وتساعد على مداواته حتى تندمل جراحه بعد حروب دامية دامت سنوات.


وهكذا في مدينة فريتاون، عاصمة سيراليون، افتتحت محلا لا يزال يثير فضول الساكنة كل يوم. تتوقف أمامه النساء اللاتي يحملن القمح على رؤوسهن، والأطفال الذين يبيعون الفول، يحدقون في ذلك التمثال الذي يرتدي ثوبًا ضيقًا من اللون الأزرق ويقف في واجهة متجرها.

الوضع هنا ليس مترفا، ولا تزال الموضة فيه مفهوما جديدا، بل وغريبا، إلا ان ابنة الخامسة والعشرين ترى ان مستقبلها هنا، فقد تنازلت، برضا خاطر، عن ترف الغرب وسهولة العيش فيه، واختارت العودة إلى جذورها لترسم هذا المستقبل وتحقق أحلامها. يقع متجرها بين مطبعة ومكتب صحيفة في وسط مدينة فريتاون كثيرة التلال. وهو آخر مكان تتوقع أن يوجد به محل أزياء، لكنها كانت تود أن تغير «ظلمة الماضي بلمسة جمالية».

وتشير كاي التي ولدت في نيوجرسي: «رغم أنه كان لدي الكثير من الفرص هناك، إلا أنني أقوم بما هو أكبر هنا، فبنفس الطريقة التي اصبحت فيها أزياء رالف لوران مرادفا لأميركا، وشانيل لفرنسا وفرساتشي لإيطاليا أود أن تصبح أساتشوبي مرادفا للموضة الأفريقية» وأساتشوبي هو اسم ماركتها الخاصة..

قد يظن البعض أن أحلام كاي ضرب من الخيال، فالواقع يشير إلى أن سيراليون أقل دول العالم نمواً حسب تقارير الأمم المتحدة، وأنها خرجت من حرب أهلية استمرت منذ عام 1992 حتى 2001، تلك الحرب التي صدمت العالم بصور أطفالها وهم مخدرون ويعملون كجنود، ثم وهم يقطعون أطراف الفلاحين بمناجل ضخمة. وتشير التقديرات إلى أن 30 إلى 50% من العمالة الماهرة في سيراليون قد فرت خارج البلاد جراء تلك الحرب التي راح ضحيتها 50.000 قتيل. لكن شيئاً فشيئاً عاد أولئك النازحون، ليعكسوا اتجاها شهدته القارة الأفريقية بعودة أبنائها المغتربين لاستغلال الفرص الاقتصادية التي تشهد نموًا مطردًا.

وتضيف كاي التي بدأت مشروعها في فريتاون في شهر يناير (كانون ثاني) الماضي: «لقد تخليت عن الكثير من أجل عودتي إلى هنا. وعلى الرغم من اشتياقي للندن وباريس إلا أن المكان هنا مهم جدًا بالنسبة لي، فذلك هو عملي الخاص، وتلك هي حياتي بحق».

تعد سيراليون واحدة من أفقر دول العالم، لكن رئيسها إرنست باي كوروما ذكر في مارس (آذار) أن المستثمرين الأجانب يظهرون ثقة كبيرة في الاقتصاد السيراليوني، وأن المستعمرة البريطانية السابقة يمكن أن تتحول إلى مقصد استثماري كبير في غرب أفريقيا، لا سيما وأنها تتمتع بشاطئ عذري، ومقومات زراعية كبيرة، ومناجم للأحجار الكريمة من الماس، وخام الحديد وأكبر احتياطي في العالم من خام التيتانيوم.

كما يتوقع أن ينمو الاقتصاد هذا العام بمعدل 7% بعد أن تراوح العام الماضي ما بين 6.5 إلى 7%، لكن بالرغم من ذلك النمو لا يزال ما يقرب من 57% من سكان سيراليون يعيشون بأقل من دولار يومياً.

ومعظم أهل سيراليون الذي يعيشون في الخارج والذين تتراوح أعدادهم ما بين 750.000 إلى مليون شخص، تقدر تحويلاتهم الخارجية التي تصل إلى البلاد بنحو 250 مليون دولار في العام.

وتشير التقديرات إلى أن ما يقرب من 50.000 مواطن قد عادوا منذ انتهاء الحرب الأهلية إليها حاملين معهم الخبرات والمهارات التي تحتاجها سيراليون، بالرغم من أن الأجور التي سيتقاضونها لا يمكن مقارنتها بما كانوا يتقاضونه وهم بالخارج.

قد تكون العودة إلى الوطن أمرًا شاقًا بحق، فسكان فريتاون الذين عادوا يطلق عليهم باللغة المحلية لقب: الوافدون حديثا. والعديد من السكان يشعرون أنهم الذين خاضوا تجربة الحرب وعانوا من ويلاتها، وليس أولئك الذين عاشوا في بلاد المهجر، ومن ثم فهم الأحق بالوظائف.

لكن توجه كاي إلى الموضة وإلى العمل الحر، يحميها نوعا ما من هذه المشاعر، وإن كان لا مهرب منها. وهي تشغل اليوم في معملها ما بين 3 إلى 12 خياطا ممن يطلق عليهم الوافدون الجدد، يقومون بتسيير دفة العمل. وتقول كاي عن ردود الفعل التي واجهتها عند عودتها: «إنهم يرون ذلك في وجهك، فوجهك يكون نابضاً بالحياة، ويعلمون ذلك في لهجتك.

ربما أكون مضطرة للعيش هنا خمس سنوات على الأقل حتى يتقبلني الناس». أما بالنسبة لأسلوبها، فهو يتسم بالجرأة، حيث تستخدم الألوان الخضراء والبرتقالية والأصفر والوردي المتأثرة بالتصميمات الحديثة. وتصطبغ أيضا بالرسوم الأفريقية المتأثرة باللمسات العصرية. تقول: «أشعر بأن هذه التصميمات كما لو كانت مسجونة بداخلي وتنتظر فقط الفرصة لكي تنطلق إلى مدى بعيد. إنني أفريقية وهذا وحده تعبير خاص. إنها تلك الفكرة التي تضعها في تصميمك: وهي أننا نرتدي زهو الملابس».

وتبلغ تكلفة ملابس كاي ما بين 30 إلى 100 دولار للقطعة الواحدة. وهو مبلغ يعد طائلاً بالنسبة لدولة تبلغ فيها حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 216 دولارا في العام. وفي متجرها الذي يدعى أيضًا أساتشوبي ديزاينز، يقوم مواطنو الطبقة الوسطى من أهل سيراليون والمغتربين بمشاهدة الملابس المعلقة على أرفف خشبية تحيط بها أكوام من مجلات الأزياء العالمية ومن بينها طبعات من مجلة «فوغ» من جميع أنحاء العالم، وتضيف كاي: «أعتقد أن ما أقوم به هنا أمر عادي كمن يأتي إلى هنا ليفتتح مدرسة أو مستشفى: وأنا أعلم أن ذلك يثري بلدي».

ولم تفصح كاي عن حجم المبلغ الذي استثمرته في المشروع أو تقدم أي تفاصيل عن أرباحها، فيما عدا أنها قالت إنها لم تجن أرباحًا حتى الآن، لكن لديها الكثير من الخطط، إذ تنوي تصدير ملابسها إلى الولايات المتحدة في العام المقبل، كما أن لديها بعض المنافذ المحتملة للتصدير وتأمل في أن تفتتح عددًا من المتاجر في غرب أفريقيا. وتتابع: «ربما أخسر من المال أكثر مما أربح الآن، لكنني أرغب في بيع الملابس بالجملة، فالسوق في سيراليون صغير جدًا ومن يملكون المال هنا يميلون إلى إنفاقه في الخارج، لكن الربح سيأتي وأنا على يقين من أنني سأكون سيدة ثرية في يوم من الأيام».