رغم الأزمات المالية العالمية .. زبائن المطاعم هم الرابحون

تقوم بعض المطاعم  بتخفيض أسعارها في سبيل استقطاب أكبر عدد ممكن من الرواد فى ظل الأزمة الأقتصادية
تقوم بعض المطاعم بتخفيض أسعارها في سبيل استقطاب أكبر عدد ممكن من الرواد فى ظل الأزمة الأقتصادية

أصاب الركود الاقتصادي المطاعم التي باتت تخاف من المستقبل وما قد تخفيه لها الأيام. وعليه فقد بدأت المطاعم المختلفة في تغيير سياساتها وأصبحت تستعمل بنبرة عذبة في محاولات لجذب الرواد وهذه طرق لم تكن تقوم بها هذه المطاعم قبل ستة أو سبعة أشهر.


كانت تلك المطاعم في الماضي تضج بكثرة الرواد حتى أنك نادرا ما تلقى معاملة جيدة بها. وإذا ما كنت قادرا على تحمل ثمن وجبة خارج المنزل الآن فستنعم بما يسميه ستيفن هانسون، صاحب أحد المطاعم، الذي أغلق في الآونة الأخيرة اثنين من مطاعمه في مانهاتن من بينها مطعم فياما، (عناق حار).

وقال هانسون لنظرائه من أصحاب المطاعم في اجتماع عقد في مانهاتن الشهر الماضي، «نظرا للتوقعات بإحجام المستهلكين، والتوقعات بأن عام 2009 سيكون عاما بالغ الصعوبة فأعتقد أننا بحاجة إلى جذب رواد المطاعم». صدقوني، لقد بدأت مرحلة العناق.

لقد اختبرت التغير في المعاملة داخل المطاعم حيث أصبحت كلمة «مرحبا» التي أسمعها من موظفي الاستقبال أشبه بكلمة «حمدا لله».

شعرت بذلك على الهاتف، ففيما مضى لم يتمكن موظف الحجز من ترتيب طاولة لي في إحدى الليالي، ولكنه في هذه المرة ناشدني أن أحجز في يوم آخر أو أن أترك له رقم هاتفي كي يعيد الاتصال بي إذا ما خلت إحدى الطاولات.لم أكن بمفردي الذي لاحظ تلك الحالة.

فقالت لي جوان رابوبورت، مصممة المناسبات في مانهاتن تعيش في وست فيلادج واعتادت تناول وجباتها خارج المنزل، إنها شعرت بتغير منذ ستة أشهر.

 وأضافت رابوبورت في مزيج من الدهشة والارتياح، «طريقة التعامل التي اعتاد عدد من المطاعم انتهاجها لم تعد تتبع في الوقت الحالي، ذلك الشعور بالتعطف البارد «بأننا نمن عليك» لم أعد أواجهه على الإطلاق، وقد رأيت ذلك التغير مرات ومرات عديدة».

وقالت، «في سيفرز يقومون بالتأكد مرتين وثلاثا من أن طاولتها لا يعوزها شيء، ويعود المديرون إلى طاولتها مرات عدة للتأكد من أن كل شيء على ما يرام».

وفي الوقت الحالي، لا يحظى سوى عدد قليل من المطاعم في نيويورك بامتلاء طاولته بالرواد كل ليلة، ولذا نجد أن الكثير من الطاولات خالية، وتشير الإحصاءات التي قامت بها شركة «تكنوميك»، المتخصصة في الاستشارات والأبحاث، التي تتخذ من شيكاغو مقرا لها، إلى أن عائدات العشاء الجيد يمكن أن تنخفض بنسبة 12 إلى 15 في المائة في عام 2009. قد لا يبدو ذلك أمرا مفاجئا، لكن يقول أصحاب المطاعم بالنسبة للكثير من المطاعم يعد ذلك الأمر تحولا من الربح إلى الخسارة.

وقال ألفريد بورتالو، الطاهي وأحد مالكي مطعم جوثان بار آند جريل، إن عائدات مطعمه انخفضت بنسبة 15 في المائة منذ عام، مضيفا أن «شهر يناير(كانون الثاني) من العام الجاري يعد الأسوأ في حياتي».

سألته إذا ما كان المطعم يحقق أرباحا، أجاب بعد بضع ثوان من التردد، بصوت هادئ، «أتمنى ذلك، نعم، وسوف نحقق ربحا، ولكن صغير».

وأشار فابيو تراباكوني الطاهي في مطعم فياما بصورة أكثر كآبة خلال محادثة تلفونية أجريت معه أخيرا إلى أن بعض المطاعم التي لديها نفس الأسعار المرتفعة ومعايير الجودة العالية مثل فياما وجوثام تشهد تراجعا يصل إلى 40 في المائة.

ينتابك إحساس بذلك وأنت تسعى إلى حجز إحدى الموائد، ففي الوقت الذي يمكن أن يكون فيه الدخول إلى أحد المطاعم التي يرتادها العامة أمرا غير محبب للنفس كما كان دائما، فإن الدخول إلى الأماكن الأخرى لم يعد بتلك الصورة بالغة الصعوبة كما كان.

وقال نيكو كانر، المستشار الإداري الذي يعيش في تشيلسي، «أنا من عشاق شانتريلا، ومن الممكن الآن اللحاق بطاولة حتى دون ترتيب مسبق وهو أمر لم يكن ممكنا قبل تسعة أشهر».

وقال كانر في المحادثة الهاتفية التي أجريتها معه الأربعاء الماضي أنه بدأ بتصفح موقع أوبن تابل، وهو موقع حجز على الإنترنت ووجد أن العديد من المطاعم الشهيرة، من بينها شانتريلا، يمكن أن تستقبل زوجين في وقت المساء في الساعة 7:30 مساء.

بعد حوالي ساعتين من محادثتنا الهاتفية حاولت تجربة أوبن تابل، وحاولت البحث في المنطقة المحيطة بـ(يونيون سكوير) عن طاولة لأربعة أشخاص في الساعة الثامنة وقد وجدت العديد من الخيارات من بينها جوثام وإيرفينج ميل و15 إيست.

بحثت في تريبيكا أيضا، فوجدت أن بإمكاني الحصول على مكان يناسب أربعة أفراد في ذلك الوقت في العديد من المطاعم من بينها شانتريلا وذا هاريسون وماي هاوس وماتسوغن.

 ثم اتصلت بعد ذلك بكارين والتاك، ‘إحدى ملاك شانتريلا، والتي قالت إنها لم تشعر بعدم الاستقرار بالقدر الذي تشعر به الآن منذ ثلاثين عاما عندما افتتح زوجها المطعم.

وقالت مشيرة إلى نفسها وأصحاب المطاعم الآخرين، «هناك طبيعة غامضة في كل شيء تجعلك لا تشعر بأنك تقف على أرض صلبة، وجميعنا نتلفت حولنا قائلين، ما الذي يجري هنا؟ وما الذي يمكننا أن نفعله كي نحسن من الموقف بالنسبة لنا ولعملائنا».

لم ينضم مطعم شانتريلا إلى قائمة المطاعم التي قدمت قوائم تفضيلية أو خفض أسعار لأنه كما تقول والتاك، يحصل على هامش ربح بسيط ولذا حاول الحفاظ على الأسعار ثابتة.

إلا أن أعدادا كبيرة من المطاعم طرحت العديد من العروض الخاصة بدرجة دفعت اثنين من أبرز المواقع على شبكة الانترنت المعنية بالمطاعم داخل المدينة، وهما إيتر وغرب ستريت، اللذين تملكهما مجلة «نيويورك»، إلى ابتكار عبارات جريئة وأبواب جديدة بها لاقتفاء أثر هذه العروض.

 فعلى سبيل المثال، تظهر بصورة شبه يومية في «أيتر» ما يقرب من ستة عناصر جديدة تحت عنوان «ديل فيد» (عروض الطعام)، علاوة على طرح الموقع ما أطلق عليه «خريطة للعروض الخاصة خلال فترة الركود».

 أما غرب ستريت فقد استخدم شعار «الركود صديقك» للإشارة إلى عروض التخفيضات التي تتنامى يوما بعد آخر. وداخل مطعم دبليو دي ـ 50، أحد المطاعم البارزة على مستوى المدينة، الكائن بمنطقة لور إيست سايد، حال حصولك على وجبة من قائمة التذوق بقيمة 140 دولار يصبح بإمكانك الحصول على أي زجاجة نبيذ فاخر من المجموعة الممتازة التي يقتنيها المطعم مقابل نصف السعر.

يذكر أن هذا العرض بدأ في ديسمبر (كانون الأول)، وكان من المفترض في بداية الأمر أن يستمر لثلاثة أشهر.

لكن الآن تم تمديده لأجل غير مسمى. ويمكنك أن تجد خصومات على النبيذ أو إلغاء لرسوم البزل (رسوم يتقاضاها صاحب المطعم مقابل كل زجاجة نبيذ يشتريها من الخارج ويقدمها لعملائه) أو قوائم تضم زجاجات نبيذ أقل تكلفة في مطعمي ألتو ومودرن في وسط المدينة، وفي تريبيكا في كاسبوتو فريريس وغرينويتش فيليدج في بيري ستريت، الذي يملكه جان جورجز فونغيرشتين.

ويبدي فونغيرشتين، الذي دائما ما تطرح المطاعم التي يملكها خصومات وقت الغذاء، حماسا خاصا هذه الأيام، ففي أكتوبر (تشرين الأول)، طرح مطعمه في بيري ستريت خيار شراء وجبة عشاء تتكون من ثلاثة أطباق مقابل 35 دولارا وذلك خلال الفترة التي تشهد بطئا في حركة الإقبال على المطعم بين 5.30 و6.30 مساء، و9.30 و11.00 مساء.

وفي ديل بوستو، وهو مطعم في تشيلسي يمتلكه ماريو باتالي وليديا بستيانتشى وجوزيف باستيانتشى، تم تخفيض سعر وجبة تتكون من 20 طبقا الشهر الماضي من 250 دولارا إلى 175 دولارا، كما تم تخفيض سعر وجبة تتكون من تسعة أطباق من 175 دولارا إلى 125 دولارا.

وأخيرا بدأ مطعم دانيال في تقديم عرض خاص للأفراد الذين يقومون بالحجز ما بين الساعة 5:30 مساء و6:30 مساء من يوم الاثنين حتى يوم الخميس، حيث يقدم لمن يقوم بالحجز أولا وجبة تتكون من ثلاثة أطباق ومعها نبيذ مقابل 98 دولارا، مقارنة بسعرها فيما مضى الذي كان يبلغ 105 دولارات.

وهذا الوضع ينطبق أيضا على أفخر مطاعم العاصمة البريطانية لندن وأغلاها ثمنا، فقبل حوالي تسعة اشهر كان من شبه المستحيل الحصول على حجز في واحد من تلك المطاعم من بينها مطعم مايز لصحابه الطاهي العالمي غوردن رامزي أو مطعم فيفتين لصاحبه الطاهي جايمي اوليفر، وفي بعض الأحيان كان يتعين على المرء القيام بالحجز قبل فترة تصل إلى 6 أشهر ، إنما اليوم وفي ظل الأزمة الائتمانية والاقتصاد المتوتر في بريطانيا، تقوم المطاعم ومن دون استثناء بتخفيض أسعارها في سبيل استقطاب أكبر عدد ممكن من الرواد ، كما تقوم عدة مطاعم بعروضات خاصة لجذب الزوار الذين تراجع عددهم بواقع 70 في المائة، بحيث أصبح كثيرون يفضلون الأكل في المنازل عوضا عن تكبد عناء التنقل ودفع مبالغ طائلة لقاء تناول العشاء في أحد مطاعم العاصمة.