دور الأزياء العالمية تحول ثقافة الشارع والفوضى إلى موضة

لجأت بيوت الأزياء تزويج الموضة بالفن والتعاون مع فنانين لطرح فساتين أو حقائب تبدو وكأنها لوحات متحركة أو محمولة
لجأت بيوت الأزياء تزويج الموضة بالفن والتعاون مع فنانين لطرح فساتين أو حقائب تبدو وكأنها لوحات متحركة أو محمولة

أينما صوبت عينيك حاليا تجد أن كبريات بيوت الأزياء والإكسسوارات بدأت تتظلل بالفن للارتقاء باسمها عاليا في سوق المنتجات المترفة.


 فقد ولت الموضة الاستعراضية التي انتعشت في الثمانينيات من القرن الماضي، وكان الهدف منها إبراز مظاهر الثراء والجاه من خلال البريق اللافت، وحل محلها الآن الاستعراض الفني لإفشال أي مقاومة منا من جهة، ولتبرير أسعارها النارية من جهة ثانية.

وقد يشكك البعض في نية بيوت الأزياء على أساس أن هذا التوجه، ما هو إلا خدعة سيكولوجية تريد أن توهمنا بأننا نشتري قطعة فنية تاريخية، لكن الحقيقة أنها فعلا كذلك.

فقد تفننت هذه البيوت، ومنذ فترة، في ابتكار الطرق لإغراء المستهلك لدخول محلاتها الفخمة وصرف مبالغ عالية لقاء إكسسوار ما، لكن بعد ارتفاع سقف هذه الأسعار واحتدام وطيس المنافسة، كان لا بد من اللجوء إلى تزويج الموضة بالفن والتعاون مع فنانين لطرح فساتين أو حقائب تبدو وكأنها لوحات متحركة أو محمولة.

في عام 2006، مثلا وعندما افتتحت دار «لوي فيتون» الفرنسية أكبر محلاتها في جادة الشانزليزيه الباريسية، خصصت الطابق العلوي لمعرض أطلقت عليه «ألفابيت كونسيبت» للفنانة والمصورة النيويوركية فانيسا بيكروفت.

وفي نفس العام، تعاونت الدار مع فنانين آخرين، منهم المعمارية زها حديد، ليبدعوا حقائب يد عرضت في نفس المساحة.

 لكن ليس كل الزواجات الفنية بين لوي فيتون والفنانين هادئة، فبعضها الآخر صاخب إلى حد يثير في نفسك الدهشة ويصدمك للوهلة الأولى.

 فكيف لدار عريقة مثل لوي فيتون، أو بالأحرى مديرها الفني، مارك جايكوبس، أن يتعامل مع فنانين لا يقلون جنونا عنه، والسماح لهم بوضع خربشاتهم على علامة الدار، التي تلخص عراقتها واسمها؟.

لكن في كل مرة، كان مارك يؤكد أنه سابق لأوانه بتفكيره، ويعرف السوق أكثر من السوق نفسها، والدليل أنه ما أن تخف الصدمة وتمر لحظات الاستغراب، حتى يبدأ الإعجاب والهوس.

الإعجاب بنظرة هذا المصمم الفنان المستقبلية، والهوس للحصول على واحدة من هذه القطع، وما علينا إلا أن نتذكر تلك التي كانت ثمرة تعاون الدار مع جولي فيرهوفن، أو تاكاشي موراكامي أو ستيفن سبراوتس أو ريتشارد برينس.

 ولأن لكل إبداع قصة، فإن قصة ولادة التعاون مع ستيفن سبراوس مثيرة جدا. بدأت عندما عيّن مارك جايكوبس كمدير فني لدار «لوي فيتون»، كان عليه أن يجد مسكنا خاصا به في باريس، وبالفعل زار شقة في شارع «دي باك» القريب من متحف اللوفر وسانت ميشال، كانت تستأجرها شارلوت غاينسبورغ، ابنة المغني الفرنسي المعروف سيرج غاينسبورغ.

خلال هذه الزيارة وقعت عيناه على حقيبة من «لوي فيتون» مطلية باللون الأسود، وملقاة بإهمال في أحد أركان غرفة النوم. بعد السؤال، أوضحت شارلوت أن والدها هو المسؤول عن هذه «الهمجية» فهو الذي طلاها باللون الأسود.

كان الأمر بالنسبة لمارك جايكوبس مثيرا بكل ما فيه من عداء وفوضوية، لأنه ذكره بأحد الأعمال المفضلة لديه: لوحة L.H.O.O.Q للفنان مارسيل ديشون، التي قام فيها برسم شارب علي وجه الموناليزا. أوحى الأمر للمصمم الشاب بتناول شيء رمزي ومهيب وتجديده، ولو بتحريفه.

اتصل المصمم بالفنان ستيفن سبراوس، وطلب منه القدوم إلى باريس فورا. وتجدر الإشارة هنا إلى أن سبراوس كان مصمما معروفا في نيويورك في الثمانينات من القرن الماضي، وكان مشهورا بمزجه الأزياء الراقية بالأزياء المستوحاة من ثقافة الشوارع، قبل أن ينتقل إلى فن الرسم.

ثمرة هذا التعاون تجلت في تشكيلة لوي فيتون لربيع وصيف 2001، حيث خرجت العارضات إلي منصة العرض حاملات حقائب تغطيها خربشات من الغرافيتي وكتابات لشعارات ورسومات الزهرة الرقمية.

لم تمر بضعة أسابيع على العرض، حتى نفدت حقائب مجموعة Graffiti من كافة المحلات، وتحولت بين ليلة وضحاها إلى قطعة تهفو إليها نفوس هواة جمع الأعمال الفنية.

وأكد مارك جايكوبس أن الفن، قد يكون عنوان التمرد على الجدران والأنفاق، لكنه يتحول إلى عنوان الأناقة والجمال في الأزياء والإكسسوارات.

توفي سبراوس في عام 2004 بعد معاناة مع سرطان الرئة، وكان من الممكن أن تنساه أوساط الموضة رغم أنه قدم لها الكثير في الثمانينات، إلا أن أعماله مع دار «لوي فيتون» تجعله حيا بالنسبة لمحبي الموضة، لا سيما وأن مارك جايكوبس مصر على إحياء ذكراه بين موسم وآخر.

فبعد وفاته، قدم له جايكوبس تحية من خلال استخدامه لنقش جلد الفهد، الذي تم ابتكاره خلال فترة التعاون بينهما على الرغم من عدم استخدام هذا النقش سابقا. كان ذلك ضمن مجموعة خريف/ شتاء 2006 ـ 2007، حيث برز هذا النقش على الفساتين والجاكيتات، والأوشحة والحقائب.

وفي لحظة، غدا هذا التصميم الجريء تصميما كلاسيكيا، يعرف بتصميم ستيفن سبراوتس، وأخيرا وليس آخرا جاءت هذه الإكسسوارات التي تحمل صورة الزهرة الرقمية، سواء على الأحذية أو حقائب اليد، وتعرف إقبالا كبيرا من قبل النجمات من مثيلات مادونا، وأيضا محبات اقتناء التحف والقطع المحدودة.

ستيفن سبراوس 1953 - 2004
سطح نجم الفنان ومصمم الأزياء ستيفن سبراوس في أوائل الثمانينيات كمصمم أزياء، مزج الطابع الراقي والشعبي بحس فني عالي، مبدعا بذلك اتجاها جديدا في عالم الموضة.

ورغم موهبته الفذة إلا أن فشله في التخفيف من رؤيته وشطحاته الفنية أثر على نجاحه على الصعيد التجاري.

وعلى الرغم من فوزه بجائزة CFDA المرموقة عن فئة أفضل مصمم صاعد عام 1984، انطوت مسيرته المهنية على سلسلة من النكسات.

بدأ بتصميم الأزياء وعمره لا يتعدى الـ 9 سنوات، وعندما بلغ 12 عاما أخذه والده إلى مدينة نيويورك ليلتقي بعضا من أبرز المصممين في المدينة كان من بينهم بيل بلاس، الذي عمل لديه كمساعد متدرّب في سن 14.

 التحق فيما بعد بمدرسة «رود آيلاند للتصميم» إلا أنه تركها بعد بضعة أشهر ليبدأ مسيرته المهنية في نيويورك.

وسرعان ما عرض عليه عمل كمساعد أول للمصمم هالستون حين كان هذا الأخير في أوج شهرته.

في عام 1983 قدم سبراوس مجموعة صغيرة بتوقيعه، تميزت بالألوان الصاخبة، والتصاميم المستوحاة من حقبة الستينيات تزينها النقوش والشعارات ومن عالم موسيقى الروك.

وكانت لوحاته السوداء على خلاف كل ما كان موجود سابقا، حيث كانت مكسية بالكامل بالبَرَقْ اللامع ومشغولة بأقمشة منسوجة بتقنية عالية ومثبتة بمشابك «فيلكرو» اللاصقة، وقد تبدت من بين ثناياها دقة التفصيل وإتقان الخياطة.

وفي العام ذاته، فتح محله الخاص، وفي عام 1984 تتوجت جهوده بالفوز بجائزة CFDA المرموقة عن فئة أفضل مصمم صاعد.

لكن رغم حب الشارع والنقاد له، إلا أن النجاح التجاري لم يكن حليفه، إلى أن بدأ تعاونه مع مارك جايكوبس في عام 2001.

وهو العام الذي بيعت فيه كافة حقائب مجموعة «الغرافيتي» التي طرحتها «لوي فيتون» وغدت من الرموز المميزة في عصرنا.

ساعده هذا النجاح على أن يعود إلى ساحة الموضة مجددا، فعمل مع محلات «تارغيت» وطرح مجموعة من الجينز لشركة «ديزل» بالإضافة إلى تخصيصه حيزا كبيرا من وقته للرسم.

عانى في صمت من سرطان الرئة في سنواته الأخيرة، وتوفي في عام 2004 وهو في الخمسين من العمر، إثر إصابته بأزمة قلبية.