لماذا تعشق نساء العالم «شانيل»؟

أفلام وروايات تعزز الأسطورة .. ومنتجات تؤجج الرغبة فيها
أفلام وروايات تعزز الأسطورة .. ومنتجات تؤجج الرغبة فيها

حققت ثورة بتحريرها النساء من قيود الموضة، أثارت الكثير من من الجدل بمصادقتها النخبة من الأرستقراطيين الذين نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر دوق ويستمنستر، والفنانين أمثال جون كوكتو وبيكاسو، وجعلت اسمها أيقونيا يتحدى الزمن فاتحة بذلك على نفسها أبواب الإشاعات حول حياتها الشخصية وعلاقاتها وانتماءاتها وتصميماتها.


لكل هذه الأسباب كان من البديهي أن تصبح كوكو شانيل التي ولدت في عام 1883 وتوفيت في عام 1971 وحيدة من دون زوج أو أولاد، مادة خصبة للسينما والروايات الرومانسية.

والنتيجة فيلمان عن حياتها وعلاقاتها، كل واحد يحاول حل لغز حلم يدغدغ خيال كل أنيقة في العالم بأسره اسمه «شانيل»، لكنهما عوض ذلك يعملان على ترسيخه أكثر وأكثر.

فالحلم يتأجج كل يوم بداخلنا ويزيد من أسهم وجاذبية أي شيء تطرحه الدار في السوق، حتى وإن كان بالنسبة للعديدات بعيد المنال يقتصر على الصور في المجلات البراقة أو على أحمر شفاه أو قارورة عطر.

الفيلم الأول من بطولة أودري توتو بعنوان «كوكو قبل شانيل» ويتناول بداية مدموازيل كوكو وأيام الشباب، والثاني من بطولة أنا موغلاليس، ويتناول علاقتها بالموسيقار الروسي إيغور سترافينسكي، وهو الفيلم الذي عرض في ختام مهرجان «كان» مؤخرا.

بيد أن هناك فيلما ثالثا وهو الأهم بالنسبة للدار حاليا، تقوم ببطولته أودري توتو أيضا، ويخرجه جون بيير جونيه، الذي اشتغل معها في فيلم «أميلي».

ويعتبر الفيلم احتفالا بأشهر عطر في التاريخ إلى يومنا هذا، ألا وهو عطر «شانيل نمبر 5» الذي قالت عنه الراحلة مارلين مونرو إنه أهم ما تلبس قبل النوم. قصة الفيلم الذي سيصدر على مواقع الانترنت، في غاية الرومانسية والجمال، سواء من حيث الأمكنة التي صورت فيها أحداثه، أو من حيث الأزياء التي يلبسها أبطاله.

فيه نتابع البطلة، أودري، وهي تنتقل من باريس إلى اسطمبول بواسطة قطار الشرق السريع، وخلال الرحلة تلتقي شابا وسيما، يلعب دوره العارض الأميركي ترافيس دافنبورت، فيقع بينهما استلطاف تليه ولادة قصة عاطفية رقيقة.

ولأنها امرأة غامضة يصعب الحصول عليها، فإنها تختفي فجأة من حياته، ليجد العاشق المتيم نفسه في رحلة بحث عنها مستعينا بأنفه وبرائحة عطرها الخاص. المشاهد للفيلم القصير، يشعر أن الشخصية التي تتقمصها أودري توتو هي لامرأة غامضة تشبه الآنسة كوكو، التي اعتمدت على غموضها لتسوق نفسها ودارها، إلا أن المخرج جون بيير جونيه، كان يعرف أنه لا يصور شريطا سينمائيا بل حملة ترويجية، وبالتالي فإن مهمته هي تسليط الضوء على بطل مهم، هو العطر الشهير، لهذا لم يغفل التركيز عليه بكاميرته في لقطة تكون فيها أودري في سريرها تحلم بالشاب الوسيم الذي قابلته صدفة في القطار ودق له قلبها، وطوال هذه اللقطة، يطل علينا على خلفية الغرفة خيال قارورة العطر الأيقونية يتراقص ويتلوى بطريقة تجعلك تريدين مغادرة سريرك في منتصف الليل والتوجه إلى السوق بحثا عنه، أي العطر.

قد يتساءل البعض عن الغاية من هذه الأفلام التي باتت تتفنن فيها بيوت الأزياء وتستعين فيها بنجوم حائزين على جوائز الأوسكار ومخرجين يشار لهم بالبنان وتكلف الكثير بلا شك، في وقت تعاني منه العديد من المؤسسات من تبعات الأزمة المالية.

ففي حال دار «شانيل» سبق التعاون مع مخرج فيلم «لومولان روج» باز لوهرمان والنجمة نيكول كيدمان للترويج للعطر نفسه، بينما تعاونت دار ديور، التي طرحت هي الأخرى في شهر مايو فيلم «قضية اللايدي نوار» مع ماريون كوتيار والمخرج أوليفييه داهان، والاثنين شاركا في فيلم «لافي أون روز» التي تجسد قصة المغنية الفرنسية، إديث بياف، للترويج لحقيبة الدار الأيقونية «اللايدي دي»، والجواب عن السؤال قد يكون أن هذه البيوت، تريد استغلال الانترنت عوض الاكتفاء بالإعلانات على الأفيشات وصفحات المجلات وشاشات التلفزيون لمدة لا تستغرق سوى دقيقة.

فهذه الأفلام تمتد لعدة دقائق وتتوفر على كل عناصر الحبكة السينمائية المثيرة، فـ «قضية اللايدي نوار» مثلا تعتمد على التشويق والأحداث البوليسية، بينما يعتمد فيلم «نمبر 5» على الرومانسية المعاصرة.

كما لا ننسى أنه في وقت الأزمات المالية، يجب استغلال بنود العقد أكبر استغلال. فما دام وجه المُنتَج المُروج له نجم سينمائي، لم لا يُستغل فيما يتقنه جيدا وهو تجسيد أدوار تشد المستهلك وتخاطب حواسه وعقله على حد سواء، حتى وإن استدعى الأمر التعاون مع مخرج كبير.

وهذا ما أكد صوابه جون بيير جونيه، الذي درس تاريخ الدار وفهمه جيدا، لأن غموض توتو في فيلمه ما هو إلا انعكاس للغموض الذي تميزت به شخصية كوكو شانيل، والتي يعتبر عطرها، بالنسبة له جزءا من شخصيتها وتاريخها.

وربما تاريخ الدار ككل، إذا أخذنا بعين الاعتبار أنه كان أول عطر يطرح في التاريخ يحمل اسم مصمم، كما أنه أول عطر مكون من خلاصات الياسمين بالدرجة الأولى، عدا أنه لا يزال يحقق مبيعات قياسية. بعبارة أخرى، هو عطر أسطوري لدار أزياء أسطورية، تعتبر اليوم من أهم مؤسسات الموضة الفرنسية.

تعود بداية هذا النجاح إلى عام 1920 عندما التقت كوكو بخبير العطور، ارنست بو. كان هذا الأخير يمتلك مختبرا في منطقة «غراس» بجنوب فرنسا، فطلبت منه المصممة ابتكار عطر خاص بها لا يكون له مثيل، بحيث لا يكون ثقيلا ونفاذا، وأن يرتكز على الورود والأزهار في المقابل. وبالفعل حضر لها ارنست عشر عينات مختلفة، وقع اختيار كوكو على الخامس منها، وطبعا أطلقت عليه اسم «شانيل نمبر 5» رقم الحظ بالنسبة لها.

ماتت كوكو ولم تمت أسطورتها، فها هو المخضرم كارل لاغرفيلد، وبعد مرور عدة عقود، لا يزال يحافظ على الأسطورة ويغلفها بإبداعات تجمع بين العصرية الكلاسيكية بأسلوب باريسي لا يتقنه سواه.

فمنذ أسابيع قدم تشكيلة الدار الخاصة بـ «الكروز» في مدينة البندقية الإيطالية، قبل ذلك تفاجأ العالم الفني وأوساط الموضة بأن أعضاء فرقة الباليه العالمية «باليه روس» سيظهرون بأزياء من تشكيلة «الهوت كوتير» من التول ومزينة بزهرة الكاميليا، التي ارتبطت بـ«شانيل» لنتأكد بأن هناك حالة من الهوس بهذه الدار تزيد من موسم إلى آخر، مع العلم أنه ليس من المفروض أن نتفاجأ بهذا التعاون لسببين.

الأول أن كوكو شانيل تعاونت مع الفرقة في العشرينات من القرن الماضي، والثاني أن لاغرفيلد، ومنذ موسمين تقريبا، أعطانا إشارة إلى هذا التعاون، الذي ربما كان آنذاك مجرد أمنية أو فكرة تدور في خلده، بتنسيقه أزياء المساء والسهرة الطويلة مع أحذية «باليرينا» من دون كعب.

إطلالة كسرت المتعارف عليه لأن أزياء «الهوت كوتير» وأحذية السهرة ذات الكعوب العالية كانا دائما بالنسبة لنا وجهين لعملة واحدة، ولا يتجزآن، لكن التنسيق كان مدهشا، شد الأنفاس وزاد من الإحساس بأن روح «شانيل» لا تزال حاضرة تتحدى وتكسر المتعارف عليه.

ومن هنا يسهل فهم لماذا لا يزال إرثها يسكننا؟ فهو عوض أن يصيبنا بنوع من التخمة، خصوصا أننا نرى «اللوغو» الحامل لعلامتها يتوسع كل يوم، فإنه يبقى بعيد المنال يغمز لنا ويلاعبنا بأسلوب فرنسي محض.

الكاتب البريطاني، كريس غرينهالف، مؤلف قصة فيلم «كوكو شانيل وإيغور سترافينسكي» يضيف أيضا بأن السحر نابع مما يثيره الاسم بداخلنا، لا سيما أن المؤسسة امرأة جريئة وقوية، كما أن قصة حياتها تتوفر على كل عناصر السيندريلا المعاصرة.

فقد بدأت من الصفر، حيث تربت في دير للأيتام بعد موت والدتها وتخلي والدها عنها وأخواتها، ومع ذلك تسلقت السلم الاجتماعي بثقة وقوة، مكسرة التابوهات والقيود وغير عابئة بالمتعارف عليه آنذاك.

قصتها أيضا تتوفر على جانب تراجيدي مهم لنجاح أي فيلم، ويتمثل في أن معظم الرجال الذين أحبتهم أو ربطت علاقات معهم، كان مصيرهم إما الموت أو الزواج من غيرها، مثل دوق ويستمنستر، الذي تقول بعض القصص إن البروتوكول فرض عليه الزواج من أرستقراطية، فيما تقول قصص أخرى إنها هي التي رفضت الارتباط به لأنه طلب منها ترك عملها.

ورغم أن الحقيقة دفنت معها في عام 1971، فإن هذا لا ينفي أنها كانت مستقلة إلى أبعد الحدود تتمتع بنظرة مستقبلية لا نزال نلمسها في حياتنا اليومية وكل ما يحيط بنا. فهي التي جعلت قصة الشعر القصيرة إلى الكتف رائجة، وهي التي جعلت تسمير البشرة جذابا، وهي التي أعطتنا القلادات اللؤلؤية الكبيرة وجعلت الإكسسوارات غير الأصلية أنيقة.

ثم لا ننسى الفستان الأسود الناعم وبنطلونات الجيرسيه أو الصوف الخفيف، والقطع المنفصلة مثل الكنزة المزدوجة (توين سيت) التي أصبحت جزءا من خزاناتنا. خلاصة الأمر هي من جعلت البساطة والمظهر الهادئ عنوان الرقي في كل مكان وزمان.