ورق العنب .. طبق المقبلات الرئيسي عاي الموائد العربية

يمكن تحضير ورق العنب باللحمة او بدونها وتحضيره المضني لم يفقده قيمة حضوره على المائدة العربية
يمكن تحضير ورق العنب باللحمة او بدونها وتحضيره المضني لم يفقده قيمة حضوره على المائدة العربية

يحتل طبق ورق العنب صدارة المائدة اللبنانية، لا ينافسه منافس سواء زيّنها وسط مجموعة المقبلات بحلّة «ورق العنب بالزيت» او عندما يقدم طبقاً رئيسيا دسما أي «ورق عنب باللحم»، لكن في الحالتين تبقى صفة «المحشي» هي التي ترمز الى ميزة هذا الطبق مع اختلاف في مكوناته الداخلية، ورغم اشتراك لبنان مع بعض البلدان المجاورة بهذا النوع من الأطباق الا أن تناوله على مائدة المناطق الريفية اللبنانية والمدنية منها له مذاقه الخاص، والاختلاف ينسحب أيضا على التسمية بين هذه الدول التي تدخله ضمن لائحة موائدها، ففي فلسطين يسمى «الدوالي» وفي تركيا «يالنجي» وفي العراق وسوريا يطلق عليه تسمية «يبرق»، فيما يعتمد اليونانيون اسم «دولمة».


ارتباط اساس مكونات هذا النوع من الأطباق اللبنانية بأوراق العنب لا يعني حصرية تناوله في فصل الصيف، ذلك ان موسمه في لبنان يمتدّ طوال فصول السنة لأن تأمين مؤونته بات من الضرورات التي لا بدّ منها، اذ يتزاحم اللبنانيون للحصول على اكبر كمية ممكنة منه من المناطق الجبلية وحفظها خضراء في أوعية على طريقة المخلّل بعد قطفها ضمن شروط محدّدة وأهمها طراوة الورقة ثم رصفها في اوعية خاصة بشكل دقيق يسهّل في ما بعد عملية سلقها ثم لفّها.

كذلك فإن السباق يكون على اشدّه بين أبناء القرية الواحدة حيث تتجوّل النساء بين الكروم لـ «اصطياد» أكبر كمية ممكنة من ورق العنب الطري، او الطربون كما يطيب لهن ان يقلن، لا سيما أن الاختلاف قد يكون واضحا بين نوع ورق دالية وأخرى، لكن وقبل الوصول الى مرحلة الطبخ لا يفوّت اللبنانيون عليهم فرصة الاستفادة من ورق العنب الأخضر، اذ ان تناوله طازجا في نهاية فصل الربيع وبداية فصل الصيف بنكهته الحامضة، له خصوصيته مع التبولة التي يكثر تحضيرها في هذه الفترة وتشكّل عنوانا لدعوات «العصرونية» في القرى اللبنانية، حيث يحلو قطف ورق العنب من الكرم مباشرة لتؤكل بها التبولة وتشكلا معا مزيجا مميزا تميل نكهته الى الحموضة.

وفي حين يعتبر الجيل الجديد من ربات البيوت ان تميّز نكهة طبق ورق العنب المحشو «بالخضار أو باللحم» لا يضاهي الجهد الذي يبذل لإعداده، تصر أمهات الجيل القديم على ضرورة تحضيره لا سيما في المناسبات السعيدة وبكميات كبيرة، لذا بات تحضيره نادراً في المنازل مع تفضيل كل ما هو سهل التحضير، فأصبح قرار اعداده يحتاج الى تخطيط مسبق وتخصيص «يوم كامل له» ليكون مناسبة تتمكن الام من خلالها من دعوة أولادها وعائلاتهم للاجتماع على «شرف ورق العنب».

وفيما يتطلّب تحضيره المضني ساعات طويلة لا يستغرق التهامه بشهية سوى دقائق معدودة، أما عملية «لفّ ورق العنب» فتحتاج بدورها الى تقنية خاصة تعكس مدى حرفية السيدة اللبنانية في امتلاكها أسس الطبخ، وأكثر ما يظهر هذا الأمر في مواصفات الورقة الملفوفة، اذ كلّما كانت رقيقة ومتماسكة ومستقيمة عكست حرفية في الطبخ، وليس غريبا اذا عرفنا أن لفّ ورق العنب كان يدخل في لبنان ضمن الامتحان الذي تخضع له العروس من «حماتها» لتحكم على مدى حرفيتها في الطبخ، اذ أن النجاح في هذه المهمة الصعبة كان يعتبر دليلا دامغا يؤهّل العروس لدخول القفص الزوجي برضا الحماة، وقد تصبح هذه التقنية مثار احاديث واشادات، سواء لجهة المواصفات او لجهة السرعة في اعداد كميات كبيرة.

ويحكى ان احدى النساء كانت تضع ورقة العنب في يد وتلفها باليد الاخرى، في حين درجت العادة على وضعها فوق خشبة او في صحن ولفها باليدين الاثنتين.

 وصعوبة اعداد هذا الطبق لم تحل دون اقبال اللبنانيين عليه، لكنه خرج من دائرة الأطباق البيتية ليدخل ضمن لائحة الاطباق نصف الجاهزة التي تغزو المحلات التجارية أو تلك التي تتولى اعدادها السيّدات في منازلهن عند الطلب أو حتى الحصول عليه مثلّجا لا ينقصه الا الطبخ، وذلك من السوبر ماركت حيث يباع ملفوفا جاهزا، واذا ارتأت السيّدة اعداده بنفسها كذلك قد تجده في المحلات مخللا جاهزا لتتولى في ما بعد عملية اعداده.

قد يعتبر البعض ان طبق «ورق العنب بالزيت» أي ذلك الذي يحشى بالأرز والخضار، من البقدونس والبندورة والبصل الأخضر والنعنع المفرومة ناعما، لا يعدو كونه من المقبلات لا يمكن الاعتماد عليه في وجبة الغداء، لكن في الوقت عينه يعتمده البعض طبقا رئيسيا لا سيما عندما يزيّن بشرائح البطاطا والجزر والبصل وحبوب الفول الأخضر.

من جهة أخرى، هذا الاختلاف في النظرة الى «ورق العنب بالزيت» لا ينسحب على منافسه الدسم، هنا لا مجال للخلاف، فإن ادخال أي نوع من اللحوم كفيل بتحويله الى طبق رئيسي غني بالسعرات الحرارية، اذ انه الى جانب مكوّنات الحشوة التي ترتكز على الأرز واللحم المفروم ناعما، يتفنّن اللبنانيون في تحضير هذا الطبق، البعض يجمعه مع الكوسى المحشو، فيما البعض الآخر يفضّل تناوله مع شرائح لحم الغنم أو «الفوارغ المحشية»، أما من يفضّل الدجاج على اللحم فبإمكانه الحصول عليه مطبوخا مع شرائح الدجاج المسلوق ليؤكل ساخنا مع اللبن الزبادي.