الموضة .. عالم من الفانتازيا تحاول الأفلام وثائقية كشف غموضه

الموضة .. عالم من الفانتازيا والأحلام في أوقات الازدهار والركود، ومما لا يختلف عليه اثنان أن صناعة الموضة تعاني من تراجع كبير في مبيعاتها، الأمر الذي استدعى تخفيض الأسعار أحيانا وتقديم إغراءات أخرى مث
الموضة .. عالم من الفانتازيا والأحلام في أوقات الازدهار والركود، ومما لا يختلف عليه اثنان أن صناعة الموضة تعاني من تراجع كبير في مبيعاتها، الأمر الذي استدعى تخفيض الأسعار أحيانا وتقديم إغراءات أخرى مث

إنه موسم الموضة العالمية، الذي يمتد حوالي الشهر، ويتبارى فيه المصممون على طرح آخر إبداعاتهم من الشيفون والحرير والأورغنزا وغيرها، وعلى تحديد خطوط الأناقة حسبما ستكون عليه في المواسم المقبلة. موسم انطلق من نيويورك في الثامن من شهر سبتمبر قبل أن يستقر في لندن ومن ثم في ميلانو وأخيرا في باريس، في أجواء تتباين بين التفاؤل والتشاؤم.


فما لا يختلف عليه اثنان أن صناعة الموضة تعاني من تراجع كبير في مبيعاتها، الأمر الذي استدعى تخفيض الأسعار أحيانا وتقديم إغراءات أخرى مثل فتح المحلات الراقية على مدى 24 ساعة، ومقابلة المصمم شخصيا في هذه المحلات، كما هو الحال بالنسبة لفكرة «ليلة الموضة»، التي ابتدعتها أنا وينتور، رئيسة تحرير مجلة «فوج» للتشجيع على الشراء.

ومع كل مشاكلها ومعاناتها، فلا احد ينكر أنها لا تزال تدغدغ الأحلام والخيال وتشعل الاهتمام وتشغل البال، ليس فقط بالنسبة للفتيات الطامحات لدخول هذا العالم الساحر من باب عروض الأزياء أو ارتداء قطعة تحمل توقيع مصمم كبير، بل أيضا بالنسبة لصناع الأفلام والسينما.

فهؤلاء على ما يبدو مسهم أيضا شيء اسمه جنون الموضة، بدليل أنها أصبحت مادة خصبة لعدة أفلام صورت وعرضت في عام واحد، وحققت نجاحا جماهيريا يشجع على المزيد، على المستويين التجاري والفني.

ونحن لا نقصد «الشيطان يلبس برادا» والسلسلة التلفزيونية «أغلى بيتي» اللذين ينتميان إلى الأفلام المبنية على الخيال المستمد من الواقع، بل نقصد مجموعة جديدة من الأفلام الوثائقية، نذكر منها «فالنتينو: الإمبراطور الأخير» وفيلمين يتناولان السيرة الذاتية لكوكو شانيل، الأول بعنوان «كوكو قبل شانيل»، من بطولة أودري توتو، والثاني «كوكو شانيل وسترافينسكي» من بطولة أنا موغلاليس، وقد عرض هذا الأخير في مهرجان «كان» مؤخرا.

الكاتب البريطاني، كريس غرينهالف، مؤلف قصة فيلم «كوكو شانيل وإيغور سترافينسكي» برر اهتمامه هذا بأن قصة حياة المصممة تتوفر على كل عناصر السيندريلا المعاصرة.

فقد بدأت من الصفر، حيث تربت في دير للأيتام، لكنها نجحت في تسلق السلم الاجتماعي بثقة مكسرة التابوهات، إلى جانب هذه الأفلام، صدرت مؤخرا أيضا دراما تلفزيونية بعنوان «بيوتيفول لايف» (الحياة الجميلة) وسلسلة وثائقية «دي داي بيفور» (اليوم السابق).

وأخيرا وليس آخرا فيلم «عدد سبتمبر» من إخراج أر جيه كاتلر، الذي يثير ضجة كبيرة في أوساط الموضة حاليا، ويحقق نجاحا لم يكن أحد يتوقعه.

وإذا عرف السبب بطل العجب، فبطلته هي آنا وينتور، رئيسة تحرير مجلة «فوج» الأميركية، عرابة الموضة العالمية وأقوى امرأة في هذه الصناعة.

الفيلم يستغرق حوالي ساعة و28 دقيقة، ويدور حول إعداد واحد من أكبر الأعداد التي أصدرتها مجلة «فوج» الأميركية في تاريخها، ألا هو عدد سبتمبر 2007، الذي ظهرت على غلافه النجمة الشابة سيينا ميللر وكان عبارة عن 584 صفحة، 427 منها كانت صفحات إعلانية.

ففي ذلك الوقت كانت صناعة الموضة في أوجها رغم جنون الأسعار التي كانت تزيد موسما بعد آخر، كما أن رنين الدولارات لم يكن يتوقف في المحلات.

بعبارة أخرى لم تكن هناك أزمة مالية ولا انهيارات في البورصة، الأمر الذي انعكس على كل المبيعات بما فيها الإعلانات آنذاك، التي كانت تتسابق لتجد لها مكانا بارزا في مجلة «فوغ» الأميركية.

المثير في الفيلم انه ليست كل أحداثه تدور حول الموضة والأمور الخاصة بالنشر أو أسلوب العمل داخل اكبر وأهم مجلة موضة في العالم فحسب، بل إن جانبا كبيرا منه يستهدف تبديد الغموض الذي يحيط بآنا وينتور، المشهورة بصرامتها البالغة، الأمر الذي أكسبها لقب «المرأة الفولاذية» أحيانا و«المرأة الجليدية» أحيانا أخرى.

كما يدور حول الإبقاء على علامة تجارية نجحت وينتور بذكاء في تعزيزها منذ توليها منصبها على رأس فريق العمل التحريري بالمجلة عام 1988.

ما يحسب للمخرج آر. جيه. كتلر، أنه نجح في إظهار الجانب الإنساني في وينتور، رغم إثارتها لأعصاب فريق العمل المعاون لها، وخوفهم من ردود أفعالها، علاوة على ذلك، نجح في التقاط روحها المرحة، التي تظهر أحيانا عن دون قصد منها.

في الواقع، ينبع جزء كبير من متعة الفيلم من تلقائية وينتور، الباردة أحيانا والقاسية أحيانا أخرى، في تعاملها مع الآخرين وكأنها ملكة متوجة للموضة، تصدر أوامرها من حين لآخر بقطع رؤوس بعضهم أو رفع بعضهم الآخر إلى السماء.

المثير في هذا الفيلم أيضا ليس دورها الرئيسي فيه، بل خروجها عن صمتها وغموضها بظهورها في عدة برامج تلفزيونية للترويج له، مثل برنامج «ديفيد ليترمان».

ففي السابق جعلت وينتور من الغموض ماركتها المسجلة، باقتضابها في الكلام وبنظاراتها الشمسية السوداء التي تلبسها في معظم المناسبات، حتى لا تفضح عيونها ما يختلج بداخلها، وأكدت السنوات أن هذا الغموض هو السحر الذي سيرت به صناعة تقدر بـ300 مليار دولار أميركي عالميا.

المخرج كاتلر قال: «الكل يعرف أنا وينتور، لكن قليلين يعرفون أي شيء عنها» سوى ما يقرأونه وما استنتجوه من فيلم «الشيطان يلبس برادا» المبني على شخصيتها.

والحق أن وينتور أكدت من خلال هذا الفيلم أنها قائدة ممتازة، على صعيد العمل وعلى صعيد البقاء، فمنذ بضعة أشهر كانت هناك شائعات قوية بأنها بدأت تضعف وأن استبدالها برئيسة تحرير أكثر شبابا، أمر جد وارد.

ردة فعلها لم تكن تبديد هذه الشائعات بالمقابلات الإعلامية، بل عملت على ترسيخ أقدامها أكثر من خلال فيلم كانت تعرف انه إما أن يرفعها عاليا أو يسبب لها خسارة شخصية وعملية كبيرة.

لكنها لعبت الدور جيدا ونجح الفيلم ونجحت معه صورتها كأقوى امرأة في عالم الموضة.

ولا شك أن الفيلم سيحقق أرباحا لا يستهان بها، لا سيما أن هذه النوعية من الأفلام لها جمهور كبير، بدليل أن فيلم «فالنتينو: الإمبراطور الأخير»، الذي افتتح في صالات السينما في شهر مارس الماضي، حقق إيرادات تقدر بـ 1.8 مليار دولار، الأمر الذي يعتبر كبيرا بالنسبة لفيلم وثائقي.

وفي رأي مخرجه مات تيرانور، وهو كاتب في مجلة «فانيتي فير»، فإن سبب الإقبال على هذه النوعية من الأفلام، يعود إلى الأحوال الاقتصادية المزرية التي يمر بها العالم، التي تدفع الناس إلى الهروب إلى عالم فانتازي.

والموضة جزء لا يتجزأ من الفانتازيا، خصوصا بعد أن أصبحت من ثقافة الكون، إذ ليس غريبا أن نرى تلميذة في مدرسة تحمل حقيبة بتوقيع «برادا» أو «لوي فيتون» مثلا. وطريف أن تكون الموضة مهربا ومتنفسا في أوقات الازدهار الاقتصادي بالشراء، وأيضا هربا ومتنفسا في أوقات الركود بالفرجة.