كارل لاجرفيلد يقدم تشكيلة «شانيل» على خلفية من أكوام القش

اختيار كارل لاجرفيلد لحظيرة ريفية كخلفية لعرضه لم يكن هو المفاجأة الوحيدة التي أتحفنا بها، فقد أكد أنه أيضا مايسترو بارع عندما يتعلق الأمر بتوفير عنصر الترفيه
اختيار كارل لاجرفيلد لحظيرة ريفية كخلفية لعرضه لم يكن هو المفاجأة الوحيدة التي أتحفنا بها، فقد أكد أنه أيضا مايسترو بارع عندما يتعلق الأمر بتوفير عنصر الترفيه

رائعة، مدهشة، مبهرة، مرحة، أنيقة، وهلم جرا. كل قاموس كلمات الإعجاب لا يستطيع أن يعبر عما قدمته دار «شانيل» صباح يوم الثلاثاء في «لوجران باليه»، عرض لا يترك أدنى شك في أن هذا العام هو عام «شانيل» دون منازع سواء من حيث الترفيه بإقبال السينما على تصوير حياة مؤسستها في فيلمين، أو في زيادة الإقبال على منتجاتها.


العارضة الألمانية كلوديا شيفر، التي أصبحت وجها مألوفا في كل عروض الدار، صاحت بعد العرض وابتسامة عريضة مرسومة على محياها غير مبالية بالحشائش والقش الذي علق بملابسها، بأنها أجمل وأفضل تشكيلة شهدتها في حياتها، وهي محقة في كل كلمة قالتها، فقد كان فعلا عرسا حافلا بكل عناصر الترفيه والجمال.

فبعد أن تجاوز الحضور الحراسة المشددة ودخلوا قاعة العرض، فوجئوا بحظيرة منصوبة في الوسط تناثر حولها أكوام كبيرة من القش.

بعد صدمة المفاجأة الأولى، بدأ تبادل نظرات الاستغراب والتساؤل على المحيا، لأنه من الصعب تصور نوع العلاقة التي يمكن أن تربط الدار الفرنسية العريقة بأناقتها المعهودة بالريف، لكن ما إن بدأ العرض وبدأت العارضات يطللن علينا من الحظيرة حتى اكتشفنا أن هذه الخلفية وإيحاءاتها قد تكون مجرد رمز للعودة إلى الطبيعة وعلاقة الحب العفوية التي تربط بين القلوب دون تعقيدات.

الأزياء أيضا كانت تخلو من التعقيدات، وتميزت بأسلوبها المعهود، المتمثل في السهل الممتنع، أما الطبيعة فتمثلت في ورود الخشخاش التي رسمت على بعض الفساتين أو الجاكيتات المفصلة أو الإكسسوارات مثل صنادل على شكل قباقيب، وحقائب يد على شكل سلة مطرزة بالورد، وبعض التصميمات ذات الأكمام المنفوخة والدانتيل.

وباستثناء القباقيب التي يمكن أن تصبح موضة الموسمين القادمين لأن دار «سيلين» أيضا طرحتها، فإن كل شيء قدمه لاجرفيلد كان تحفة للعين ومتعة للقلب والعقل على حد سواء.

بعضها كان يستقي خطوطه من فساتين الملكة ماري انطوانيت في صباها، سواء حين كانت صبية تلهو وتحلم في بلدها الأصلي، النمسا، أو وهي في باريس.

وهذا ما ظهر واضحا في التصميمات القصيرة ذات التنورات المستديرة والمنفوخة، ومنها ما هو مستوحى من الفلاحات، لكن كانت هناك أيضا قطع متجددة من التويد وأخرى بألوان الدار المألوفة التي خاطب بها كارل شريحة الفتيات في المقام الأول.

ومن أجمل الفساتين التي قدمها في الجزء الأول من العرض، مجموعة صغيرة بالأبيض والأسود من الموسلين الشفاف، لعب فيها على ازدواجية الشفاف والسميك والقصير والطويل.

بمعنى أنها سميكة فوق الساق لتبدو كفستان قصير، لتنسدل فوقها طبقة خفيفة وطويلة تغطي الساق وكأنها ستار يغازل العين ويستفز الحواس، لكن دون ابتذال، بل العكس تماما، فهي تبدو بريئة في انطلاقها ولامبالاتها.

اختيار كارل لاجرفيلد لحظيرة ريفية كخلفية لعرضه لم يكن هو المفاجأة الوحيدة التي أتحفنا بها، فقد أكد أنه أيضا مايسترو بارع عندما يتعلق الأمر بتوفير عنصر الترفيه.

فبعد مرور دقائق على العرض وبعد مجموعة من الفساتين والقطع القصيرة، انشقت الأرض فجأة على طريقة المسارح الكبيرة، وظهرت خشبة بها موسيقيون وعارضتان ترقصان على أغنية ليلي آلن وهي تغني أغنيتها الشهيرة «ليس من العدل» (نوت فير).

المغنية ليلي آلن التي تعتبرها بنات جيلها محظوظة لاختيار المصمم لها كواحدة من الوجوه الممثلة للدار، أدت أغنيتها وهي تلبس فستانا يلمع بتوقيعه، يعيد الأمل للفتيات ذوات المقاييس العادية بأن هذه الأزياء ليست مخصصة للعارضات الفارهات الطول والنحيفات فقط.

المهم هو أن ظهور المغنية على الخشبة كان أيضا إيذانا بتغير نغمة العرض، حيث توالت فساتين سهرة حالمة بألوان هادئة، يمكن لعروس عصرية أن تلبسها وتتألق فيها بسهولة، خصوصا وأن بعضها كان يتوفر على قطع أقمشة شفافة أو من التول مشبوكة مع الفستان من الجانب أو الخلف، ويمكن أن تلف حول الصدر أو تترك وراء الظهر كذيل طويل يتطاير مع أي نسمة هواء أو حركة جسم.

في آخر العرض، وبأسلوبه المباشر قال لاجرفيلد: «أسمع أحاديث كثيرة عن المزارع العضوية والبيئة، وأنا مع كل هذه الأشياء، لكن يجب أن يكون هناك رقي وذوق، ويجب أن لا نستعمل هذه القضايا كحجة لترك الأمور تتراجع»، وهذا ما لا يمكن أن نتهم به المصمم إذا كانت هذه التشكيلة هي المقياس.

فهي من أجمل وأقوى التشكيلات التي قدمها لدار «شانيل» باحترامها إرث الدار لكن من دون أن تتشبث بقديمها مثل تايورات التويد على سبيل المثال، ليفتح لها صفحة جديدة في تاريخها، فمع الأزمة المالية، وتغير خريطة الشراء، كان لا بد أن يتوجه إلى شريحة من الشابات، وهذا ما كان.

أما إنجازه الكبير هنا، فهو تأكيده أن الدار يمكن أن تحول أي امرأة، مهما كان سنها وأسلوبها ومدى جمالها، إلى سندريللا، وما علينا إلا أن نتذكر ليلي آلن قبل شانيل وبعدها، وليس بعيدا من لوغران باليه لكن بعد أربع ساعات، كان الموعد مع دار «كلوي» في حدائق التويلريز.

كان الجو لا يزال ممطرا، لكنه كان أرحم بكثير من قاعة العرض التي كانت الحرارة فيها لا تطاق، وما زاد من الطين بلة أن العرض بدأ متأخرا بحوالي 45 دقيقة، لتتوالى مجموعة من الأزياء زادت من شعورنا بالحرارة والتوق إلى بعض الانتعاش.

بالنظر إليها كان من السهل أن ننسى أننا في أسبوع باريس للربيع والصيف وليس للخريف والشتاء، فقد كانت هناك الكثير من قطع الصوف على شكل معاطف و«بُنشات» وجاكيتات ضخمة، وحتى الألوان كانت شتوية بدءا من البني والبيج والأخضر الكاكي.

صحيح أن المصممة حنا ماجيبون أرسلت مجموعة من الفساتين الشفافة في آخر العرض إلا أنها لم تكن كافية لتمنحنا ذلك الإحساس بالانتعاش الذي كنا نتوق له داخل القاعة التي كانت تفتقد إلى أي تهوية.

لكن من الظلم أن ننفي وجود قطع أنيقة تحمل بصمات «كلوي» التي نحبها مثل الفساتين المنسدلة والخفيفة التي طبعتها بليسيهات رومانسية، وعلى ما يبدو فإن الرومانسية كانت مهمة بالنسبة للمصممة، حيث ظهرت أيضا في ماكياج العارضات الهادئ وتسريحات شعرهن المسترسلة بلا مبالاة.

تبرير المصممة ماجيبون لهذه التشكيلة الدافئة جدا، أن امرأة كلوي مغامرة بطبعها، وتسافر كثيرا بين القارات، وبالتالي تحتاج إلى خزانة تضم كل ما تحتاجه لتتعامل مع تغيرات الطقس وتقلباته أينما كانت، تبرير فيه وجهة نظر، بلا شك.