تقنيات علاج الأمراض النفسية جراحيًا .. تثير مزيدا من الجدل

تشير الصحيفة إلى أن هذا التدخل الجراحي هو عبارة عن نسخة مطورة ودقيقة من طريقة قديمة مثيرة للجدل، تُعرف بـ "الجراحة النفسية"، يتعامل فيها الأطباء بشكل مباشر مع المخ
تشير الصحيفة إلى أن هذا التدخل الجراحي هو عبارة عن نسخة مطورة ودقيقة من طريقة قديمة مثيرة للجدل، تُعرف بـ "الجراحة النفسية"، يتعامل فيها الأطباء بشكل مباشر مع المخ

لا تزال الامراض النفسية تثير جدلاً لجهة اعتماد الجراحة في علاجها، علمًا ان تلك الجراحة تشكل ثورة مستقبلية في تخفيف النوبات العصبية، اما التدخل الجراحي فهو عبارة عن نسخة مطورة ودقيقة من طريقة قديمة مثيرة للجدل، تُعرف بـالجراحة النفسية، يتعامل فيها الأطباء بشكل مباشر مع الدماغ.


وقد خضع ما يزيد عن 500 شخص في الأعوام العشرة الأخيرة تقريبًا لعملية جراحية في الدماغ من أجل معالجة مشكلات منها الاكتئاب والقلق ومعظمها  جاءت فيها النتائج مشجعة.

وحول الآمال والمخاطر التي تكتنف على نحو مثير للجدل واقع العمليات الجراحية التي تم استحداثها في العقود الأخيرة بغية إيجاد توفير الأجواء العلاجية الملائمة التي يمكنها أن تقي بعض الأشخاص من حمى الهواجس النفسية التي تؤرقهم وتنغص عليهم حياتهم بصورة لا تحتمل، تفرد صحيفة النيويورك تايمز الأميركية تقريرًا مطولا ً تتحدث فيه باستفاضة عن أحلام المعالجة العريضة التي بنيت على علم الأعصاب في نهاية القرن الماضي من منطلق أنها ستحدث ثورة كبرى في علاج المشكلات النفسية.

وتمضي الصحيفة لتؤكد على أن التطبيق الأول الحقيقي لعلوم المخ المتطورة ليس بذلك التطبيق الحديث أو المبتكر على الإطلاق، في إشارة منها إلى ذلك الأسلوب الجراحي الذي خضع له في السنوات الأخيرة رجل في منتصف العمر وشاب آخر مراهق، كان يعاني كليهما من مرض نفسي يُعرف بداء الوسواس القهري الحاد، حث كانا ينتابهما شعورًا غريبًا بعدم الارتياح في الخروج من المنزل، ( وهي الجراحة التي تتم بإحداث أربعة ثقوب صغيرة في حجم حبات الزبيب في أعماق الدماغ من الداخل ).

وقد تباينت النتائج، حيث قال الشاب الصغير إن ذلك التدخل الجراحي ساهم بشكل فاعل في إنقاذ حياته وبات من السهل عليه ممارسة شؤون حياته بصورة طبيعية، في حين أكد الرجل على أن الأسلوب ذاته لم يُحدِث معه أي فارق، حيث لازال من الصعب عليه مغادرة المنزل بسبب الهاجس الذي يسلبه القدرة على الاستحمام أو حتى غسل أسنانه.

وهنا تشير الصحيفة إلى أن هذا التدخل الجراحي هو عبارة عن نسخة مطورة ودقيقة من طريقة قديمة مثيرة للجدل، تُعرف بـ "الجراحة النفسية"، يتعامل فيها الأطباء بشكل مباشر مع المخ.

ولفتت الانتباه في الوقت ذاته أيضًا إلى أن ما يزيد عن 500 شخص خضعوا في الأعوام العشرة الأخيرة تقريبًا لعملية جراحية في المخ من أجل معالجة مشكلات منها الاكتئاب والقلق و متلازمة توريت وكذلك البدانة، وأن معظمها كان عبارة عن جزء من دراسات طبية.

وفي الوقت الذي جاءت فيه النتائج مشجعة، قامت وكالة الغذاء والدواء الأميركية FDA للمرة الأولى منذ الجدل الذي أحاط بجراحة فصوص المخ الأمامية في خمسينات القرن الماضي، بإعطاء مصادقتها على التقنيات الجراحية التي تستخدم في معالجة بعض حالات الوسواس القهري.

لكن الأمل غالبًا ما يأتي مصحوبًا بالمخاطر، فيقول بعض الأطباء النفسيين والمختصين بالأخلاقيات الطبية إنه وبالرغم من التقدم الذي تم تحقيقه في هذا الشأن، إلا أن الأطباء لازالوا يجهلون الكثير عن مناطق المخ التي يعبثون بها، فضلا ً عن أن التوقعات غير قابلة للتوقع: فقد يحدث تحسن لدى بعض الأشخاص، وربما يحدث بشكل محدود أو معدوم مع آخرين، وقد تسوء الحالة مع ذوي الحظ العاثر.

وهنا، تتطرق الصحيفة لمحور غاية في الأهمية، يتمثل في إقدام جراحين غير مدربين بالصورة الكافية على القيام بمثل هذه العمليات خاصة ً في ظل الإقبال المتزايد عليها، والخطير في الأمر هو أن ذلك يتم دون الخضوع لإشراف أو دعم من جانب المؤسسات البحثية.

وفي هذا السياق، تنقل الصحيفة عن بول روت ولب، اختصاصي الأخلاقيات الطبية في جامعة إيموري، قوله :" إن الحديث عن التقدم الذي تشهده تلك الجراحات هو أمر مبرر من جانب الأشخاص الذين يقومون بإجرائها.

فإذا كان هناك بالفعل ثمة أمور إيجابية، إذن فلماذا لا نهرول من أجل استغلالها في تخفيف الآلام التي يشعر بها المرضى".

وتقول دكتور دارين دوجيرتي، مدير شعبة العلاجات العصبية في مستشفى ماساتشوستس العام وأستاذ الطب النفسي المساعد في جامعة هارفارد الأميركية،إنه وبالنظر إلى تاريخ التقنيات العلاجية الفاشلة، مثل جراحة فصوص المخ الأمامية، فإن هذا الجهد إن كان يسير على نحو خاطئ، فإنه سيلغي تلك الطريقة لمائة سنة أخرى".    

ثم تتطرق الصحيفة بعد ذلك إلى تلك التقنيات الجراحية التي يمارسها بعض الأطباء في مراكز بحثية داخل وخارج الولايات المتحدة لمعالجة المرضى المصابين باكتئاب أو وسواس قهري، ومنها الموجود في هارفارد وجامعة تورنتو وكليفلاند كلينيك، حيث تجرى هناك مجموعة من التدابير الاختبارية التي توجه كل منها بوساطة تكنولوجيا التصوير ذات الدقة العالية.

وتشير الصحيفة إلى أن هناك أسلوبًا يعرف بالجراحة اللاسلكية، يتبع عادة ً في معالجة الوسواس القهري.

في حين توجد أخرى مختلفة تمامًا يطلق عليها التحفيز العميق للدماغ، تستخدم في معالجة الوسواس القهري وكذلك الاكتئاب الحاد.

وهناك طريقة ثالثة، يُدخِل فيها الأطباء المرضى في  جهاز مماثل لجهاز التصوير بالرنين المغناطيسي ثم يقوم بإرسال حزمة من الأشعة إلى الجمجمة.

وهناك كذلك الطريقة التي تُعرف بجراحة سكين غاما  gamma knife surgery.

وقد اعترف بعض الباحثين في غضون ذلك بجدوى إخضاع المرضى لأي من تلك الطرق من منطلق أنها قد تحدث فارقًا بين الحياة والموت لكثير من المرضى.

وفي هذا الإطار، قال أحد الباحثين إن 60 % ممن خضعوا إما لجراحة سكين أو التحفيز العميق للدماغ، أظهروا تحسنًا كبيرًا، بينما كان هناك تحسنا ضئيلا أو معدوما لدى النسبة المتبقية.

ومع هذا، فقد أظهرت المتابعات أن الأمور لا تسير على ما يرام لدى بعض المرضى، ويعود ذلك إلى عدم فهم الأطباء بصورة كاملة حتى الآن لكافة الأمور المتعلقة بمناطق المخ التي يستهدفونها أثناء العمليات.

لكن الصحيفة حرصت في الختام على ترسيخ جدوى تلك العمليات من منظور "فرصة الاستشفاء" التي تمنحها للمرضى الباحثين عن أي بارقة أمل.