العمل في عطلة الصيف .. بين الرفض والتأييد

العمل في عطلة الصيف .. استقلالية قد يرفضها الأهل ويتخوفون منها وتجربة تقود إلى حلم المشروع الأول
العمل في عطلة الصيف .. استقلالية قد يرفضها الأهل ويتخوفون منها وتجربة تقود إلى حلم المشروع الأول

عطلة الصيف، بين العمل والاسترخاء والاستجمام، قضية مهمة ترتبط بالكثير من المفاهيم التربوية والاجتماعية والنفسية، من حيث تأثيرها في التكوين الشخصي للأجيال المقبلة ونظرتهم إلى الحياة وكيفية تعاملهم معها.


 فعبر العمل يمكن للشباب التحلي بالمسؤولية وتذوق طعم الكفاح مبكرا، وفي حالة الاتكالية على المصروف تترسخ مشاعر الكسل والاستهانة بقيمة العمل والكسب، ومن ثم يصبح هناك طابور جاهز سلفا للانضمام إلى طوابير العاطلين عن العمل.

وغني عن القول ما ينجم عن ذلك من سلبية في التعاطي مع المجتمع، وقبل ذلك كله مع الوقت الذي يمثل رأس المال الحقيقي للشباب.

 قبل سنوات عديدة كانت فكرة عمل الشباب في العطلة الصيفية في اعتقاد كثير من الأسر العربية عارا على الأسرة وانتقاصا من دور الأب.

يتذكر رمزي، وهو أب مصري، حينما فاتح والده قبل ثلاثين عاما في رغبته بالعمل صيفا، كيف غضب الوالد واعتبر هذا الكلام اهانة له وتقليلا من قدرته على الإنفاق على الأسرة.

يتذكر رمزي ما قاله له والده آنذاك «عندما لا تجد طعامك وملبسك ومصروفك اليومي، يمكنك أن تخرج للعمل».

لكن رمزي المهندس في إحدى شركات الكهرباء، يشجع ابنه طالب المرحلة الثانوية على العمل في العطلة الصيفية، معتبرا أن المشكلة صارت مرتبطة اليوم بفكر الشباب أكثر من المعوقات الاجتماعية، حيث يضيف «في السابق لم يكن هناك شبكة انترنت ولا قنوات فضائية،

يرى أحمد زكريا (أب لثلاثة أبناء) أهمية العمل الصيفي لأولاده وانخراطهم في الحياة العملية مبكرا شريطة وضع طبيعة العمل في الاعتبار، حيث يقول «ابنتي في السنة الأولى من كلية الإعلام، وأنا مع فكرة أن تذهب للتدرب في إحدى الصحف، حتى لو كان ذلك من دون مقابل»، مضيفا أن مثل هذه الأمور تنفع كثيرا، حيث تكتسب ابنتي خبرة كبيرة تؤهلها للعمل فور التخرج، كما أن ذلك أفضل من إضاعة الوقت في ما لا يفيد في الجلوس أمام الانترنت أو مشاهدة المسلسلات المملة، فضلا عن أن ذلك سيكون في بيئة أفضل وأكثر أمانا من غيرها.

ويكمل زكريا أنه مر بذات التجربة مع ابنه الأكبر باسل الذي يدرس حاليا في السنة الثالثة بكلية الهندسة. فقد دفعه للتدرب في احد المكاتب الهندسية في العام الماضي.

 والنتيجة ان الابن أصبح في هذه العطلة يتقاضى أجرا نظير عمله. ويكمل زكريا:«لقد لاحظت عليه بداية الشعور بالمسؤولية .. لقد تغير بالفعل إلى الأفضل وأصبح مستقلا إلى حد كبير، ولم يعد بوسع أحد أن يقول عنه انه لا يزال فتى طائشا أو غير مسؤول».

شيرين (طالبة جامعية) ترفض مجرد الكلام عن فكرة العمل في الصيف، معتبرة ذلك استخفافا بمجهودها المضني في العام الدراسي المنصرم، إضافة إلى أنها لا تحتاج للمال، معتبرة أن من يخرج للعمل هو من يكون بحاجة إليه.

 وتضيف أن المذاكرة في حد ذاتها عمل ينمي الشعور بالمسؤولية ويحتاج لمثابرة وتركيز، فلماذا يجب قصر النجاح والمسؤولية على عمل ما بعد التخرج فقط؟.

فيما يرى هشام (طالب في كلية التجارة) ان البحث عن عمل في الصيف مسألة ليست بالسهولة التي يتحدث بها البعض قائلا:«أنظر إلى آلاف العاطلين من خريجي الجامعات وأنت تعرف أي صعوبة تنتظر من يبحث عن عمل، انهم لا يجدون عملا دائما، فكيف بمن يبحث عن عمل موسمي»؟.

ويدافع هشام عن جيله باعتبارهم ضحايا لنظم اجتماعية واقتصادية فاشلة تدفعهم إلى اليأس والإحباط والركون إلى تفريغ مشاعرهم المكبوتة في غرف الدردشة وتصفح الفيس بوك والجلوس أمام قنوات الأفلام.

ولا يختلف شباب المغرب كثيرا عن شباب مصر، سواء في رؤيتهم إلى العمل الصيفي أو في نظرتهم المحبطة إلى إيجاد فرصة، خصوصا أنه حتى عهد قريب كان العمل الصيفي بالنسبة للتلميذ أو الطالب غير مطروح.

فالاجازة الصيفية كانت تعني للأغلبية السفر والاسترخاء للتخلص من اعباء الدراسة، وعمل التلميذ أو الطالب في فترة العطلة، كان يعني ان الاسرة غير قادرة على تلبية مصاريفه.

 الامور تغيرت في السنوات الاخيرة، بفضل الانفتاح على العالم، ولم يعد «عيبا» ان ترسل الاسرة احد ابنائها للعمل في ورشة، او في متجر، خلال العطلة، كما لم يعد الامر متعلقا الى حد كبير بالوضع المادي.

فعمل الشاب في سن مبكرة يعلمه الاعتماد على النفس وتقدير قيمة المال الذي يحصل عليه، وإن اختلفت الآراء حول الموضوع وما زال هناك من يرفض الفكرة. محمد الرامي 21 عاما، الذي يعمل في ورشة والده لصنع الألمونيوم، بمقابل مادي بعد انتهاء العام الدراسي، يخصص أجره لشراء بعض الملابس كما يقول.

فالعمل في الورشة رغم انه متعب، إلا انه يشعره بالرضا عن النفس، لما يمنحه له من دخل مادي مستقل، يتصرف فيه بحرية عكس المصروف الذي يحصل عليه من والده، الذي لا يستطيع انفاقه كما يحلو له.

اما حمزة ناصر، 23 عاما، فيرى أن المشكلة تكمن في الآباء الذين لا يعودون ابناءهم على ذلك منذ الصغر، خوفا من ان يتركوا الدراسة، لذلك يجد بعض الطلاب صعوبة في تقبل فكرة العمل، لانهم تعودوا على الاتكال التام على آبائهم، حتى وان كان دخل الأب بسيطا.

في لبنان، تختلف النغمة بين الطلاب بعض الشيء، حيث تتردد كثيرا عبارات «الشغل مش عيب» و«الشغل للرجال» وغيرهما.

وهكذا ما ان تحل إجازة الصيف حتى يتجه الطلاب والطالبات للبحث عن عمل صيفي، ليستغلوا اوقاتهم في أعمال مفيدة، تضيف اليهم خبرة حياتية وتمكنهم من تحقيق بعض الأهداف عوضا من الجلوس في البيت والاكتفاء بمتابعة الفضائيات، او الخروج مع الرفاق للتسكع في الشوارع او الجلوس في المقاهي والملاهي.

تقول ليلى الطالبة في المرحلة الثانوية، انها قررت هذا الصيف العمل كمتطوعة في مركز لعلاج اطفال السرطان، إضافة الى تدريب الاطفال على العزف على الغيتار.

وتضيف:«اعتبر ان العمل التطوعي يكسبني خبرة في مجال انساني وحساس، فيما يمكنني تدريب العزف من الحصول على مصروف جيب، بحيث استطيع شراء الكتب وأقراص الاغاني المدمجة وكل ما ارغب فيه».

خالد الذي يدرس علم التغذية، قال: انه اتجه للعمل الصيفي في أحد المستشفيات ليزيد خبرته في مجال دراسته ويضيف معلومات تطبيقية ومهارات يحتاجها مستقبلاً.

وهو يجد العمل متعبا وممتعا في الوقت نفسه. «المشكلة ان الجميع يعاملني على اني مبتدئ وأرضى بأن يستغلوني ليرتاحوا على حسابي. لكني بعد ان تقاضيت راتبي الاول، شعرت بأن العمل يعطي الكثير.. كأني كبرت فجأة».

وهناك فئة أخرى من الشباب ترى ان العمل في الصيف فرصة لتحقيق حلم المشروع الأول في حياتهم. يقول الطالب مصطفى:«أعتقد ان العمل يتيح لي رأسمالا يكفي وما يزيد أدخره. ومن جهة أخرى اكسب الخبرة اللازمة ضمن تخصصي الذي أدرسه في الجامعة».

ويوافقه الرأي الطالب منير الذي يلخص الأمر بقوله:«ان الإنسان مثل حبة الزيتون ان لم تعصر لا تقطر زيتا».

لكن هذا النضج المبكر لا يسعى اليه الجميع. بعض الشباب يفضل «تقطيع الوقت».

فهم يعتبرون الاجازة حقا لهم يريدون الاستفادة منها ليستريحوا بعد فصل دراسي شاق.

أما من ناحية الأهل فتختلف وجهات النظر. فالمؤيد يرى العمل نوعا من أنواع تحمل المسؤولية ونسج علاقات اجتماعية يمكن أن تساعد فلذات الأكباد على تحمل المشاق في المستقبل، بغض النظر عن الحاجة المادية ومصروف الجيب الذي يتقاضاه الأولاد.

أما الرافض فيرى العمل الصيفي مضيعة، بحجة أنه قد يكون سببا لابتعاد الشاب عن التحصيل الدراسي بعد ان يتذوق متعة الكسب ويستطيع التصرف بماله كيفما يشاء ومن دون رقابة.

وتعليقا على الموضوع، تقول فاطمة الكتاني الاختصاصية النفسية والاجتماعية المغربية، انه في غياب احصاءات، في المغرب على الأقل، فإن الملاحظ هو ان الغالبية من الشباب او الطلاب لا يفكرون في العمل خلال الإجازات، حتى ان وجد سبب ملح للعمل مثل الاحتياج المادي.

فمعظمهم تربى للأسف على الاتكال المطلق على الأبوين، خصوصا خلال فترة التعليم، ويرى ان من واجب الاب الانفاق عليه، وإن كانت البطالة تفرض واقعا آخر على تفكير الشباب وتصيبهم بالاحباط. وتشير الكتاني إلى اختلاف النظرة السائدة عن العمل مقارنة بالغرب.

فالعمل ليس غاية في حد ذاته عندنا، بل مجرد وسيلة لكسب المال بالدرجة الاولى، بدليل غياب فكرة العمل التطوعي في مجتمعاتنا العربية بصفة عامة. فنحن نتكيف بسهولة مع الفراغ ونجد متعة في تضييع الوقت، واذا طلب منا القيام بعمل تطوعي، نتلكأ ونقدم مبررات للرفض لا حصر لها.

الحل برأيها تعويد الآباء لأبنائهم على تقبل فكرة العمل منذ الطفولة، مثل الاعتناء بحديقة المنزل، او المساعدة في اعادة صباغة جدران البيت، ثم بالتدريج حث الطفل او الشاب على الاهتمام بالمحيط الذي يسكن فيه، كاقتراح تنظيف الحي بشكل جماعي، وغرس الاشجار والنباتات، وهي امور بسيطة تزرع بداخل الشاب حب العمل، فلا يجد أي صعوبة في التأقلم مع أي مهمة في المستقبل مهما كانت طبيعتها.

المشكلة الأخرى التي تشير إليها الكتاني هي ان بعض الشباب يريدون عملا مفصلا على مقاسهم ويتلاءم مع أمزجتهم ولا يتطلب أي جهد يذكر، لأنهم تعودوا على الكسل وتبذير الوقت منذ الطفولة.

أما الاختصاصية النفسية اللبنانية الدكتورة ميرا طبارة، فتلقي الضوء على جانب آخر للظاهرة، بقولها ان المشكلة تكمن في عدم تقبل الأهل للفكرة اساسا: «فالأهل وبسبب تعلقهم وخوفهم على أبنائهم في هذا العمر الحساس، حيث يحدث الانتقال من المراهقة الى سن الشباب، ليسوا جاهزين لإعطائهم أي نوع من الاستقلالية.

والكسب المادي جزء من هذه الاستقلالية، ومن هنا يرفض الأهل هذه الفكرة. فالمال هو الشيء الوحيد الذي يعطيهم الإحساس بالسيطرة على أولادهم، والتحكم في تحركاتهم».

وتضيف:«وهذا يضر بالشاب كثيرا على المدى البعيد، وقد يولد لديه مشاكل نفسية».