صناعة المخرمات في فرنسا .. فن وحرفة

منذ العهد التي كانت فيه الصناعة مجرد فن بدائي، فإن صناع المخرمات المهرة، كانوا يعفون من كل عمل آخر من الأعمال الحقيرة. وقد ظلت نساء لوبي في إقليم اوفيرني الجبلي مدة 400 سنة، وهن بتفوقهن على غيرهن يصنعن المخرمات، في حين كانت أخواتهن وصديقاتهن الأقل براعة، يغسلن الملابس ويحلبن الماعز، ولما كانت المخرمات سلعة مترفة، فإن نجاح الصناعة، ظل يعتمد ليس فقط على مهارة صناعة المخرمات بل كذلك على الأزياء والأناقة في بلاط الملوك، وكان يتم اللصق على وسارة مربعة، بواسطة دبابيس تغرس خلال الثقوب. ويلف الخيط حول عنق ضيق عند أعلى المكوك - وهو وتد مصنوع من خشب أو معدن أو حجر- ويتطلب الأمر مكوكاً منفصلاً لكل خيط.


وفي القرن السادس عشر، قبل أن تصبح صناعة المخرمات صناعة قومية بوقت طويل، كانت النساء الفلاحات يصنعن " مخرمات المكوك " في بيوتهن، لزركشة غطاء الرأس التقليدي لديهن. وكانت هناك مراكز لصنع المخرمات في مقاطعة نورمانديا، وفي كاين، وبابيه، ودييب، والهافر، وفي لوبي مقاطعة اوفيرني، ولصناع المخرمات راع هو القديس سان فرنسوا ريجي، وهو قسيس من الجيزويت أنقذ أهل لوبي من الخراب عندما حرم البرلمان أو محكمة العدل في تولوز صناعة المخرمات. فتولى القس إقناع البرلمان، بإلغاء هذا المرسوم الصارم، كما أنه ضم إلى جهوده رعاية ومساعدة الجيزويت الأسبان لصناع المخرمات في إقليم اوفيرني.

 إن أنواع المخرمات الفرنسية مثل غرزة النسون، وغرزة ارجنتان، وفالنسيين، وشانتيلي، وهي نموذج لأشهرها، لها شهرة عالمية لما هي عليه من جمال ورقة ودقة. وكانت المدن الإيطالية ومدن الفلاندرز، بها مشاغل مزدهرة لصنع المخرمات في القرن الخامس عشر، ولم تصبح المخرمات " موضة " إلا في البلاط الفرنسي على عهد الملك هنري الثاني وزوجته الملكة كاترين دي مديتشي، في القرن السادس عشر.

 وفي عام 1530 رسمت للملك صورة وقد ارتدى طوق الرقبة المكشكش أو الراف المصنوع من المخرمات لإخفاء جرح. وقد شجعت الملكة مدارساً لصنع المخرمات، وابتكرت " موضة " لبس ياقات المخرمات.

 وقد قال بيير دي ليستوال، مؤرخ عهد الملك هنري الثالث، أن الرجال لابسي أطواق الرقبة، كانوا يذكرونه برأس يوحنا المعمدان، وهو ممتط فرسه لخوض المعركة. وقد لبست الملكة مارجو، ابنة كاترين دي مديتشي الجميلة، طوق رقبة بلغ من الضخامة حداً اضطرت معه إلى استخدام ملعقة طول مقبضها 60 سنتيمتراً، لكي تتمكن من شرب حسائها.

 وكانت أطوال المخرمات التي كانت تلزم لصنع هذه الأطواق، تشترى بثمن فاحش من البندقية، وجنوا، والفلاندرز.

 وقد صدر من الحكومة الفرنسية مرسوم بعد مرسوم، يمنع ارتداء المخرمات الأجنبية، ولكن هذه القوانين لم يكن من الممكن تطبيقها حرفياً، لأن المخرمات كانت تستخدم ببذخ لزركشة السترات، والقفازات، والصدرات، بل حتى الأحذية، وكذلك لزركشة ستائر الأسرة والمظلات.

 وكانت الطريقة الوحيدة المعقولة لمنع النبلاء ورجال الحاشية من إنفاق أموال باهظة على المخرمات الأجنبية، هي إنتاج مخرمات في فرنسا تضارعها في الجمال. لقد أدرك كولبير وزير مالية لويس الرابع عشر العظيم، هذه الحقيقة، وقرر العمل على تطوير وتشجيع صناعة المخرمات. فعمد أولاً إلى استخدام صناع المخرمات من البنادقة كمعلمين في البلدان الفرنسية التي تهيأت عندها تقاليد صناعة المخرمات.