النحاس .. استخدامه في فن الزخرفة لا يتقيد بأسلوب ديكور معين

النحاس له خصوصيته التاريخية ودخل العديد من مناحي الحياة بدءاً من أدوات المطبخ والضيافة إلى المرايا وتزيين الخشب
النحاس له خصوصيته التاريخية ودخل العديد من مناحي الحياة بدءاً من أدوات المطبخ والضيافة إلى المرايا وتزيين الخشب

لعب النحاس ـ ولا يزال ـ دورا مهما في الحضارة الإنسانية وحياة الإنسان، فعرفه قدماء المصريين، وصنعوا منه أسلحتهم، واستخدموه في نقوشهم الأثرية على جدران المعابد والقبور.


وفي العصر الإسلامي ذاع صيت النحاس، وأصبح لفن الزخرفة عليه مدارسه وفنانوه المميزون.

وهكذا دخل في تشكيل وتزيين الكثير من أبواب المساجد، كما زُينت به الآيات القرآنية الكريمة، ونُقشت زخارفه ورسومه على واجهات المتاحف والقصور.

وتحتفظ معظم المتاحف العالمية بقطع فنية نادرة من النحاس، مثل متحف المترو بوليتان بنيويورك، والذي يحتفظ بسلطانية من النحاس تعود إلى النصف الأول من القرن العاشر، وتعد واحدة من أهم مقتنياته.

ولأنه معدن صامد كانت أغلب احتياجات العروس وأوانيها حتى أوائل السبعينات من القرن الماضي تُصنَع منه، وقد أبدع الفنان المصري مشغولات نحاسية كأنها لوحات فنية تسر العين وتبهرها، على الرغم من أن أدواته لم تتعدَّ المطرقة والإزميل إلى وقت قريب.

وبحسب محمد رفعت (أحد مصممي ومصنعي «ديكورات وإكسسوارات النحاس» في منطقة ربع السلسلة بالحسين) فإن مهنة تشكيل وزخرفة النحاس كادت تنقرض لولا التطوير الذي لحق بها في الآونة الأخيرة.

فقد أصبح يصنع آليا ونصف آلي، والقليل منها فقط هو الذي يُصنع باليد، ويكون بمواصفات دقيقة على حسب طلب الزبون، لهذا يُعتبر من أغلى الأنواع. يأتي النحاس في المرتبة التالية للذهب والفضة من حيث السعر.

ويؤكد رفعت أن المصريين يحملون للنحاس محبة واعتزازا من نوع خاص، ويذكر أنه في فترة الخمسينات والستينات كانت أغلب الأسر الراقية تقوم بشراء جهاز بناتها من منطقة «النحَّاسين»، وكان عبارة عن «طشط كبير، وإناء لصب الماء للضيوف، وإبريق ماء، وموقد غاز صغير، وصوانٍ، وبعض أواني الطبخ».

وكانت النساء تتباهين بلمعة أوانيهن النحاسية، ويحرصن على تنظيفها بأنفسهن بين الحين والآخر، أو يستعنّ بمبيّض النحاس الذي كان يجوب الشوارع نهارا لأداء هذه الخدمة.

ويضيف رفعت أن «الكثير منا حصل على بعض هذه القطع من جدته كذكرى غالية، فيقوم بالاحتفاظ بها كديكور في منزله، ومن هذه القطع استقينا اليوم أغلب التصميمات. فقد احتفظنا بالقديم، وأضفنا إليه بعض التطويرات ليكون أداة للزينة لا للاستعمال.

فلا عجب أن نجد أدوات المطبخ مصنوعة بأحجام صغيرة وتتوسط طاولة الصالون أو حمامات نحاسية بالكامل. والسبب الآخر أيضا أنه لم يعد يقتصر على اللون الأحمر، بل تطور ليشمل الأصفر مثل الذهب وأحيانا يُطلى بالنيكل فيكون أبيض كالفضة.

كما أن بعض القطع زخرفت بطريقة (التكفيت)، وهى إحدى طرق الزخرفة للتحف النحاسية، تتلخص في أن تحفر الزخارف على سطح الآنية حفرا عميقا ثم يُملأ هذا الجزء بخيوط أو سلوك نحاسية مخلوطة مع معدن آخر، عادة يكون أغلى من النحاس ومختلفا عنه في اللون حتى يعطى شكلا أجمل، ويظهر الرسوم والزخارف بلون مختلف.

وهي طريقة دخلت مصر في العصر الفاطمي الذي شهد ازدهارا كبيرا في جميع الفنون».

ويشير رفعت إلى نوع آخر من التشكيل يُعتبر أقدمها، وهو وضع الصفيحة النحاسية على قالب خشبي حُفرت عليه الزخارف المطلوبة حفرا بارزا أو غائرا، حسب التصميم، ثم يدق عليها أو يضغط ضغطا شديدا على الصفيحة حتى تأخذ شكل الزخارف المحفورة على القالب، وهناك أيضا الترصيع بالأحجار الكريمة أو نصف الكريمة.

ولا يتوقف النحاس عند عصر معين أو نمط ديكور، فقد أصبح حاليا من أهم مفردات الموضة المنزلية لأن وجوده لا يتقيد مع نظام منزل دون الآخر.

وفي كل الحالات يضفي على البيت جوا من الخصوصية والدفء، بدليل أن العديد من الناس باتت تغير الحمام السيراميك ذا التصميم الحديث والراقي إلى آخَر شرقي بأطباق نحاسية وصنبور ماء له تصميم قديم، ينقلك في لمح البصر إلى عصر الملوك بكل ما يحتويه من فخامة وغموض وسحر.

وتتنوع التصميمات النحاسية لتواكب الاحتياجات المختلفة لكل بيت، فنجد المرايا ذات الإطارات النحاسية المزخرفة، والمباخر، وشوايات السفرة التي تنبعث منها رائحة الشواء طوال تناولك الطعام، أواني حفظ الزرع، وأدوات المكتب، وإطارات الصور، ووحدات الإضاءة والثُّرَيات، الأطباق المزخرفة بالآيات القرآنية، والمزهريات، والصواني وأباريق الشاي، والشمعدانات.

بل وهناك بعض القطع التي تصمم خصيصا حتى يطعَّم بها الأثاث الخشبي كغرف النوم أو الطعام. وتتنوع ألوان النحاس بين البني، والأحمر، والأصفر والذهبي، والأصفر المائل إلى الفضي، والنحاس المتأكسد.

وينصح محمد رفعت هواة اقتناء النحاس بالاعتناء به ليظل لامعا، لأنه إذا تُرك فريسة للغبار يتحول جماله إلى قبح.

ويشير إلى أنه:
ـ تتوفر في المحلات بعض المساحيق لتلميع الأنتيكات المعدنية تكون من نوعية جيدة حتى لا يتسبب في تآكل سطح الأواني، مع إمكانية فركها أيضا بقشر الليمون.

ـ بالنسبة إلى الأواني والقطع الكبيرة يمكن وضع ملعقة من الرمل الأصفر الناعم على قطعة من القطيفة أو ليفة وتُفرك برقة.

ـ بالنسبة إلى القطع الصغيرة والإطارات ذات النقوش الكثيرة فيمكن تلميعها باستعمال قطعة من القطيفة مبللة بكحولّ أبيض، متوافر في الصيدليات.

ـ لغرف الأثاث المطعَّمة بالنحاس، يمكن فك القطع إذا كانت مثبَّتة بمسامير وإعادة تركيبها بعد تلميعها حتى يكون التنظيف أسهل.