من أجل شراء بشرة بيضاء .. تزايد الإنفاق على منتجات تفتيح البشرة في الهند

تزايد الإنفاق على إعلانات منتجات تفتيح البشرة في التلفزيون الهندي بنسبة 30% في عام 2009
تزايد الإنفاق على إعلانات منتجات تفتيح البشرة في التلفزيون الهندي بنسبة 30% في عام 2009

يمكنك أن تطلق عليه الولع الهندي بالبشرة البيضاء؛ حيث إنك تجد حاليا إعلانات كريمات وغسول تفتيح البشرة في كل مكان؛ في محطات الأتوبيس؛ وعلى لوحات الإعلانات العملاقة؛ كما تجدها منتشرة في المجلات والمحطات التلفزيونية.

كما تتكدس كريمات وغسول تفتيح البشرة في المحال والمتاجر سواء محلية الصنع أو المستوردة؛ حيث توازي قيمة صناعة كريمات تفتيح البشرة عدة مليارات روبية في الهند.

لقد كان الناس في الهند مولعين بلون البشرة الفاتحة منذ عدة قرون. ويمكن رصد افتتان الهنود بالبشرة الفاتحة من خلال عروض وإعلانات الزواج التي تسعى دائما للحصول على عريس أو عروس «فاتحة البشرة».

ويعد لون البشرة من الصفات الأساسية في دولة يرتب فيها الأبوان في العديد من الحالات الزيجة. ويربط الهنود منذ زمن بعيد بين البشرة الفاتحة والانتماء إلى الطبقة الأرستقراطية.

وقد دخلت ماركة «فير آند لفلي» الرائدة في ذلك المجال في منافسة حادة مع المنتجات المنافسة من «لاكمي»، «إمامي»، «بوندز»، «غارنيير» و«نيفيا»، ولجأت مؤخرا بعض هذه الماركات إلى توسيع جبهتها من خلال إنتاج كريمات لتفتيح البشرة للرجال أيضا.

وذلك بالإضافة إلى الشركات المتخصصة في تقديم المنتجات «الطبيعية»، و«الأعشاب»، و«الطب الشعبي الهندي» مثل شركات «هيمالايا»، و«شاهناز حسين».

وقد ارتفعت مبيعات منتجات تفتيح البشرة بنسبة 17% لتصل إلى 20.5 مليار روبية (432 مليون دولار) في الشهور التسعة الأولى من السنة المالية مقارنة بالفترة نفسها في العام السابق، وذلك وفقا لبحث أجرته شركة «نيلسن» التي يقع مقرها بهارليم بهولندا.

وكلما تزايد حجم سوق تلك المنتجات، تزايد توجه شركات التجميل والعناية بالبشرة لتسويق المنتجات التي تعتمد على «تكنولوجيا تفتيح البشرة» للرجال، بالإضافة للنساء، تحت ذلك شعار أنه كلما أصبحت بشرتك أفتح، أصبحت أكثر جاذبية.

وفي شبه الجزيرة الهندية، ينظر إلى أي شخص ذي بشرة فاتحة، بغض النظر عن جنسه، باعتباره أكثر جاذبية وذكاء، بل وربما أفضل بصفة عامة.

جدير بالذكر أن لرغبة الهنود في الحصول على بشرة أفتح جذورا عميقة في التاريخ الهندي؛ وذلك بتضافرها مع المنظومة الاجتماعية المعقدة في الهندوسية، أو ما يعرف بنظام الطبقات؛ حيث ينتمي هؤلاء الذين يقبعون في قمة السلم الطبقي إلى البشرة الفاتحة في أغلب الأحوال أكثر من الناس في الطبقات المتدنية.

من جهته، يقول كولديب كول العالم النفساني: «ذلك هو أحد الأنماط التقليدية الموجودة منذ قرون نظرا لهيمنة البيض على العالم؛ حيث يعتقد الناس أن البشرة الفاتحة أفضل، ليس فقط فيما يتعلق بالمظهر، ولكن بالذكاء كذلك».

وفي الوقت الراهن، تزايدت شعبية تلك المنتجات حتى بين الأطفال؛ فقد كشف الاستطلاع الذي أجرته «إنديان ريدرشيب» في عام 2008 أن الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و14 عاما يمثلون 13% من السوق.

وقد وافقت العديد من نجمات بوليوود - اللاتي يزعمن أنهن يقمن بدور سفيرات الهند الجديدة إلى العالم - على أن يصبحن سفيرات لتلك المنتجات دون أن يكن متأكدات تماما من أنها آمنة بنسبة 100%؛ فعلى سبيل المثال، تروج كاترينا كاييف التي تتمتع ببشرة فاتحة طبيعية، لكريم «أولي» لتفتيح البشرة، كما كانت بريتي زينتا - التي لها بشرة بيضاء أيضا - هي الوجه الإعلاني لكريم «هيربال بليتش» حتى وقت قريب.

وكان الإعلان يقول: «ذلك ليس مجرد كريم لتفتيح البشرة بل إنه طفرة»، كما تروج سونام كابور لكريم «أوريال وايت بريفيكت»، كما تبيع ديبكا بادوكونا كريم «فاين فيرنيس» الذي تنتجه شركة «نتروجينا».

ولعدة عقود، كانت صناعة مواد التجميل في الهند تحقق الملايين من بيع منتجات تفتيح البشرة للنساء. ولكنها تجني الآن المزيد من المال من خلال إقناع الرجال بأنهم يجب أن يحصلوا على بشرة أفتح.

ولم تنتشر هذه الإعلانات إلى ذلك الحد سوى في السنوات الأخيرة، وذلك بعدما تمكنت شركات التجميل من شق طريقها لعالم كريمات تفتيح البشرة، حيث تزعم في إعلاناتها أن تفتيح لون البشرة سيجعل النساء على نحو سحري أكثر جاذبية ونجاحا وعصرية.

ويقول المحللون بالصناعة: إن كريمات تفتيح البشرة للرجال تم تقديمها لأول مرة منذ عدة سنوات، وقد حققت معدلات مبيعات طيبة، بالإضافة إلى أن السوق الهندية لتلك المنتجات تنمو بالتزامن مع نمو الاقتصاد الهندي.

وقد تضاعفت المبيعات السنوية لمنتجات «شركة فير آند هانسوم» أربع مرات حتى وصلت إلى مليار روبية بعدما أصبح شاه روخ خام، من أبرز نجوم الهند، هو المروج لها في عام 2007، والذي ينظر لتأثيره باعتباره محوريا في تشجيع الرجال على الاستعانة بوسائل التجميل.

فيقول خان على الموقع الإلكتروني «لفير آند هانسوم»: «لدي ارتباط طويل وبناء بمجموعة «إمامي» وتلك من الخطوات التي تسهم في تعزيز إيماني بهم وبمنتجاتهم».

وقد تمكنت مؤخرا «لوريال» من دفع جون أبراهام، نجم بوليوود للترويج لغسول تفتيح البشرة الخاص بالرجال «غارنيير مين» لكي تتحدى هيمنة جون أبراهام، عارض أزياء وممثل ببوليوود، والنجم بالنسبة للعديد من المستهلكين المحتملين، ومنتج «فير آند هانسوم» الذي يروج له.

يقول أبراهام في آخر مأدبة غداء حضرها: «لقد تزايد اتجاه الشباب الهندي للاهتمام بالذات؛ فقد أصبحوا يهتمون بأنفسهم، وأصبحوا يرغبون في الحصول على مظهر أكثر أناقة. ولكن لا توجد منتجات كافية يمكنها أن تلبي احتياجاتهم على الأقل ذات جودة عالمية».

ومن جهة أخرى، تزايد الإنفاق على إعلانات منتجات تفتيح البشرة في التلفزيون الهندي بنسبة 30% في عام 2009 عن العام السابق.

فيقول سيدهارثا سينغ، 27 عاما، الذي يعمل عارضا في الإعلانات التلفزيونية والمطبوعة: «يبدو أن الإنسان يشتهي ما يفتقر إليه.

فالعالم الغربي يذهب للحصول على بشرة سمراء، وإضافة لمسة ذهبية لبشرتهم؛ حيث يعتقدون أنهم سوف يصبحون بذلك أكثر جاذبية. وبما أننا ذوو بشرة داكنة فإننا نعتقد أن البشرة الفاتحة أكثر جاذبية».

ومن جهته، يقول إن رادهاكريشنان المحرر المؤسس لمجلة «مانز وورلد» - واحدة من عدة مجلات متخصصة في موضة الرجال انتشرت في الهند مؤخرا، وتستهدف الطبقة الجديدة في البلاد من الرجال المولعين بالموضة - إن الولع بلون البشرة قضية يهتم بها الناس منذ ولادتهم.

مضيفا: «حسنا، الهنود يفضلون البشرة الفاتحة. كما ترغب النساء الهنديات في إنجاب أطفال فاتحي البشرة.

فذلك هو أول الأشياء التي يسألن عنها. هل بشرة طفلي فاتحة؟ وهو أمر شائع في كافة أنحاء الهند.

بل وتبالغ النساء الحوامل في الهند في ذلك، حتى إنهن ربما يتناولن مسحوق الذهب والزعفران، وذلك من الخلطات الشعبية التي يعتقد بأنها تؤدي إلى إنجاب أطفال ذوي بشرة فاتحة. كما أن الأم لابنة ذات بشرة داكنة تستخدم كافة أنواع الكريمات لكي تحاول تفتيح بشرة ابنتها».

ومن جهة أخرى، تقول ريتا شارما، إحدى السيدات التي تشتري كريمات تفتيح البشرة لابنتها: إن الانحياز الاجتماعي ضد البشرة الداكنة لن يختفي في غمضة عين.

مضيفة: «كما أنني لا أستطيع محاربة الإجحاف الموجود في المجتمع منذ قرون، فعلي التكيف معه».

ويقول براهلاد كاكار، خبير الإعلانات المرموق والخبير في الشؤون الاجتماعية: إن بعض الرجال الهنود كانوا يستخدمون العلاجات الطبيعية المحلية لتفتيح لون بشرتهم منذ قرون.

ولدى كاكار نظرية مختلفة بشأن سبب تلك الظاهرة؛ حيث يقول: إنه خلال التاريخ كانت الهند تتعرض باستمرار للغزو.

وهؤلاء الغزاة - الفرس، والمغول والبريطانيون - كانوا في معظم الأحيان ذوي بشرة أفتح من الهنود، وبالتالي اقترن لون البشرة الفاتح بالسلطة.

ويقول كاكار: «إنه جزء من الإجحاف الذي فرضه الرجل الأبيض على ذوي البشرة الداكنة؛ مثل السلب والنهب والغزو».

ومن جهة أخرى، يقف بعض النشطاء في مواجهة منتجات تفتيح البشرة انطلاقا من أنها تقلل من قيمة البشرة الداكنة وتعزز التمييز الطبقي.

فمن جهتها، تقول شيخا شارما، إحدى الناشطات من النساء: «إنه أمر مخز، ومثير للغثيان. ويجب على الممثلين الذين يحتفون بتلك المنتجات أن يشعروا بالخجل ويلتمسوا مغفرة المواطنين الهنود؛ لأنهم يوجهون لهم إهانة.حيث إن مثل تلك الإعلانات تؤذن ببداية حالة من الإجحاف ضد البشرة الداكنة، وهي لون الفئة العظمى من الهنود، ويجب على الحكومة أن تتدخل، كما يجب عليها إجراء تحليلات علمية للمنتجات التي تزعم أنها قادرة على تفتيح البشرة».

على أية حال، فإنه تحت وطأة الضغط الذي تمارسه جماعات المرأة، تسعى الكثير من الشركات التي تنتج منتجات تفتيح البشرة إلى تجنب الإعلانات التي تجعل ذوي البشرة الأفتح أفضل من غيرهم. ولكن المسوقين، الذين يسعون لتحقيق أكبر المكاسب، أطاحوا بتلك المحاولات.

كما يبدو أن شركات التجميل العالمية، والتي تسعى جميعها للحصول على نصيب من السوق الهندية، تعرف كيف تمارس ضغوطا.

فعلى سبيل المثال، جاءت شركة «إستي لودر» وهي على أهبة الاستعداد، حيث تخبر كل عروس هندية أخصائي التجميل الخاص بها أن يجعلها تبدو أفتح بدرجتين على الأقل، ليس فقط باستخدام كريم تفتيح، ولكن باستخدام كريمات التفتيح الإضافي. وحتى لا تفقد تواجدها، قدمت «شانيل» كريم «برسيشين وايت إسينشيال» وقدمت «ديور» «بريستيج وايت».

ووفقا لميزانيتك ومدى ولعك بتفتيح البشرة، يمكنك أن تجد المنتج الذي يلائمك بأسعار تتراوح بين 25 روبية إلى ما يزيد على 7500 روبية للزجاجة التي تحتوي على 50 مل.

كما تأتي تلك العبوات تحت أسماء متعددة، خاصة في ظل الاعتراضات عليها؛ حيث يمكنك الآن الاختيار بين كريمات التفتيح، أو الكريمات المضادة للصبغة، الكريمات التي تضيء الوجه، أو الكريمات المنعشة.