نجاح إنتاج عقار تجريبي ضد «التشيكونجونيا».. المرض الذي يسبب الأنحناء

نجاح إنتاج عقار تجريبي ضد أحد أمراض الحمى النزفية
نجاح إنتاج عقار تجريبي ضد أحد أمراض الحمى النزفية

في إطار الحرب اليومية الدائرة بين الأمراض المختلفة والتنقيب عن حلول للشفاء، يحاول العلماء حول العالم استكشاف نقاط الضعف أو «كعب أخيل» الخاص بكل مرض في سعيهم الحثيث لمقاومتها.


ومن ضمن الأبحاث الحديثة التي عرضت لهذا الأمر، ما ورد في دورية الطب الطبيعي (Natural medicine) في عددها لشهر مارس الجاري، حين استعرضت بحثا قام به مجموعة من العلماء من جامعة تكساس الأميركية بالتعاون مع المؤسسة الوطنية الأميركية لمكافحة الحساسية والأمراض المعدية، بقيادة البروفسور ستيفن هيغز، أستاذ علوم المناعة بالجامعة، الذين تمكنوا من تصنيع لقاح اختباري ضد أحد الأمراض الفيروسية المنتشرة في أفريقيا وجنوب آسيا وأوروبا، والمعروف باسم «تشيكونغونيا» (Chikungunya).

تمكن العلماء من تصنيع جزيئات غير ناقلة للمرض تشبه الغطاء الخارجي للفيروس، وحققت التجربة نجاحا باهرا في تنشيط الجهاز المناعي لقردة الريساس (Rhesus monkeys)، أحد أقرب الكائنات جينيا إلى الإنسان، ليصنع بدوره أجساما مضادة تحارب الفيروس.

وتعد خطوة تجربة العقاقير على حيوانات التجارب، وبخاصة الشبيهة بالإنسان جينيا مثل القردة أو الخنازير، الخطوة قبل الأخيرة في إطار تصنيع اللقاحات، حيث لا يتبقى بعدها سوى تجربتها على الإنسان قبل الحكم على صلاحية استخدامها، من عدمه.

حمى نزفية
التشيكونغونيا هو أحد أنواع الحميات النزفية التي تصيب الإنسان جراء التعرض للدغات نوع معين من البعوض، يعرف ببعوض «أيديس - Aedes».

ومصدر الاسم هو لغة قبيلة «المكاوندي»، التي تنتشر في تنزانيا وموزمبيق، ويعني بلغتهم المحلية «المرض الذي يسبب الانحناء»، فيما يرمي إلى أحد أشهر الأعراض التي يسببها المرض من آلام شديدة في العظام والمفاصل تؤدي إلى انحناء الظهر.

 وليس للاسم أي علاقة حقيقية من قريب أو بعيد بالدجاج أو بدولة غينيا، حيث تنتشر قراءة خاطئة له تدعوه «Chicken Guinea».

ورغم عدم شهرة المرض واسمه بين العامة، كما أنه ليس مرضا خطيرا بالمفاهيم الطبية، فإن تفشيه في عام 2006 في جزيرة رينيون (Reunion)، المستعمرة الفرنسية في المحيط الهندي التي تقع شرق مدغشقر، قد أسفر عن إصابة ما يربو على 260 ألف شخص وتسبب في مقتل نحو 300 منهم، الأمر الذي أقلق الباحثين مع تعدد مرات انتشاره، وتجاوزه القارة الأفريقية في مرات كثيرة مثلما حدث سابقا في شمال إيطاليا أو جنوب تايلاند أخيرا في مايو (أيار) 2009.

وأهم أعراض المرض هي الحمى، حيث ترتفع الحرارة حتى 40 درجة مئوية وتنتهي فجأة بعد يومين، والنزيف النقطي تحت الجلد، والتهاب المفاصل الذي يتسبب في آلام حادة، تستمر لأسابيع طويلة وقد تمتد لسنوات.

ولا يوجد علاج معروف ومحدد لهذا المرض حتى اليوم، وإن كان الاتجاه المستخدم طبيا هو الرعاية الطبية المكثفة مع خافضات الحرارة ومسكنات الآلام.

أمصال ولقاحات
ومن الأخطاء الشائعة بين عامة الناس، الخلط بين الأمصال واللقاحات. فالمصل هو الأجسام المضادة سابقة التجهيز، التي يتم استخلاصها من «مصل» الدم سواء من شخص أصيب سابقا بالمرض وأعد جهازه المناعي هذه الأجسام المضادة، أو من بعض الحيوانات التي تم تعريضها للمرض، أو حديثا عن طريق الهندسة الوراثية.

 ويعبر المصل عن تفاعل مناعي سلبي، حيث يجري حقن الأجسام المضادة الجاهزة لمقاومة المرض. وهو يستخدم غالبا في حالة الإصابة الفعلية بالمرض وليس في حالة الوقاية.

أما اللقاح، فهو حقن جزء غير معد أو مضر من الميكروب، سواء كان بكتريا أو فيروسا، حتى يتعرف إليه الجهاز المناعي ويعد ضده أجساما مضادة تقوم بحماية الجسم مستقبلا في حال التعرض للميكروب الفعلي.

ومن المشكلات الرئيسية التي تواجه إعداد اللقاح، إيجاد جزيء ثابت وغير متغير في غلافه الخارجي يمكن للجهاز المناعي التعرف عليه، وهي مشكلة فيروسات الإنفلونزا على سبيل المثال التي يتحور شكلها من آن إلى آخر بما لا يسمح بإنتاج لقاح دائم لها.

كما يشترط أن يكون هذا الجزيء لا يشبه جزيئات الخلايا البشرية العادية، فلو كان كذلك فإن أمام الجهاز المناعي حلا من اثنين، إما إهمال التفاعل مع هذا الجزيء باعتباره جزءا طبيعيا من تكوين الجسم البشري، أو التفاعل معه مناعيا، وهي كارثة بحق تعرف باسم التفاعل المناعي الشخصي (AutoImmune crisis)، حين يهاجم الجهاز المناعي خلايا الجسم ذاته، ولا يكف عن ذلك إلا مع تدميرها كليا أو عند تناول المواد المثبطة للمناعة مثل الكورتيزون.