ازدياد عدد الجراحات القيصرية يثير قلق الأطباء

معدلات إجراء الجراحات القيصرية تضاعفت في العقدين الأخيرين
معدلات إجراء الجراحات القيصرية تضاعفت في العقدين الأخيرين

يتزايد قلق المنظمات والهيئات الصحية حول العالم مع تزايد معدلات إجراء الجراحات القيصرية للنساء الحوامل لتصل إلى ما يفوق ضعف المعدل المقبول، الأمر الذي دعا عدة مؤسسات معنية إلى دراسة الظاهرة وتناولها بالنقد في كثير من الأحيان، مع مطالبة الأطباء والحكومات حول العالم بمراجعة سياساتهم في ما يتعلق باختيار طريقة التوليد.


وحسب دراسات إحصائية كثيرة، بعضها رسمي، فإن معدل الجراحات القيصرية في أميركا يبلغ في المتوسط 31.8 في المائة حسب الدراسة الأخيرة الصادرة في هذا الشأن في مارس الماضي من المركز الوطني للإحصاءات الصحية (National center for health statistics) التابع للوكالة الأميركية الفيدرالية، فيما ينخفض المعدل في كندا إلى 22.5 في المائة، ويرتفع في إيطاليا إلى 44 في المائة، وتشير إحصاءات غير رسمية إلى أنه يبلغ أكثر من 80 في المائة في المستشفيات والعيادات الخاصة.

ومن جهة أخرى فقد أشارت دراسة إحصائية من واقع بيانات منظمة الصحة العالمية نشرت بدورية «لانسيت» في نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي، إلى أن المعدل في دول جنوب شرق أسيا هو 30 في المائة.

وتتراوح النسبة في المنطقة العربية ما بين 30 و50 في المائة من عدد الحالات، إذ لا توجد إحصاءات رسمية وافية بهذا الخصوص، في حين أن المعدل المسموح، الذي تطالب به منظمة الصحة العالمية بناء على المراجع الطبية، يتمركز حول نسبة 15 في المائة من مجمل الولادات.

ضرورات الجراحة
ويعزو الخبراء هذه الزيادة في معدلات إجراء الولادات القيصرية إلى عدة عوامل، منها ما يقع على عاتق الطبيب ومنها ما يخص المرأة الحامل ومنها أمور مجتمعية.

ولكن يجب أن نشرح قبل ذلك الدواعي العلمية لإجراء مثل هذه الجراحة. فبحسب المراجع المرموقة في فرع التوليد، فإن العوامل التي تؤدي إلى مثل ذلك الخيار تصبّ كلها في مصلحة الأم والجنين في حال وجود ما يهدد صحة أو حياة أيهما (أو كليهما) في أثناء الولادة.

وتقع هذه العوامل إجمالا تحت ثلاثة عناوين: مشكلة تتعلق بالجنين، كأن يكون حجم الجنين أكبر مما يسمح به مجرى الولادة، أو أن يكون خديجا قبل أوانه، أو مع النقص الشديد في كمية السائل الأمنيوسي (الذي يحيط بالجنين في أثناء الحمل)، أو في بعض حالات التوائم، أو أن يكون متخذا وضعا مستعرضا داخل الرحم.

العامل الثاني أن تكون في الممر الذي يعبره الجنين في أثناء الولادة مشكلة، مثل عدم تناسب حجم الجنين وحجم الحوض لدى الأم، أو أن تعاني الأم مشكلات في عضلات الحوض، أو لديها ما يعوق الولادة مثل الأورام الليفية وما شابه.

العامل الثالث أن تكون في القوى الدافعة في أثناء الولادة مشكلة، مثل ما يحدث في حالات فشل انقباضات الرحم (الطلق) في دفع الطفل، وأأأو أن الأم ذاتها لديها ما يمنع المخاطرة بتعريضها لمثل هذا المجهود كأن تكون مصابة بفشل بعضلة القلب أو أمراض أخرى مماثلة.

فحص الأم
ومعظم هذه الأمور يتم حسمها في العصر الحالي قبل الدخول في مرحلة الولادة الفعلية عن طريق فحص الأم قبل الولادة، سواء الفحص العام الذي يقرر بعده الطبيب مدى صلاحية الأم طبيا وكذلك «لياقتها» للولادة، أو بتوظيف الموجات الصوتية «التلفزيونية» للجنين التي توضح حجمه ومستوى نموه وما إذا كان يعاني من أي عيوب خلقية، بالإضافة إلى الفحص المهبلي في الشهر الأخير قبل الولادة الذي يحدد الطبيب على أساسه مدى قدرة استيعاب مجرى الولادة لمرور الجنين.

وبعد كل هذه الفحوصات، يقرر الطبيب ما إذا كانت طريقة الوضع ستكون طبيعية أو قيصرية مبرمجة مسبقا، في ما يعرف بالقيصرية الاختيارية.

ولكن تبقى بعض الأمور العارضة التي قد تفاجئ الطبيب والمريضة، مثل الانفجار المبكر لجيب السائل الأمنيوسي وحدوث عدوى ميكروبية حول الجنين، أو تضاؤل ضربات قلب الجنين، أو حدوث انفجار الرحم، وهي أمور تؤدي إلى الولادة القيصرية الطارئة غالبا.

ويعد كل ما سبق من أمور في عداد الحكم الطبيعي الحصيف للطبيب، وهو ما يؤدي في النهاية إلى نسبة الـ15 في المائة المقبولة للولادات القيصرية، لكن عوامل أخرى تدخلت في العقدين الأخيرين لترفع تلك النسب إلى حدود غير مسبوقة.

مفاهيم خاطئة
من ضمن هذه العوامل أن نسبة متكاثرة من السيدات بدأن يطلبن من أطبائهن أن تكون الولادة قيصرية نتيجة مفاهيم خاطئة من أن الألم يكون أقل فيها عن الولادة الطبيعية، أو أن الولادة الطبيعية المتكررة تؤدي إلى ضعف عضلات العجان «منطقة أسفل الحوض» مما يؤثر بعدها على العلاقة الجنسية بالسلب، أو أن الولادة القيصرية تحافظ أكثر على شكل الجسم الخارجي.

ولكن هذه المفاهيم في معظمها مغلوطة، فالألم المترتب على الولادة الطبيعية أقل من ذلك الخاص بالولادة القيصرية، حسب السيدات اللاتي خبرن التجربتين، حيث إن أوجاع المخاض الطبيعي هي آلام مؤقتة، يزول معظمها عقب الولادة مباشرة، باستثناء جرح العجان، الذي يلتئم في خلال أسبوع تقريبا. أما في حالة الولادة القيصرية، فإن آلام عضلات البطن وجرح الجلد تستمر لعدة أسابيع.

كما أن الطبيب الكفء يحافظ قدر الإمكان على قوة عضلات العجان عقب الولادة، عن طريق خياطة هذه العضلات بطريقة علمية سليمة، إلى جانب أن تمرينات ما بعد الولادة تؤدي إلى نتائج ممتازة في هذا الشأن وتحافظ في الوقت ذاته على الشكل العام للجسم.

أما عن الأطباء ذاتهم، فبعضهم يتجه الآن إلى الإكثار من نسبة إجراء القيصريات نتيجة التعجل في الانتهاء من الولادة أو ضغوط العمل الزائدة، حيث إن الولادة الطبيعية بكل مراحلها قد تستغرق ما يزيد على 8 ساعات أحيانا في حين أن القيصرية تحتاج نحو ساعة واحدة فقط في المتوسط.

وهناك سبب آخر لكثرة الولادات القيصرية، هو أن كثير من الأطباء يفضلون إجراء الجراحة «المبرمجة»، لأنها أسهل وأكثر أمنا من وجهة نظرهم، مما يقيهم مغبة التعرض للمساءلة في حالة تعرض المريض لمضاعفات غير متوقعة قد تحدث في الولادات الطبيعية، وقد عبّر عن هذا الرأي البروفسور إنريكو زوبي، أحد أشهر أطباء روما، في واقعة شهيرة أثارت الرأي العام الإيطالي في بداية عام 2009، حين مساءلته من قِبل مؤسسات رقابية حيث تجاوزت نسبة العمليات القيصرية التي يجريها 90 في المائة من مجمل الولادات التي يباشرها.

كما أن قلة من الأطباء «منعدمي الضمير» حول العالم، يتخذون مثل هذا الخيار نتيجة الفارق المادي الكبير في أتعابهم ما بين الإجراءين، وهو ما دعا منظمات أممية كثيرة للمطالبة بتوحيد سعر إجراء الولادة الطبيعية والقيصرية حتى لا يكون هذا عاملا مؤثرا في الحسم.

وعوضا عن أن أي جراحة تحمل الكثير من المخاطر المحتملة مثل مشكلات التخدير أو النزف الزائد عن الحد أو التعرض لتلوث بالجرح وخلافه، مما يعني أن مثل تلك الجراحة يجب أن تظل في إطار الاضطرار فقط، فإن الأمور الطبيعية المرتبطة بالجوانب الفسيولوجية، تظل هي الحل الأفضل والأكثر فائدة من وجهة النظر العلمية والإنسانية في كثير من الأمور، ومنها المخاض الطبيعي.

طريقة الجراحة
وتمثل الجراحة القيصرية السفلى (نسبة إلى مكان الفتح في الرحم) نحو أكثر من 90 في المائة من هذه الجراحات.

ويتم إجراؤها عن طريق فتح الجلد عرضيا في منطقة الثنية الموجودة ما بين أسفل البطن والعانة (متوسط طول الجرح 15 سنتيمترا)، ثم فتح الأنسجة التي تقع تحت الجلد بنفس الطريقة، ثم فتح الأغشية المحيطة بعضات البطن، ثم المباعدة ما بين العضلات، ثم فتح الغشاء البريتوني بطبقتيه، ثم فتح الرحم هلاليا في خط عرضي.

وبعد استخراج المحتويات، الجنين والمشيمة، والتأكد من انقباض عضلة الرحم وعدم وجود نزيف مفرط، يتم إعادة كل هذه الطبقات إلى ما كانت عليه باستخدام الخيوط الجراحية، وقد تستخدم الدبابيس الجراحية أو اللواصق في إغلاق الجرح الخارجي، ولكن الخياطة التجميلية «المختفية» هي أكثر الوسائل شيوعا في هذا المضمار.

ويوجد اختلاف واضح في تحديد سبب تسمية الجراحة بالقيصرية، فالبعض يرجعها إلى يوليوس قيصر وأنه وُلد شخصيا بهذه الطريقة حينما شارفت أمه على الوفاة قبل الوضع، فأمر والدُه الإمبراطور بشق بطنها لاستخراج ولي العهد، إلا أن هذه الأسطورة ينسفها ما كشف عن حياة والدته «أوريليا» لما بعد ذلك بفترة طويلة. رواية أخرى تشير إلى أن أحد أجداد قيصر هو الذي وُلد بهذه الطريقة.

أما الثالثة، وهي الأقرب إلى الصحة، فتشير إلى أن الاسم محرف من كلمة «lex Caesarea» الرومانية، التي تعني الأمر الإمبراطوري، حيث صدر أمر بشق بطن أي امرأة تشرف على الوفاة في أثناء الولادة واستخراج الجنين من بطنها قبل أن يلحق بها.