الدليل الكامل لمخاطر وعلاج مرض «اعتلال الكلى السكري»

تحكم في مرض السكري واحم كليتك
تحكم في مرض السكري واحم كليتك

يحتفل العالم سنويا بيوم الكلى العالمي، الذي يصادف الحادي عشر من شهر مارس من عام 2006، وكان التركيز هذا العام على مضاعفات مرض السكري وتأثيره على وظائف الكلى واتخذ له شعار «تحكم في مرض السكري واحم كليتك».


والتركيز على أخطار مرض السكري ومضاعفاته على الكلى يأتي بسبب الزيادة الهائلة في أعداد المصابين بهذا المرض، وبالتالي ازدياد أعداد المرضى المعرضين لهذه المضاعفات، إذ يعتبر مرض السكري السبب الأول عالميا لحالات الفشل الكلوي.

وتكمن خطورة هذا المرض في أن المريض قد يصل إلى حالة الفشل النهائي والحاجة إلى بدء الغسل الكلوي من دون الشعور بأي ألم.

وقد تظهر بعض الأعراض كالإرهاق السريع من أقل مجهود والغثيان والقيء المستمر، ولكن غالبية المرضى يعتقد أن هذه الأعراض ليس لها علاقة بوظائف الكلى.

التشخيص المبكر
من هنا، تكمن أهمية المحافظة على نسبة السكر الطبيعية، بالحمية الغذائية والأدوية المنتظمة بالنسبة إلى مرضى السكري، وأيضا المتابعة الجيدة والكشف الدوري على وظائف الكلى ومعدلات الزلال بالبول، فهي تلعب دورا مهما في الحد من خطورة المرض.

ويعتبر ظهور الزلال بالبول أولى علامات تأثر الكلى بمرض السكري، وغالبا ما يكون من غير وجود أي أعراض يشعر بها المريض، وهو يسبق بمراحل تأثر وظائف الكلى الدموية.

لذلك، فإن التشخيص المبكر لهذه المشكلة أمر مهم، حيث أثبتت الدراسات أن البدء بتنظيم معدلات السكر واستخدام بعض الأدوية، التي ثبت أنها تحد من تأثر الكلى بمرض السكري، تعمل على حماية الكلى من خلال تنظيم معدلات الزلال البولي وضغط الدم.

أما إذا لم يتم الكشف المبكر عن تأثر الكلى، فإن نسبة كبيرة من مرضى السكري يتعرضون لقصور بوظائف الكلى، وقد يصلون إلى مرحلة الفشل النهائي والحاجة إلى عملية الغسل الكلوي.

ويعتبر الفشل الكلوي من الأمراض التي تترك تأثيرا سلبيا في حياة الفرد والمجتمع لما لها من تأثيرات اجتماعية واقتصادية كبيرة.

من هنا، تأتي أهمية التوعية بهذه المشكلة وأسبابها خاصة الأسباب التي يمكن منعها والسيطرة عليها كمرض السكري.

وللأسف، تفتقد معظم المجتمعات العربية هذه التوعية فتجد معظم المصابين بمرض السكري يجهلون أخطاره على وظائف الكلى.
وهنا، يأتي دور الطبيب والإعلام للتنبيه عن هذه المشكلة وكيفية الوقاية منها.

وتجدر الإشارة، أيضا، إلى أنه في حالة حدوث الفشل الكلوي والحاجة الدائمة لعملية الغسل الكلوي، فإن خيار زراعة الكلى يعتبر أفضل طرق العلاج.

إن التوعية بهذه المشكلة الصحية الخطيرة قد يبدأ من يوم الكلى العالمي، ولكن لا بد أن يستمر طيلة العام، وأخيرا وليس آخرا حافظْ على مرض السكري واحم كليتك.

اعتلال الكلى السكري
إن اعتلال الكلى السكري (Diabetic Nephro Pathy) هو الأكثر تعقيدا وأكبر مصدر لمعدلات الوفيات في مرض السكري.

السكري مرض شائع يصيب نحو 245 مليون إنسان في العالم، وأن عدد حالات اعتلال الكلى السكري بلغ نحو 80 مليون شخص في العالم، وأن جسم المريض يكون بطيئا في استعمال الغلوكوز (السكر) مما يزيد معدله في الدم، فتطرح الكليتان جزءا من السكر الزائد في البول.

وتكون الإصابات باعتلال الكلى السكري بسبب الاضطرابات، التي ترتبط مع مرض السكري، ومن أهمها إصابة الأوعية الدموية الصغيرة في الكليتين واختلال وظيفة تصفية الدم من الشوائب وتدهور وظائف الكلى، التي تتطور إلى الفشل الكلوي التام.

لماذا يؤثر السكر في الكليتين؟
تعمل الكليتان كمصفاة مكونة من مجموعة من وحدات التصفية «الكليونات»، التي تصفي الدم من السموم والفضلات، ويدخل الدم إلى الكليتين عبر أوعية دموية صغيرة تسمى بالأنابيب الشعرية التي تصاب بالانسداد، وبذلك لا يتم تصفية الدم بشكل صحيح وتصبح راشحة فتفقد منها البروتينات، التي يجب أن تبقى بالدم، وتذهب إلى البول مما ينتج عنه الزلال البولي الصفري (Microalbuminuria)، الذي قد يتدرج إلى مرحلة عجز الكلية النهائي.

لا يظهر تضرر الكلى بالسكري إلا بعد مرور وقت طويل على الإصابة بداء السكري، خاصة في مرضى النوع الأول (نحو 10-15 سنة بعد الإصابة بالمرض)، حيث إن الكلية تعمل بجهد مضاعف للتخلص من جميع السموم والفضلات من الدم، ولكن كلما مرت السنون زاد تضرر الكلية إلى أن تصبح غير قادرة على تحمل العبء، ونتيجة لذلك تبدأ أول أعراض الاعتلال الكلوي السكري، وهو الزلال البولي الصري، وتقدر كمية الزلال البولي في هذه الحالة بأكثر من 30 ملغم في اليوم والليلة.

كيف يتم الكشف عن الزلال البولي الصفري؟ ومتى يجب الكشف عنه؟
عند مرضى السكري - النوع الثاني، يجب فحص البول للتحقق من وجود الزلال الصفري بمجرد اكتشاف مرض السكري.

أما عند مرضى النوع الأول، فيتم فحص البول للزلال الصفري بعد التشخيص بخمس سنوات، ويجب أن يتكرر مرة سنويا، إن الطريقة الصحيحة لتجميع البول لفحصه من أجل الزلال، فيفضل أن يكون عند أول بول في الصباح لتفادي الخطأ الناتج عن اختلاف كمية الزلال البولي.

ويجب تجميع البول وفحصه مرة أخرى خلال 3-6 أشهر للتشخيص النهائي للمرض على أنه يعاني الزلال البولي الصفري كمرحلة أولى لإصابة الكلى بالاعتلال السكري، عندها يجب القيام بفحص وظائف الكلى وقياس مستوى الكولسترول بالدم.

ما أهمية وجود الزلال البولي الصفري؟
إن اكتشاف الزلال البولي الصفري يدل على العلامة المبكرة لاعتلال الكلى السكري، وقد بينت الدراسات أن وجود الزلال البولي الصفري عند مرضى السكري يدل على احتمال وجود آثار في القلب والأوعية الدموية أكثر من غيرها، مصاحبة للمرض.

وكذلك دلت الأبحاث الطبية على أن مرضى النوع الثاني من السكري تزيد لديهم فرصة الإصابة بمرض شرايين القلب بنسبة الضعف إلى الثلاثة أضعاف إذا كانوا يعانون وجود كمية ضئيلة من الزلال البولي، أما إذا أصبحت تلك الكمية كبيرة فإن فرصة الإصابة بمرض شرايين القلب تزيد إلى عشرة أضعاف، وهي النسبة نفسها التي يتعرض لها مرضى النوع الأول من السكري.

كيف يتم علاج اعتلال الكلى السكري؟
إذا لم يتم التدخل العلاجي السريع للحالات التي تعاني وجود الزلال البولي الصفري، فإن 80 في المائة من مرضى السكري يزيد لديهم معدل الزلال البولي إلى أن يصل إلى أكثر من 300 ملغم في اليوم، ويتطور ذلك إلى مرحلة المتلازمة الكلوية ومنها إلى القصور الكلوي، وبذلك يصلون إلى مرحلة العجز الكلوي النهائي. وكما ذكرنا فإن ظهور زلال بولي عند مرضى السكري يدل على أن هناك تغيرات في الأوعية الدموية، التي تقوم بتصفية الدم والتخلص من الفضلات وكذلك ارتفاع ضغط الدم.

وهنا، ينصح باستعمال علاج مثبطات أيس (ace-inhibitors)، التي تستخدم عادة في علاج ضغط الدم المرتفع وسوف يقوم هذا العلاج بتخفيض ضغط الدم من خلال إيقاف الإنزيمات التي تضيق الأوعية الدموية، وعندما ينخفض ضغط الدم في هذه الأوعية يقل تضرر الكلية وتقل كمية الزلال (البروتينات)، التي تترشح من الدم إلى البول إلى حد كبير.

الخطوة التالية في العلاج هي التقليل من الملح (الصوديوم) وكذلك التقليل من البروتينات الحيوانية حسب نصائح وإشراف الطبيب المعالج وإخصائي التغذية.

الوقاية من الاعتلال الكلوي
الوقاية من هذا المرض ممكنة، فقد أثبتت الدراسات السريرية التي أجريت على المصابين بالسكري أن الإصابة باعتلال الكلى السكري تقل كلما قلت نسبة السكر التراكمي في الدم، كما أن الإصابة تقل كلما نقص ضغط الدم، وتقل الإصابة كلما نقصت كمية الكولسترول والدهون في الدم، كما لاحظت هذه الدراسات أن المدخنين أكثر عرضة للإصابة باعتلال الكلى السكري، وأن النشيطين الذين يمارسون الرياضة البدنية بانتظام أقل عرضة للإصابة باعتلال الكلى السكري.

وبناء عليه، فإن المصاب بالسكري يأخذ أكثر حماية من الإصابة باعتلال الكلى السكري إذا حافظ على معدل سكر تراكمي أقل من 7 في المائة وعلى ضغط دم أقل من 130/80 ملم زئبق وعلى نسبة كولسترول ضار (LDL) أقل من 100 ملغم / ديسيلتر، بالإضافة إلى ما ذكر للوقاية من الاعتلال الكلوي السكري قدرة مجموعة دواء مثبطات أيس (ace-inhibitos) على وقاية الكلى من الإصابة بالاعتلال السكري.

ما أعراض الإصابة باعتلال الكلى السكري؟
قد لا يشعر المصاب باعتلال الكلى السكري بأي أعراض على الإطلاق، ولكن هناك بعض العلامات المرضية التي قد تدل على اعتلال الكلى السكري ومراحله الأولية مثل:

- ظهور البروتين (الزلال) في البول.

- ارتفاع ضغط الدم.

- تدهور وظائف الكلى.

- حدوث تورم في الكاحلين وآلام في الساقين.

- كثرة التبول في الليل.

وعندما يزداد المرض تدهورا وتقل وظيفة الكليتين تدريجيا، يبدأ ظهور العلامات المتأخرة التي تدل على فشل الكلى مثل:

- الغثيان والقيء.

- ضعف الشهية للطعام ونقص الوزن.

- الضعف الجسماني والتعب المتزايد.

- التشنجات العضلية في الساقين.

- الحكة الشديدة في الجلد.

- انخفاض احتياج المصاب للأدوية الخافضة لسكر.

الفشل الكلوي
عندما يصاب المريض باعتلال الكلى السكري ويستمر ذلك لعدة سنوات، تبدأ وظائف الكلى في التدهور تدريجيا إلى أن يصل المريض إلى مرحلة تعجز فيها الكلى عن القيام بوظائفها.

وفي هذه المرحلة، يجب على المريض المتابعة الدقيقة مع الطبيب المتخصص حتى يبدأ بالعلاج المناسب في الوقت المناسب.

في حالة الفشل الكلوي النهائي يحتاج المريض إلى علاج تعويضي للكلى، ويتمثل ذلك في إحدى الطرق الآتية: الغسل الدموي ( التنقية الدموية)، الغسل البريتوني (التقنية البريتونية)، زراعة الكلى.

- الغسل الدموي (التنقية الدموية): هي الطريقة الأكثر شيوعا، وتتم عادة في المستشفيات ويستخدم المريض جهاز الكلية الصناعية، التي تحتوي على فلتر (راشح) يعتمد على تنقية الدم من السموم والشوائب. تستغرق جلسة التنقية عدة ساعات، وتتم ثلاث مرات أسبوعيا ويستمر المريض في إجراء غسل الدم حتى يتمكن من إجراء عملية زراعة كلى.

- الغسل البريتوني (التنقية البريتونية): هنا تتم عملية التنقية داخل تجويف البطن بواسطة محلول التنقية ويعمل الغشاء البريتوني، الذي يغلف تجويف البطن كالمصفاة، حيث ينقل جميع السموم والشوائب الموجودة في الدم إلى المحلول الموجود في تجويف البطن، بعدها يتم إزالة المحلول عن طريق الأنبوب، ويمكن تدريب المريض على استعمال هذه الطريقة في المنزل.

- زراعة الكلى: هي العلاج الأمثل لمرضى الكلى السكري، ويمكن الحصول على الكلية المناسبة للمريض بالتبرع له من أحد أقاربه أو غيرهم، ويلزم إجراء عدة فحوصات طبية للتأكد من عدم رفض الجسم الكلية المزرعة، ولمعرفة مدى لياقة المريض الطبية لإجراء مثل هذه العملية. بعد إجراء العملية، يحتاج المريض إلى استعمال العقاقير التي تمنع حدوث رفض الجسم الكلية المزروعة وبصفة مستمرة.

كذلك، فإن بعض العقاقير تؤدي إلى زيادة نسبة السكر في الدم، لذا فإن حاجة المريض من الأنسولين تزداد، بعد إجراء عملية الزراعة يجب السيطرة الدقيقة على مستوى السكر في الدم، وذلك لمنع حدوث إصابة الكلية الجديدة بداء السكري.