رقائق بيولوجية نانوية .. لعلاج خلايا الجسم المتضررة

باحثة كندية من أصل لبناني تحقق قفزة في العلاج الدقيق للأمراض
باحثة كندية من أصل لبناني تحقق قفزة في العلاج الدقيق للأمراض

كان حلم العلماء منذ الأزل، التمكن من تصنيع مواد قادرة على الوصول إلى خلية واحدة بعينها بغرض علاجها، أو القضاء عليها في حال إصابتها بورم خبيث.


وفي سياق الطفرة العلمية التي يشهدها العالم تمكنت مجموعة من الباحثين الكنديين تحت إشراف البروفسورة اللبنانية الأصل هنادي سليمان، الأستاذة المساعدة للكيمياء بجامعة ماكغيل الكندية، من تحقيق قفزة هائلة في هذا المضمار، بحسب ما نشرته دورية الكيمياء الطبيعية في عددها الصادر في منتصف مارس الحالي.

ففي مجال علم النانوتكنولوجيا، تمكن العلماء منذ فترة من تصنيع ما أطلقوا عليه أنابيب الـ«دي إن إيه» النانوية، وهي عبارة عن رقائق مسطحة (ثنائية الأبعاد) مكونة من الأحماض النووية البروتينية «دي إن إيه» تم لفها في شكل أسطواني لتكوين مثل هذه الأنابيب، التي يمكنها، عن طريق الشفرة الوراثية، التوجه إلى خلايا محددة مسبقا والاتصال بها، دونما تأثير على خلايا الجسم الأخرى.

وقد كان تسطح هذه الأنابيب يقيد قدرة العلماء على استخدامها حتى الآن، إذ كان الاستخدام المعروف لها يتركز في محاولة عرقلة الوظائف الحيوية للخلايا المستهدفة.

ولكن الباحثة هنادي سليمان وفريقها استطاعوا بطريقة علمية معقدة أن يجعلوا هذه الرقائق تتخذ أي شكل مطلوب ثلاثي الأبعاد، بل الأكثر من ذلك أنها يمكن أن يكون لها بوابات تفتح وتغلق حسب الطلب، الأمر الذي يمكّنها من الاحتواء بداخلها على عقاقير أو ما شابه، وإفراغها عند الوصول إلى المحطة النهائية المطلوبة دون التأثير بالسلب على باقي خلايا الجسم. كما يمكن استخدامها كـ «رصاصة سحرية» في حالات الأورام السرطانية للقضاء على الخلايا المصابة دون المساس بباقي الخلايا السليمة.

ولشرح إمكانات مثل ذلك الكشف العلمي المذهل، فلنتصور مريضا بهشاشة (ترقق) العظام يتناول عقاقير تحتوي على الكالسيوم وفيتامين «دي».

فعلى الرغم من التحسن في حالة عظام هذا المريض وجهازه الحركي مع تناول العلاج، فإنه أكثر عرضة لحدوث مشكلات في المعدة، مثل القرح والنزف المعدي، ولتكوُّن حصوات الكلى، ولاضطراب ضربات القلب نتيجة ما يتناوله من علاجات وتأثيرها على الجهاز الهضمي والبولي والدوري. فإذا ما تمكنّا من ابتكار وسيلة لإيصال الكالسيوم وفيتامين «دي» إلى العظام وحدها، فإننا بالتالي ننقذ باقي الأعضاء من مشكلات صحية عويصة.

وأيضا في مجال علاج الأورام، فإن ما يتعرض له المريض من مخاطر العلاج الكيمائي أو الإشعاعي أو الهرموني قد يفوق ما قد يسببه له المرض ذاته من ألم أو مضاعفات، حتى إن بعض المرضى يفضل أن يموت في سلام على أن يتعرض لعلاج يدمر حياته، بحسب رأي بعضهم.

هذه النظرية استطاعت البروفسورة هنادي سليمان اقتحام أسوارها التي كانت حتى وقت قريب أمرا مُحالا، ورغم أن سليمان تقول إنه «من المبكر جدا الحديث عن أننا تمكنّا من استخدام هذه الوسيلة في العلاج بطريقة فعلية، فهي مجرد خطوة واحدة في الاتجاه الصحيح»، فإن الواقع يقول إنها قفزة هائلة، إذ إن الصعوبة تكمن دائما في صناعة التقنية، ثم تتوالى بعد ذلك التطبيقات.