فرط الحساسية .. نتائجها مدمرة وتتطلب علاجا فوريا لوقف مضاعفاتها القاتلة

لم يكن هناك أي داع للقلق لدى سارة لايمان عندما أخبرها زوجها أنه ذاهب للهرولة بعد تناوله وجبة الغداء، فقد كان مفعما بالصحة.


ولكن وبعد 20 دقيقة، وصلها خبر بأن زوجها قد انهار عند حافة الطريق وهو يتنفس بالكاد. ثم علمت في المستشفى أن السبب في ذلك كان «فرط الحساسية» (anaphylaxis) (التي تسمى أيضا «صدمة فرط الحساسية» anaphylactic shock أو «صدمة الحساسية» allergic shock).

وظهر أن وجبة الغداء المكونة من سلطة السرطان البحري كانت المسؤولة عنها. ومن حسن الحظ فقد نجا زوجها لأنه عولج في وقته، إلا أن أنه علم لأول مرة، أن لديه حساسية تجاه الحيوانات البحرية.

الإصابة بفرط الحساسية
تظهر حالة فرط الحساسية عندما تقوم الخلايا الخاصة بالمادة التحسسية sensitized cells - allergen الموجودة في الدم والأنسجة الأخرى من الجسم، بإفراز كميات كبيرة من «الهستامين» والمواد الكيميائية الأخرى المسببة للالتهاب.

 وبينما تشمل أغلب ردود الفعل التحسسية جهازا فسيولوجيا واحدا في الجسم (مثل الجهاز التنفسي العلوي، أو الجلد)، فإن فرط الحساسية تشمل جملة من الأجهزة المتتالية.

وتتفاوت أعراض فرط الحساسية، فقد تشمل على ظهور هبات متوهجة، وحكة، واحتقان الأنف، وصفير، وصعوبة في التنفس، وتورم البلعوم واللسان، وتصاحب أحيانا بالغثيان والتقيؤ والإسهال.

كما يمكن أن يهبط ضغط الدم بسرعة، ما قد يؤدي إلى الإغماء. وبإمكان حقنة فورية من «إيبنيفرين» (epinephrine) («أدرينالين» adrenaline) وقف هذه الردود المتتالية. وبعكس ذلك فإن الأعراض قد تؤدي إلى الإغماء، والصدمة، بل وحتى إلى الموت.

إن حالات فرط الحساسية أكثر شيوعا مما كان يعتقد في السابق، لأنها لا تعالج داخل المستشفيات وفي ردهات الإسعاف، والعيادات الطبية فقط، بل وكذلك في مختلف الأمكنة غير الطبية.

ولا تملك السلطات الصحية تسجيلات كاملة لها، ولذلك لا يمكن إحصاؤها. كما أن تفاوت أعراض فرط الحساسية يقود إلى عدم تمييزها عن حالات أخرى مثل نوبة الربو، أو نوبة الفزع، بل وحتى نوبة من التسمم الغذائي.

يضاف إلى ذلك أن الكثير من الناس الذين تظهر لديهم أعراض خفيفة منها، لا يسعون إلى الحصول على مساعدة طبية.

وقد وجدت دراسة لباحثين في كلية الطب بجامعة هارفارد في عام 2006 أن حالات فرط الحساسية لا تسجل في ردهات الإسعاف، وعلى نطاق واسع، بوصفها السبب في حدوث ردود فعل تحسسية خطيرة، وهذا في حد ذاته يقود إلى مشكلة كبيرة، لأن التشخيص الصحيح للحالة يدرأ حدوث حالة فرط حساسية لاحقة في المستقبل.

وفي عام 2008 قامت لجنة شكلتها كلية الحساسية والربو وعلوم المناعة الأميركية بمراجعة بيانات من عدد من المصادر، وتوصلت إلى استنتاج مفاده أن فرط الحساسية تؤثر على ما بين 1 و2 في المائة من السكان، وأن حوادث تكرارها تزداد (انظر:Current Opinion in Allergy and Clinical Immunology, August 2008).

كما وجدت الدراسة أيضا أن الخطر يكون أكبر لدى النساء مقارنة بالرجال (ووفقا لتقرير اللجنة، فإن النتائج المختبرية تفترض أن هرمون «بروجيستيرون» الانثوي ربما يعزز استجابة الجسم للمواد المثيرة للحساسية).

أما حالات فرط الحساسية القاتلة فإنها تشكل معضلة هنا أيضا، إذ إن ردود الفعل يمكن عدم رصدها بوصفها سببا في حدوث الوفاة للأشخاص المصابين بالربو، أمراض الرئة، أو أمراض القلب والأوعية الدموية.

ويظل كل شخص عانى من فرط الحساسية، معرضا لخطر حدوثها مرة أخرى في المستقبل، ولذلك فإن من المهم التعرف على محفزات أو مثيرات الحساسية بهدف التهيؤ لأي تعرض لها بالصدفة. وذلك يعني أيضا التزود بحقنة من «إيبينفرين» في كل الأوقات، ومعرفة كيفية استخدامها.

الحساسية وفرط الحساسية
تظهر أنواع الحساسية لسببين اثنين:

- الأول بسبب استعدادات وراثية (إذ إن خطر ظهور الحساسية لدى أي شخص يشكل نسبة 50 في المائة إن كان أحد والديه مصابا بها، و70 في المائة إن كان كلاهما مصابين بها).

- والسبب الثاني هو عوامل الوسط المحيط، خصوصا في مراحل الطفولة المبكرة. ووفقا لما يسمى بـ«فرضية النظافة»، فإن الأشخاص الذين لم بتعرض جهاز المناعة لديهم لأشكال كثيرة من الميكروبات أثناء حياتهم المبكرة، يكونون في الأغلب عرضة لحدوث ردود فعل مناعية ضد مواد (مولدات المضاد antigens) دخيلة غير ضارة.

وتعني الإصابة بالحساسية أن جهاز المناعة يقوم بردود فعل ضد مادة مثيرة للحساسية بوصفها مادة تهدده، ولذلك فإنه يتأهب معززا دفاعاته في كل وقت تقترب فيه من الجسم.

وقد لا يؤدي أول احتكاك للجسم بتلك المادة إلى ظهور أي أعراض واضحة. إلا أنه يقود إلى التحفيز لإفراز كميات كبيرة من بروتين الأجسام المضادة يسمى «إميونوغلوبين إي» (immunoglobulin E)، أو «IgE».

ولدى الأشخاص المعرضين للإصابة بالحساسية، يتم إفراز «IgE» استجابة لمواد غير ضارة عموما، مثل الأغذية والأدوية.

ويلتحم «IgE» بالخلايا المناعية (الخلايا البدينة أو الممتلئة mast cells في الأنسجة، والخلايا الأسسية أو القاعدية basophils في الدم) للتهيؤ للقاء المقبل مع المادة المثيرة للحساسية - وتسمى هذه العملية «التحسيس» (sensitization).

ثم، وفي كل حين يتعرض فيه الشخص إلى المادة المثيرة للحساسية هذه، فإن «IgE» يرسل إشاراته إلى الخلايا البدينة والقاعدية بهدف إفراز مواد كيميائية تسبب الالتهاب، تسمى خلايا الوسائط (mediators).

وهكذا فإن الأعراض ستعتمد على هذه الخلايا وعلى الأنسجة التي أفرزت فيها. وعلى سبيل المثال فإن وسيط «الهستامين» يمكنه أن يتسبب في توسيع الأوعية الدموية، وفي تضييق القصبات التنفسية في الرئتين.

وتأتي ردود الفعل التحسسية في العادة بسرعة. وهي تؤثر على الأقل على جهازين في الجسم (الجلد والرئتين مثلا).

وعند توافر بعض الظروف، فإن انخفاض ضغط الدم وحده قد يؤدي إلى قلب كل الوضع، وحدوث حالة «فرط الحساسية».

ويزداد تقبل الإنسان لحالة فرط الحساسية إن كان له تاريخ في الإصابة بأنواع من الحساسية، أو أنه تعرض لحادثة فرط الحساسية في السابق، أو بسبب الربو (ولو بشكل خفيف)، بالإضافة إلى تعرضه لحساسية غذائية.

والربو الذي لا يخضع للتحكم، أي لا يعالج، بالشكل المطلوب، وكذلك أمراض القلب والأوعية الدموية، تزيد من خطر الوفاة بفرط الحساسية.

وبمقدور بعض أنواع الأدوية لعلاج أمراض القلب والأوعية الدموية (حاصرات ألفا - الأدرينالينية adrenergic blockers -alpha وحاصرات بيتا beta blockers) تقليل فاعلية دواء «إييينفرين» الرئيسي في علاج فرط الحساسية، ولذلك فعلى المصابين بالحساسية الذين يتناولونها، استشارة أطبائهم.

إن كنت من الأشخاص الذين تعرضوا لحالات فرط الحساسية، فعليك أن تحمل معك دوما حقنة من «إييينفرين» دوما.

وتأتي هذه الحقنة بشكل جهاز ذاتي الحقن (EpiPen ,Twinject) يعطى بوصفة طبية. وتفترض إحدى الدراسات أن «إييينفرين» لا يوصف على نطاق واسع كما يفترض. والمشكلة الأخرى هي عدم توعية الأشخاص بكيفية استعمال الجهاز.

ولذا يفضل التدرب على استخدام الجهاز والتزود بجهازين، لاحتمال حدوث خلل في أحدهما. احقن «إييينفرين» حالما تشعر بأول علامة على ظهور أعراض قوية لفرط الحساسية، خصوصا الدوخة، صعوبة التنفس، أو تشنج البلعوم.

وقد تساعد بعض الأدوية الأخرى مثل مضادات الهستامين وبخاخات الربو في التخلص من بعض الأعراض (البثور مثلا)، إلا أنها لا تساعد في التخلص من الأعراض الخطيرة. إن دواء «إييينفرين» هو العقار الوحيد الذي يؤثر على كل المتغيرات الجسدية التي تحصل بسبب فرط الحساسية.

فهو يدرأ، أو يقلب، انسداد المجاري التنفسية ويقي من انهيار وظيفة القلب والأوعية الدموية (التوقف المفاجئ لتدفق الدم بسبب عوامل في القلب والأوعية الدموية)، وهي الأسباب الرئيسية للوفاة الناجم عن فرط الحساسية.

إرشادات الحقنة المنقذة
- وفي ما يلي إرشادات حول استخدام جهاز «إييينفرين» الذاتي الحقن:

- إن سمحت الظروف، تمدد قبل استخدام جهاز حقن «إييينفرين» (لكن لا تتأخر أبدا في الحقن، إن لم تسمح الظروف). اقبض على الجهاز بقوة عند وسطه، باليد التي تكتب بها، وحوله إلى قبضة قوية.

- باليد الأخرى، أزل غطاء السلامة من الجهاز (من الأخطاء الشائعة فتح الجهاز قبل أوانه).

- ضع نهاية إبرة الجهاز على خارج الفخذ، وادفعها بقوة حتى يصدر عنها صوت (الإبرة مخصصة للدخول عبر الملابس ولذلك لا تضيع وقتك في تنحيتها).

- ضع الجهاز في هذا الموضع لفترة تساوي تعداد أرقام حتى 10. أبعدها عنك، وانظر إلى الجهاز وتأكد أن مخزنه من الدواء فارغ. قم بتدليك موقع الحقن لفترة تساوي تعداد 10 أرقام.

- اتصل بالإسعاف الطبي. ضع الجهاز في موضعه السابق - الإبرة أولا. ثم خذه معك إلى المستشفى للتخلص منه.

- إن لم تتحسن حالتك خلال 20 دقيقة وظهرت الأعراض مجددا، أو لم يصلك طاقم الإسعاف، تأهب لاستخدام جهازك الثاني «EpiPen» (أو جرعتك الثانية Twinject).

وحتى وإن نجحت حقنة الدواء في تخفيف الأعراض، فإن عليك طلب الإسعاف الطبي لأن نحو 20 في المائة من المتعرضين لفرط الحساسية يعانون من عودتها مجددا (خلال 8 ساعات في العادة) بعد انتهاء نوبة الحدث الأصلي.

ووفقا لحالتك فسيكون عليك الخضوع للعلاج بالأكسجين أو بأنبوب للتنفس أو بإعطائك سوائل عبر الوريد، أو أنواع من الأدوية، إن كنت من المعرضين لفرط الحساسية، فعليك اتباع سبل الوقاية. استشر إخصائيا في الحساسية، تزود بوصفة طبية من دواء «إييينفرين».

أما إن كنت من ذوي الاستعداد للإصابة بفرط الحساسية الناجم عن لدغ الحشرات، فإن العلاج الوقائي الرئيسي هو العلاج المناعي - بالحصول على حقن مناعية، تكون فعالة بنسبة 97 في المائة في الوقاية من ردود الفعل التي تهدد حياتك عند لدغ الحشرات لك.

وأخيرا إن كنت قد تعرضت لحالة فرط الحساسية، البس سوارا أو قلادة للتعريف بحالتك مع معلومات حول أنواع الحساسية لديك.