العالم يبحث عن المزيد من .. «المتبرعين بالدم»

العالم يبحث عن المزيد من .. «إكسير الحياة» وواحد من بين كل 3 أشخاص علي الأرض يحتاج إلى نقل الدم كل ثانية ونصف
العالم يبحث عن المزيد من .. «إكسير الحياة» وواحد من بين كل 3 أشخاص علي الأرض يحتاج إلى نقل الدم كل ثانية ونصف

يحتفل العالم في الرابع عشر من يونيو الحالي باليوم العالمي للتبرع بالدم تحت شعار: «الاحتفال بهبة الدم»، وتستضيف فعالياته الرئيسية مدينة برشلونة الإسبانية.


وتركز حملة 2010 على المتبرعين من الشباب باعتبارهم «المخزون الاستراتيجي للمستقبل»، وتتخذ الحملة من أجل هؤلاء شعارا فرعيا هو: «دماء جديدة للعالم»، على أمل أن يتزايد عدد المتبرعين بالدماء دون مقابل مادي لسد الفجوة العالمية بين الاحتياجات والمتوافر من الدماء.

وفي حملة دعائية لطيفة عنوانها «برشلونة مفعمة بالدماء» (كناية عن التبرع لا العنف)، قامت مدينة برشلونة باتخاذ «الضمادة الزرقاء» شعارا لها، مطالبة العالم أجمع بالتصويت للضمادات الطبية، التي تستخدم لتضميد الثقب الناجم عن التبرع بالدم.

ومن أجل الوصول للهدف، جندت المدينة عددا من المشاهير لخدمة الدعوة، وأطرف ما في الأمر أن معظمهم ينتمون لنادي العاصمة الملكي ريال مدريد (الخصم اللدود للفريق الكتالوني) أمثال سيرغي راموس وكاكا وألبيول .. ولكنها روح الانتماء للبشرية هنا التي تتحدث، لا الانتماء الرياضي.

ويتم الاحتفال باليوم العالمي للتبرع بالدم في هذا اليوم، الذي يوافق ميلاد العالم والطبيب النمساوي كارل لاندشتينر عام 1868، الرجل ذي الأيادي البيضاء والإسهامات الكبيرة في عالم الطب الذي فتح أعين العالم عام 1901 على أفق علمي جديد باكتشافه لفصائل الدم، وهو الأمر الذي مكن الإنسانية من إنقاذ حياة ملايين البشر، ونال عن اكتشافه أرفع وسام علمي (جائزة نوبل في الطب) لعام 1930.

يذكر أن الإحصاءات العالمية تقر أن واحدا من بين كل 3 أشخاص «قد» يحتاج إلى نقل الدماء في إحدى فترات العمر، وأن واحدا من بين كل 7 يدخلون المستشفيات يحتاج لنقل دم، كما يحتاج شخص واحد للدم كل ثانية ونصف الثانية حول العالم، فيما يقدر عدد المرضى المحتاجين لنقل الدم بالولايات المتحدة وكندا وحدهما بنحو 4.5 مليون مريض سنويا.

ويشير تقرير منظمة الصحة العالمية الصادر عام 2009 بخصوص سلامة وتوافر الدم عالميا (المبني على بيانات إحصائية عالمية تم تجميعها عام 2007) إلى أن 65% من مجمل تبرعات الدم تمت في الدول المتقدمة، وأن التبرعات في 73 دولة لم تصل إلى الحد الأدنى المطلوب والمقدر بأكثر من 1% من عدد السكان.

كما أن 31 دولة حول العالم ما زالت تعتمد على الدماء المدفوعة الثمن، في حين أن 41 دولة لا تمتلك الإمكانات الكافية لفحص الدم للتأكد من خلوه من الأمراض المعدية وعلى رأسها الإيدز والالتهاب الكبدي (بي) و(سي)، ومرض الزهري.

وتشير الإحصاءات أيضا إلى أن نسبة النساء من مستقبلي الدم توازي نحو 54%، بينما النسبة في الرجال نحو 46%.

فئات مستقبلي الدم
وينقسم مستقبلو الدم إلى فئتين رئيسيتين، الأولى هي فئة المستقبلين العرضيين ويندرج تحتها مصابو الحوادث والنازفون أثناء الجراحات وخلافه.

أما الفئة الأخرى فهي فئة المستقبلين المزمنين التي يندرج تحتها المرضى بعلل تتعلق بتكوين الدم أو تكسير خلاياه المتكرر كمرضى خلايا الدم المنجلية أو الأورام كالليمفوما واللوكيميا. وقد يحتاج هؤلاء المرضى إلى نقل دم بصورة دورية، مرة واحدة شهريا في المتوسط.

ويخضع التبرع لضوابط صارمة، إذ يجب ألا يقل سن المتبرع عن 17 عاما، وألا يقل وزنه عن 50 كيلوغراما، كما يجب أن تفصل مدة 56 يوما على الأقل بين كل تبرع وآخر.

ويتم التبرع بمقدار يقل قليلا عن نصف لتر من الدماء في كل مرة، وهي كمية قد تنقذ حياة من شخص إلى 3 (في حال تقسيم الدم إلى مشتقات أصغر من خلايا حمراء وصفائح دموية وبلازما وعوامل تجلط).

مضاعفات نقل الدم
أما بالنسبة للمتلقي فإن أشهر المضاعفات تكون في صورة ارتفاع طفيف بدرجة الحرارة، أو بعض التفاعلات الناجمة عن تكسر جزئي للخلايا الحمراء (نتيجة عدم التطابق التام بين الفصائل الفرعية)، ولكن أخطر المضاعفات هو نقل الأمراض المعدية أو نقل دماء تنتمي لفصيلة رئيسية أخرى غير مطابقة نتيجة لخطأ ما، وهو خطأ قاتل في الأغلب.

مكونات الدم
والدم الذي يطلق عليه لقب «إكسير الحياة» يتكون - بإيجاز مبسط - من سائل شاحب مائل للصفرة هو البلازما أو مصل الدم، ويحتوي هذا السائل على عدد من الخلايا وهي خلايا الدم الحمراء والخلايا البيضاء والصفائح الدموية، إضافة إلى الكثير من الجسيمات الأخرى. ويحتوي جسم الإنسان البالغ على نحو 5 لترات من الدم.

وتتكون البلازما في 90% منها من الماء، وهي تمثل نحو 55% من حجم الدم، ووظيفتها الأساسية هي نقل المواد (سواء كانت بروتينات أو دهونا أو سكريات أو أملاحا أو هرمونات وإنزيمات وخلافه) إلى مختلف أرجاء الجسد.

أما الخلايا الحمراء، فهي الناقل الرئيسي للأكسجين وثاني أكسيد الكربون بالدم، ونقول الرئيسي لأن هناك جزءا ينتقل مذابا في البلازما. وكريات الدم الحمراء خلايا عديمة النواة، تعيش نحو 120 يوما بالجهاز الدوري، وتكتسب قدرتها على الارتباط بالأكسجين نتيجة وجود مادة الهيموغلوبين بها، وهي مادة مكونة من اتحاد بين الحديد ونوع من البروتين.

وتحمل الخلايا الحمراء على جدارها الخلوي رموزا معينة مسؤولة عن تحيد فصيلتها Antigens، وهي التي تتسبب في التفاعل المناعي في حال حقن هذه الخلايا إلى شخص ذي فصيلة مغايرة.

فصائل الدم 
وتبعا للرمز المحمول، تنقسم الفصائل إلى «إيه» A، «بي» B، «إيه بي» AB، و«أو» O.. كما تنقسم الفصائل إلى فئة موجبة، تمثل نحو 85% من البشر، وأخرى سالبة.

وتندرج تحت هذه الفصائل الرئيسية الكثير من الفصائل الفرعية، ويجب إجراء اختبارات تطابق الفصائل قبل إعطاء المريض أي جرعة من الدم المنقول وإلا تعرض لنوع عنيف وقاتل من التفاعل المناعي يؤدي إلى تكسير خلايا الدم «المستقبلة»، وترسب مادتها داخل الشعيرات الدموية الدقيقة، مما يؤدي إلى انسدادها وموت الخلايا التي تغذيها هذه الشعيرات.

أما الخلايا البيضاء فهي جزء رئيسي مهم من منظومة المناعة الخلوية بالجسم، وتعتبر خط الدفاع الأول ضد أي ميكروب يدخل إلى مجرى الدم.

وبالنسبة للصفائح الدموية فهي تقوم بدور هام في تجلط الدم وسد الفجوات التي تحدث بالأوعية الدموية والتي قد ينجم عنها حدوث النزيف.

ويتم تصنيع الخلايا الحمراء والصفائح الدموية والبلازما بالنخاع العظمي بالأساس، بينما تصنع الخلايا البيضاء في الجهاز المناعي.

بدائل الدم
ويذكر أنه لا غنى عن استخدام الدماء البشرية لتعويض فقدان الدم، ولم يتوصل العلم لبدائل نافعة، اللهم إلا مكبرات حجم الدم Blood volume expanders وهي عبارة عن محاليل وريدية تستخدم لزيادة حجم الدم بالأوعية الدموية في حالات النزف لمواجهة مخاطر الصدمة الوعائية، إلا أنها لا تقوم بأي دور حيوي مما يقوم به الدم.

ويحاول العلماء التوصل إلى صيغة صناعية للدم، إلا أن جهودهم لم تكلل بالنجاح في هذه المجال، كما يحاول آخرون التوصل إلى مواد تقوم بتغطية الجزء المسؤول عن التعريف المناعي وفصيلة الدم، على أمل توفير مزيد من البدائل للمحتاجين.

نقص الاحتياجات
وتعتمد كثير من دول العالم، ومنها دول شرق أوسطية، على شراء احتياجاتها من أكياس الدم من الدول الأكثر تجميعا للدم من مواطنيها، مع ما قد يحمله ذلك من مخاطر صحية، مثل التلوث أو الأمراض المعدية، إضافة إلى أن أغلب هذه الدماء تكون غير طازجة.

وطبقا للمعلومات الواردة بالإحصاءات العالمية فإن الدول النامية عامة تعاني من نقص حاد في إمدادات الدم عبر التبرع، إذ إن نسبة التبرع أقل من 5 أشخاص لكل ألف نسمة، كالحال في مصر والسودان، وتعتبر المغرب أفضل حالا إذ تتراوح معدلات التبرع فيها ما بين 5 إلى 10 في الألف، بينما تعتبر الجزائر وتونس ودول الخليج الأفضل بمعدلات تبلغ من 10 إلى 20 بالألف، ولا تشهد المعدلات مقاربة للمستويات العالمية سوى في الأردن والكويت والإمارات العربية بنسب تتراوح ما بين 20 إلى 30 بالألف، وهو ما يعتبر تاليا للنسب المعروفة في أوروبا الغربية والولايات المتحدة وكندا التي تزيد فيها معدلات التبرع عن 30 بالألف من التعداد السكاني.

ومسجل بالتاريخ، أن أكبر عدد من المتبرعين في زمن قياسي قصير كان في الولايات المتحدة الأميركية، حيث تسابق نحو نصف مليون مواطن للتبرع خلال بضعة أيام عقب حادثة تفجير برجي مركز التجارة العالمي في الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام 2001.

كما أنه مسجل بالمنطقة العربية حدوث نشاط فائق في حملات التبرع بالدم إبان فترة الانتفاضة الفلسطينية الثانية، التي شهدت حملات مكثفة عبر أرجاء العالم العربي نجحت في توفير ملايين من أكياس الدم على مدى عدة شهور.

ولا يبقى في النهاية سوى الجملة التي تضعها مراكز الدم الأميركية كشعار عريض لها: «التبرع بالدم: نحو ساعة من وقتك.. قد تعني الحياة للآخرين».

التبرع بالدم
ويسبق التبرع بالدم كشف طبي سريع يحدد مدى سلامة المتبرع وقابليته للعطاء، حيث يجب أن تكون حالته الصحية مستقرة ولا يعاني من أمراض عضوية عضال مثل أمراض القلب أو الكبد أو الكلى أو الأنيميا، نظرا لخطورة التبرع في مثل هذه الحالات.

وتستغرق عملية التبرع ذاتها نحو 10 دقائق، ونحو ساعة إجمالا إذا أضفنا زمن الكشف والإجراءات المتبعة. وتقدم معظم مراكز التبرع عادة مشروبا منعشا يحتوي على السكريات وبعض الأملاح المعدنية للمتبرع عقب انتهاء الإجراء لاستعادة النشاط البدني. ويستعيد الجسم ما فقده أثناء التبرع على مراحل، إذ يعوض البلازما في نحو يومين إلى 3، بينما تحتاج الخلايا الحمراء إلى ما بين 20 إلى 60 يوما من أجل تعويض المفقود.

وإضافة إلى ما يمثله التبرع من قيمة إنسانية، فإن المتبرع يستفيد من الناحية العلمية، حيث ينشط التبرع بالدم الجهاز المناعي والنخاع العظمي، كما يحمي من تراكم بعض المواد التي قد تؤدي زيادتها إلى حدوث حالات مرضية، وعلى رأسها الحديد.

ويخضع الدم المجمع لعدة اختبارات، تحددها المنظمات العالمية في 13 اختبارا، منها 11 خاصة بالأمراض المعدية.

ويمكن تخزين الدم لمدد تتفاوت حسب طبيعة مشتقاته، فبينما لا تصلح الصفائح الدموية للاستخدام بعد أكثر من خمسة أيام من استخراجها، ولا توجد وسيلة معروفة حاليا لحفظها أطول من ذلك، فإن الدم الكامل قد يصح استخدامه خلال 42 يوما، بينما تظل البلازما المجمدة صالحة للاستخدام خلال عام كامل من تخزينها، إلا أنها تفقد مع طول التخزين عوامل حيوية رئيسية ولا تستخدم في تلك الحالة إلا على سبيل زيادة حجم الدم بجسد الإنسان في حالات الطوارئ.

وهناك بعض التأثيرات الجانبية لعمليات نقل الدم قد تحدث للمتبرع أو المتلقي، فالمتبرع قد يعاني من الدوار أو الغثيان أو هبوط بالدورة الدموية، وتكون في معظمها ناتجة عن رد الفعل العصبي جراء وخز الإبرة المستخدمة أو مشاهدة الدماء وهي تنسحب إلى كيس الجمع.