صيام رمضان ليس للضعفاء أو المرضي

ينصح بتناول الماء والسوائل بين الوجبات لتعويض الجسم ما يحتاجه من الماء والسوائل وليس أثناء الوجبات، حيث يربك الماء الهضم أثناء الوجبات ويخفف العصارة الهاضمة
ينصح بتناول الماء والسوائل بين الوجبات لتعويض الجسم ما يحتاجه من الماء والسوائل وليس أثناء الوجبات، حيث يربك الماء الهضم أثناء الوجبات ويخفف العصارة الهاضمة

من عظمة الإسلام أنه دين يسر ولا يسعي لأن يحمل الإنسان ما لا يطيق، فالقرآن لا يفرض الصيام على المؤمنين الذين يعانون من المرض في شهر رمضان، وقد منح الله تعالي المرضي أو الذين هم علي سفر أو الذين تتوفر لديهم شروط العجز أو عدم القدرة علي الصيام أن يخرجو فدية أو يطعموا المساكين وفي ذلكم رحمة واسعة.


وقد قال الرسول صلي الله عليه وسالم" : إن الله يحب أن تؤتي رخصه كما يحب ان تؤتي عزائمه"، وفي حالة وجود مرض ما، ينبغي استشارة الطبيب الذي يمكنه تقديم المشورة وربما تعديل العلاج.
ومع قدوم شهر رمضان المبارك يأتي الصيام وما يحققه لنا من صحة وحيوية وقوة إرادة وعزيمة وتقرب للخالق وعبادات وروحانيات لا تتكرر ولا نشعر بمذاقها إلا في هذا الشهر الفضيل.

ولكن هناك من امتحنه الله بالمرض ولا يستطيع صيام رمضان كله أو قد لا يستطيع الصيام في رمضان نهائياً لمرض لا يصح معه الصيام، وهؤلاء المرضى يتوقون للشفاء وإلى الأبحاث التي تُجرى في هذا المجال لمعرفة أثر الصيام في المرض وهل يمكنهم الصيام أم لا لأن المرضى المسلمين بالملايين.

مرضى السكري هم الأكثر عرضة للخطر عند الصيام لفترات طويلة، فعند حلول الظلام أخيرا يجب الحرص عند الإفطار وترتيب وجبات الطعام بحكمة.

رمضان والأمراض الغير متناسقة:
خلال شهر رمضان المبارك، يمتنع المسلمون المؤمنون البالغين والأصحاء عن الطعام والشراب من شروق الشمس إلى غروبها، ومع ذلك فمن المستحسن تجنب الصيام للأشخاص الغير أصحاء، وذلك لأن هذه العملية يمكن أن تكون خطيرة.
وهذا ينطبق على النساء الحوامل أو المرضعات، والأشخاص المصابين بقرحة المعدة المتطورة، والصرع غير المتحكم فيه علي سبيل المثال.

وعموما أي شخص مصاب  بمرض مزمن أو حاد، (كارتفاع ضغط الدم، الربو، الأمراض العصبية والنفسية..) لا يجوز له الدخول في الصوم أو عليه أن يؤجله لأن هذه الممارسة من المرجح أن تجعل مرضه يزداد سوءا أو يتأخر شفاؤه.
ولتفادي أي خطر، فمن المستحسن السعي للحصول على نصيحة الطبيب الذي قد يضطر إلى أن ينصح بعدم الصوم أو تعديل العلاج الحالي، ولكن الكثير من المؤمنين لا يهتمون باستشارة الطبيب.

كما أن دراسة أجريت عام 2004 تبين أن 58% من الأشخاص الذين يتلقون العلاج على المدى الطويل يذهبون لتغيير الأدوية الخاصة بهم التي يأخذونها خلال فترة شهر رمضان، وهنا نتعرض لأثر الصيام في مختلف الأمراض وفوائده للكثير منها.

الأكثر تعرضا للخطرهم مرضى السكر:
من المؤسف أنه مما لا يقل عن 8 ملايين مسلم مصاب بالسكري، ويتوق هؤلاء إلى الصيام في كل عام، مما يدفع الأطباء إلى ضرورة البحث عن آثار الصيام على مريض السكر حتى يمكن توجيه المريض إلى ما فيه الخير.

ومن المعروف أن مرضى السكر ينقسمون إلى قسمين:
القسم الأول:
هم الذين لا يستطيع البنكرياس عندهم القيام بوظيفته وهؤلاء يكونون من صغار السن عادة، ويحتاجون إلى الأنسولين في علاجهم ولا غنى لهم عنه وهؤلاء لا ينصحون بالصيام أساساً حتى لا يتعرضون للانخفاض أو الارتفاع المفاجئ في نسبة السكر في الدم، وقد تحدث لهم غيبوبة من جراء هذا الارتفاع أو الانخفاض الشديد.

القسم الثاني:
وهم مرضى السكر الذين يحدث لديهم ارتفاع في نسبة السكر في الدم نظراً لعدم إفراز البنكرياس للأنسولين بشكلٍ كافٍ وهؤلاء يتناولون الأقراص المخفضة لنسبة السكر حتى يعود لمعدله الطبيعي، وهذه الزيادة في نسبة السكر في الدم تنتج من كبر السن والممارسات الغذائية الخاطئة، وهذا القسم من مرضى السكري يمكنهم الصيام ولكن يجب عليهم تناول قرص مخفض لنسبة السكر قبل الإفطار وتناول قرص قبل السحور، ويراعى كذلك تناوله لنصف كمية الدواء في السحور حتى لا يحدث انخفاض شديد للسكر أثناء الصيام.

ومن المفيد لهؤلاء المرضى ممارسة بعض الرياضة الخفيفة أثناء الصيام فعند القيام بفحص الصائمين من القسم الثاني تبين أن ممارسة الرياضة تعمل على ضبط نسبة السكر في الدم أكثر من غيرهم من المرضى من نفس القسم ممن لم يمارسوا الرياضة.

وتشير مقارنة أعداد الذين يتم استقابلهم في قسم الطوارئ خلال فترات رمضان وعدا شهر رمضان، إلى أن حالات الطوارئ تستقبل أكثر المؤمنين المسلمين خلال شهر رمضان، وفي المقابل نجد أن مرضى السكري هم الأكثر تعرضا للخطر من مضاعفات تحدث لهم.

وخلال شهر رمضان، تزداد مخاطر نقص السكر في الدم أو فرطه بشكل كبير، ومن هنا تأتي الضرورة لإجراء المريض محادثات مع طبيبه الذي يمكن أن يغير العلاج، فعلى سبيل المثال يصف الأنسولين السريع أو يقلل الجرعة.

وسوف يقدم طبيب التغذية أيضا المشورة والمتابعة مع مراقبة وثيقة للغاية للجلوكوز في الدم، أما بالنسبة لمرضى السكري الذين يعانون أصلا من مضاعفات، فالصوم ليس ممكنا بسبب الاختلافات الكبيرة جدا في نسبة الجلوكوز في الدم وتفاقم الفشل الكلوي، أو المضاعفات البصرية العصبية.

الخروج من الصيام وترتيبات الوجبات:
بعد فترة الصيام، فإنه من المهم تنظيم تناول الطعام والشراب دون الوقوع في الخطأ، ويجب أن تتألف وجبة الإفطار من الدهون النباتية (الزيوت، الزيتون، اللوز والشيكولاته)، بالإضافة إلي الكربوهيدرات والمشروبات والفواكه الطازجة أو المجففة، وينبغي أن تكون الوجبة الثانية غنية ولكن خفيفة لتسهيل عملية الهضم والنوم، كما ينبغي لهاتين الوجبتين تعويض خسارة الطاقة والجفاف الناجم عن الصيام.

ينبغي أن تكون الوجبة الثالثة (السحور) هي الأكثر اتساقا، حيث ينبغي أن تسمح بمقاومة العطش والجوع طوال اليوم، وعموما فمن الضروري ضمان وجود نظام غذائي متوازن وتجنب تناول الطعام الزائد وبسرعة كبيرة.

ولا توجد مشكلة إطلاقاً مع مريض الضغط والصيام، ولكن ينصح مرضى الضغط بالإكثار من تناول السوائل في فترة الإفطار حتى لا يصابون بالجفاف، وينصح كذلك بتجنب تناول الأطعمة الغنية بالدهون والأملاح والكافيين.

ولكن قد يتساءل بعض المرضى عن سبب ارتفاع نسبة الدهون في الدم في رمضان وهل الصيام هو السبب؟
للإجابة عن تساؤل هؤلاء نقول: إن الصيام لا يمكن أن يزيد من الدهون ولكن ما يزيد منها هو أنهم يقبلون على تناول الأطعمة الدسمة بكثرة عند الإفطار وبصورة أكثر مما يتناولونها في الأيام العادية، والنتيجة الطبيعية هي ازدياد نسبة الدهون في رمضان بصورة أكثر مما يحدث في غير رمضان.

والحقيقة هي أن الصيام بالامتناع عن الطعام كلياً في النهار يؤدي إلى استهلاك الدهون الزائدة، مما يخفض نسبتها ويقي من تصلب الشرايين وزيادة نسبة الكوليسترول في الدم.

الصيام ومريض القلب:
من المتعارف عليه أن هناك احتياطات غذائية خاصة يجب أن ينتبه إليها مرضى القلب حيث تعتبر عاملاً كبيراً في علاجه إذ يعتمد عليها كجزء كبير من علاجه، بحيث يجب تنظيم طريقة تناوله للطعام وذلك بالإقلال من الكمية والإقلال من تناول الأملاح والدهون، ومما لا شك فيه أن هذا المريض سيجد ضالته في الصيام حيث يمنع الطعام نهائياً أثناء الصيام, وعليه أن يحتاط عند الإفطار.

وهذا الامتناع عن الطعام في الصيام يخفف العبء على القلب بنسبة 25% على الأقل، حيث يقل المجهود الذي يقوم به القلب بانخفاض ضخ الدم ومن هنا يتقوى القلب تدريجياً بالصيام.

ولكن على مريض القلب مراعاة تنظيم الأدوية التي يتناولها بمساعدة طبيبه مع التقليل من الملح والمواد الدهنية عند الإفطار, ومع مراعاة هذه الاحتياطات يلاحظ ازدياد حيوية القلب تدريجياً.

الصيام والبدانة:
لا يعتبر الكثير من البدناء أنفسهم من المرضى بالطبع، ولكن هذه البدانة مع استمرارها وزيادتها المستمرة تؤدي بالطبع إلى المرض المحقق، فهي السبب في الكثير من الأمراض مثل زيادة ضغط الدم وتصلب الشرايين وآلام الساقين وضيق التنفس وأمراض القلب وأحياناً ما تكون سبباً في مرض السكري, والصيام يلعب دوراً كبيراً مع البدانة حيث يؤدي الامتناع عن الطعام إلى تقليل نسبة الدهون في الدم عامة.

وعلى الشخص البدين أن يستغل هذه الفرصة في التعود على الجوع حتى لا تكون هناك مشكلة في تقليل الطعام فيما بعد ويشعر الصائم بالجوع لمدة 4 أيام تقريباً ثم يتلاشى الشعور بالجوع بعد ذلك.

ويمكن للبدين أن يتبع نظاماً غذائياً خالياً من الدهون ومتوازناً في سعراته عند الإفطار، وبهذا تستمر الفائدة وينجح في الإقلال من وزنه بفضل الله ويحمي نفسه من الأمراض المتوقعة بسبب البدانة.

الصيام والتدخين:
بالطبع لا يعتبر المدخن نفسه مريضاً لأنه لا يعاني من مرض شديد ولكنه قد تعود على وجود هذا الشيء اللعين بين أصابعه الذي ينقص من عمره ولا يدري، وقد يعلم خطورته ويريد الإقلاع عنه ولكنه كالإدمان لا يمكنه الإقلاع بسهولة فقد تعود دمه على نسبة النيكوتين التي تدخل إليه ويشعر بالحاجة إلى التدخين حتى تستمر هذه النسبة بدون تغير ولا يُحدث خلل في هذه النسبة يؤدي لتعكر المزاج، ولذا يكون الإقلاع عن التدخين عبئاً كبيراً على المدخن الذي يريد المحافظة على حياته في صحة دائمة, كما يحتاج إلى إرادة من فولاذ.

ويأتي الصيام بأمرٍ من الله بالإقلاع عن التدخين تماماً مثل كافة الأغذية وهنا يضطر المدخن المسلم للإقلاع عن التدخين مرغماً أثناء فترة الصيام ومهما احتاج إليه ومهما تعكر مزاجه فهو لا يمكنه التدخين وهو صائم، إذاً فهو قادر على الإقلاع عن التدخين، ويمكنه مواصلة ذلك بقوة الإرادة مع وضع طاعة الله في الاعتبار.

نصائح للأصحاء الصائمين:
لا شك أن الوقاية خير من العلاج، وعلى كل من أنعم الله عليه بصحة جيدة أن يحافظ عليها فهى رأس مال الإنسان في هذه الحياة ومصدر رزقه, وأغلب المرض يأتي من البطن، أي من الممارسات الغذائية الخاطئة فهي مصدر كل داء، فالإفراط في أي نوعٍ من أنواع الطعام مهما كان مفيداً ومهماً كان الإنسان مغرماً به يكون له مضاره الجسيمة بمرور الوقت.

فالإفراط في الدهون والأملاح والكافيين يصيب الإنسان بالأمراض الخطيرة كتصلب الشرايين وضغط الدم المرتفع، وكذلك الإفراط في تناول السكريات والنشويات له مضاره أيضاً، فأقل الضرر إن لم يكن المرض هو السمنة التي هي بداية كل داء.

والصيام فرصة لكي ننعم بصحة جيدة لذا يجب ألا نفسد فوائد الصيام الصحية التي خلقه الله من أجلها بسبب بعض الممارسات الخاطئة.

ومن الخطأ أن نجد الصائمين بمجرد سماعهم أذان المغرب يعوضون حرمان اليوم كله بتعبئة المعدة بما لذ وطاب من كافة الأطعمة وخصوصاً الدسمة منها، ثم تناول الحلويات الرمضانية المشبعة بكميات هائلة من السكر، ثم العمل على إزاحة كل هذا بالماء أو بالمياه الغازية.

فتكون النتيجة الطبيعية بتوقف المعدة وحدوث التخمة والخمول، ويصبح الإنسان كسولاً في إقباله على صلاته التي تزداد جرعتها بصلاة التراويح في رمضان وتحتاج إلى جسد خفيف غير مثقل يؤديها، كما تحتاج إلى عقل يقظ يعي ما يقوله, فالإفراط في الطعام يؤدي لتحول الدورة الدموية إلى المعدة وقلة توجهها للحركة والمخ.
ولا شك أن هذا الأسلوب في تناول الطعام هو السبيل إلى المرض وليس الصحة، وإلى زيادة نسبة الدهون والكوليسترول في الدم وإلى زيادة الوزن كذلك، فعلى الصائم الذي لا يعاني من أي مرض أن يتبع أسلوباً معيناً في غذائه بداية من سماع أذان المغرب.

فعليه أولاً:
1- الدعاء ثم الإفطار على بضع تمرات:
وذلك كما نصحنا الرسول عليه الصلاة والسلام، وفي تناول التمرات حكمة وهي أن التمر غني بالمواد السكرية سهلة الهضم التي سرعان ما تمتص، وبهذا تعيد نسبة الجلوكوز في الدم إلى معدلاتها الطبيعية حتى يكون الجسم مهيئاً لتناول المواد الغذائية الأخرى.

2- والخطوة التالية لتناول التمرات:
هي التوجه لصلاة المغرب التي تستغرق بعض الوقت، والذي يكفي لتقوم التمرات بمهمتها.

3- تناول عصير أو شوربة خضار:
يلي ذلك تناول عصير طبيعي بدون سكر مضاف، أو تناول شوربة الخضار.. ثم بعد ذلك بفترة، مثلا فترة صلاة العشاء والتراويح يمكن تناول المواد الغذائية الأخرى بشكل معتدل، أي يتناول الإنسان طعامه على مراحل حتى لا يرهق أجهزته دفعة واحدة.

4- تناول السوائل بين الوجبات:
كما ينصح بتناول الماء والسوائل بين الوجبات لتعويض الجسم ما يحتاجه من الماء والسوائل وليس أثناء الوجبات، حيث يربك الماء الهضم أثناء الوجبات ويخفف العصارة الهاضمة.

5- تناول الفواكه أفضل من الحلويات الصناعية:
ويمكن تناول الفاكهة المختلفة كذلك كالتفاح والبرتقال وغيرها من ثمرتين إلى ثلاث؛ لاحتوائها على السكر الطبيعي المعتدل بخلاف الحلويات الصناعية، وتعمل الفاكهة على سهولة حركة الأمعاء ومنع الإمساك، كما ينصح بتناول الأغذية المحتوية على الألياف أيضاً لفائدتها العظيمة للهضم.

6- الإكثار من الشاي غير مناسب:
وينصح كذلك بعدم الإكثار من تناول الشاي، حيث يكون مدراً للبول وقد يفقد الجسم الكثير من الأملاح المهمة.

7- تأخير السحور:
وأخيراً يفضل تناول السحور قبل الفجر بوقت بسيط اتباعاً للسنة حيث يكون آخر ما نتناوله قبل الإمساك بوقت بسيط.. فإذا ما اتبعنا الهدي النبوي في أمور الصيام سننعم بالصحة والسعادة وطاعة الله.