ديور» و«لانفان» .. يقدمان تصميمات لكل الأذواق تغازل جيوب المرأة

«بين «ديور» و«لانفان».. الإبهار المريح والرومانسي المثير
«بين «ديور» و«لانفان».. الإبهار المريح والرومانسي المثير

لا شك في أن المرأة الخمسينية وما فوق، التي تعشق ماركة «ديور» وتكنُّ لجاكيتاتها المحددة عند الخصر وتفصيلها كل الحب والإخلاص - ستتنهد ولسان حالها يقول: «يا ليت الشباب يعود!» وهي تتابع العرض الذي قدمه مصمم الدار جون غاليانو لها.


فهذا الأخير كتب لربيع وصيف 2011 سيناريو رحلة مثيرة تجري أحداثها في البحار وجزر المحيط الهادي. كانت تفاصيل هذه الرحلة واضحة حتى قبل أن يبدأ العرض بالنظر إلى المسرح الذي بني بداخل القاعة المنصوبة في حدائق «التويلريز»، على شكل ميناء صغير تتراصّ حوله أعمدة خشبية وسلاسل وحبال.

المصمم شرح أنه استلهمها من فيلم «أو ذي ووتر فرونت» الشهير لمارلون براندو، مستعملا 45 قطعة في هذا الشرح، بألوانها ونقوشاتها التي طبعت بعضها أشجار النخيل فضلا عن بعض الإكسسوارات، من حقائب يد وقبعات البحارة وغيرها من الإيحاءات البحرية المثيرة، مما لا يترك أي شك في أن غاليانو أدار دفة المركب في اتجاه مختلف تماما عما قدمه في موسم «الهوت كوتير» من ورود متفتحة أخذها من حديقة مؤسس الدار السيد كريستيان.

طبعا أمر يثير الاستغراب وخصوصا أن العادة جرت أن يأخذ المصمم الفكرة نفسها ويخفف من قوتها في موسم «الأزياء الجاهزة». أي: يخفف من دراميتها وفانتازيتها ويجعلها تجارية أكثر حتى تناسب الحياة اليومية والواقع أكثر. لكن هذه المرة، كانت الرحلة من حديقة ورود متفتحة إلى البحر والشمس غير متوقَّعة ومفاجأة للحواس وإن بقيت الألوان المتوهجة نفسها. في الجزء الأول من العرض أرسل غاليانو عارضاته في معاطف قصيرة وجاكيتات طويلة تحمي من البرد، كانت جد مناسبة لأجواء الخريف والشتاء وأجواء باريس الممطرة هذه الأيام، لكن سرعان ما بدأت قطع أخرى تتوالى مثل قمصان مأخوذة من الرجل نسقها مع «شورتات» وبنطلونات بحارة ثم فساتين شفافة وناعمة بأطوال قصيرة وحواشٍ تجعلها تدور مع كل خطوة. هذه الشفافية، في ما يخص الأقمشة، هي التي طبعت العرض من البداية إلى النهاية تقريبا، في نعومة تتناقض تماما مع حياة البحارة وقسوة عملهم.

 الماكياج أيضا جاء أنثويا، بعيدا عن الدراما التي عودنا إياها المصمم البريطاني المعروف بشطحاته الفانتازية، استوحاها كما كتب في الورق الذي وزِّع على الحضور من النجمة بيتي بايج في الخمسينات من القرن الماضي، مع العلم أن هذه النجمة اشتهرت بجملتها المأثورة «لم أكن يوما امرأة عادية».

للحصول على صورتها، استعملت العارضات شعرا مستعارا بغرات قصيرة مع تسريحة متماوجة وكثيفة، بينما كان أحمر الشفاه قويا وظلال العيون درامية بألوان الوردي والبرتقالي والأزرق. بالنسبة إلى فساتين المساء والسهرة، فقد جاءت هي أيضا شفافة، لكن في غاية الأنوثة بألوانها المتوهجة التي تعِدُ بصيف حافل بالحفلات والمسرات، خصوصا بالنسبة للمرأة التي تعيش في المناطق الحارة، وبالطبع فمنطقة الخليج العربي لا بد أن تكون على البال. فهي الوان ليست حارة فحسب، بل تناسب بشرتها تماما، سواء تعلق الأمر بالأصفر الفاقع أو الأرجواني بدرجاته وأزهاره والفيروزي والبرتقالي، من دون أن ننسى التطريزات وتفاصيل أخرى على شكل ريش وعقيق ومحار زيَّنتْ حواشي تنورات أو الأعناق. الأقمشة أيضا كانت مثيرة تباينت بين الشيفون الكاشف لمعالم الجسد، كون معظم الفساتين والتنورات لم تكن مبطنة، أو القطن الرحيم في أيام الحر.

تشكيلة قد لا تكون قد غاصت في أعماق غاليانو وأخرجت كل طاقاته، إلا أنها سلطت الضوء على الجانب الرومانسي في شخصيته، وستكون بمثابة نسمة منعشة في ربيع وصيف 2011. لكن الحديث عن «ديور» لا يكتمل من دون الحديث عن الإكسسوارات، بدءا من الأحذية العالية التي زينت بالريش وأشرطة الساتان، وتم تنسيق بعضها بجوارب سميكة وقصيرة لحمايتها من عوامل الطبيعة والطقس في هذه الرحلة، أو حقيبة اليد التي تميزت بعدة أشكال، لكن سادت فيها «اللايدي ديور».
فقد حملتها العارضات بالبيج والأزرق النيلي، بل وحتى بنقوشات مستوحاة من البحار وأشجار النخيل، ربما تكون هي المتنفس بالنسبة للمرأة الخمسينية وما فوق، التي قد تعاتب غاليانو على تجاهله لها هذه المرة، لكن في الوقت ذاته قد تسعد لأن بناتها وحفيداتها سيتمتعن بإبداعات هذه الدار كما تمتعت بها هي في يوم من الأيام. ثم قد يكون رد المصمم على عتابها بسيطا: «لا عليك فأنت لك كل (الهوت كوتير)».

قبله عرض المصمم داي فوجيراوا، مصمم دار «إيسي مياكي» مجموعة مختلفة، شكلا وروحا، من خلال قطع غطت الجسم بطبقات شفافة تلامس الجسم من بعيد بحنان ورقة، مع قليل من الخوف. فقد ظهرت العارضات وكأنهن أشباحا يعشن في بيت مسكون، يطللن منه على الجمهور من بين سحابة دخان كثيفة وموسيقى تؤكد هذا الإحساس الذي لم تبدده الأزياء ولا الماكياج الباهت. الأبيض والأسود، كان الغالبين على معاطف وجاكيتات وبنطلونات وفساتين زينها بحلقات فضية أو ببليسيهات. الفكرة كما شرحها المصمم هي أن هناك شبحا يسكن كل قطعة أزياء، تنتظر بصبر أن تغري روحا أخرى لتتملكها، مركّزا في هذا على الألوان والقصات وأيضا على الأقمشة، التي تباينت بين الحرير في بليسيهات قوية ومؤثرة.

لكن لحسن الحظ، سرعان ما تغيرت النغمة وظهرت قفاطين بألوان قوية، وفساتين بأكمام وكأنها أجنحة بتقنيات جديدة زادتها خفة ونعومة، إلى حد أنها بدت كأن لابستها يمكن أن تطير مع أول نسمة هواء. ولأننا في دار يابانية ومصمم ياباني، كان لا بد من تقنيات وأشكال معقدة لخلق بليسيهات متعددة، ومعاطف كيمونو وبنطلونات بطيات واسعة أقرب إلى البليسيهات وفساتين من دون أكمام طويت عند الصدر مثل الكيمونو أيضا. كان هناك أيضا فستان مغزول بالصوف الخفيف مغطى بفتحات صغيرة جدا مثل الفسيفساء لتظهر منها البشرة، قد تكون الفكرة منها أن تتيح للجسم التنفس في الصيف.

لحسن الحظ أن ألبير إلبيز، مصمم دار «لانفان» يمتلك القدرة على تبديد مشاعر الغضب والتعب وكل ما يتبعها من مشاعر سلبية. فقد كان عرضه في قاعة «فريزينيه» الواقعة في الجادة 13، والتي يعتبر الوصول إليها كابوسا لبعدها، من جهة. ومن جهة ثانية، عرضه لم يبدأ إلا بعد أكثر من ساعة قضى الحضور معظمها خارج القاعة تحت المطر. لكن الساحر إلبيز نجح في مسح كل هذه المشاعر بتشكيلة أدخلت الدفء على النفس وأعادت الثقة بجمال الموضة. أرسل ثلاث عارضات في البداية في تنورات طويلة تنساب بنعومة مدهشة نسّقها مع قميصولات وقمصانا من دون أكمام بأقمشة أكثر خشونة أو عملية بالمقارنة. بعد المجموعة الأولى زاد من جرعة النعومة، وقدم فساتين من دون أكمام خفيفة، وتنورات مع جاكيتات وبنطلونات ليكرا ضيقة نسّقها مع صنادل «غلادياتور» من دون كعب.

كان هناك إحساس قوي بأنه استحلى اللعب بالازدواجية واستغلها على كل المستويات، من الأقمشة الناعمة والخشنة، إلى التصميمات المنسدلة والمفصلة، مرورا بالإيحاءات الأنثوية والذكورية، والمزج بين العملي والمبهر. توالت التصميمات على إيقاع موسيقى يعطي الإحساس بأن أمرا جللا سيحدث، لكن عوض الخوف والتوجس، كان هنا تشويق وترقب. ومع كل إطلالة لم يخيب المصمم الآمال، فهي تشكيلة واثقة برومانسيتها، قوية في نعومتها، لا سيما في ما يتعلق بالتنورات الطويلة التي كانت تتطاير بخفتها، رغم أنها لم تكن شفافة، لكن المصمم اكتشف منذ فترة نوعا من الساتان بخفة الحرير وأكثر هو ما يستعمله منذ فترة ويتفوق فيه.

كانت هناك فساتين «التوغا» المستوحاة من الثقافة الإغريقية بألوان غلبت عليها درجات الأزرق والكاكي، والتراب الداكنة التي يمكن القول إنها مستوحاة من أجواء الصحراء. لم تغب التطريزات من التشكيلة، حيث خصص لها المصمم مجموعة تتلألأ بحلقات ومربعات تتراص على القطعة الواحد حتى تكاد تغطيها تماما، من دون أن يوحي بالمبالغة، نسقها مع أحذية بكعوب عالية ومدببة.

وكان مسك الختام إرساله خمس عارضات سوداوات مرة واحدة في سراويل منسدلة منقوشة وتنورات مع قميص من كتف واحدة وفساتين فوق بنطلونات ضيقة. منظرهن انتزع شهقات الإعجاب والتصفيق من الحضور، رغم أن فكرة إرسال مجموعة من العارضات مرة واحدة ليست جديدة، إذ ابتدعها الراحل جياني فرساتشي في الثمانينات، وطورها أنطونيو ماراس، مصمم دار «كنزو» عندما أرسل عشر عارضات سوداوات منذ ثلاثة مواسم تقريبا.

لكن، عندما تكون الترجمة على يد ألبير إلبيز، فهي تأخذ منحى تجاريا جد راق. وهذا التجاري هو الذي تتوسع فيه «لانفان» في المدة الأخيرة، لأنها باتت تعرف أن استمرارها وقوتها تعتمد على قطع تبيع لشرائح متنوعة وليس لشريحة نخبوية فحسب.

لكن ما يحسب لمصممها أنه لم يرخصها على الإطلاق بل ضخها بجرعة قوة مبهرة على كل المستويات، بما في ذلك الأحزمة العريضة التي حددت الخصر أو الإكسسوارات المتنوعة من أحذية وحقائب يد ومجوهرات باتت الدار تركز وتعتمد عليها، ولم لا فهي تشكل نصف مبيعاتها ككل ومن ثم أرباحها.