من هي "ماريا تيريزا" إمبراطورة النمسا الشهيرة؟

حكمت الإمبراطورة ماريا تيريزا الإمبراطورية النمساوية المترامية الأطراف من العام 1740 ــ 1780
حكمت الإمبراطورة ماريا تيريزا الإمبراطورية النمساوية المترامية الأطراف من العام 1740 ــ 1780

الملكة "ماريا تيريزا" إمبراطورة رومانية مقدسة، ملكة المجر، بوهميا، كرواتيا وسلا، ونيا، أرشيدوقة النمسا، دوقة پارما وپياسنزا، دوقة عظمى لتوسكانيا.


ولدت "ماريا تيريزا" في فيينا عاصمة النمسا بتاريخ 13 مايو 1717 ميلادية، وتوفيت في تاريخ 29 نوفمبر 1780 ميلادية.
إنها السيدة الأشهر في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.. السيدة التي دخلت صورتها في غالبية بيوت وجيوب الكثيرين وحافظوا على هذه الصورة. وهي السيدة التي سيطرت على اقتصاد أوروبا والعالم العربي ردحاً من الزمن، وهي درع الإمبراطورية الرومانية المقدسة.
إنها رؤوس الأقلام لما سنتحدث عنه حول هذه السيدة العتيدة المعروفة بميري أوماري تيريزا أو ماري تشارلز السادس إمبراطور ألمانيا، السيدة التي أصبحت إمبراطورة وحاكمة (اوستريا) أو ما يسمى بالنمسا التي غدت إمبراطورية كما كانت بريطانيا في أول القرن العشرين، وكان اقتصاد النمسا هو الاقتصاد السائد في تلك الحقبة من الزمن، وهنا اقتطف من محاضرة السيدة "كلارا ستيل السيدة" الانجليزية المحاضرة في جامعات لندن والتي كرست نفسها لدراسة الحضارة واقتصاد الإمبراطورية النمساوية قبل قرنين تقول السيدة الآتي:

"حكمت الامبراطورة "ماريا تيريزا" الإمبراطورية النمساوية المترامية الأطراف من العام 1740 ــ 1780، عندما ورثت العرش عن والدها تشارلز السادس الذي توفي فجأة وهي في ربيعها الثالث والعشرين، لتصبح أول امرأة من آل هابسبيرغ تدير مقاليد الحكم.

ورغم أن تولي العرش في هذه السن الغضة كان أمرا صاعقا بالنسبة لها، إلا أنها أصبحت واحدة من أكثر الحكام تنوراً وانفتاحا في القرن الثامن عشر، فقد قامت خلال فترة حكمها بالكثير من الإصلاحات، أهمها في قطاعي التعليم والجيش، إلى جانب تحسين أحوال الفلاحين.

في 13 يونيو 1741 توجت ملكة على المجر، وكانت سمعتها قد ساعدتها أن تكون محط غبطة واحترام لغالبية سيدات أوروبا، ولهذا كان يشار إليها بالبنان كالسيدة الأولى في العالم الأوروبي ولهذا يطلق عليها «الملكة الإمبراطورة»، وكانت هذه السيدة حريصة على «كاثوليكيتها»، ونظراً لقوة شخصيتها لم تسمح بتدخل الكنيسة في شئونها، وخصوصا البابا.وتميزت "ماريا تيريزا" كملكة بالجمال إلى جانب الذكاء وعلو الهمة وتزوجت من حبيبها منذ أيام الطفولة "فرانسيس ستيفان" الذي انتخب كإمبراطور الرومان المقدس، وقد أنجبت "ماريا تيريزا" من زوجها ستة عشر طفلا أصغرهم "ماري أنطوانيت" التي أصبحت فيما بعد ملكة فرنسا.

إذن كان هناك إمبراطوريتان: النمسا والإمبراطورية العثمانية: 

كانت هذه السيدة طويلة القامة قوية البنية متزنة العقل والتدبير، مات والدها تاركا لها هذه الإمبراطورية وهي في الرابعة والعشرين من العمر، فكانت تحكم النمسا والمجر وألمانيا وهي الدول الناطقة باللغة الألمانية، وكذلك يوهيميا وهولندا، وقد وضع والدها في وصيته بأن تكون خليفته ابنته ماريا.   من طبائع الأمور أنه بموت حاكم ما يتوقف التعامل بالعملة السائدة خلال فترة حكمه، ويتم سحبها من التداول، غير أن الملكة "ماريا تيريزا" توفيت في عام 1780 في أوج ازدهار عملتها النقدية التي كان الطلب يتزايد عليها بوتيرة متسارعة في كل من الجزيرة العربية وأثيوبيا، إلى الحد الذي جعل ابنها ووريث عرشها جوزيف يوافق على إعادة صك العملة مع الإبقاء على تاريخ إصدارها وهو عام 1780، مما يحمل على الاعتقاد بأن معظم قطع "ماريا تيريزا" التي تحمل هذا التاريخ قد تم صكها في تلك السنة، حيث يصعب التكهن بالتاريخ الفعلي لصكها والمكان الذي صكت فيه. وقد فتحت هذه النقود التي يطلق عليها «نقود عام 1780 المعاد صكها» لجامعي القطع النقدية والمهتمين بعملة "ماريا تيريزا" مجالا رحبا للدراسة.   في هذه الملاحظات السريعة التي قدمت محاضرتها فيها السيدة "كلارا" تعطينا صورة مقتضبة عن هذه السيدة "ماريا" والأوضاع في تلك الحقبة من الحكم وإمبراطوريتها النمسا، ذلك قبل ثلاثة قرون، حيث كانت في العالم العربي وعلى مقربة منها الإمبراطورية العثمانية حتى وقته كان التنافس الاستعماري في بدايته، حيث توجهت فيما بعد فرنسا إلى أفريقيا وبعض دول شرق آسيا لاستعمارها، حتى وصلت إلى (كويبك) في كندا اليوم وهناك هولندا وبلجيكا.. كل اقتطع له قطعة في آسيا وأفريقيا وكان لبريطانيا نصيب الأسد في أفريقيا وشرق آسيا، أما العالم العربي فكان في حينه وديعة لدى الدولة العثمانية ولم يستطيعوا أن يزحزحوها . 
الملكة "ماريا تيريزا" وأفراد أسرتها: 
في سنة 1740 م توفي زوجها فرنسيس الأول الذي تزوجته عن حب جارف والذي أنجبت منه ستة عشر طفلاً، وأصغر أبنائها (ماريا أنطوانيت) التي أصبحت فيما بعد إمبراطورة وملكة لفرنسا، حيث جرت عادة هؤلاء الملوك في أوروبا أن يتزوجوا بعضهم من بعض، فتجد هناك تداخلاً مثلا: ملكة بريطانيا الحالية زوجها من الأسرة المالكة اليونانية وتجد الملوك الهولنديين والدنماركيين والسويديين اليوم أصولهم كلها عبارة عن خليط دماء ملوك وأمراء أسبانيا وفرنسا سابقا وإيطاليا واليونان سابقا، وهكذا نطبق على "ماري أنطوانيت" ابنة إمبراطورة النمسا فقد أخذت إلى فرنسا كزوجة وهناك كان حظها السيئ باندلاع الثورة الفرنسية، التي قضت على الأخضر واليابس وقضت على السلالات التي كانت تحكم فرنسا في تلك الحقبة، وجرَّت أنطوانيت وزوجها إلى المقصلة أو الإعدام، حيث لاقت حتفها وقضي على جزء وشطر من تاريخ هذه البلاد.

نعود إلى بداية الحديث، السيدة الأشهر في القرن الثامن عشر «ماري تريزا» بحكمتها وحكمها والمحيطين بها، عندما ورثت هذه الإمبراطورية استطاعت أن تطور اقتصاد بلادها وتجعل غالبية الدول المحيطة تتعامل معها وتعتبر عملتها العملة الرئيسية التي يتعامل بها في أوروبا والعالم تقريبا، وكان وقتها لا مكان للورق لهذا فقد صكت مجموعة من النقود عليها صورتها، ونظرا لمكانة النمسا فكان الطلب يزداد للتبادل بهذه العملة، وكانت مصانع الصك جاهزة والمال الوفير من الفضة متواجدا بكثرة، لهذا أخذوا يصكون هذه العملة، وأخذ التبادل التجاري يأخذ مكانه وكان من ضمن ذلك التجارة بالبن (القهوة) الذي كان يزرع في اليمن فقط، فأخذ التجار الذين يقدمون على شراء البن يقدمون هذه العملة الفضية التي كانت تصل عن طريق فرنسا صاحبة التجارة، لهذا أطلق على هذه العملة «الريال الفرنسي».. هذه العملة التي أخذت مساحة كبيرة من العالم، والعالم العربي كله يتحدث اليوم أن الدولار الأمريكي هو سيد أكبر عملة في العالم والتعامل في الدولار أضمن وأكثر اتساعا وأسهل في كثير من بلاد العالم، وهذا ما حصل لهذه العملة النقدية الفضية "ماري تريزا".

والسؤال هنا: كيف دخلت هذه السيدة وصورتها في قلوب الكثيرين، في جيوبهم وبيوتهم؟

إنه بلا شك أن أي إنسان في حاجة إلى عملة يحتفظ بها وقت الحاجة، وبما أن هذه العملة هي التي وصلت إلينا منذ منتصف القرن الثامن عشر وهي فترة بداية انتشار التجارة العربية للعالم الخارجي، وحيث كان الإتجار باللؤلؤ والقهوة مع أوروبا والهند والتعامل بهذه العملة الفضية التي تتمتع برؤيتها بين يديك وأنت تنظر إلى هذه الكتابات والرسوم، وكان أبرزها صورة هذه السيدة التي لا يعرفها الناس بل يعرفون العملة التي بين أيديهم ليحتفظوا بهذه القطعة النقدية وهم لا يدرون أن هذه هي السيدة "ماري تريزا" سيدة أوروبا في تلك الحقبة ووالدة "ماري أنطوانيت" سيدة فرنسا في تلك الحقبة أيضاً.
ماري تيريزا وحروب النمسا:
بعد وفاة زوجها تشارلز السادس في عام 1740م، كانت بروسيا أول الدول التي بدأت بالهجوم في حرب الخلافة النمساوية. وسرعان ما انضمت لها بافاريا وفرنسا وأسبانيا، وطالبت كلها بأجزاء من أراضي "ماريا تيريزا" بالرغم من الوعود السابقة. قامت هولندا وبريطانيا بمساعدة قوات "ماريا تيريزا" خلال الحرب. وفي عام 1745م أصبح زوج ماريا تيريزا، فرانسيس ستيفن، الدوق السابق للوران إمبراطور الإمبراطورية الرومانية المقدسة باعتباره فرانسيس الأول، ولكن نفوذها ظل على معظم شئون الدولة.
انتهت حرب الخلافة النمساوية في عام 1748م بمعاهدة إكس لاشابيل، وبموجب هذه المعاهدة فقدت "ماريا تيريزا" تقريبًا كل مقاطعة سيليسيا الغنية، حيث حصل عليها الملك "فريدريك الثاني" ملك بروسيا. وقد اعترفت قوى أوروبا بحقوقها تجاه أملاكها الأخرى.
وفي أوائل الخمسينيات من القرن الثامن عشر الميلادي عملت "ماريا تيريزا" على زيادة قوتها داخليًا وبنت جيشًا كبيرًا، وفي عام 1756م بينما كانت تخطط للانتقام بسبب فقدها سيليسيا، قام "فريدريك الثاني" فجأة بالهجوم ثانية. وتتابعت سبعة أعوام من الحرب، حيث أجْبِرت "ماريا تيريزا" على التنازل عن مطالبتها بسيليسيا.
وبعد وفاة زوجها أصبح ابنها الأكبر الإمبراطور الروماني المقدس باعتباره جوزيف الثاني، وفي عام 1772م انضمت "ماريا تيريزا" مع روسيا وبروسيا في تقسيم بولندا وحصلت على معظم إقليم جاليسيا، وفي عام 1775م أخذت إقليم بوكوفينا من تركيا.
أما بريطانيا والانجليز فدمهم بارد، حيث ظلت الملكية تمر بمراحل وظلت جزءا من تاريخ هذه البلاد ورمزاً لتاريخ هذه الدولة العجوز أو كانت عجوزا وأصبحت محافظة في كل شيء حتى الأسرة المالكة.
لكن نقول إن هذه السيدة فرضت نفسها علينا بعملتها في ذلك الزمن، واستمرت إلى منتصف القرن العشرين وفرضت علينا الاحتفاظ ببعض القطع من هذه العملة «غير المزورة» للذكرى والتاريخ وكيف كانت الإمبراطوريات ترسم لنفسها البقاء والخلود، وهذه "ماريا تيريزا" رسمت لبقاء عملتها للذكرى والتاريخ.. هذه قصة ملكة إمبراطورة حكمت العالم العربي بعملتها فقط التي هي عملة التداول فيما بين هذه الدول فترة من الزمن للتبادل التجاري في القهوة واللؤلؤ والمنسوجات وبعض المواد الزراعية الأخرى وغيرهما من أنواع البضائع، وكذلك الخيول العربية المطلوبة في هذه البلاد للسباق. توفيت "ماريا تيريزا" بفيينا في نوفمبر 1780 ميلادية بعد حياة حافلة بالشهرة والصراعات .