أسبوع لندن لخريف وشتاء 2011 .. يؤكد أن غرابة الأسلوب الإنجليزي له جاذبية خاصة

بين «بيربيري» وبول سميث .. أمطرت الموضة تحفا
بين «بيربيري» وبول سميث .. أمطرت الموضة تحفا

فجأة توارى عرض «إيسا» من الذاكرة، بل وأي عرض آخر ألهب الخيال واستحضر للأذهان عرس الأمير البريطاني ويليام وخطيبته كايت ميدلتون والتوقعات بما يمكن أن تلبسه في عرس العام يوم أول من أمس. والسبب أن عرض دار «بيربيري» البريطانية العريقة كان هو عرض الأسبوع بلا منازع، إلى جانب عرض المخضرم بول سميث. فبعد عدة مواسم سرقت فيها «بيربيري» الأضواء وأضفت خلالها الكثير من البريق على الأسبوع اللندني الذي كان يفتقد مثل هذا البريق، كان من الطبيعي أن يكون عرضها مهمّا.


لكن لم يتوقع أي أحد هذا الكم من الأناقة والجمال الذي يمكن أن يكمن في قطعة من المفترض أن تكون عملية: المعطف، الذي جاء تارة بتصاميم واسعة وملفوفة وكأنها شرنقات من الصوف المخلوط بالكشمير والأنغورا وكل ما يمكن أن يضفي الدفء من خامات، وتارة أخرى مفصلا على الجسم.

الألوان في المجموعة الأولى التي أطلقها كانت مشعة، تتنوع من البرتقالي إلى الأخضر والأصفر قبل أن تظهر مجموعة صغيرة من الفساتين والقطع المنفصلة، أغلبها كنزات صوفية وجاكيتات قصيرة تجلس عند الخصر أو بالكاد تغطي الصدر، وبنطلونات من التويد والصوف ضيقة إلى حد الساق لتتسع عند الكاحل، تبين في ما بعد أن الغرض منها خلق فرصة تستريح فيها العين ويستعيد فيها الحضور أنفاسهم، قبل أن يرسل مجموعات أخرى من المعاطف.

مرات بألوان وتصاميم مختلفة، تتباين بين الواسع وكأنه بطانية، لكن تراعي تضاريس الجسم، ومرات مستوحاة من المعاطف العسكرية، أو محددة على الجسم لتكون بديلا أنيقا للفستان. أغلبها جاء بتفاصيل مبتكرة شملت اتساع بعضها عند الظهر، أو انتفاخ أكمامها أو اكتساب جيوبها أحجاما كبيرة، كذلك الأمر بالنسبة إلى الأزرار الضخمة والياقات العالية أو المستديرة والملولبة.

تنوع لا يترك أدنى شك أن مصمم الدار الفني، كريستوفر بايلي، يتمتع بقدرة هائلة على الإبداع، لأنه على الرغم من عدد هذه المعاطف فإنها لم تصب ولو لحظة واحدة بالملل، كما لم تشعر أي أحد بأنها متكررة، بل العكس، كل تصميم كان ينسيك ما قبله، لتخرج من العرض وأنت تريد كل ما في التشكيلة وتتشوق للبرد.

والأهم أنك تخرج وأنت تدرك تماما لماذا حققت هذه الدار أرباحها في عام 2010، وهي أرباح ستزيد بالنظر إلى هذه التشكيلة، التي لم تبخل فيها الدار بكل أنواع الخامات المترفة بما في ذلك الفرو، الذي كان حاضرا على شكل تفاصيل لافتة، متحديا البرد من جهة، والمناهضين لاستعمالاته من جهة ثانية، إلى جانب اعتمادها أقمشة أخرى مثل الغاباردين، الذي تشتهر به الدار، والتويد والصوف والجيرسيه.

وكأن هذا الطبق الدسم والشهي من المعاطف لم يكن كافيا، فقد كان الإخراج باهرا يليق بالضيوف الذي احتضنتهم القاعة من مثيلات سامنثا كاميرون، سفيرة الموضة البريطانية وزوجة رئيس الحكومة البريطانية ديفيد كاميرون، وأنا وينتور، رئيسة تحرير مجلة «فوغ» في نسختها الأميركية، وإيمانويل آلت، رئيسة تحرير مجلة «فوج» الفرنسية، وغيرهن من النجمات والعارضات المخضرمات وفتيات المجتمع المخملي.

نهاية العرض ستبقى محفورة في الأذهان لفترة طويلة، حيث تم إرسال سرب من العارضات يتعدى العشرين، بعد أن استبدلن أحذيتهن العالية جدا بـ«بوت ويلنغتون» العملي والمريح، الذي يناسب أجواء البرد والجليد، وقد لبسن فوق معاطفهن الأنيقة معاطف قصيرة على شكل «بُنشات» من البلاستيك الشفاف حتى لا تخفي معالم وجماليات ما تحتها، وفي الوقت ذاته تحمي من المطر ومن الثلج، الذي تساقط من أعلى القاعة التي نصبت في حدائق كينغستون وسط هايد بارك.

الطريف أن لا أحد فاتته هذه اللفتة، وكأن كريستوفر بايلي يقول لصناع الموضة الذين تراجعت مبيعاتهم هذا العام بسبب تساقط الثلوج قبل فترة أعياد الميلاد، إنه وجد الحل، وإنه لن يكون هناك أي مبرر في خريف وشتاء 2011 و2012 لكي لا تخرج المرأة والرجل على حد سواء للتسوق مهما اشتدت برودة الطقس. كعادة الدار، التي كانت أيضا سباقة لاستعمال التكنولوجيا، فقد تم بث عرضها هذا بشكل مباشر في ساحة «بيكاديلي سيركس»، الذي ازدحم بعشاق الموضة ممن لم يتمكنوا من الحصول على بطاقة دعوة لحضوره في القاعة.

إذا كان هناك مأخذ على هذه التشكيلة فهو تواري شخصية الدار الإنجليزية وإرثها المتمثل في المعطف الممطر والنقوشات المربعة، في رغبة واضحة من المصمم الابتعاد عنه لمخاطبة شرائح أكبر من كل أنحاء العالم، وفي إشارة إلى أن الدار قد تريد أن تغير من جلدها حتى تلبي الجانب التجاري أكثر وأكثر.

في فندق «السافوي» كان الموعد مع عرض المخضرم السير بول سميث. مصمم آخر يرتبط اسمه بالريف الإنجليزي وتلك اللمسات الغريبة التي يضفيها على أي زي لتحمل بصمته الخاصة، وفي الوقت نفسه تعكس روح النكتة التي تتميز بها الشخصية الإنجليزية، والتي بات الكثير من الناس يعشقونها، وخصوصا في اليابان، سوقه الأول. بول سميث لم يعد إلى الجذور الإنجليزية فحسب، بل أيضا إلى بدايته، وما يتقنه أكثر من أي شيء آخر، ألا وهو تفصيل الأزياء الرجالية، التي أهداها للمرأة، هذه المرة على شكل تايورات ببنطلونات قصيرة أو مطوية، ومعاطف واسعة وإكسسوارات مثل ربطات العنق وأحذية رجالية نسقها مع جوارب، عدا عن نظارات طبية كبيرة، لتكون النتيجة إطلالة صبيانية مفعمة بالأنوثة واللامبالاة.

فالمتعارف عليه أنه أسس داره في عام 1970، وكان متخصصا في الأزياء الرجالية قبل أن يلحظ اهتمام المرأة بقمصانه وستراته، مما شجعه على أن يتوجه للجنس اللطيف منذ قرابة 15 عاما. وهذا ما أكده لوكالة الصحافة الفرنسية (أ.ف.ب) بعد العرض بقوله إنها تشكيلة «عدت فيها إلى جذوري.

أما بالنسبة للأزياء النسائية فإن الفضل في توجهي إليها يعود إلى المرأة نفسها. فقد لاحظت أنها كانت تستعير الكثير من القطع من خزانة زوجها أو أخيها، وكل ما فعلته أني لبيت هذه الرغبة من خلال أزياء موجهة إليها من حيث التفصيل مضيفا القليل من اللمسات الصبيانية». لكنه أضاف أنها أيضا موجهة إلى «امرأة واثقة لا تحتاج إلى أن تكون مبهرجة أو استعراضية للفت الأنظار».

تضمنت التشكيلة أيضا بنطلونات جينز مريحة مطوية من أسفل ليظهر من تحتها الحذاء الرجالي والجوارب الملونة، إلى جانب تايورات نسق بعضها بصديريات وقمصان مقلمة. فالفكرة من العرض ككل أن تظهر العارضات وكأنهن فتيات عاديات يعشن حياتهن اليومية من دون تكلف، لأن هذه الأزياء موجهة أساسا للحياة اليومية والعملية.

وهذا ما يفسر ماكياجهن الخفيف وشعرهن المسترسل بلا مبالاة ومشيتهن المتمايلة وكأنهن متوجهات إلى أماكن العمل أو يتنزهن في حديقة عامة. طبعا ساعدهن على هذا المظهر الأحذية التي بدت مريحة جدا. وبالنسبة للألوان فقد تباينت بين الرمادي والبيج إلى جانب الكثير من الألوان المتوهجة مثل البرتقالي الذي ظهر في معطف وقطع أخرى، والأحمر الذي زين بعض حواشي الأكمام، والفوشيا الذي ظهر في نقوشات ورود ومربعات طبعت بعض البنطلونات، وفستان طويل ظهرت به عارضة مع معطف على شكل سترة طويلة.