الأسلوب الجيورجي في الديكور .. يستعيد تألقه

ويليام جاليفر يقوا أن قطعة واحدة منه في مكان بارز تكفي لتكون مركز جذب وجاذبية لأن ثقافة الشراء الآن أصبحت تركز على مفهوم الاستثمار
ويليام جاليفر يقوا أن قطعة واحدة منه في مكان بارز تكفي لتكون مركز جذب وجاذبية لأن ثقافة الشراء الآن أصبحت تركز على مفهوم الاستثمار

تجاهل مصممو الديكور الأسلوب الجيورجي طويلا، لتخوفهم من إيحاءاته التي ترتبط في أذهان البعض إما بالذوق المبتذل خصوصا أن أغلبية القطع المتوفرة للعامة منه مقلدة بشكل رخيص، أو لأنه لا يتماشى مع إيقاع العصر السريع بتفاصيله المنمقة.


لكنه بدأ يعرف في السنوات الأخيرة عودة ملحوظة ومرحبا بها. فثقافة الشراء الآن أصبحت تركز على مفهوم الاستثمار سواء تعلق الأمر بلوحة فنية أو بقطعة أثاث مميزة، وتم التوصل إلى أنه ليس هناك ما يعبر عن الترف والفخامة من قطعة تتنفس الحقبة الجيورجية.

هذا على الأقل ما يقوله ويليام غاليفر، صاحب معرض متخصص في هذه الحقبة مقره في «ديزاين سانتر تشيلسي هاربور» Design Centre Chelsea Harbour، مؤكدا أن الطراز الجيورجي ينعم بجمالية تضفي على أي بيت دفئا، كما ينعم في الآونة الأخيرة بانتعاش ملحوظ.

والسبب حسب رأيه تصاميمه وزخارفه وشخصيته التي جعلته يتفوق على كل ما طرح قبل الحقبة الجيورجية: «فقد اكتسب في تلك الفترة حجما متوازنا ووزنا خفيفا، وما قمنا به هو أننا أضفنا إليه تصاميم هادئة تتماشى مع العصر من دون أن نفقده خاصيته أو زخارفه المنمقة والدقيقة.

فالعديد من صناع الأثاث الحاليين لا يزالون يستقون أفكارهم من هذا العهد، ويطرحون نسخا طبق الأصل لا يمكن التفريق بينها وبين الأصلية حتى بالنسبة للخبراء».

ويضيف ويليام أن هذا الطراز من الديكور قد يتوارى أحيانا لأسباب اقتصادية أو لتغير الذوق العام، لكنه لا يختفي تماما. فتأثيره كان ولا يزال قويا في كل أنحاء العالم وفي مجالات عديدة، من بينها المعمار، بدليل أن البيت الأبيض شيد على هذا الأساس، بالإضافة إلى عدة بنايات أخرى في واشنطن وغيرها من المدن العالمية.

افتتح ويليام غاليفر شركته منذ 6 سنوات في منطقة وينشستر بهامبشاير وجند لها نجارين مهرة ونجادين لهم خبرة طويلة في هذا المجال. فقد شعر أن هناك ثغرة في السوق يمكنه ملؤها والاستفادة منها، تولدت عن أحداث التاسع من سبتمبر (أيلول) التي أودت بالعديد من الشركات إلى الإفلاس وكادت أن تودي بصناعة الانتيك أيضا إلى هاوية النسيان لولا ظهور شريحة من الأثرياء تريد أن تعيش في أجواء زمن «ذهبي».

يشرح أن إحساسه التجاري جعله يلاحظ أن الإقبال على نسخ طبق الأصل من هذا العهد، مطلوبة من قبل شرائح أكبر من الناس ملت من طراز الديكورات البسيطة الذي كانت ترفع شعار الحداثة، وأن القليل كثير، بألوانها الباردة والحيادية، وباتوا يحنون إلى الماضي الجميل. حتى الفنادق أصبحت تتبنى الطرازات الكلاسيكية أو تضيف قطعا جيورجية لتطعيم ديكور بسيط وعصري بنفحة دافئة ومترفة.

ويتابع أن أحداث 9 سبتمبر كادت أن تقضي على تجارة الانتيكات، لأن الأميركيين كانوا من أهم الزبائن من قبل، مما أدى إلى إغلاق العديد من هذه المصانع البريطانية بعد إفلاسها.

لكن عندما يغلق باب تفتح ابواب حسب ما يقوله المثل، ولحسن الحظ أن العديد من البيوت الفخمة في بريطانيا تقع في مناطق مرفهة، مثل «بلغرافيا» و«مايفير» وتتميز ببنايات جيورجية، وبالتالي تحتاج إلى ما يتناسب مع شخصيتها من حيث الديكور الداخلي.

يقول: «لقد بعنا مؤخرا، الكثير من المرايا والطاولات والمكاتب لأن بيوت هؤلاء الزبائن، بمعمارها وفخامتها، تتطلب مثل هذه القطع».

المتعارف عليه في سوق المنتجات المترفة أن الأزمة المالية أثرت على السوق لكنها لم تؤثر على طبقات الأثرياء. فهذه لم تتوقف عن اقتناء العقارات، التي كان لا بد من تجديدها وتأثيثها بما يتناسب مع إمكانياتها وتطلعاتها، لكن ما تغير هو ثقافة الشراء.

فالعديد من أفراد هذه الطبقات ورغم ثرواتهم، لم يعودوا بالضرورة يريدون قطعا أصلية تقدر بمئات الآلاف من الدولارات، وباتوا يفضلون الحصول على قطع مصنوعة بشكل متقن وبخامات جيدة تبدو أصلية لكنها في الحقيقة مستنسخة، وبأسعار زهيدة بالمقارنة.

فهناك مكتب مثلا باعه ويليام غاليفر بـ14.000 جنيه إسترليني، وكان نسخة طبق الأصل عن مكتب بيع بـ140.000 جنيه إسترليني في إحدى دور المزادات العالمية «وكان التفريق بينهما شبه مستحيل» حسب قوله.

لكنه يؤكد أن إقبالهم لا يعود لأسباب تتعلق بالسعر فحسب، بل إلى نظرة الحذر التي ينظر بها بعض هؤلاء للقطع الأنتيك. فكونها قديمة لا يحسب لها دائما، من باب انها تحتاج إلى إصلاحات وصيانة أكبر، وهو ما سيكلف المزيد من المال والجهد.

على العكس منها، فإن القطع المستنسخة لا تحتاج إلى نفس القدر من الصيانة لأنها جديدة الصنع، رغم أن مظهرها لا يوحي بذلك على الإطلاق، مشيرا إلى أنه بالإمكان الزيادة من قدمها في حال ما طلب منه ذلك، لإضفاء لمسة معتقة عليها، فتبدو أكثر قدما وإقناعا بأنها من عهد ولى.

فهنا يلجأ ويليام إلى تقنيات تستدعي استعمال نفس أنواع الخشب التي كانت تستعمل في القرن 18، مثل الماهوغني الكوبي أو اخشاب عالية الجودة يتم استيرادها من أميركا الوسطى فضلا عن الطين الأرميني وتزيينها بطلاء ذهبي بنفس الطرق القديمة.

يعلق: «استعمالنا لنفس الخامات ونفس التقنيات، يجعل القطعة أكثر إقناعا ويصعب على العين المجردة التفريق بينها وبين الانتيكات التي تباع في دور المزادات العالمية»، مما يجعل الاسلوب الجيورجي مقبولا ومرحبا به في الوقت الحالي، أن ألوانه تغيرت ولم يبق سجين الطلاء الذهبي أو البني الغامق، فهناك مثلا، مجموعة من الطاولات والخزائن بأدراج وكراسي، بألوان متنوعة تتماشى مع أي ديكور في معرضه اللندني.

حتى الأباجورات والمصابيح تم استنساخ أشكالها الاصلية التي تعود إلى 1775، كما أن هناك كرسيا نسخة طبق الاصل عن كرسي يعود إلى القرن الـ18 كان يملكه قيصر روسيا.

وقد قام ويليام مؤخرا بصنع طاولة مطلية بالذهب ومرآة بنفس الطراز أراد صاحبها وضعها في مدخل البيت، لتكون أول ما تقع عليه عيناه عند دخوله، رغم أن الديكور الغالب في مجموع البيت عصري مائة في المائة. ويشرح ويليام أنه يتلقى في الكثير من الأحيان طلبات من زبائن لصنع كنبة واحدة لا تكون بالضرورة لها أي علاقة بالديكور الغالب في البيت، حتى يجعلونها مركز الجذب بالقرب من مدفأة أو في ركن بارز لتكون موضوع حديث في السهرات. كما صنع 16 مرآة لقصر في المملكة العربية السعودية، وكانت تعليماته أن تكون بأحجام كبيرة جدا حتى تتماشى مع ديكور القصر ومساحته.

فالتناغم بين الكلاسيكي والحديث هو سر الخلطة الناجحة، ويلعب اللون هنا دورا مهما كجسر بين طرازات الديكور المختلفة في المكان الواحد. وهذا ما يحرص ويليام عليه بإجراء تغييرات طفيفة جدا على المظهر الخارجي لكل قطعة، كأن يجعلها أكثر لمعانا مثلا أو بدرجة تتناغم مع باقي الديكور.

بعبارة أخرى، يمكنه خلق قطعة مفصلة على المقاس لكن من دون تغيير الأساسيات والمظهر الجيورجي الأصلي. وأكبر مثال على نجاح هذا المزج بين القديم والحديث أن المصمم الأميركي رالف لوران طلب منه مؤخرا مرآة لتزيين محله الجديد الواقع في «بوند ستريت» بلندن، طالبا منه إدخال تغييرات بسيطة على بعض التفاصيل النهائية لتتناسب مع اجواء المحل. طلب أيضا سلات مهملات استعملها كحاويات نباتات.

فصاحب القطعة هو الذي يختار وظيفتها في الأخير، فيما تفرض هي نفسها فقط من حيث ما تخلقه من أبهة على المكان. مما لا شك فيه أنه ليس كل الناس بمقدورهم الحصول على قطعة، ولو مستنسخة، بالمواصفات التي يطرحها ويليام غاليفر، لكنه يؤكد أن قطعة واحدة تكفي، وليس بالضرورة تأثيث كل البيت بالأسلوب الجيورجي، لأن الأمر قد يكون مبالغا فيه بالنسبة للبعض خصوصا إذا كان المكان ضيقا. في هذه الحالة، فإن قطعة مميزة توضع في مكان بارز يمكن أن تكون مركز الجذب والجاذبية.

يوجد مصنع ويليام غاليفر المعروف بـ«إنغليش جورجيان فورنيتشر آند ميرورز» English Georgian Furniture & Mirrors في منطقة وينشستر بهامبشاير، فيما تجري عمليات البيع من خلال معارض توجد في كل من الولايات المتحدة الأميركية وموسكو ولندن في منطقة «تشيلسي هاربور» أو من خلال وسطاء هم مهندسو الديكور في الغالب.

أما بالنسبة لزبائن الشرق الأوسط، فإن معاملاته معهم تتم من خلال مصممي الديكور فقط. كل شيء في هذه المعارض مستوحى من العهد الجيورجي الانجليزي، الذي شهد قمة ازدهاره في القرن الـ18، حسبما يؤكد ويليام غاليفر، مشيرا إلى نقطة مهمة بالنسبة له حتى لا يقع أي التباس، وهي أن القطع التي ظهرت ما بين 1800 و 1820 يطلق عليها اسم «الريجنسي» وهو طراز مختلف عن الجيورجي، لأن مظهره أسمك ووزنه أثقل، بينما يتميز الجيورجي بسماكة أقل ووزن أخف ونقوشات أكثر بساطة وهدوءا.

ويشرح أن الأسلوب الجيورجي ولد في الفترة التي شهدت فيها بريطانيا ازدهارا تجاريا كبيرا، تمثل في توسع امبراطوريتها، وتبادلها التجاري مع باقي العالم، لتبدأ في استيراد أنواع جديدة من الاخشاب من أميركا الوسطى وكوبا، كانت ثمرتها ظهور قطع أثاث متميزة شكلا ووزنا.

فهذا النوع من الخشب كان صلبا أكثر من ذلك الذي كان يتوفر على أرض بريطانيا، مما أتاح لصناع قطع الاثاث التفنن في قطعه وصنع قطع رشيقة وأنيقة من دون خوف من تكسرها بين أيديهم خلال العمل عليها.

قبل ذلك كانت كل القطع المصنوعة من الخشب البريطاني مثل خشب الدردار والسنديان تتميز بسماكة وثقل وزن وحجم أكبر لأن هذه النوعية من الاخشاب لم تكن قوية وصلبة وتتطلب من نجاريها العمل على هذا الأساس.

أول انواع الخشب التي تم استيرادها في ذلك العهد، خشب الماهوغني من كوبا، وكان قويا ساعد على صناعة قطع تزايد الطلب عليها، لهذا ليس غريبا أن تعرف هذه الفترة بالعهد الذهبي لصناعة الأثاث، عصر يتمنى غاليفر أن يعود قريبا.