المطبخ الروسي .. جمع في هويته أسلوبي الشرق والغرب معا

المطبخ الروسي .. نزاع تاريخي أنتج أشهى الأطباق
المطبخ الروسي .. نزاع تاريخي أنتج أشهى الأطباق

لا نبالغ مطلقا إذا ما قلنا إن المطبخ الروسي كان محور صراع بين الشرق والغرب، أي بين تقاليد وعادات منطلقة من حضارة ثابتة وغزاة أرادوا محو تلك الحضارة والتراث بشتى الوسائل الممكنة.


كان لهذه المنافسة التاريخية انعكاس إيجابي ساهم في تنوع الأطباق الروسية بشكل كبير لبت الأذواق كافة. ووصلت إلى قوائم الطعام في المطاعم في جميع أنحاء العالم، ولكن الحق يقال إنه قدر أن يحافظ على أصالته متغلبا على جميع التأثيرات.

عودة لتاريخ الصراع القديم لم يستطع المطبخ الروسي أن يتجاوز حدوده ليصل إلى العالم أجمع فحسب، بل قدر أن يكون له تأثير لافت على الكثير من المطابخ العالمية الأخرى، منافسا المطبخ الفرنسي العريق من حيث الشعبية في أوروبا، وهذا الانتشار يعود إلى قرون عدة، خلالها رسم المطبخ هويته الحقيقية الفريدة، لتظهر الملامح الأساسية لفن الطهي الروسي، وتبلغ أوجها في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، وتاريخيا، بعد تعمق الفجوة الاجتماعية في المجتمع الروسي خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، بسطت قائمة الطعام على مائدة الفلاحين الفقراء، في حين ازداد عدد المأكولات على مائدة الأثرياء والنبلاء، ودخل إليها عدد من أطباق من المطبخ الشرقي. فبعد أن كانوا يتناولون اللحم المملح أو المسلوق فقط، صاروا يأكلون الكباب واللحوم المشوية.

وبفعل تطورات اجتماعية وسياسية تضاعف تأثر المطبخ الروسي بنمط الطهي الشرقي، وكانت مناسبة ليتعرف هذا المطبخ على العجين والحلويات الشرقية والليمون والشاي والفاكهة المجففة (الزبيب والمشمش والتين)، وكانت أكثر المطابخ ظهورا في تلك الفترة كان المطبخ التتري.

أما في مطلع القرن التاسع عشر انقسم المطبخ الروسي إلى جزأين هما المطبخ الشعبي، ومطبخ النخبة الحاكمة الذي تأثر بالطراز الغربي، بعدما أجبر الارستقراطيون على تناول الأطباق والمشروبات الغربية بدلا من التقليدية.

كما كان يرسل الشباب النبلاء إلى أوروبا للدراسة والعمل، حيث اعتادوا على تناول المأكولات الأوروبية أيضا. ويقال إن أكثر من خمسين طبقا كان يوجد على مائدة الأثرياء والنبلاء الروسيين، وهذا الرقم تجاوز المائة والخمسين عند القيصر، التي كانت تتألف من طيور الأوز والأسماك التي كان يبلغ وزنها أحيانا أكثر من مائتي كلغ، وكانت تستمر مأدبة الغداء في القصر القيصري لأكثر من 8 ساعات.

ولكن بعد فوز الروس على قوات نابليون في الحرب الوطنية عام 1812، بدأ النبلاء يستعيدون روحهم الوطنية وفخرهم بالتقاليد الروسية الأصيلة بما فيها تقاليد الطهي، كما أن ظهور الطبقة الوسطى في المجتمع الروسي أسهم في إنعاش اهتمام هذا الشعب بمطبخه الذي يشكل جزءا مهما من ثقافتهم، ولكن هذا لا يعني توقف تأثير المطبخ الفرنسي على الروسي، بل ما يمكن قوله إن كلا المطبخين دخل في علاقة تأثر وتأثير مزدوجة، بمعنى آخر أن الطباخين الأجانب الفرنسيين الذين أتوا إلى روسيا قاموا بدراسة أساليب وخصائص المطبخ الروسي لإصلاحه وتحديثه مع المحافظة على أطر تقاليده الأصيلة، ومع الوقت تبلور مفهوم المطبخ الروسي ليضم بعض أطباق شعوب روسيا الأخرى على رأسها الأوكرانية والبيلوروسية، علما بأن مطابخ الشعوب الثلاثة تستند إلى المطبخ الروسي القديم.

واليوم دخلت الكثير من الأطباق الروسية، مثل لحم الستروجونوف البقري ودجاج كييف، إلى المطبخ الغربي، لتمثل المساهمة الروسية في مائدة الأطباق العالمية.

السمك والفطر أطاحا باللحوم
وصلت بعض المأكولات الروسية الأصيلة إلى قوائم الطعام في المطاعم في جميع أنحاء العالم، حيث أصبح الناس يألفون أطباق الكافيار وأصناف السمك الأحمر والقشدة أو «سميتانا» والحنطة السوداء ودقيق الجودار، وأشهر الأطباق الروسية مثل «ستودين» و«شي» و«أوخا» و«بليني»، ولا يمكن أن تخلو أي مائدة في روسيا من خبز الجودار، هذا الخبز الذي صار تقليدا تاريخيا في تلك البلاد، إضافة إلى أنواع متنوعة من الفطائر الروسية، وبعد أن كانت العصائد في القدم حكرا على الأفراح والمناسبات الدينية، صارت بشتى أنواعها على لائحة طعامهم.

وبعد ظهور الدين المسيحي انقسم الطعام الروسي إلى نوعين، الأول يتعلق بالأطباق التي تؤكل في فترة الصوم، كالمنتجات النباتية والفطر والسمك والثاني هو المنتجات اللبنية والبيض واللحم.

وبما أن أيام الصوم تتعدى المائتي يوم، أثر ذلك على غياب لافت لأنواع اللحوم من المائدة، وسيطرة السمك والفطر، واستخدام جميع أنواع الخضار والفاكهة والحبوب والتوابل والزيوت.

ونلاحظ أن الطهاة الروسيين تجنبوا مزج أنواع الخضار واللحوم المختلفة في طبق واحد في محاولة للحفاظ على خصوصية كل منها، باستثناء أصناف الحساء.

وفيما يتعلق بالمشروبات، يعد مشروب الـ«كيسيل» حصريا لروسيا، وهو الذي كان يصنع من حبوب الشوفان والقمح والجودار، ليحتوي اليوم في إعداده على مختلف أنواع الفواكه.

الحساء والسلطة والحلويات أبرز أسس المائدة الروسية
تشكل الضيافة الروسية مصدر فخر عند كل روسي أصيل، ويتجلى ذلك في وجبات الطعام التي تتحول في الغالب إلى مهرجان يقدم مجموعة متنوعة من الأطعمة تتخللها القصص والضحك، حتى لو كانت غير رسمية. واللافت أن الروس يحبون زيارة الآخرين من دون سابق دعوة، فيسرع المضيف إلى إعداد الوجبة بأسرع وقت ممكن.

الطبق الأول في الوجبة يتكون من «زاكوسكي» أي السلطات والمخللات والمقبلات، أما الأطباق الروسية الرئيسية فتتنوع بين اليخنات والخضار المحشو والأسماك المقلية واللحوم، المصحوبة بالصلصات السميكة اللذيذة، أبرزها صلصة الفطر وصلصة الدجاج بالزبدة، هذا التاريخ الحافل وهذه التطورات الكبيرة التي مر بها مطبخ بلاد القياصرة ولدت أطباقا متعددة، نستعرض تاريخ عدد منها بدءا من سلطة «أوليفيه» المعروفة بالسلطة الروسية عالميا، وهو طبق تقليدي ارتبط بمناسبة عيد رأس السنة كلها، وتسميته ارتبطت باسم الطباخ الفرنسي «لوسيان أوليفيه» الذي كان يمتلك مطعما في موسكو في بداية الستينات من القرن التاسع عشر يدعى «أرميتاج» أحد أفضل المطاعم في روسيا، والذي كان يقدم لزواره شتى المأكولات الفرنسية.

وتطورت طريقة عمل هذه السلطة في العقود اللاحقة بسبب التغيرات المجتمعية، فبسط تحضيرها حيث صار أمام المواطن السوفييتي ذي الدخل المتوسط إعدادها.

فتم استبدال أنواع اللحوم الغالية الثمن في السلطة بقطع السجق المسلوقة، واستبدال لحم السرطان النهري بالجزر المسلوق، أما الزيتون فحل محله البازلاء الخضراء. أما السلطة الثانية «سليودكا بود شوبوي» فهي أحد أشهر المأكولات التقليدية الروسية وترجمتها إلى العربية تعني «سمك الرنجة تحت الفروة»، ويقصد بالفروة الطبقات التي تغطي طبق السمك في عيد رأس السنة والتي يتم عادة صنعها عندما يكون الجو باردا جدا في روسيا في شهر يناير (كانون الثاني).

بالنسبة لأنواع الحساء، هناك شوربة الملفوف السهلة التحضير التي يغيب عنها أي منتج حيواني معتمدة على الملفوف الطازج غير المطبوخ، والتي بالإمكان تناولها في أيام الصوم عند المسيحيين.

فضلا عن شوربة «البورش» في كل أنحاء روسيا، رغم أن تاريخها بدأ في أوكرانيا وبيلاروسيا ومناطق روسيا الجنوبية. وهي لا تزال حتى يومنا هذا مأكلا شعبيا محبوبا. وتعتبر من ألذ ابتكارات المطبخ الروسي.

وبين الحلويات والشعب الروسي علاقة حب قديمة، حيث كان هؤلاء منذ زمن بعيد مختلف أصناف المربى المتنوعة والفطائر المحلاة وكعكات العسل والفواكه المسكرة، ودخول قصب السكر في النصف الثاني من القرن السابع عشر أثر إيجابيا على طرائق صناعة الحلوى، وصار معظمها مصنوعا من العسل.

وصفات من المطبخ الروسي
سلطعون كييف (الكمية: 4 إلى 5 أشخاص)
المكونات:

- نصف كلغ لحم سلطعون جاهز (سورامي) - بياض بيضتين - بصلة متوسطة الحجم مفرومة - ملح وفلفل أبيض - كوبان من الكعك المطحون الطازج أو الكعك الياباني المطحون - كمية كافية من الزيت النباتي لقلي سلطعون كييف الحشوة:

- نصف كوب فطر معلب ومفروم - نصف كوب زبدة - فصا ثوم مفرومان صلصة الترتار:

- 5 ملاعق طعام مايونيز - ملعقة طعام كريما طازجة - حبتان من الخيار المخلل، مفرومتان ناعما - ملعقة طعام بقدونس مفروم - نصف ملعقة طعام caper - ملعقة طعام فليفلة حمراء مقطعة إلى مكعبات صغيرة.

تحضير الحشوة:
- يخلط الفطر مع الزبدة، وتقرص الحشوة إلى كرات صغيرة قبل وضعها في البراد.

طريقة التحضير:
- يهرس لحم السلطعون في الخلاط حتى ينعم ويصبح ودبق القوام مثل لحمة الكبة.

- يضاف إليه بياض البيض والبصل والفلفل الأبيض والملح إذا لزم الأمر (لأن لحم سلطعون مالح أصلا).

- تقرص لحمة السلطعون تماما مثل أقراص الكبة (يفيد بياض البيض في عملية التقريص) ويفتح تجويف في كل منها. يحشى كل قرص بكرة من حشوة الفطر، ثم يمسح ببياض البيض ويغمس في مسحوق الكعك.

- توضع الأقراص في البراد لمدة ساعتين أو ثلاث ساعات.

- يحمى الزيت، وتقلى فيه أقراص السلطعون حتى تشقر.

- يقدم سلطعون كييف مع صلصة الترتار.

تحضير صلصة الترتار:

- تخلط مكونات صلصة الترتار مع بعضها، وتحفظ في قنينة لاستعمالها مع أي نوع من أنواع ثمار البحر المقلية.

بيف ستروغونوف (الكمية تكفي لـ 5 إلى 6 أشخاص)
المكونات:

- كلغ فيليه لحم بقر أو عجل مقطع إلى شرائط رفيعة (جوليان) - بصلة متوسطة الحجم مفرومة - 4 إلى 5 ملاعق طعام زيت نباتي - ملعقة طعام زبدة - ورقة غار - 2 إلى 3 ملاعق طعام مرقة كبيس خيار - نصف ملعقة صغيرة معجون بندورة - نصف ملعقة صغيرة خردل - ملعقة صغيرة ملح - نصف ملعقة صغيرة فلفل أسود - علبة فطر مصفى ومفروم - بضع قطرات من صلصة الوورشستر - كوب كريما طازجة - ملعقة طعام دقيق

طريقة التحضير:
- يحمى الزيت والزبدة في مقلاة عميقة، يقلى فيها البصل حتى يذبل.

- تضاف اللحمة تدريجيا على دفعات للحفاظ على حرارة المقلاة، وتجنب خروج عصارة اللحم.

- يقلى اللحم ويضاف إليه الملح والفلفل وورقة الغار، حيث يتغير لون اللحم ويبدأ بالنضوج، يضاف الفطر وصلصة الوورشستر ومعجون البندورة ومرقة الكبيس. يطهى الكل معا على نار قوية جدا لتفادي خروج العصارة من اللحم. وفي حال خروج أي عصارة، ترش ملعقة طعام من الدقيق فوق اللحمة، وتخلط معه بسرعة لامتصاص الماء. تطفأ النار حين ينضج اللحم وتضاف الكريما الطازجة وتخلط جيدا.

- يقدم الطبق ساخنا مع الأرز الأبيض وسلطة الخضار.

سلطة التونا الروسية
المكونات:

- حبة طماطم كبيرة - علبة تونا - أوراق خس - بيضتان - 3 أرغفة خبز أبيض - بصلة متوسطة الحجم مكونات الصلصة:

- ملعقة كبيرة خل التفاح - ملعقتان كبيرتان ماء - ملعقة كبيرة مايو (أيار)نيز - ثلث ملعقة صغيرة ثوم بودرة - ثلث ملعقة صغيرة فلفل اسود - نصف ملعقة صغيرة ملح

طريقة تحضير الصلصة:
- تفتح علبة التونا ويصفى الزيت الموجود بداخلها ويوضع في طبق.

- تخلط جميع مكونات الصلصة مع زيت التونا في وعاء، وتخلط جيدا بالشوكة.

طريقة تحضير السلطة - يقطع الخبز إلى قطع صغيرة ويحمص في مقلاة أو في الفرن (من دون إضافة الزيت) حتى تتحمر قطع الخبز.

- يقطع الخس إلى قطع كبيرة، وتقطع الطماطم إلى قطع متساوية بشكل طولي.

- يقطع البصل إلى شرائح رفيعة.

- توضع جميع الخضراوات في طبق كبير.

- تضاف التونا إلى الخضراوات وتسكب نصف كمية الصلصة عليها.

- يسلق البيض ويقطع إلى 6 شرائح بشكل طولي، ثم يوضع على وجه الطبق.

- تسكب بقية الصلصة على وجه الطبق.