مع عدم توفر أمل طبي قريب .. الزهايمر معاناة رد الجميل لمن اعتنوا بنا قبلا

ليس هناك أمل طبي قريب للوقاية من مرض الزهايمر أو معالجته
ليس هناك أمل طبي قريب للوقاية من مرض الزهايمر أو معالجته

على الرغم من أن حبكته الدرامية أخذت مسارا مختلفا، فإن فيلم «زهايمر» لعادل إمام، يظل هو ربما «الطلة» السينمائية العربية الوحيدة والجادة في جهود التعريف بمرض «ألزهايمر» Alzheimer›s disease.


ذلك أن قصة الفيلم أخذت المشاهدين نحو نوعية من تفاعلات الأبناء للاستيلاء على أموال أبيهم الملياردير، واتفاقهم مع طبيب أعطى والدهم أدوية تتسبب في أعراض شبيهة بتلك التي تظهر على المصاب بمرض خرف وعته «ألزهايمر».

وقصة الفيلم في هذا الاتجاه من الكوميديا الدرامية هي بالفعل جميلة ومشوقة، ولا داعي لسردها كي لا «نحرق» الفيلم على البعض، ولكنها في النهاية تتبنى فكرة أن ذلك الرجل لم يكن مصابا بالفعل بـ«ألزهايمر»، ما قد يشعر المشاهد بأنها مشكلة طبية بعيدة أو غير شائعة.

«ألزهايمر» من الأمراض العصبية الآخذة في الشيوع والانتشار لأسباب طبية واجتماعية ونفسية عدة، وجانب «العناية» اليومية بالمصابين آخذ هو الآخر في إثارة المزيد من الاهتمام الطبي والاجتماعي. وبطبيعة الحال، فإن مكان المصابين ليس هو البقاء في المستشفيات أو دور العناية الصحية، طوال بقية أعمارهم.

ويقول الدكتور ويلم ثيز، رئيس المشرفين العلميين والطبيين في «رابطة ألزهايمر» بالولايات المتحدة Alzheimer›s Association، إن «مرضى ألزهايمر الأصحاء، الذين لا يشكون من أي أمراض أخرى، يعيشون لفترة عشرين أو خمس وعشرين سنة مقبلة من حياتهم.

ومع الوقت، يحتاجون إلى مستوى متزايد من الرعاية اليومية، ما يشكل صعوبة على عائلاتهم». أي إن التوقعات الطبية المستقبلية لهم متفائلة، ما داموا قد نالوا العناية الأسرية الدائمة في حياتهم اليومية، والمتابعة الصحية السليمة، وتوفير أجواء السلامة لهم.

وجاءت تصريحات الدكتور ثيز ضمن دراسة أجرتها الرابطة المذكورة ونشرت في عدد مارس (آذار) الحالي لمجلة «ألزهايمر أند ديمنشيا» Alzheimer›s & Dementia، المعنية بألزهايمر والأنواع الأخرى من عته الخرف.

وذكر أن أعداد المصابين الأميركيين بألزهايمر يصل إلى نحو 6 ملايين شخص، وأن نحو 15 مليون شخص من المحيطين بهم، يتولون العناية بهم، وفي هذا يمضون نحو 17 مليار ساعة من الخدمة غير مدفوعة الأجر.

وهذه الساعات، وفق تقييم الباحثين، تعادل قيمتها المادية أكثر من 200 مليار دولار سنويا. وهو أمر كما قالوا: «يسلط الضوء على مقدار العبء البدني والعاطفي الذي يواجهه مقدمو الرعاية الأسرية لهم في كل يوم».

وأثارت الدكتورة بيث كالمير، مديرة الخدمات التأسيسية في «رابطة ألزهايمر» الأميركية، جانبا مرتبطا بقولها: «ثمة نقص حقيقي في الإدراك والفهم بين أفراد عائلات المصابين بألزهايمر حول الحجم الفعلي لمقدار التبعات والمسؤولية التي ستتطلبها العناية بأعزائهم المصابين بهذا المرض».

وأضافت أن «الكثير جدا منهم ينتظر إلى أن تصل الحالة إلى مرحلة الأزمة قبل البدء في طلب المساعدة أو التفكير في كيفية التعامل الأمثل مع الوضع. وهذا ما يدفعنا دائما إلى حث المتعايشين مع مرضى ألزهايمر بالبدء في إعداد عملية تخطيط الرعاية بمجرد أن يتم تشخيص إصابة أحد الأعزاء عليهم بهذا المرض».

وتشير الإحصائيات الطبية في الولايات المتحدة إلى أن ألزهايمر هو السادس من حيث الترتيب لأسباب الوفيات. وأنه في نفس الوقت السبب الوحيد، من بين الأسباب العشرة الأولى للوفيات، الذي لا يمكن منع الإصابة به، وأيضا لا يمكن الشفاء منه، وكذلك لا يمكن إبطاء وتيرة تسارعه. أي إننا كوسط طبي، حقيقة ودونما مجاملة، لا نملك حتى اليوم أي وسيلة علاجية لمنع الإصابة به ولا الشفاء منه ولا نملك إبطاءه.

والأسوأ في حزمة الأخبار الطبية المحزنة، أنه على الرغم من تناقص نسبة الوفيات بأمراض القلب وجلطات السكتة الدماغية خلال الفترة ما بين عام 2000 و2008، فإنها ارتفعت بنسبة 66 في المائة بالنسبة لمرضى ألزهايمر، كما أنه على الرغم من طرح أكثر من 30 عقارا للبحث العلمي في محاولات معالجة ألزهايمر أو إبطاء تسارعه، فإنه لأسباب علمية وبحثية وقانونية كما يقول الدكتور ثيز، لا يتوقع توفر أي منها في الصيدليات قبل خمس سنوات من الآن، وربما تطول المدة إلى ما بين 10 و12 سنة.

وأيضا أشار الدكتور ثيز إلى واقع الاستنزاف المادي للمرض، إلى حد الإفلاس المتوقع، في الميزانيات الصحية دونما تطور في جهود اكتشاف أدوية لمعالجته.

ذلك أنه من بين كل 28 ألف دولار تدفع سنويا للرعاية الصحية لكل مريض بألزهايمر في الولايات المتحدة، تنفق منها فقط مائة دولار للبحوث والدراسات حول معالجته. ألزهايمر مرض قاس جدا على أفراد أسرة المصاب به.

والقسوة ليست فقط نفسية من رؤية الشخص العزيز يفقد أدنى القدرات على العناية بنفسه أو التحكم في تبوله أو معرفة ما يدور حوله أو تعرفه على أبنائه وبناته وأحفاده، بل تتعداها إلى كيفية الصبر والتحمل لإعادة رد الجميل بالعناية بمن قدم الرعاية لهم وهم أطفال صغار ولم يتأفف ألبتة حتى شبوا وكبروا، خاصة أن الطب لا يملك أي حلول ناجعة.