بحث يفك غموض مرض "شيخوخة الأطفال"

لم تعد عجائب الدنيا سبع كما كنا نعتقد، فقد أصبح هذا العصر أرضا خصبة لنمو محصول رائج من العجائب والغرائب التي نكتشفها كل يوم.


والمحزن أن تلك العجائب العصرية أغلبها مدمر للإنسان سواء كانت فقداناً لقيم وفضائل بشرية واكتساب سمات حيوانية همجية، أو أمراضا جسمانية ليس لها علاج.

وهذا شيء طبيعي وغير طبيعي في نفس الوقت:

غير طبيعي لأن مثل هذه الغرائب لم تخطر على قلب أو عقل أحد، وطبيعي لأن جسم الإنسان المسكين أصبح حقل تجارب للعلماء ومركز صيانة للحمقى الذين لا يرضون بخلق الله الرائع، مما تقودهم عقولهم المريضة ونفوسهم التافهة العاصية إلى فلسفة الهدم والبناء والتقليد الأعمى.

وهنا آخر ما أنبت هذا العصر من أشياء، لو دققنا التأمل بها لأصبنا بالجنون وهو مرض "شيخوخة الأطفال". مرض ينهي حياة الطفل قبل أن تبدأ، ويوصمه بابتلاء الشيخوخة قبل أن يتمتع بفرحة الشباب، فقد ظهرت بعض حالات هذا المرض مما أثار دهشة العلماء للبحث والدراسة حتى توصلوا أخيرا إلى أسباب حدوثه.

فهيا بنا نتعرف عليها:
تعتبر الطفلة (Megan Nighbor) المريضة رقم 10 جزءا من التجربة الطبية لتحديد ما إذا كان للعقاقير المضادة للسرطان دور وقدرة على علاج مرض الشيخوخة السريعة لدى الأطفال أم لا ؟.

الدليل الأول هو شعر الطفلة "ميجان":
نقلا عن وكالة السي إن إن الإخبارية:

ولدت الطفلة (ميجان نيبور) ويملأ فروة رأسها شعر بني كثيف، وتساءلت أمها (ساندي نيبور) لماذا تتميز طفلتها الصغرى بشعرها الكثيف بغزارة الذي يغطي رأسها مقارنة بأطفالها الآخرين الذين لم يكن في رأسهم شعر إلا نادرا عند ولادتهم.

كانت تبلغ ميجان 18 شهرا وبدأت هذه الخصلات الكثيفة في التقلص، وبدأت الأم تلحظ تساقطها عندما كانت تربط لها شعرها كما لاحظت اختلافات أخرى.

السؤال المحير كان:
لماذا أصيبت الطفلة ميجان بالصلع؟

ولماذا كانت أكثر نحافة عن غيرها من الأطفال الآخرين؟

كانت "ميجان" تشيخ بمعدل سريع وغير طبيعي وعلمت الأم أن ابنتها تعاني من مرض جيني نادر يعرف باسم (Progeria).

ماذا يسبب هذا المرض(Progeria)؟
عند الإصابة بهذا المرض تظهر عليه الأعراض التالية:

- تجاعيد الشيخوخة على البشرة.

- ظهور عروق أو أوردة بارزة تحت الجلد.

- سقوط شعر الرأس قبل بلوغهم العام الأول من العمر.

يجذب هذا المرض الانتباه والدهشة معا:
بالرغم من ندرة الحالات التي ظهرت عليها أعراض مرض "شيخوخة الأطفال" على مستوى العالم حيث بلغت حوالي 65 حالة فقط، إلا أن هذا المرض يشير إلى دلائل عن وجود مخاطر عامة للشيخوخة المبكرة مثل الأزمات القلبية والسكتات الدماغية، التي قدرت نسبتها بأكثر من ثلث حالات الوفاة بأمريكا على سبيل المثال.

ما اكتشفته المديرة الطبية ومؤسسة فريق البحث الخاص بهذا المرض:
قالت الدكتورة (ليزلي جوردون) بخصوص بحث هذا المرض ما يلي:

"بدراسة أحد أكثر الأمراض ندرة وغرابة على وجه الكرة الأرضية، نكتشف حاليا الكثير عن أنفسنا". وتضيف: "أجد أن هذا المرض شيء يفوق تصور العقل تماما" لأن كلا من مرض الشيخوخة ومرض القلب تتحكم بهما عوامل عدة، ولكي تفهم كل عامل على حدة، عليك أن تفصلهم عن بعضهم البعض.

وتحدثت هذه الطبيبة الباحثة عن عناصر أخرى متعلقة بمرض القلب والشيخوخة، مثل النظام الغذائي، ممارسة التمارين الرياضية وغيرها، وقالت ما يلي: "هؤلاء الأطفال هم الدليل إلى هذا" يتوفى الأطفال المصابون بمرض (Progeria) بأمراض القلب، السكتة الدماغية أو الأزمة القلبية مثلهم مثل ملايين البالغين ويكون معدل الحياة المتوقع لهم هو 13عاما.

دراسة أخرى متعلقة بالمرض:
قامت دراسة حديثة نشرت بصحيفة تختص بأمراض تصلب الشرايين، التخثر والبيلوجيا الوعائية وحددت نوعا من البروتين يطلق عليه (Progerin) ويزداد بجميع الأجسام مع تقدمنا في العمر، وقام العلماء بعدها بعمل مقارنة بين مستويات هذا البروتين (البروجيرين) لدى اثنين من الأطفال المصابين بمرض شيخوخة الأطفال و29 جثة ماتت بدون أن تصاب به كانت تتراوح أعمارهم بين شهر و97 عاما.

وجد بروتين البروجيرين بكميات أعلى داخل شرايين الأطفال المصابين بمرض (Progeria) أو (شيخوخة الأطفال). وبالنسبة لعينات الأشخاص الغير مصابين بمرض (شيخوخة الأطفال) وجد أن مقدار بروتين البروجيرين يزداد بالجسم بمعدل 3.3 % لكل عام من سنوات العمر.

وقالت جوردون (قائدة هذه الدراسة والتي كتبت عنها) ما يلي: "نحن بحاجة لاستكشاف هذا المرض وكيف يتفاعل مع أمراض القلب" وأضاف العالم "بريان كينيدي" - الرئيس التنفيذي بمعهد (Buck) لأبحاث الشيخوخة - ما يلي: "بالنظرة المتعمقة في مرض مثل (progeria) ومتلازمة (werner) - وهي الشيخوخة المبكرة التي تبدأ في مرحلة المراهقة أو الطفولة المبكرة - نحن نفتح نافذة فريدة على آليات الشيخوخة الطبيعية".

الدافع وراء هذا النوع من الدراسة يأتي من هؤلاء الأطفال المصابين بمرض الشيخوخة، ولأن العديد منهم لم يكن لديهم كل الأنواع الظاهرية للشيخوخة السريعة.

فهم لا يشبهون الشخص المسن تماما، لكنهم يعانون من مرض الأوعية القلبية بمعدل مرتفع للغاية، وهذا سؤال شيق جدا...قد يكون لدى هؤلاء الأطفال شيء ما عبارة عن نسخة أسرع من ما يحدث لكل فرد آخر. وقد تقدم هذا المرض بشكل سريع خلال العشر سنوات الماضية وهو أمر غير معتاد بالنسبة لأمراض الأطفال.

سبب بدء دراسة مرض (شيخوخة الأطفال):
بدء البحث في هذا المرض بعد أن أصاب طفلا لاثنين من الأطباء وهما الدكتورة "ليزلي" وهي أم الطفل "سام" والدكتور "جوردون" وهو والده، فقد علما أن طفلهما مصاب بهذا المرض عام 1998.

وقال الزوجان ما يلي:
"بشكل أساسي لم نكتشف شيئا في البداية" وهذا يحدث بشكل خاص مع أمراض نادرة للغاية، ولم يكن هناك مؤسسات وطنية للصحة لتمويل عملية البحث في هذا المرض، كذلك لم يعرف الأطباء كيف يعالجون الأطفال المصابين به".

وفي عام 2003 قام فريق من العلماء بمعهد البحث الوطني National Human Genome Research Institute وقاد هذه الدراسة الدكتور" فرانسيز كولين" - وهو الآن رئيس المعهد الوطني للصحة - وقد اكتشف تحور الجين المسئول عن الشيخوخة.

وهذا الجين المعروف باسم (LMNA) ينتج نوعا مشوها من بروتين يطلق عليه (Lamin A ) الذي ينتج  الهيكل البنائي المسئول عن تماسك النواة بالخلية معا.

ونشرت اكتشافاتهم في صحيفة (Nature) معلنة أن هذا الشكل المشوه من البروتين جعل بناء النواه غير ثابت، مما أدى إلى الشيخوخة المبكرة. وبعد فترة وجيزة تم تطوير اختبار تشخيصي لمرض الشيخوخة المبكرة للطفلة "نيبو"ر وتأكدت إصابتها بهذا المرض عام 2003.

وبعد سبع سنوات صارت الطفلة أكثر نحافة عن أقرانها حتى وصل وزنها إلى 31 باوند، ولم يؤثر هذا المرض على مهارات التعلم لديها أو قدراتها العقلية، كما لا يسبب الزهايمر أو الجنون.

الأعراض المصاحبة للمرض:
يعاني الأطفال المصابون بمرض الشيخوخة من تصلب المفاصل، خلع الفخذ وتصلب جدران الشرايين، ولحسن الحظ لم تشهد الطفلة "ميجان" مثل هذه الأعراض.

يقول الوالدان إن طفلتهم تقضي وقتها كأي طفل فهي تجري وتركب دراجتها، ولا تعاني من الإعياء أو السعال مثل كبار السن، فهو مرض مختلف بالنسبة للأطفال. توقف نمو ميجان عند 4 أقدام طولا، ولديها مساعد في المدرسة لمساعدتها على الوصول لأغراضها أو تثبيت المقعد الخاص بها.

ومثل باقى الأطفال الصغار، يصعب إرضاء ميجان فهي تفضل البيتزا، المكرونة الاسباجتي والتفاح. المختلف لديها هو تناولها لعقار الأستاتين والأسبرين لمقاومة أمراض القلب.

ماذا يعني هذا المرض بالنسبة للطفلة ميجان؟
مرض الشيخوخة المبكرة لدى الطفلة "ميجان" يعني عدة صفات تقولها عن نفسها وهي:

- أنا لا أملك شعرا.

- أنا أصغر حجما.
- وقصيرة فقط.
وهذا كل ما تعرفه عن ذلك المرض.

ما يطمح إليه الباحثون بهذا المرض؟:
تتمنى الأم الباحثة أن يتم التوصل قريبا وبشكل سريع إلى علاج حتى لا تضطر ميجان ومن هم في مثل ظروفها التعرف على المصير الذي يلقاه الأطفال المصابون بمرض الشيخوخة، ويرتبط هذا الأمل لديها بتجارب مستمرة بمستشفى بوسطن للأطفال بولاية ماساتشوستس.

تتلقى ميجان و27 طفلا آخرين عقارا يوميا للسرطان يسمى (Farnesyltransferase) المانع لمرض FTIs لتحديد عما إذا كان يمكنه علاج مرض شيخوخة الأطفال أم لا؟.
العلماء مازالوا يفحصون البيانات حتى يتم نشر النتائج.