مستقبلات «X» .. أهداف المستقبل الواعدة لعلاج التليف الكبدي

تنشيط مستقبلات «X» يؤدي إلى الحد من عمل خلايا الكبد المسؤولة عن حدوثه
تنشيط مستقبلات «X» يؤدي إلى الحد من عمل خلايا الكبد المسؤولة عن حدوثه

المستقبلات هي بروتينات وظيفية تتركز على الغلاف الخارجي للخلايا الحية أو ضمن سائل الخلية المحيط بالنواة (السيتوبلاسم)، أو على نواة الخلية.


 وهي تعمل على استقبال المواد الحيوية، مثل الهرمونات والنواقل المختلفة، كما تستهدفها بعض الأدوية، ويؤدي ارتباط المستقبلات بهذه المواد الحيوية إلى حدوث تغيرات ضمن الخلية لها نتائج متعددة ومختلفة.

ومستقبلات «إكس» (X) هي أحد أنواع مستقبلات النواة Nuclear receptors، (أي تلك الموجودة على نواة الخلية)، وهى عبارة عن بروتينات خاصة لها القدرة على الارتباط بالمادة الوراثية لتنظيم ما يسمى بالتعبير الجيني Gene expression، بعدما تتحسس وجود المواد الحيوية المختلفة وتتفاعل معها.. وتنقسم مستقبلات X إلى نوعين أساسيين هما: مستقبلات «إكس ألفا Alpha»، ومستقبلات «إكس بيتا beta».

أما مستقبلات «ألفا»، فتوجد في خلايا الكبد والكلى والأمعاء والنسيج الدهني والطحال والرئة وخلايا الدم الأكولة Macrophages (التي تساهم في التهام الميكروبات).

لكنها توجد بتركيزات عالية في خلايا الكبد ومن هنا اكتسبت اسمها «مستقبلات إكس الكبدية Liver X Receptors». بينما توجد مستقبلات «بيتا» في كافة الأنسجة والأعضاء، ولذلك يطلق عليها اسم «المستقبلات العامة Ubiquitous receptors».

دور محوري
وأثبتت الدراسات أن مستقبلات «X» تلعب دورا محوريا في عمليات التحكم المتعلقة بالدهون والأحماض الدهنية والكربوهيدرات والتفاعلات الالتهابية بالجسم، حيث إنها تتحسس مستويات الدهون بالجسم.

وعند ارتفاع الكولسترول، تنشط هذه المستقبلات مسارات حيوية محددة من شأنها منع امتصاص المزيد من الكولسترول المستمد من الطعام، إلى جانب القيام بتحويل الكولسترول الزائد إلى أحماض صفراوية، مما يؤدي في نهاية الأمر إلى الإقلال من مستويات الكولسترول المرتفعة واستعادة مستوياته الطبيعية، ومعاكسة تكون النتوءات الدهنية على جدران الأوعية الدموية.. ولذلك استهدفت العديد من الدراسات تطوير عقاقير لتنشيط مستقبلات «X» لمقاومة وعلاج تصلب الشرايين.

وفى إطار الأبحاث المستمرة لدراسة تفعيل الأدوار المحورية لمستقبلات «X»، أكدت دراسة نشرت خلال شهر أبريل (نيسان) الماضي في مجلة Gastroenterology أجراها باحثون بجامعة UCLA الأميركية، أن مستقبلات «X» الكبدية تتحكم في عمل خلايا الكبد النجمية Stellate hepatic cells، وهي خلايا مسؤولة عن إفراز وتراكم مادة الكولاجين المسببة لحدوث التليف الكبدي، وذلك بعد إجراء الاختبارات في مزارع أنابيب الاختبار وفئران التجارب.

وقام الباحثون بدراسة خلايا كبد نجمية منشطة Activated stellate cells، مأخوذة من فئران التجارب الطبيعية في مزارع أنابيب الاختبار، وعند إضافة مادة كيميائية لتنشيط للمستقبلات الكبدية «X» تضاءلت عمليات الالتهاب وتكون الكولاجين بشكل كبير.

وفي المقابل، عندما قام الباحثون بإضافة خلايا نجمية من الفئران الطبيعية إلى خلايا نجمية من فئران تجارب معدلة وراثيا (تفتقد إلى المستقبلات الكبدية «X»)، أظهرت الخلايا النجمية تفاعلات التهابية شديدة وإفراز للكولاجين بصورة كبيرة.

وعندما قام الباحثون بتعريض فئران تجارب معدلة وراثيا (تفتقد إلى المستقبلات الكبدية «X») إلى مواد سمية ضارة بالكبد لتفعيل خلايا الكبد النجمية، أدى ذلك إلى تكون الكولاجين بكميات كبيرة وحدوث تليف سريع بالكبد.

ورجح الباحثون أن مستقبلات «X» الكبدية ربما تلعب دورا محوريا في تنشيط مئات الجينات الحاملة للتعليمات المتعلقة بوظائف خلايا الكبد النجمية، المسؤولة بدورها عن حدوث سلسلة التفاعلات الالتهابية وتكوين الكولاجين المسؤول عن تكون الندبات النسيجية بالكبد والتليف الكبدي.

علاج تليف الكبد
ولذلك أكد الباحثون أن الدراسة، وهي الأولى من نوعها، سوف تمهد الطريق للبحث عن طرق جديدة لتطويع أيض (التمثيل الغذائي) الكولسترول أو الدهون بالكبد أو كليهما لإيجاد علاجات فعالة لأمراض الكبد التليفية، بالإضافة إلى ضرورة إجراء الدراسات لفهم المزيد عن العلاقة بين أيض الدهون والكولسترول وحدوث تشحم الكبد، الذي يؤدي أحيانا إلى تليف الكبد، خاصة وأن العديد من الدراسات يشير إلى تزايد معدلات الإصابة بالتشحم الكبدي، لدرجة أن بعض الإحصائيات أكدت أن التشحم الكبدي قد يصبح أحد الأسباب الرئيسية (بالإضافة إلى حالات الإصابة المزمنة بالفيروسات الكبدية) لزراعة الكبد خلال السنوات القليلة القادمة.

خلايا الكبد النجمية
وخلايا الكبد النجمية، أو كما أطلق عليها سابقا «الخلايا الخازنة للدهون» Fat storing cells أو خلايا «Ito cells»، هي خلايا صغيرة موجودة في فراغ دقيق يحيط بالخلايا الكبدية يسمى بـ«فراغ ديس» Disse space، وتتميز تحت الفحص الميكروسكوبي (المجهري) باختزانها للعديد من قطرات الدهن وفيتامين «إيه» A. وتوجد خلايا الكبد النجمية بالكبد الطبيعي في حالة خاملة «Quiescent stellate»، وتمثل نحو 5 - 8% من إجمالي عدد خلايا الكبد.

وعندما تتعرض الخلايا الكبدية إلى حالة من التلف المزمن، نتيجة زيادة تراكم الشحوم أو الالتهابات الفيروسية أو الكحوليات، تنشط الخلايا النجمية الخاملة وتتحول إلى خلايا نجمية منشطة Activated stellate cells، وتلعب دورا هاما في إحداث سلسلة من التفاعلات الالتهابية وإفراز مادة الكولاجين المسؤولة عن حدوث تليف النسيج الكبدي.

والجدير بالذكر أن الكبد نفسه مسؤول عن عملية إنتاج وتخزين الكولاجين، لكنه يفرز في ذات الوقت إنزيمات معينة تذيب الكولاجين وتذيب التليف المخزن بالفعل في الأنسجة.

إلا أن التهابات الكبد المزمنة تؤدي إلى تفعيل خلايا الكبد النجمية التي تقوم بإنتاج كميات كبيرة من مادة «كولاجين»، وهي مادة ليفية لأزمة لالتئام الجروح، لكنها تتسبب في حدوث تلف بالخلايا الكبدية، وتكون تندبات نسيجية بالكبد.

ومثل هذا الضرر لا يمكن إيقافه، على الرغم من إمكان اتخاذ خطوات لمنع حدوث مزيد من الضرر، وتبقى عملية زرع الكبد هي السبيل الوحيد للنجاة في الحالات المتقدمة.

علاج تليف الكبد
وفى إطار جهود العلماء لمحاولة إيجاد أو تطوير علاجات للتليف الكبدي، أكدت دراسة نشرت خلال عام 2009 في المجلة العلمية لأبحاث الجهاز الهضمي، أن عقار «لوسارتان Losartan»، أحد العقاقير المخفضة لضغط الدم، قادر على تقليل حدوث التليف الكبدي عند المصابين بالتهاب الكبدي المزمن من النوع «سي» C.

وشملت الدراسة 14 مصابا بالتهاب الكبد المزمن من النوع «سي»، ممن أثبتت الفحوصات إصابتهم بالتليف الكبدي. وأعطي المشاركون 50 مليغراما من عقار لوسارتان يوميا لمدة ستة أشهر مع المراقبة، وأظهرت النتائج تراجعا في درجة التليف الكبدي في نحو خمسين في المائة من الحالات، كما كانت درجة تحمل الدواء جيدة.. فقد عانى واحد فقط من المرضى المعالجين، ولمرة واحدة، من هبوط معتدل في ضغط الدم في وضعية الوقوف.

ورجح الباحثون إمكانية استخدام عقار لوسارتان للوقاية من مرض التليف الكبدي، وذلك عن طريق تثبيط أحد الإنزيمات (إنزيم انجيوتنسين 2) التي تقوم بدور الوسيط في تنشيط خلايا الكبد النجمية، والتي أثبتت الدراسات أنها تلعب دورا هاما في حدوث التليف الكبدي.

كما أفادت دراسة نشرت خلال عام 2008 م في دورية PLoS بأن تليف الكبد لا يمكن إيقاف تقدمه فحسب، وإنما يمكن الشفاء منه وتراجعه بشكل تام في فئران التجارب. فقد اكتشف الباحثون أن تفعيل بروتين معين، يسمى RSK، يؤدي إلى تفعيل خلايا الكبد النجمية.

واستنتج الباحثون أن تثبيط هذا البروتين سيكون هدف العلاجات القادمة لمعالجة تليف الكبد، وقاموا بالفعل بتطوير مواد (ببيتيدات) مثبطة لهذا البروتين لحصر تفعيله للخلايا النجمية.

وقام الباحثون بافتعال حالة تليف كبدي شديدة الدرجة عند الفئران، تتشابه مع حالة التليف التي يصاب بها الإنسان نتيجة تشمع الكبد، وذلك عن طريق دواء سمي معروف عنه إحداث التأذي والتليف للخلايا الكبدية. ثم قاموا بعد ذلك بإعطاء الفئران مواد (بيبتيدات) مثبطة لبروتين RSK، وبعد مدة لاحظ الباحثون أن قسما من الفئران أصيب بتليف كبدي خفيف الدرجة، والباقي تعافى وشفي منه تماما.