مقاومة جهاز المناعة .. هل تسبب الإصابة بمرض السكري؟

رصد أجسام مناعية مضادة لدى بعض البدينين المقاومين للأنسولين
رصد أجسام مناعية مضادة لدى بعض البدينين المقاومين للأنسولين

 تشير الأبحاث الحديثة إلى أن ظهور مقاومة الجسم للأنسولين والإصابة بالنوع الثاني من مرض السكري ربما ترتبط بردة فعل غير طبيعية من جهاز المناعة.
 
ويقول دانيال وينر، متخصص الغدد الصماء بمستشفى تورونتو العام في كندا الذي أجرى دراسة حديثة حول علاقة جهاز المناعة بمرض السكري، إن «النقطة الأساسية في هذه الدراسة هي محاولة تحويل التركيز من اعتبار النوع الثاني من مرض السكري مجرد مرض مرتبط بالتمثيل الغذائي إلى التركيز على دور جهاز المناعة في الإصابة بهذا المرض». وعندما بدأ البحث، كان وينر زميلا بجامعة ستانفورد في كاليفورنيا.
 
وحدد الباحثون أجساما مضادة يولدها الجهاز المناعي لدى الأفراد البدينين الذين لديهم مقاومة للأنسولين، والتي لا توجد لدى الأفراد البدينين الذين ليست لديهم مقاومة للأنسولين.
 
بالإضافة إلى ذلك، أجروا اختبارا لعقار يقوم بتحوير جهاز المناعة على فئران تم إعطاؤها نظاما غذائيا غنيا بالدهون ووجدوا أن العلاج يمكن أن يساعد في الحفاظ على مستويات السكر الطبيعية في الدم. ونشرت نتائج الدراسة التي تم تمويلها من قبل معاهد الصحة الوطنية الأميركية ي 17 أبريل (نيسان) الماضي في الإصدار الإلكتروني من مجلة «نتشر ميديسن».
 
نوعا السكري 
تشير إحصاءات مراكز مراقبة الأمراض والوقاية منها الأميركية إلى أن نحو 26 مليون أميركي يعانون من مرض السكري، وأن 90-95 في المائة من هذه الحالات للمصابين بالنوع الثاني من مرض السكري، حيث لا يستخدم الجسم الأنسولين بفاعلية، وبالتالي، يجب أن يفرز البنكرياس كميات أكبر من الأنسولين. وفي النهاية، يتوقف البنكرياس عن إفراز كمية الأنسولين الكافية للتوافق مع زيادة حاجة الجسم للأنسولين.
 
تحدث الإصابة بالنوع الأقل شيوعا من المرض، النوع الأول من مرض السكري، حينما يدمر جهاز المناعة بشكل خاطئ خلايا «بيتا» المنتجة للأنسولين في البنكرياس. ويعتبر هذا النوع من مرض السكري أحد أمراض المناعة الذاتية، وهو ليس مرتبطا بوزن الشخص.
 
وعلى الرغم من عدم وضوح أسباب الإصابة بالنوع الثاني من مرض السكري، فإن من المعروف أن المرض ينتقل بين أفراد الأسر التي يكون لديها مكون وراثي. وعلى الرغم من الارتباط القوي بين النوع الثاني من مرض السكري والوزن الزائد، فإن ذلك لا يعني بالضرورة أن يصاب كل صاحب وزن زائد بهذا المرض.
 
أجسام مضادة
وهذا ما دفع الباحثين إلى البحث عن عامل آخر. وأوضح وينر أن زيادة الوزن كانت متعلقة بحدوث الالتهابات، التي يمكن أن تؤدي إلى استجابة، أي ردة فعل من جانب جهاز المناعة.
 
ويرى وينر أنه مع زيادة دهون الأحشاء (دهون منطقة البطن)، فإنها تتراكم، وعند هذه المرحلة، ربما تتعرض الخلايا الدهنية لضغط وتصاب بحالة من الالتهاب، وفي النهاية تموت. وعند حدوث ذلك، يأتي دور خلايا جهاز المناعة المعروفة بالخلايا البلعمية في تنظيف الجسم.
 
بالإضافة إلى ذلك، تستجيب خلايا أخرى، معروفة باسم الخلايا التائية والخلايا البائية أيضا للخلايا المجهدة أو الميتة. إلا أن هذه الخلايا هي تلك التي تنتج أجساما مضادة معينة لتذكر بخطر معين يهدد الجسم. على سبيل المثال، هناك خلايا مسؤولة عن توليد المناعة عند تعرضك للإصابة بفيروس إنفلونزا معين.
 
بيد أن خلايا جهاز المناعة - خاصة الخلايا البائية - تقوم، في هذه الحالة، بإنتاج أجسام مضادة للخلايا الدهنية، عوضا عن إنتاج أجسام مضادة لمادة معينة غريبة عن الجسم، وحينها، تبدأ تلك الخلايا المضادة في مهاجمة الخلايا الدهنية، مما يجعلها مقاومة للأنسولين ويعوق قدرتها على معالجة الأحماض الدهنية.
 
وبالإضافة إلى النوع الثاني من مرض السكري، فإن هذا الهجوم الضاري ضد الخلايا الدهنية يرتبط بمرض الكبد الدهني وارتفاع مستويات الكولسترول وارتفاع ضغط الدم، وفقا لدراسات الباحثين.
 
وفي الدراسة الحالية، قام الباحثون بإعطاء فئران لم تكن لديها مقاومة للأنسولين نظاما غذائيا غنيا بالدهون (نسبة الدهون فيه 60%). وفي الأسبوعين السادس والسابع، أعطى الباحثون بعض الفئران عقارا يعرف باسم «أنتي سي دي 20» (وعند الإنسان يعرف العقار باسم «ريتوكسيماب»)، في حين لم يتم إخضاع بقية الفئران لأي علاج.
 
وأظهرت النتائج أن الفئران التي حقنت بالعقار لم تنتج أي أجسام مضادة للأنسولين، فضلا عن أن مستويات سكر الدم لديها كانت طبيعية، فيما كانت جميع فئران مجموعة المراقبة مقاومة للأنسولين، وفقا لوينر. 
 
البدانة ومقاومة الأنسولين 
كذلك، قام الباحثون بأخذ عينات دم من 32 شخصا بدينا. وأظهرت النتائج أن نصفهم لديهم مقاومة للأنسولين. وكان لدى هؤلاء الذين لديهم مقاومة للأنسولين مجموعة مختلفة من الأجسام المضادة مقارنة بالأجسام المضادة لدى من ليست لديهم مقاومة للأنسولين.
 
وقال وينر إن هذا يشير إلى احتمالية إنتاج لقاح مضاد للنوع الثاني من مرض السكري اعتمادا على الأجسام المضادة التي ظهرت كأجسام مضادة وقائية لدى الأشخاص البدينين الذين ليست لديهم مقاومة للأنسولين.
 
وأشار وينر إلى أن الفئران والمتطوعين من البشر جميعهم كانوا ذكورا، ومن ثم ليس من الواضح ما إذا كانت تلك النتائج تنطبق على النساء بالمثل أم لا.
 
بالإضافة إلى ذلك، فقد لاحظ وينر أن العقار «أنتي سي دي 20» له عيوب.. فهو يثبط جهاز المناعة ويمكن أن يسبب آثارا جانبية خطيرة، لذلك ذكر أنه لم يكن متأكدا مما إذا كان يمكن استخدامه في علاج النوع الثاني من مرض السكري أم لا، نظرا لأن هناك أنواعا أخرى من العلاجات المتاحة. 
 
ويتفق الدكتور ديفيد كيندال، المسؤول العلمي والطبي البارز بجمعية السكري الأميركية، مع هذا الرأي، فيقول: «لا يغير هذا من أسلوبنا الحالي المتبع في علاج النوع الثاني من السكري، غير أنه من المهم بمكان إدراك أن هناك العديد من العوامل التي تسهم في الإصابة بالمرض، فبالنسبة إلى البعض، ربما تعود الإصابة إلى أحد مكونات جهاز المناعة، وإذا كان الأمر كذلك، يجب أن نكون قادرين على تطوير علاجات أفضل»، وفقا لما نقله موقع «هيلث نيوز» الإلكتروني.
 
وأضاف: «عادة ما يلقى اللوم على الأفراد المصابين بالنوع الثاني من مرض السكري بالتسبب في حدوث الإصابة، إلا أن الإصابة تكون مرتبطة بالتعرض لمزيج من العوامل الوراثية والفسيولوجية لبيئة معينة. وتوضح هذه الدراسة ما يمكن اعتباره عاملا بيولوجيا مهما آخر».