بكتيريا الأمعاء .. قد تكون مسؤولة عن البدانة والسكري وتصلب الشرايين

الاختلال في توازنها يوفر للبدناء مئات السعرات الحرارية الإضافية يوميا
الاختلال في توازنها يوفر للبدناء مئات السعرات الحرارية الإضافية يوميا

قدر الطبيب الباحث، شتيفان بيشوف، من معهد الصحة الغذائية في جامعة هوهنهايم الألمانية، وزن بكتيريا الأمعاء (المسماة «فلورا»، أو النبيت المعوي)، بنحو 1500 غرام. وقال إن كتلة حيوية من هذا الحجم والوزن لا بد أن تؤثر على صحة الإنسان.


ووصف الطبيب بكتيريا الأمعاء بأنها «ورشة عمل» هائلة تفرز عددا لا يحصى من الإنزيمات والمواد الكيميائية التي يمكن أن تلعب دورا سلبيا في صحة الإنسان، إضافة إلى دورها الإيجابي في الهضم وتوفير الطاقة.

بكتيريا البدانة وذكر بشوف أمام عشرات المختصين، في ندوة حول «الفلورا» عقدت في مدينة بوتسدام (شرق) مؤخرا، أن عدد خلايا البكتيريا الموجودة في أمعاء الإنسان يزيد على عدد خلايا جسم الإنسان نفسه، ولهذا فقد ركز الكثير من العلماء دراساتهم مؤخرا على هذه البكتيريا، لكن عدد الدراسات المقدمة قليل، ولم يتوصل إلى نتائج كبيرة، كما أن التجارب أجريت على فئران المختبرات فقط.

الدراسات التي أجراها بيشوف مؤخرا على متطوعين بدناء توجه أصبع الاتهام إلى بكتيريا الأمعاء بسب دور محتمل لها في البدانة وفي ظهور داء السكري من النوع الثاني، وفي نشوء مرض تصلب الشرايين.

فالحجم الهائل للبكتيريا في الأمعاء يجعلها على احتكاك مباشر مع الخلايا الوقائية، وخلايا بطانة الأمعاء، والخلايا العصبية التي تنقل الإيعازات إلى الدماغ.

وهذا يعني أنها تضعف «الحاجز المعوي» الذي يكونه جسم الإنسان ضد المواد الضارة التي تؤثر في نظام المناعة الجسدي، وتبعث على الاضطراب في عمليات الاستقلاب (التمثيل الغذائي). والنتيجة هي البدانة وداء السكري من النوع الثاني وتصلب الشرايين وربما غيرها.

منذ زمن والعلماء يعرفون أن تكوين بكتيريا الأمعاء عند البدناء يختلف عنه لدى الآخرين، إلا أن العلم لم يقع على دليل يدين هذه العلاقة. إذ تتكون بكتيريا الأمعاء (الفلورا) من الكثير من أصناف العائلات البكتيرية التي تساعد في عملية الهضم من خلال الإنزيمات التي تفرزها، ومن خلال قدرتها على تفكيك جزيئات الطعام العسيرة على الهضم.

اختلال التوازن

وقد يسبب اختلال التوازن داخل الفلورا، البدانة. ويمكن تمييز مجموعتين كبيرتين في الفلورا، الأولى هي مجموعة Firmicutie، والثانية هي مجموعة Bacteriodets. والمجموعة الأولى متضخمة لدى البدناء على حساب المجموعة الثانية، في حين أن هناك توازنا واضحا بين المجموعتين لدى الرشيقين أو الاعتياديين.

لم يكن العلماء يعرفون ما إذا كان تضخم المجموعة الأولى لدى الإنسان هو نتيجة للبدانة أم نتيجة لها.

ويبدو أن الدكتور بيشوف استطاع الآن إثبات أن تضخم Firmicutie قد يكون السبب الأساسي للبدانة عند البعض. إذ ظهر له من دراسة على مجموعة من البدناء أن العملية يمكن عكسها، أي أن تقليل الوزن أدى بدوره إلى تقليص حجم Firmicutie وزيادة حجم مجموعة Bacteriodets وصولا إلى حصول توازن اعتيادي بين المجموعتين في الأمعاء.

من الناحية الأخرى ثبت أيضا أن التدخل الخارجي (الطبيب) لتقليص حجم Firmicutie أدى إلى هبوط وزن المتطوعين البدناء.

الدليل الآخر على علاقة البدانة ببكتيريا الأمعاء جاء من خلال تغيير عادات تغذية البدناء، فتحويل البدينين من الطعام الغني بالدهون إلى الطعام الغني بالخضراوات والفواكه أدى إلى تغييرات في تكوين بكتيريا الأمعاء أيضا، وخصوصا بين المجموعتين الكبيرتين لصالح مجموعةBacteriodets .

تفرز بكتيريا الأمعاء الكثير من الإنزيمات والمواد الكيميائية التي تطلق أو تساعد في عمليات كيميائية معقدة في الأمعاء. وعلى هذا الأساس فإن حجمها وتشكيلها يلعبان دورا مهما آخر في عمليتي الهضم والمناعة الجسدية.

ويقول بيشوف إنه توصل إلى أن الفلورا في أجساد البدناء تضطلع بدور آخر قد يكون سببا للبدانة لديهم. فهذه البكتيريا تكسِّر جزيئات الهيدروكربونات المعقدة، العسيرة على الهضم عادة، وتحولها إلى جزيئات صغيرة يمكن أن يتناولها الجسم مجددا وتخترق الحاجز المعوي.

وإعادة التقاط جزيئات السكر وخزنها يشكل مصدر طاقة إضافيا يعزز بدانة الإنسان ويقربه أكثر فأكثر من الإصابة بالسكري من النوع الثاني. وقاس الباحث أن هذا المصدر الإضافي يوفر للبدناء 150 كيلو سعرة إضافية من الطاقة يوميا، وهو ما يسبب البدانة من جهة، ويعرقل جهود الحمية وبرامج خفض الوزن من جهة أخرى.

الأمعاء ومرض السكري

وأورد بيشوف نتائج دراسات حديثة ترى أن السكري من النوع الثاني، وتصلب الشرايين، قد يحدثان نتيجة حدوث التهابات صغيرة في الأمعاء، تلعب بكتيريا الأمعاء دورا فعالا فيها، وتتسبب في فشل «الحاجز المعوي» في العمل. وهنا يصبح الحاجز المعوي ممرا للكثير من المواد الضارة إلى الدم، ومن ثم إلى الدماغ والدورة الدموية.

من أسباب فشل الحاجز المعوي الأغذية الغنية بالدهون والفركتوز (سكر الفواكه والعنب)، وهنا نعود إلى البدانة كممهد لطريق الإصابة بالسكري من النوع الثاني وتصلب الشرايين. ومصدر الفركتوز قد يكون الإكثار من الشوكولاته والمرطبات والمشروبات الغازية المحلاة بالفركتوز.

فالبكتيريا المعوية تعيش في احتكاك دائم ووئام مع الخلايا الوقائية في بطانة الأمعاء، ويمكن للأغذية الدهنية والفركتوز أن تؤدي إلى الإخلال بهذه العلاقة. وأسرار هذه العملية لم يسبر غورها بعد، لكن المؤشرات عليها كثيرة، وخصوصا تراكم الدهون، التي تعبر الحاجز المعوي، في جدران الشرايين الدموية.

والفلورا تختلف في حجمها ودورها من إنسان آخر، كل حسب طريقة تغذيته ووزنه ومكونات طعامه اليومي. وكمثال، فإن الطفل الحديث الولادة يأخذ كمية كبيرة معه من فلورا الأم ويمكن بالتالي أن يحمل جزءا من تركيبتها معه.

ولأن هذه البكتيريا «المفيدة» تحسن عملية الهضم وخزن الشحوم والسكر فهي مسؤولة عن توفير 10 في المائة من الطاقة اليومية التي يحتاجها الإنسان.