منزل في صحراء نيفادا .. يعانق نجوم السماء

أول ما يسأل عنه أي شخص بعد الوصول إلى هذه البقعة المقفرة والجافة التي تقع على بعد 150 ميلا شمال لاس فيجاس وبالقرب من ديث فالي وادي الموت في يوم صيف حار هو ما إذا كانت هناك أفعى ذات الأجراس
أول ما يسأل عنه أي شخص بعد الوصول إلى هذه البقعة المقفرة والجافة التي تقع على بعد 150 ميلا شمال لاس فيجاس وبالقرب من ديث فالي وادي الموت في يوم صيف حار هو ما إذا كانت هناك أفعى ذات الأجراس

قليلة هي الأحياء والبيوت التي تنتشر في صحراء نيفادا حيث بنى الصحافي الإيطالي فابريزيو رونالدينو منزل أحلامه. فهناك فقط قطعة أرض بنيت عليها كنيسة وبيت سيئ السمعة يبعد نحو 7 أميال على الطريق.


ونظرا لأن رونالدينو شخصية ودودة، فقد اصطحب أول مرة زوجته وابنتيه اللتين لم تبلغا الحادية والعشرين في ذلك الوقت، لإلقاء التحية على الجيران بعد شراء الأرض منذ بضع سنوات.

يقول رونالدينو مسترجعا الذكريات:

«لقد كنت أغلق السيارة، فيما اتجهت زوجتي وابنتاي إلى البيت لدق الجرس، وعندما فتح شخص الباب ورأى فتاتين وسيدة، أعتقد أنهن يبحثن عن وظيفة فأخبرهن عدة مرات أنه غير مسموح بعمل فتيات لم يبلغن سن الرشد بعد». ولم يقتنع إلى أن وصل رونالدينو وأخبره أنهم جيرانه الجدد. لم يكن الرجل ودودا، لكنه تمنى لهم حظا سعيدا.

المهم أن أول ما يسأل عنه أي شخص بعد الوصول إلى هذه البقعة، التي تقع على بعد 150 ميلا شمال لاس فيغاس وبالقرب من ديث فالي (وادي الموت)، في يوم صيف حار، هو ما إذا كانت هناك أفعى الجلجلة (الجرس) أم لا.

ينفي بيتر سترزيبنيوك، المهندس المعماري الذي بنى المنزل والذي كان يقوم بزيارة المنطقة، وجودها، موضحا أن الجو في هذه المنطقة حار جدا، وهذا النوع من الأفاعي يفضل الظل.

السؤال الآخر المهم هو ما الذي يدفع أي شخص لكي يبني منزلا في وسط هذا الخلاء الحار؟ ليس هذا بالسؤال المتوقع، فقد قاطعه رونالدينو، الذي وصل في وقت مبكر من اليوم نفسه من بلده روما مع زوجته سيمونا إيركولاني وابنتيه فرانشيسكا (23 عاما) وبيانكا (17 عاما) ووالديه جياني ولينا رونالدينو، وكأنه سمعه مرارا وتكرارا.

وأخذ يسأل: «لماذا؟ لماذا؟ لماذا؟» وكان وجهه يشع بألق السعادة وكأنه رجل وجد حبه الضائع الذي افترق عنه منذ زمن طويل. وقال: «لقد بدأ الأمر بفيلم (زابريسكي بوينت) من إخراج أنتونيوني الذي كان يتناول ثقافة الستينات المغايرة.

كان الفيلم مناسبة أسطورية بالنسبة له، حيث كانت أحداثه تدور في ديث فالي (وادي الموت) وتم تصوير جزء من أحداثه في «زابريسكي بوينت»، وأضاف رونالدينو البالغ من العمر 51 عاما ويتحدث الإنجليزية بطلاقة: «كانت أول مرة نأتي فيها إلى هنا منذ 17 أو 18 عاما. ووقعنا في غرام ديث فالي، لذا داومنا على المجيء. ثم قررنا أن نبني منزلا».

تلتقط سيمونا البالغة من العمر 47 عاما الحديث رغم أنها لا تجيد الإنجليزية بدرجة كبيرة مثل رونالدينو قائلة: « كان أبي يعاني من مرض ألزهايمر منذ 13 عاما.

عندما توفي، كانت كلماته الأخيرة هي: (زابريسكي بوينت). لم يتذكرني أو يتذكر ابنتي أو أمي؛ بل فقط (زابريسكي بوينت). وتضيف: «عندما توفي قدمنا إلى هنا بالطائرة لتكريم أبي، وقال لي رونالدينو إنه مكان جميل يصلح لبناء منزل. فأجبته مازحة: لم لا؟».

هل الصحراء تجذب الذين يهتمون بالقصص المثيرة؟ أم إن هناك وقتا للاستماع إلى تلك القصص في الصحراء؟». رونالدينو، الذي يعمل والده أستاذا للسينما، روائي وصحافي وعمل يوما ما كمتحدث رسمي لماسيمو داليما، رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق، بينما تعمل زوجته سيمونا منتجة في التلفزيون.

زار الزوجان الكثير من الصحارى على مدى السنوات الماضية مثل صحراء سمبسون في أستراليا وغوبي في مانغوليا وأتاكاما في أميركا الجنوبية. ومنذ 10 سنوات عندما كانا يمران بأزمة عاطفية، لعبت الصحراء دورا مهما في حياتهما، حيث ترك رونالدينو المنزل وكان هناك الكثير من الدموع والحزن من الطرفين، وخلال هذه الأزمة قضيا بضعة أسابيع في ديث فالي.

يقول رونالدينو: «لقد كنا في حالة انهيار عاطفي في مكان يسمى للمفارقة (لاست تشانس ماونتين) أو (جبل الفرصة الأخيرة). لكن لحسن الحظ لم تكن هذه هي فرصتنا الأخيرة. عدنا إلى إيطاليا وبعد شهرين عدنا كلانا للآخر وقررنا الاحتفال بقضاء أسبوع في (فورنيس غريك رانش)».

عام 2005 اشترى الزوجان أرضا مساحتها 40 فدانا مقابل 70 ألف دولار. وبعد ذلك بعام عندما أحضرا ابنتيهما لرؤية الأرض، دفنت سيمونا خاتم زواجها تحت بعض الصخور في تلك الأرض.

وتوضح سيمونا السبب قائلة بالإيطالية بينما تترجم إحدى ابنتيها قائلة: «لقد دفنت خاتم زواجها تحت الصخور لأنهما أصبحا أسيرين لهذا المكان؛ فقد فقدا نفسيهما ووجداها هنا. إنه رمز حبهما. عندما دفنت سيمونا الخاتم دفنت الجزء الحزين من هذه العلاقة».

قبل بناء هذا البيت، اطلع رونالدينو على أعمال بيتر سترزبنيوك، المهندس المعماري الألماني المقيم في سان فرانسيسكو والذي تولت شركته «نوتوسكيل» بناء منزل جاهز. لم يلتق المهندس المعماري مع العميل أو حتى يتحدث معه عبر الهاتف أثناء تخطيط المنزل وتأثيثه، فقد تم كل ذلك عبر البريد الإلكتروني.

وتقابلا للمرة الأولى عندما سافر وزوجته ديبورا وونغ، إلى المنزل مع الصحافي. وزار رونالدينو وسيمونا الموقع مرة واحدة فقط خلال عملية البناء قبل أن يتم الانتهاء من الديكور الداخلي للمنزل.

يعترف الزوجان الآن وهما يجلسان في إحدى غرف النوم أن هذا غير عادي، لكنهما لم يشعرا بالخوف. كان المهندس المعماري أوروبي، مما يجعل أذواقهم متقاربة.

نظروا في فكرة المنزل المعد سلفا، لكنهم رفضوها لارتفاع تكلفة نقله. وعوضا عن ذلك، تم بناء أجزاء المنزل في رينو التي تبعد خمس ساعات وإحضارها إلى الموقع.

تقدر تكاليف المنزل الذي تبلغ مساحته 1200 قدم مربع ويتكون من ثلاث غرف نوم ومنزل صغير من حمامين وغرفة مكتب وحوض استحمام بمياه ساخنة بنحو 250 ألف دولار.

لكن هذا المبلغ يعد زهيدا بالنسبة إلى ما تم التوصل إليه في المنزل. أما التكلفة النهائية فبلغت 290 ألف دولار، وكان من أسباب ارتفاع التكاليف، المشكلات مع عدد من المقاولين، الذين قضى أحدهم وقته في الحفر بحثا عن الذهب بدلا من العمل.

ويعد استخدام الألوان هنا شحيحا، فبلاط الحمام أخضر يذكر بنبات الميرمية وتوجد لمسات من الأحمر من خلال كراسي متفرقة تعكس حرارة الصحراء.

أثث سترزبنيوك المنزل بالكامل معتمدا على شركة «إيكيا» في غرف النوم و«سي بي 2» (المنضدة) و«ديزاين ويذين ريتش» (الكراسي) في غرفة السفرة.

عندما بلغ سعر توصيل الأثاث 6 آلاف دولار، استأجر شاحنة من «يو هول» وقام بنقل الأثاث على مرتين بنفسه من سان فرانسيسكو.

وقبل زيارة رونالدينو وسيمونا للمنزل بعد إتمام العمل به للمرة الأولى، ملأه سترزبنيوك بالطعام والمشروبات. يقول رونالدينو: «إنه على عكسي تماما؛ عملي للغاية».

شيء واحد ينقص المكان وهو حوض سباحة كبير. يشرح رونالدينو: «لا يمكن بناء حوض سباحة في وسط الصحراء». لكن «بالم سبرينغز» مليئة بأحواض السباحة، وإن كانت مخصصة لنجوم هوليوود. هناك تكييف في الشارع الرئيسي.

«لا أحب هذا النوع من الصحراء التي تتسم بالدعة وملامح الحضارة. أرى أنه لا يوجد بها قدر كاف من روح الصحراء».

عندما قضوا أسبوعا في المنزل، أشارت سيمونا إلى تجربة النوم في غرفة بها ركن بجانبه زجاج يمتد من الأرض حتى السقف: «عندما تبيت الليل هنا، يمكنك رؤية النجوم تتحرك». ويضيف زوجها: «أشعر أنني في سفينة فضاء.

كانت هناك رياح قوية في إحدى الليالي خلال فصل الشتاء الحالي. وكان المنزل يهتز. وكان هناك ملايين النجوم في كل مكان، وهو ما نفتقده في المدن أو الريف. إنك ترى النجوم فوقك لا حولك. الأمر يبدو وكأنك في سفينة فضاء».