لقاء مع الدكتور «وائل كفينه» أستاذ الخلايا الجذعية بجامعة بريستول البريطانية

حوار أبحاث الخلايا الجذعية، من بين مجالات العلوم العالمية الحديثة المتسارعة، التي تبشر بآفاق واعدة في الحاضر والمستقبل في الطب والصحة والعلاج.
وتعد جامعة بريستول البريطانية من المراكز العلمية الرائدة عالميا في أبحاث الخلايا الجذعية، فمن بين مجالات البحوث المتميزة بالجامعة ضمن هذا المجال، استخدام الخلايا الجذعية في هندسة الأنسجة الغضروفية.
ومن علمائنا العرب المتميزين بالخارج في مجال هندسة الخلايا الجذعية، العالم البريطاني الفلسطيني الأصل، الدكتور وائل كفينه، بجامعة بريستول البريطانية والمتخصص في هندسة الأنسجة الغضروفية باستخدام الخلايا الجذعية، كما أنه أستاذ كرسي الشيخ سالم بن محفوظ لعلاج تآكل المفاصل بالخلايا الجذعية بجامعة الملك عبد العزيز بالسعودية، الذي تم تأسيسه في شهر أبريل (نيسان) الماضي.
وفي حوار له مع جريدة «الشرق الأوسط»، أشار الدكتور وائل كفينه، إلى أن جامعة بريستول من أوائل المراكز العلمية التي قامت بأبحاث على هندسة الأنسجة الغضروفية، والتوصل ولأول مرة في العالم إلى تكوين غضروف في المختبر باستخدام خلايا جذعية من النخاع العظمي للمريض نفسه، حيث استغرق نمو الخلايا الجذعية شهرين للوصول لغضروف طوله نصف بوصه (1.25 سم) وله كفاءة عالية.
وأضاف أن من بين التوجهات العالمية الحديثة في أبحاث الخلايا الجذعية، استخدام الخلايا الجذعية المحفزة أو المستحثة فائقة القدرة، التي تتميز بقدرتها على التعدد والتمايز غير المحدود ويتم الحصول عليها بتقنية العلاج الجيني.
وأضاف أن مقومات بحوث الخلايا الجذعية في عالمنا العربي، محدودة، لعدة أسباب، منها نظام التعليم ومحدودية الإمكانات، وغياب الرؤية والاستراتيجية لبناء قاعدة أبحاث وكوادر علمية مؤهلة.
وفي ما يلي نص الحوار: في البداية نود أن تحدثنا عن مفهوم الخلايا الجذعية وخصائصها؟
وجد أن الجسم يحتوي على خلايا غير متخصصة، يطلق عليها «الخلايا الجذعية» نسبة إلى جذع النبات، فهي كالنبات له جذع ثم بعد ذلك يتفرع، واكتشف أن الخلايا الجذعية هي الخلايا الأم للخلايا المتخصصة، فهي بكل بساطة الخلايا التي تتخصص مع الوقت لتنتج الخلايا الخاصة بمختلف الأعضاء.
وتتميز الخلايا الجذعية بعدة خصائص، ولكن أهم خاصيتين هما:
القدرة على الانقسام المتكرر، أي أنها تزيد في العدد حسب الحاجة، والأخرى هي القدرة على التخصص أو التمايز، أي تنقسم لتعطي أختا مكافئة لها في نفس الصفة.
والخلايا الجذعية تكون بأكبر عدد لها في مرحلة الجنين من تطور الإنسان، ولكن كلما تقدمنا في العمر قل مخزون الخلايا الجذعية في العدد وأصبح محدودا في بعض أعضاء الجسم مقارنة بأعضاء أخرى، فمثلا هناك أعضاء تقريبا لا تبلى الخلايا الجذعية فيها مثل الدم، لأنه قادر دائما على تجديد نفسه، نتيجة أن الخلايا الجذعية للدم (hematopoietic) لها القدرة على الانقسام المستمر، وهناك أعضاء في الجسم تقل فيها الخلايا الجذعية مثل الدماغ، وقد يؤدي هذا إلى إصابة الفرد بالخرف، وأعضاء أخري يقل فيها منسوب الخلايا الجذعية مثل البنكرياس وأيضا الغضروف، حيث لا توجد به خلايا جذعية، لكن هناك اكتشاف جديد يؤكد على أنه يحتوي على نوع معين من الخلايا يقال إنها شبه جذعية.
والخلايا الجذعية تشيخ، أي تضعف قدرتها بالتدريج، فالإنسان يشيخ لأن هذه الخلايا تشيخ وتهترئ، ويصبح الإنسان عرضة لأمراض الشيخوخة مثل مرض باركنسون والزهايمر وخشونة المفاصل وتآكل الغضروف، فعندما ربط العلماء أمراض الشيخوخة بعدد الخلايا الجذعية الموجودة في هذا العضو أو ذاك وجدوا أنها قليلة
والخلايا الجذعية ليست خلايا مهندسة أو مبتدعة، فهي موجودة في الجسم وتعيش فيه طول الوقت، ولكن دورها يتفاوت مع مراحل عمر الإنسان، إذ تكوّن الجسم في البداية، وفي النهاية تحافظ عليه، وعندما تشيخ يموت الإنسان، فهذا ما يعرف بالمدى العمري للخلايا الجذعية.
- وماذا عن هندسة الخلايا الجذعية؟
عندما فهم العلماء الخلايا الجذعية وخصائصها، وأن لها القدرة على هندسة أو تجديد أعضاء الجسم، وأنها تتجدد ذاتيا، فكر بعضهم في زراعتها في المختبر، للقيام ببحثها وزيادة عددها حتى يمكن زراعتها لدى مريض لديه مشكلات في عضو معين، هذا العضو المتضرر به نسيج تالف يحتاج إلى تجديد، ويتم هذا التجديد عن طريق حقن هذه الخلايا المتخصصة لتنمو وتتكاثر وتتجدد، وبهذا يشفى المريض.
هناك أنواع كثيرة من الخلايا الجذعية، وهي:
الجنينية وتؤخذ من الأجنة، والبالغة، وتؤخذ من نسيج بالغ، والمحفزة أو المستحثة (induced)، ويتم الحصول عليها عن طريق إعادة برمجة الخلايا البالغة لجعلها تتصرف مثل الخلايا الجذعية الجنينية.
وتختلف الخلايا الجذعية المحفزة، عن الخلايا البالغة، في قدرتها على التعدد والتمايز بشكل غير محدود (pluripotent) إلى أنواع مختلفة من خلايا الجسم، وهي بذلك تشبه في عملها الخلايا الجذعية الجنينية لحد كبير، بينما الخلايا البالغة تتعدد وتتمايز بشكل محدود (multipotent).
 
ومنذ 15 عاما تقريبا، حدثت ثورة في بيولوجيا الخلايا الجذعية، فبدأ العلماء بعزلها سواء من الإنسان أو الحيوان لدراستها وفحصها بعمل «مزرعة خلية»، للتعرف على كيفية انقسامها وعدد مرات ذلك، والمواد المحفزة التي تساعدها على التخصص، وهناك درجات من الخلايا الجذعية، فمنها ما تكون بدائية جدا وتوجد في الجنين، ولها قدرة شديدة جدا على الانقسام الكثير ثم التفرع والتخصص لكل أعضاء الجسم، وتسمى «أم الخلايا الجذعية»، فهي تشبه الشجرة إلى حد ما، حيث تنمو وتتفرع وتصبح أكثر تخصصا وقليلة في العدد، فإذا كان لدى شخص ما تلف في الدماغ وخلايا الدماغ غير قادرة على إصلاحه، فلماذا لا نحقنه بالخلايا الجذعية، سواء من خلايا جذعية سليمة، أو من شخص آخر صغير السن، وبالتالي تتمكن هذه الخلايا من إصلاح أو إبدال هذا التلف
لكن، رأى البعض أن حقن الخلايا أمر بسيط، حيث لا يعقل أن تحقن الخلايا وتترك لتفعل ما تريد، فلماذا لا نساعدها ونحفزها بمواد كيماوية أو بيولوجية ونضعها على هيكل لتنمو عليه، وهنا يدخل مجال طب التجديد.
- العلاج بالخلايا الجذعية من المجالات الواعدة في الطب والصحة والعلاج، هل لكم أن تحدثونا عن أبحاثكم في استخدام الخلايا الجذعية في هندسة الأنسجة الغضروفية؟
الغضروف هو النسيج الأبيض الأملس في نهاية المفصل ويعمل على تسهيل الحركة، وهو عبارة عن مادة صلبة ملساء، ورقيقة، وبيضاء موجودة فوق المفاصل.
ويعتبر من أجمل التركيبات، فهو جهاز هندسي معقد وبسيط في آن واحد، وتكمن هذه البساطة في أن الغضروف يتكون من نوع واحد من الخلايا الغضروفية، فهي التي تبني وهي التي تهدم، والغضروف، على عكس أعضاء الجسم الأخرى، يعتبر العضو والنسيج في نفس الوقت
ويرجع تآكل الغضروف لأسباب كثيرة، منها عدم توازن في ميكانيكية الرجل نتيجة حركة رياضية غير سليمة، أو ارتداء حذاء غير مناسب، أو بدانة الجسم، ولا يتفق العلماء على وجود حمية غذائية معينة تساعد على تآكل الغضروف، في حين يرى البعض أن الحمية التي تحتوي على مواد غذائية بها «أوميغا 3» تفيد في زيادة عمر وصحة الغضروف.
وهناك مادة هلامية تعمل كمادة تشحيم تساعد على حدوث الحركة بسهولة، فإذا حدث أي تلف لهذه المادة، تبدأ الغضاريف في التآكل مع الحركة بالتدريج، ولهذا يعاني الفرد من خشونة المفاصل. لهذا قمنا ببناء نسيج غضروفي باستخدام الخلايا الجذعية الموجودة في النخاع العظمي للمريض نفسه، ونخاع العظم هو النخاع الشوكي الأحمر الموجود في عظمة الفخذ والضلوع لدى البالغين.
- هل هناك أنواع مختلفة من الخلايا الجذعية في النخاع العظمي؟ وأي من الخلايا قمتم باستخدامها في هندسة النسيج الغضروفي؟
يوجد في النخاع العظمي نوعان من الخلايا الجذعية، هما الخلايا الجذعية للدم، وتتميز بالقدرة على التجدد الذاتي والتمايز، والقدرة الفريدة لإنتاج الأنواع المختلفة لخلايا الدم البالغة، والنوع الآخر، خلايا جذعية محيطة (stromal)، تعمل على تكوين كل ما يحيط بها من عظم، ودهن، وغضروف، ويمكنها تحت ظروف معينة أن تتخصص إلى أي من هذه الأنسجة الثلاثة.
إذن، الخلايا الجذعية للعظم يمكن أن تحفز في المختبر وتدفع إلى هذا الاتجاه، وهذه هي الخلايا الجذعية التي استخدمناها في مختبرنا، ويطلق عليها خلايا جذعية بالغة، وعلميا تسمى بالخلايا الجسمية (somatic).
وفي البداية، قمنا بالتجريب على الحيوانات في عامي 2001 و2002، وتم حقنها بهذه الخلايا، وهناك ثلاث محاولات إكلينيكية تمت في بريطانيا، تم فيها استخدام العلاج بالخلايا الجذعية الذاتية (autologus)، الأولى في جامعة أدنبره لعلاج الجلطة الدماغية باستخدام خلايا جذعية جنينية تميزت إلى خلايا جذعية عصبية، والثانية، أجريت على العيون لعلاج مشكلات الشبكية، باستخدام خلايا جذعية جنينية تخصصت إلى خلايا جذعية شبكية، والثالثة، على الغضروف، وهذا ما نقوم به، والخلايا الجذعية في هذه الحالة مأخوذة من النخاع العظمي، وسيتم التطبيق الإكلينيكي في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
عندما يتآكل الغضروف يحدث اضطراب في الإنزيمات التي تحافظ عليه، فيصبح الهدم أكثر من البناء لأن الخلايا التي تكون الغضروف تمرض، وبالتالي تتعطل وظيفتها، فتفرز إنزيمات المواد الهدامة أكثر مما تفرز المواد البناءة للغضروف، لهذا تحدث خشونة للغضروف نتيجة للاضطراب في التوازن داخل الخلايا المكونة له.
عندئذ فكر العلماء في حقن مثبطات للإنزيمات الهدامة التي أصبحت تفرز بكثرة وعلى غير العادة، وكان ذلك في التسعينات من القرن الماضي، وأنفقت الكثير من شركات الأدوية الملايين من الدولارات على أدوية المثبطات، ولكن هذه الطريقة فشلت في النهاية، ذلك لأن هذه الإنزيمات جزء لا يتجزأ من الوظيفة الطبيعية للغضروف، لهذا فعندما يتم تثبيطها فسيؤدي ذلك إلى تعطيل الوظيفة الطبيعية للغضروف.
عند هذه المرحلة خلص العلماء إلى أن الوقاية خير من العلاج، حيث لا توجد أي أدوية يمكن أن تساعد الغضروف ليعود لما كان عليه، أو أن يجعل النسيج المهترئ ينمو ويصلح نفسه.
وتوصل العلماء بعد هذا إلى فكرة زراعة وبناء النسيج الغضروفي نفسه، مثل زراعة أعضاء أخرى في الجسم، وهنا ظهرت أمور جديدة وهي كيف تتم زراعة هذا الغضروف المهندس في الركبة؟ وكيف يمكن دمجه مع الأنسجة المحيطة بحيث يعيد التسطح (resurfacing) الطبيعي للمكان الذي به تلف؟ وكيف يمكن استخدام خلايا لتحفيز ودفع عملية الاندماج، وذلك عن طريق تطوير طريقة لإصلاح ودمج الغضروف المهندس بالغضروف الطبيعي باستخدام الخلايا؟ وبالفعل توصل العلماء إلى المادة المناسبة لاستخدامها لزرع الخلايا على كلا السطحين، التي تسمح بتبادل للخلايا، يساعد على حدوث اندماج بين السطحين. عند هذه المرحلة فهمنا أن المطلوب هو إعادة تسطيح المفاصل، وذلك باستخدام تقنيات هندسة الأنسجة مع الخلايا الجذعية.
هل هناك متطلبات أولية للقيام بهندسة الأنسجة الغضروفية؟
هندسة أنسجة الغضروف عملية معقدة ودقيقة، تتطلب ثلاثة أشياء:
خلايا جذعية لفرز البروتين، وإشارات أو محفزات للخلايا، تدفعها إلى التخصص إلى خلايا غضروفية، وهي عبارة عن مواد حيوية تفرز من خلايا مجاورة، وسقالات توضع عليها الخلايا، وهي عبارة عن هيكل ثلاثي الأبعاد لتشكيل الأنسجة الجديدة.
ولأول مرة في العالم استطعنا تكوين غضروف في المختبر باستخدام خلايا جذعية من النخاع العظمي للمريض نفسه، واستغرقت عملية نمو الخلايا الجذعية شهرين لأن تصل إلى غضروف طوله نصف بوصة، ويتمتع بكفاءة عالية.
وتعتبر أنسجة الغضروف أول الأنسجة التي تم العمل عليها لبساطتها، وكنا في مختبرنا من أوائل من أجرينا أبحاثا عليها، لأن الخلايا الجذعية كانت غير معروفة آنذاك.
كنا نقوم بأخذ عينة من غضروف المريض ونهضمها في المختبر ونستخلص الخلايا الغضروفية، ونزيد عددها ونزرعها مرة أخرى على المواد الحيوية، التي تتميز بشكلها البسيط، حيث تشبه قطنة بيضاء ولها ألياف على مستوى مقياس الميكرومتر أو النانومتر.
وعندما نهندس النسيج الغضروفي لا بد من التلاعب مع الخلايا الغضروفية والمحفزات والهياكل والمقاييس حتى نصل إلى وضع مثالي وبنسب تقارب نسب الغضروف الطبيعية.
ويعد مختبرنا أول مختبر يقوم بهندسة الأنسجة الغضروفية في بريطانيا في أواخر التسعينات، ولكن واجهتنا مشكلة وهي أن معظم الأفراد المصابين بخشونة العظام هم من كبار السن، وهذا يعني أن الخلايا المستخلصة من هؤلاء المرضى تكون ضعيفة الكفاءة جدا، وبالتالي فإذا قمنا بتصنيع نسيج منها سيكون ذا جودة محدودة.
وهنا بدأ استخدام الخلايا الجذعية كبديل، فهي خلايا تتكاثر بشكل كبير وجيد في المختبر، لإصلاح أو استبدال نسيج معين، فمنذ عام 2002 بدأنا دراسة هذه الخلايا بالتفصيل، وكيف يمكن هندستها ووضعها على السقالات لإنتاج خلايا غضروفية هيكلية، وكيف يمكن تغيير فسيولوجية هذه الخلايا، وتغيير المواد الحيوية لتصنيع السقالات، وكنا نستخدم مواد هيكلية سواء صناعية أو طبيعية.
وقد أجرى العلماء بالفعل بحوثا على الخلايا الجذعية البالغة الموجودة في النخاع العظمي لأنها سهلة العزل، وأخيرا توصلنا، ولأول مرة في العالم، إلى أنه يمكن استخدام الخلايا الجذعية من مرضى خشونة العظام، وليس من الأفراد الطبيعيين، وأثبتنا أن هذه الخلايا قادرة على القيام بوظيفتها بكفاءة عالية، وهنا تغلبنا على مشكلة أن الخلايا الغضروفية التي تؤخذ من كبار السن لا تنتج أنسجة قوية، وأثبتنا أننا يمكن أخذها من أي شخص حتى المريض نفسه وإن كان مسنا، حيث إنها ستكون قادرة على العمل مثل الخلايا الغضروفية صغيرة السن، لهذا ستكون نوعية الغضروف ذات كفاءة عالية، وبهذا أرسلنا رسالة للعالم كله، مفادها: إذا أردتم هندسة نسيج غضروفي لكبار السن ولديهم خشونة في العظام، عليكم استخدام الخلايا الجذعية لهؤلاء الأفراد أنفسهم، بينما صغار السن فيمكن استخدام خلاياهم الغضروفية، حيث إنها ما زالت صغيرة السن وكذلك يمكن استخدام خلاياهم الجذعية. لكن مشكلة الخلايا الجذعية هي أنها عندما تتخصص تصير خلايا شائخة.
- إذن كيف يمكن التغلب على شيخوخة الخلايا الجذعية المتخصصة؟
- هذا مبحث لا ينظر إليه الكثير من العلماء، ولكننا كنا سباقين في كيفية تحويل الخلايا الجذعية إلى خلايا غضروفية، كان لا بد علينا أن نفهم بالضبط ما المحفزات المطلوبة لدفع الخلايا الجذعية للتخصص لتكون نسيجا غضروفيا، فهي التي تتحكم في بيئتها وتحركها من مرحلة إلى أخرى، فبالتسلسل نحاول أن نخصصها حتى تصل إلى نقطة معينة تصبح بعدها خلية تشبه الخلية البالغة، وهذا ما يتركز عليه بحثي، لما لهذه الخلايا من فوائد.
والجدير بالذكر أن معظم الأبحاث تركز على استخدام الخلايا الجذعية البالغة، فالعلماء متخوفون من استخدام الخلايا الجذعية الجنينية لصعوبة زراعتها في المختبر، وتتطلب مصادر وتكلفة كبيرة، كما أنها حساسة جدا، فأي مثير أو تغير يحدث لها أثناء عملية الزراعة، يجعلها تبدأ على الفور وبسرعة شديدة في التفرع، لذا نقوم بالتحكم فيها حتى لا تتفرع بطريقة غير مرغوب فيها.
- من خصائص الخلايا الجذعية الجنينية القدرة على الانقسام إلى ما لا نهاية، هل يؤدي ذلك إلى سرطنة؟
نعم، فهي قد تؤدي إلى سرطنة، ليس لأنها مبرمجة لأن تكون كذلك، ولكن لأنها مبرمجة لأن تكون أي نوع من الخلايا بما فيها السرطانية إذا لم يتم التعامل معها والتحكم فيها بفنية عالية وبشكل تدريجي حتى تصل إلى خلايا طبيعية غير مسرطنة قابلة للتخصص إلى غضروف، ودم، وقلب وغيرها.
- ما التوجهات العالمية الحديثة في مجال أبحاث بيولوجيا الخلايا الجذعية؟
أعتقد أن أعظم الاكتشافات في هذا المجال، هو ما قام به العالم الياباني شينيا ياماناكا وأعضاء فريقه البحثي في جامعة كيوتو اليابانية، وذلك باكتشافهم عام 2006 طريقة للحصول على نوع من الخلايا يطلق عليه خلايا جذعية محفزة فائقة القدرة induced pluripotent))، وتتلخص هذه الطريقة بقيامهم بالتعرف على 4 جينات رئيسية ومهمة يتم استخلاصها من الخلايا الجذعية الجنينية ثم حقنها في الخلايا الليفية للفئران لإعادة برمجتها للحصول على خلايا تشبه الخلايا الجذعية في كفاءتها، لكن لم تحقق التجربة الهدف المطلوب، وفي يونيو (حزيران) 2007 قام الفريق البحثي بالتعاون مع معهد «إم آي تي» الأميركي وجامعة هارفارد وكاليفورنيا بلوس أنجليس الأميركيتين، وتمكنوا من تحقيق نجاح ملحوظ، وذلك بإعادة برمجة الخلايا الليفية للفئران إلى خلايا جذعية محفزة، وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2007 حدث اكتشاف خارق، حيث تمكن جيمس تومسون وفريقه بجامعة ويسكونسين- ماديسون الأميركية، وكذلك ياماناكا وفريقه بجامعة كيوتو من تحويل خلايا بشرية بالغة إلى خلايا جذعية بشرية محفزة، وقد نجح ياماناكا باستخدام نفس الأسلوب الذي استخدمه سابقا على الفئران، حيث استخلص أربعة جينات محورية من الخلايا الجذعية الجنينية.
- هل هناك أوجه اختلاف بين الخلية الجذعية الجنينية والخلية الجذعية المحفزة فائقة القدرة؟
الخلايا الجذعية المحفزة أو المستحثة، تشبه الخلايا الجذعية الجنينية في قدرتها على الانقسام الشديد، بحيث يمكنها التخصص إلى أي نسيج في الجسم، فخلايا النخاع العظمي مثلا لا تتخصص إلى كل الأنسجة ولكن للأنسجة المجاورة فقط من عظم، وغضروف، ودم.
الاختلاف المهم بين الاثنين هو في الأصل أو المصدر، فالخلايا الجذعية مستخلصة في المختبر من البويضات الملقحة (الزيجوت)، بينما الخلايا الجذعية المحفزة يتم الحصول عليها باستخدام تقنية العلاج الجيني، أي بحقن الخلية البالغة المتخصصة بأربعة جينات أساسية من الخلية الأم، وإذا دخلت هذه الجينات أي خلية تعيد برنامج الحمض النووي «دي إن إيه» بها بحيث تتصرف وكأنها خلية جذعية جنينية، وتتميز بتمايزها إلى أنسجة كثيرة جدا ولكن ليس إلى جميعها، وأيضا بسهولة عزلها، والاثنان لهما صفات وتصرفات مختبرية واحدة، كما أن طريقة تمايزهما متشابهة لحد ما
أعتقد أن تقنية الخلايا الجذعية المحفزة ستتغلب على مشكلات الخلايا الجذعية الجنينية الأخلاقية ومشكلات المناعة وغيرها، وبهذا سيتمكن العلماء من توفير بنك من الخلايا الجذعية لكل فرد.
- يرى الكثير من العلماء أن الدمج ما بين تقنية النانو متناهية الصغر والخلايا الجذعية سوف يبشر بكثير من الوعود في الطب والعلاج، هل لكم أن تحدثنا عن دور ذلك في علاج مشكلات الغضاريف والمفاصل؟
 نحن في أبحاثنا نهتم بالتعامل مع المواد الحيوية التي تستخدم في بناء الهيكل الذي يتم وضع الخلايا عليه ويتم تصميمه على مقياس النانومتر (النانومتر هو 1 من المليار من المتر)، وتساعد تقنية النانو في بناء هذه الهياكل وتيسر إجراء أي تغييرات في الشكل الذي نريده، وذلك بالتحكم في المواد الكيميائية، سواء كانت طبيعية أو صناعية يمكن تحضيرها في المختبر، وقد تعاونت مع الدكتور حسام يونس بجامعة قطر، والمهتم بالبوليمرات، الذي يجري أبحاثا على مواد حيوية سائلة، بغرض توصيل الدواء وجعل حبيبات البوليمرات تعمل كسقالات لحمل الدواء لتطلقه بالتدريج في الجسم، ويمكنني استخدام المواد الحيوية السائلة التي يقوم بتحضيرها الآن في مختبره، لتسبح وتتحرك فيها الخلايا الجذعية مما يسهل دخولها في أي منطقة في الجسم.
 
وقد طلبت التعاون معه لاستخدام هذه المواد الحيوية التي يصنعها في مختبره كألياف توضع عليها الخلايا بغرض هندسة الأنسجة الغضروفية، لأنها سهلة التحضير وغير مكلفة، كما يمكن أن تتصلب هذه المواد الحيوية إذا سلطنا عليها موجات ضوئية قوية، والهياكل التي استخدمناها لسنوات طويلة قد طورها علماء آخرون لأغراض مختلفة.
أبحاث العالم العربى- هل ترى أن مقومات بحوث طب التجديد، وهندسة الخلايا الجذعية وأنسجة الغضاريف متوفرة في عالمنا العربي؟
 المقومات محدودة لأسباب كثيرة منها، نظام التعليم في الوطن العربي محدود جدا، فالمناهج غير عصرية وبالذات العلوم والرياضيات، وكذلك الإمكانات محدودة، فمثلا توجد في بريطانيا 200 جامعة وميزانية كل جامعة تبلغ 160 مليون جنيه إسترليني، أنا كعالم متواضع تنفق الجامعة نحو 25 ألف جنيه إسترليني في العام الواحد على أبحاثي، بينما طالب الدراسات العليا في مصر مثلا يمول أبحاثه من حسابه الخاص.
نحتاج في العالم العربي، لرؤية سياسية، واستراتيجية لبناء قاعدة أبحاث، ولبناء العقول والكوادر العلمية المؤهلة، وتوفير المناخ الإيجابي الذي يساعدها على البقاء والاستقرار في الوطن لتعزيز الشعور بالمواطنة. وأشعر بتفاؤل كبير مع «الربيع العربي».
- هناك مشروع تقومون به بالتعاون مع جامعة قطر في مجال هندسة الأنسجة الغضروفية، هل لكم أن تحدثونا عنه؟
لدينا مشاريع كثيرة وهذا واحد منها، وهو بتمويل من صندوق قطر الوطني للأبحاث، ويعتبر ضمن المبادرات الجبارة في الشرق الأوسط، وقطر سباقة في هذا المجال، حيث تنفق ما يعادل 800 مليون دولار أميركي على الأبحاث سنويا، وطبعا هذا يساعد على تأسيس البنية التحتية للدولة، فهم يريدون جعلها مثل ماساتشوستس الأميركية، يستقطبون إليها العلماء من جميع أنحاء العالم. هذا المشروع جاء بالصدفة، لكن أنا شخصيا أرحب بأي مبادرة وأريد التعامل مع زملائي العلماء في الوطن العربي وأفضل الأشخاص المتميزين حتى يمكننا القيام بأبحاث ذات قيمة عالمية.
- وماذا عن مشاريعكم البحثية الحالية والمستقبلية في مجال هندسة أنسجة الغضاريف؟
هناك اتجاه بحثي آخر ولكنه معقد، ولي أيضا اهتمام به، يقوم على فكرة تحفيز وتنشيط الخلايا الجذعية الموجودة في كل عضو في الجسم، وتوجد بالفعل دراسات جادة في هذا المجال، ونشرت في شهر يونيو (حزيران) الماضي مجلة «نيتشر» دراسة لفريق بحثي من جامعة كلية لندن، ذكروا أنهم اكتشفوا مادة تسمى «ثيموسين بيتا 4» (thymosin betah 4)، فعند حقنها في الفئران المصابة بالسكتة القلبية، لاحظوا أن قلوبهم تتعافى وتنشط من جديد، وبالتالي ليس هناك حاجة للتدخل الجراحي لتصليح القلب.
وقد وصفت مؤسسة القلب البريطانية هذه المادة بـ «الكأس المقدسة لأبحاث القلب»، وما زال هناك سنوات حتى يمكن استخدامها لعلاج الإنسان، وإذا نجحت فلن نحتاج لعمليات القلب الكثيرة، وسيكون هذا إنجاز كبير.
ويتركز اهتمامي على تحفيز خلايا غضروفية أثبت العلماء أنها موجودة في الغضروف ولها صفات الخلايا الجذعية، ولكن لماذا لا تقوم بأي وظيفة عندما يحدث أي إصابة في الغضروف؟ هذا ما نريد معرفته، وماذا يحدث إذا قمنا بتحفيزها؟ وأعتقد أن هذا يعد من أحدث التطورات المستقبلية في مجال استخدام الخلايا الجذعية كمصدر لاستبدال الأعضاء وهندسة الأنسجة، وما زال الطريق طويلا.