مخرج العمل أكد أنه يرفض عرضه في تل أبيب .. "بعد الموقعة".. فخ إسرائيلي يواجه ممثل الثورة المصرية في "كان"

إسرائيل ومهرجان "كان" والثورة المصرية والعمل الفني، أمامك أربعة مؤثرات وأنت تشاهد "بعد الموقعة" أولًا تلك الدعاية الإسرائيلية التي تؤكد على أن الفيلم في طريقه للعرض في "تل أبيب".
بينما المخرج "يسرى نصر الله" يؤكد أن الشركة الفرنسية المشاركة في إنتاج الفيلم لا تملك من الناحية الشرعية عرضه في إسرائيل بدون موافقة الجانب المصري، وأنه بعدما حدث لأستاذه المخرج "يوسف شاهين" قبل 18عامًا عندما عرض فيلمه "المهاجر" رغمًا عنه في إسرائيل ولم يكن يملك أي حق قانوني في منع العرض بات حريصًا في كل تعاقداته مع أي شركة إنتاج أجنبية أن يشترط على حق الجانب المصري في عرض أو عدم عرض الفيلم في إسرائيل.
المنتج الفرنسي "جورج مارك بنامو" المشارك في إنتاج "بعد الموقعة" معروف في فرنسا بتوجهه الصهيوني.. ليس أمامنا سوى أن نصدق أن المخرج "يسرى نصر الله" تعامل معه كصاحب رأسمال ولم يعنيه في الأمر مواقفه السياسية، أو كما يقول لم يتأكد أبدًا من أن لديه توجهات ضد العرب.
 كما أن الأهم من ذلك هو حرصه على الـتأكيد بأنه لا يمكن أن يسمح بعرض الفيلم في إسرائيل قالها في المؤتمر الصحفي الذي عقد ظهر يوم 17 مايو فى "كان" عندما سأله أحد الصحفيين الإسرائيليين عن حقيقة عرض فيلمه هناك أنكر "يسرى" تمامًا، وقال إنه يرفض ذلك وصفق الحاضرون وأغلبهم من العرب وغادر الصحفي الإسرائيلي ومعه عدد من المتعاطفين معه بالقاعة احتجاجًا على هذا هو الموقف.
فرحتنا بعرض الفيلم داخل المسابقة الرسمية شيء ومستوى الفيلم شيء آخر تمامًا لا تستطيع سوى أن تتأمل هذا الفيلم بصريًا وفكريًا، إنها الثورة المصرية بعين "يسري نصر الله". 
أتذكر مساء 25 يناير 2011 التقيته في ميدان التحرير ولم يكن لدى أحد بالتأكيد إحساس أن هذه هي الثورة التي ستطيح بالطاغية، ولكن من المؤكد أنه كان هناك يقين بأن مصر قد تغيرت.
"يسري" شارك في الثورة كمصري أولًا ولكن عينه كسينمائي احتفظت لا شعوريا بقدرتها على الالتقاط حيث شارك في العام الماضي بإخراج واحد من تلك الأفلام العشرة الروائية القصيرة تحت عنوان "18 يوم" التي شاركت في احتفال مهرجان "كان" بالثورة المصرية، وبالمناسبة كانت في معظمها تخلو من اللمحة الإبداعية وبينها فيلم "نصر الله".
كنت أرى بعضها أشبه بتسجيل للحضور في الثورة والشعبطة على أكتاف "كان" وهكذا جاءت النتائج على المستوى الإبداعي هزيلة.. هذه المرة الرؤية أكثر هدوءًا، الهدف هو السينما وليس فقط الثورة، السينما كما يريدها "يسري" وبعيونه وإحساسه. 
الثورة تحتاج إلى فترة زمنية قبل أن نشرع في تناولها مقولة صحيحة لأن هناك أسرارا لا تزال تحت السطح وحقائق سنكتشف بعد مرور زمن أنها لم تكن حقائق، ولكن من حق السينمائي أن يقتنص لمحة محددة ويقدمها في عمل فني، وهذا هو ما فعله "نصر الله".
اختار المخرج واقعة الجمل التي كانت هي الخط الفاصل للثورة كان مبارك قبلها بأقل من 24 ساعة قد ألقى الخطبة التي قال فيها سأدفن على أرضها لاستعطاف مشاعر المصريين، وجاءت موقعة الجمل لتؤكد كم كان مراوغًا.
"نصر الله" اختار بطل الفيلم أحد الخيالة الذي تحول إلى بلطجي "باسم سمرة" ذهب إلى ميدان التحرير وتلقى علقة ساخنة هناك.
هل ذهب بعد أن استبد به الغضب مدافعًا عن أكل عيشه أم أنه كان عميلًا لأعداء الثورة.. الفيلم يتعاطف معه ولكنه في نفس الوقت لا يتعاطف مع موقفه.. يصل في لحظات إلى حدود تبرئته من الإدانة فهو كان يدافع عن مصدر رزقه، ولكنه سرعان ما يكتشف كم هو يروج لما كان يردده أعداء الثورة فيسارع بتأكيد الإدانة!.
لا أحد من الممكن أن يصدق أن هؤلاء تحركوا من نزلة السمان حتى ميدان التحرير بدون أن يخطط ويدفع لهم أيضًا مقابل مجزٍ لإجهاض الثورة.. السيناريو يقدم لنا "منة شلبي" الناشطة السياسية التي كانت واحدة من الثوار وتذهب إلى نزلة السمان وتشعر بانجذاب إلى "باسم" ولا أدرى لماذا أثقل المخرج فيلمه بتلك العلاقة العاطفية التي ظلت طوال السيناريو مثل حمل ثقيل المخرج غير قادر على التعامل معه لا دراميًا أو فكريًا علاقة تذكرنا ببعض الحكايات المشابهة التي كان يحلو ليوسف شاهين أن يزرعها في أفلامه عندما يصبح الانجذاب الجنسي هو الدافع الوحيد وتسقط في سبيله كل الحواجز والحدود.
الأحداث تنتقل إلى نزلة السمان لتصبح هي المسرح الحقيقي للفكر الذي يتبناه المخرج حيث تمتد لعنة الغضب إلى حاصرت "باسم سمرة" إلى ابنه الذي يتحول إلى أداة للسخرية من الطلبة في المدرسة لأنه ابن الخيال الذي تلقى علقة ساخنة في الميدان.
"باسم سمرة" في المشهد الأخير ينحاز للثورة يذهب إلى الميدان ويتلقى رصاصة قاتلة ثم نشاهده في لقطة أقرب إلى خيال يصعد إلى الهرم مؤكدًا أن الثورة في النهاية ستنتصر.
بالفيلم مزج بين الرؤية التسجيلية والدرامية نجح "نصر الله" في الحفاظ على أن يظل حتى نجومه المحترفين أمثال "منه شلبي" و"باسم سمرة" و"ناهد السباعي" في حالة من الانسيابية والطبيعية ولهذا كان يبدو "صلاح عبد الله" بأدائه الاحترافي خارج تلك المنظومة أداؤه يخدش روح الفيلم!!
الفيلم لا يقدم تأريخًا للثورة ولكنه يلتقط حالة "باسم سمرة" وفي النهاية ينضم للثوار والحقيقة هي أنه لم يتغير فكريًا فهو يتوجه لميدان التحرير حماية لمنة شلبي وليس للثورة إنها حالة حب وتلك هي المشكلة التي أثقلته دراميًا وعوقته فكريًا!!
الفيلم لم يستطع أن يصل إلى طموحنا كمشاهدين ولا أتصور أن فرصه في النجاح الجماهيري عند عرضه تجاريًا في العالم العربي مواتية التقدير النقدي للفيلم يضعه في مكانة بين الضعيف والمتوسط تظلم الفيلم لو قلت إنه فنيًا ضعيف وتظلم الحقيقة لو وضعته في مكانة متوسطة ولكنه في كل الأحوال لم يحمل إبداعًا خاصًا بل أن "يسرى" في أفلام مثل "جنينة الأسماك" قدم حالة سينمائية على الشاشة أفضل كثيرًا.
ما سوف يعانيه الفيلم ليس مستواه الفني ولكن هو هذا الاتهام الذي سيطوق عنقه أينما توجه فهو متهم بالعرض في إسرائيل حتى تثبت برأته!!