خذ حذرك عزيزي الأب من صفحة ابنك على الفيس بوك

كم من أشخاص عديدون أوقعوا أنفسهم في المشكلات بسبب شيء أو أشياء قاموا بنشرها بصفحاتهم على موقع الفيسبوك؟ ربما كانت صورة خاصة بشركة معينة أو تعليق مثير للشبهات قد تسبب في تقليل فرصهم بالعمل، أو حتى سب لشخصية دينية أو لقيادة سياسية وغيرها من التعديات التي يقع بها الشباب المتهور.
قصة واقعية علينا الاعتبار منها:
إنها قصة واقعية تتعلق بشاب إيراني يبلغ من العمر 25 عاما صرح بأن نشاطه على الفيسبوك تسبب في اعتقال والده بسجن سيء السمعة في مدينة طهران، ويكافح هذا الشاب الآن كي يجد أي وسيلة لإطلاق سراحه.
اعتذار على لسان الابن "ياشار خامنه":
على لسان هذا الشاب الذي أوقع والده البريء في مشكلة لم تكن على البال ولا على الخاطر اعتذر شاعرا بالندم حيث يقول: "أريد أن تغفر لي أسرتي، لكني مازلت أؤمن بما أؤمن به".
ياشار خامنه ووالده في هولندا في شهر أغسطس
تفاصيل الواقعة:
منذ عام مضى، بينما كان الشاب "خامنه" يدرس بكلية في هولندا، انضم إلى صفحة على الفيسبوك تسخر من الإمام "على بن أبي" وهو واحد من بين 12 إماماً يعتبرونهم في إيران خلفاء للنبي محمد ويطلقون عليهم "المعصومين" لأنهم من الأسماء التي يحميها القانون الإيراني ويمنع السخرية منهم أو كتابة أي تعليقات تافهة عنهم، وإذا قام أي شخص بالتعدي على القانون وتوجيه أي سباب لهم فإنه بذلك يعرض نفسه للاعتقال.
ويطلق على هذه الصفحة "حملة لتذكير الشيعة عن الإمام النقي" حيث تشبه الإمام على برجل يرتدي جلباب بوجه يشبه المجرم الأمريكي الذي ارتكب العديد من جرائم القتل وغيرها "تشارلز مانسون"تحيط به الإبل ويرتدي نظارة شمسية ولديه حمار يشبه  ما ظهر بالفيلم الكرتوني الشهير "شريك".
وتعرض هذه الصفحة أيضا أحد أضرحة الشيعة التي يقوم قطيع من الحمام بالوقوف والتبرز عليها، حيث حازت تلك الصور الساخرة على 21.000 إعجاب، وتوضح هذه الصفحة الهدف من قيامها بذلك وهو اللجوء إلى السخرية كوسيلة لتنقية الدين من الخرافات.
وجهة نظر أدمن صفحة الفيسبوك الساخرة من الإمام على:
"نحن نؤمن أن كل شيء وكل إنسان عرضة للسخرية".
وأضاف الشاب خامنه:
"لا يوجد إنسان أو شيء مقدس لدرجة تعفيه من أن يسخر منه الآخرون، ولم يكن الأمر منذ البداية بهذه الخطورة لأنه كان مجرد مزحة".
وصرح "خامنه" أنه لم يكن يعلم من هو مدير هذا الموقع فكلاهما استخدم أسماء مستعارة كما فعل العديد من الأفراد، ورغم ذلك نشر "خامنه" في الأيام الأولى روابط على صفحته الخاصة تحمل اسمه الحقيقي حيث قال إن ذلك كان الخيط الذي تمكنت السلطات به من ملاحقته.
وخلال ذلك الوقت قال "خامنه" أنه لم يكن يفكر كثيرا أو يعتقد أن الحكومة الإيرانية قد تطلع على هذه الصفحة لأن ذلك يبدو شيئاً غير محتمل؛ فهي صفحة واحدة من بين العديد جدا على الفيسبوك.
ومع ذلك لمرات عديدة راودته فكرة أن انتشار تلك الصفحة قد يثير غضب بعض الناس داخل إيران حيث يعيش أبيه، أمه وأخته، لكنه استمر في نشر موضوعات غير مسئولة على الصفحة وقال:
"علمت منذ البداية خطورة هذا الفعل، لكن كان له مبدأ خاص وهو "ينبغي كسر المحرمات" وأضاف: "أعلم أن ذلك قد يكون في غاية الحساسية بالنسبة للمسلمين والإيرانيين على مستوى العالم، لكن هنا في أوروبا تصنع النكات؛ فهناك نكات ساخرة من القصص اليهودية أو المسيحية ولا يتم تهديد أحد أو قتله بسبب ذلك، وهذا ما يجب أن يكون الأمر عليه".
الأب عباس خامنه
دق جرس الخطر:
بين عشية وضحاها اشتهرت تلك الصفحة ورغم شعور "خامنه" بالارتياح لقلة عدد التابعين لها إلا أن الأمر تغير للأسوأ، ففي منتصف مايو عندما تصدر مغني راب إيراني عناوين الجرائد الألمانية وكان نتيجة لذلك أن السلطات الإيرانية الدينية قامت بإصدار فتوى ضده لأن أغنيته كانت تسخر من الإمام، تحول جميع الإيرانيين فجأة للبحث على الإنترنت عن هذا المغني الذي سب الإمام، حتى أصبح ذلك مثل قوة دفع للصفحة واشتهرت بشكل كبير.
وفي الثالث والعشرين من شهر مايو استقبل خامنه مكالمة من والده "عباس خامنه" في إيران، الذي تم اعتقاله في  شهر مايو من عام 2010، وقال إن بعض الناس من جهاز المخابرات قد زاروا منزله ويريدون منه التعاون معهم في إخبارهم بكلمة السر الخاصة بحساب ابنه على الفيسبوك وبريده الإلكتروني.
تملك الشاب رعب لا يحتمل:
تملك الشاب شعور من الرعب والحصار، لأنه لم يكن مدير الصفحة من البداية ولذلك لم يستطع إلغاؤها، وافترض أن السلطات الإيرانية لم تفهم ذلك فقط، وقال إن متابعتهم له ربما لأنه من البداية كان ناشطا جدا على تلك الصفحة ومرتبط بها بشكل قوي بما قدم من تعليقات وردود وبمديرها أيضا.
مجهودات خامنه لمساعدة والده:
1- رسالة قوية لأدمن الصفحة:
أرسل الشاب برسالة قوية إلى أدمن الصفحة ومديرها شرح له من خلالها الوضع وطلب منه حذفها، وكان رد أدمن الصفحة برفض إيقافها ولم يكن سبب رغبة أدمن الصفحة في استمرارها واضح، لكن اعتقد "خامنه" أن هذا يعود لسببين كلاهما مشروع وهما:
- أن السماح لإيران بإلغاء الصفحة يعتبر هدم للهدف الذي أنشئت من أجله.
- لتحدي السلطات وخلق شعور أكبر من حرية التعبير.
وقال خامنه ربما اشتبه أدمن الصفحة به معتقدا أن بريده الإلكتروني مزيف وأن الراسل قد تكون تابعة للسلطات الإيرانية محاولة خداعه حتى يقوم بإلغاء الصفحة.
وأضاف أنه كان غاضبا في البداية لكنه شعر بالسعادة في نفس الوقت لإمكانية بقاء الصفحة، واعتقد أن إلغاءها لن يساعد والده في شيء.
2- حماية كلمة السر:
حاول "خامنه" اتخاذ الخطوات اللازمة لحماية كلمة السر الخاصة بصفحته على الفيسبوك وبريده الإلكتروني لكنه قرر بعد ذلك أن هذا ليس من الحكمة؛ لأن الإيرانيين يمكنهم اختراق كل الصفحات والاطلاع على أسماء أصدقائه وغيرها من المعلومات، وشعر بالخوف من معركة لا يمكنه الفوز بها.
3- الحل الوحيد:
قام خامنه بالعمل الوحيد الذي استطاع القيام به وهو حذف بريده الإلكتروني وصفحته على الفيسبوك.
في اليوم التالي تلقى مكالمة من أخته وأمه في إيران وكانوا في حالة هيستيرية وأخبروه أن السلطات اعتقلت والده وأخذته إلى سجن "إيوين" في طهران وهو سجن اشتهر بتعذيب السجناء، وتوسلت شقيقته إليه أن يتخلى عن كلمات السر الخاصة به وناشدته بإلغاء الصفحة التي تسخر من الإمام.
حاول جاهدا التوضيح لها أنه غير متحكم بتلك الصفحة وأنه قد أغلق جميع ما يربطه بها وبالفيسبوك وأن لا خيار له، لكنها لم تقتنع وأخبرته أنه كلما طال وجود تلك الصفحة على الفيسبوك كلما استمر تعذيب وإهانة والده بالسجن.
وبعد أيام قليلة استقبل مكالمة أخرى من أمه وكانت تبكي له قائلة إنهم يريدون تنفيذ الحكم على والده وسألته لماذا لم يتم غلق تلك الصفحة؟ وأجابها خامنه في نفس الوقت أنه لا يمكنه عمل شيء، ومرت الأسابيع وهو في حالة من القلق عن ما يريد عمله.
وفي شهر يونيه التالي قرر نشر رسالة مفتوحة على الإنترنت يشرح فيها اعتقال والده وأنه ليس له أي صلة بصاحب تلك الصفحة على الفيسبوك.
رد الفعل العالمي لرسالة "خامنه":
شاهد العاملون مع الحملة الدولية لحقوق الإنسان في إيران وهي منظمة غير حكومية مقرها في الولايات المتحدة رسالة "خامنه" ودعت إلى إجراء مقابلة معه، وقال  المدير التنفيذي "هادي قائمي" إنه يشعر بصدق قصة خامنه وأن هناك خطورة على أسرته بإيران وأن عبء الإثبات يقع على عاتق الحكومة الإيرانية لأنها لم تصدر أي بيان تنفي به الخبر، وأن ما يحدث شيء تشتهر به المخابرات الإيرانية التي تستهدف الناشطين الإيرانيين في الخارج وأفراد أسرهم.
حيث أخذت مطرب الراب مثالاً لتخويف جميع الصحفيين والإذاعيين الذين يعملون لدى راديو فارداء وخدمة اللغة الفارسية في إذاعة أوروبا الحرة.
4- التواصل مع وسائل الإعلام:
بدأ "خامنه" التحدث إلى وسائل الإعلام، وهذا الأسبوع كان في حيرة من أمره، ولا يدري ماذا عليه أن يفعل ولم يعد لديه إلا الأمل.
وحتى الآن مازال الأب الذي لا ذنب له يعاني ويلات السجن والتعذيب بسبب فعل متهور وغير مسئول صدر من ابنه الشاب، لذا على كل الآباء توجيه النصح لأبنائهم ومتابعة صفحاتهم على الفيسبوك حتى لا يوقعوا أنفسهم وأهليهم في مهالك هم في غنى عنها.