سؤال كل زبون .. ما الثمن الحقيقي للمنتجات المترفة؟

بدلة رجالية بـ 599.000 جنيه إسترليني وفساتين بـ 100.000 واكسسوارات تتعدى الـ 20.000
بدلة رجالية بـ 599.000 جنيه إسترليني وفساتين بـ 100.000 واكسسوارات تتعدى الـ 20.000

صدمت أوساط الموضة منذ فترة عندما نشرت نيكوليت مايسون، وهي صاحبة مدونة ومتعاونة مع مجلة «ماري كلير» في نسختها البريطانية، تغريدة عبر «تويتر» تظهر فيها في صورتين لكن بفستان واحد يبدو طبق الأصل من الصورة، على الأقل من ناحية نقشاته التي تجسد أقلام أحمر الشفاه.
 
لكن نيكوليت كتبت أنهما مختلفان تماما، فواحد منهما بتوقيع هادي سليمان مصمم دار «سان لوران» والثاني من ماركة «فوريفير 21» المتوفرة في شوارع الموضة الشعبية. 
 
وكانت الصدمة في أن الماركة الشعبية لم تستنسخه عن ذلك الذي اقترحه هادي سليمان في عرضه خلال أسبوع باريس لخريف وشتاء 2015، كما جرت العادة، بل العكس تماما، حيث أكدت نيكوليت أن «فوريفير 21» طرحته قبل العرض بسنوات. 
 
وزاد الطين بلة أن فرق السعر بينهما مثل الفرق بين السماء والأرض؛ ففستان «سان لوران» بـ 3.490 دولار أميركي، وفستان «فوريفير 21» بـ 23 دولارا أميركيا، الأمر الذي فتح الشهية للتحليل والتأويل على شبكات التواصل الاجتماعي، مع بعض الاستنكار والاستهجان. 
 
مما لا شك فيه أن الخامات مختلفة وكذلك طريقة التنفيذ، ومع ذلك، فإن تبرير فرق السعر صعب، الأمر الذي يؤكد رأي كثير من المتابعين لما يجري في ساحة الموضة منذ سنوات، بأن أسعارها وصلت حالة من الجنون لم يعد بالإمكان تجاهلها.
 
فهناك ما يشبه الحرب بين بيوت الأزياء العالمية على رفع أسعارها في محاولة للحفاظ على ولاءات قديمة أو لاستقطاب زبائن جدد تحت راية التميز والتفرد والحرفية.
 
هل اكتويت بأسعار المنتجات المرفهة، ولاحظت أن هناك حربا علنية بين بيوت الأزياء العالمية على رفع أسعارها في محاولة للحفاظ على ولاءات قديمة أو لاستقطاب زبائن جدد تحت راية التميز والتفرد والحرفية؟ إذا كان جوابك بالنفي، فأنت واحد من ثلاثة: فإما أنك لا تعيش في فقاعة الموضة، أو لا تهتم بما يجري فيها، أو لا تهمك الأسعار أساسا، وفي كل الحالات أنت محظوظ.
 
ما لا يخفى على أي متابع للموضة أن أسعارها وصلت إلى حالة من الجنون يصعب التغاضي عنها، وعند مواجهة صناعها بهذه الملاحظة يدافعون بحماس بأن للحرفة ثمنها. لكن هل تبرر الحرفية هذه المبالغ الطائلة التي يطلبونها مقابل فستان جاهز أو حقيبة جلدية؟ 
 
فستان من «إيف سان لوران» مثلا قد يصل إلى أكثر من 33.905 دولار، رغم أنه ليس «هوت كوتير»، في حين يقدر راتب مصرفي عادي بـ 20 ألف دولار سنويا، وحقيبة يد من دار «لويس فويتون» يمكن أن تصل إلى 20 ألف دولار أو أكثر حسب نوعية جلدها، في حين يبلغ متوسط سعر السيارة 30 ألف دولار.
 
كل هذا يؤكد أنها ارتفعت بنسبة تتراوح بين 25 و50 في المائة في السنوات القليلة الماضية.
 
ونحن هنا لا نتحدث عن أسعار قطع «هوت كوتير» صنعت باليد وعكفت عليها الأنامل الناعمة لمئات الساعات حتى تأتي على شكل تحف فريدة من نوعها، بل نتكلم عن قطع جاهزة معروضة في متاجر راقية بعدد قد يكون محدودا، لكنه متوفر بما يكفي لشريحة لا ترمش لها عين وهي تقرأ السعر المكتوب عليها.
 
تقول الصحافية والكاتبة دانا توماس، مؤلفة كتاب «ديلاكس Deluxe: how Luxury Lost its Lustre (الفخامة: كيف فقد الترف بريقه؟)»: «الزبون يتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية. ما يدهشني في العملية كلها سذاجة المستهلك ووقوعه السهل في الفخ، فمنهم شريحة لا ترمش لهم عين وهم يدفعون ثمن هذه المنتجات، مما يشجع صناع الترف على التمادي في الأمر».
 
وبالفعل هناك شريحة تجري وراء حقيبة باهظة الثمن ظهرت بها نجمة سينمائية على صفحات مجلة براقة، أو فستان ظهرت به أخرى في مناسبة كبيرة، وأغلبها من المتطلعين لدخول نادي الترف. وبالطبع هؤلاء هم مطلب صناع الموضة وتجار التجزئة على حد سواء، لأنهم مستعدون لدفع مبالغ خيالية مقابل حقيبة يد بعدد محدود، أو حذاء مصنوع من جلد النعام أو التماسيح.
 
وهذا مما يجعل دانا توماس تتساءل مستنكرة: «أنا لا أفهم كيف بمقدور أعداد كبيرة من الناس حاليا شراء حذاء يقدر بـ 800 دولار أو حقيبة يد بـ3 آلاف دولار، لكن هذا ما يحصل في أرض الواقع، بدليل أن عملية البيع لا تتوقف». 
 
وتشير الكاتبة أيضا إلى أنها عندما ألفت كتابها «كيف فقد الترف بريقه؟» منذ بضع سنوات، كانت القيمة السوقية لحقيبة اليد أكثر 12 مرة من قيمة تكلفتها الفعلية، أما الآن فإنها تسمع من مصادر مقربة من هؤلاء الصناع أنها قد تفوق 20 مرة قدر تكلفتها وأحيانا 25 مرة، وهذا ما يفسر كيف أن أصحاب هذه الشركات من بين أغنى أغنياء العالم.
 
وبالطبع يبررون ارتفاع الأسعار بالحرفية وما تتطلبه من خامات مترفة وساعات عمل طويلة على يد حرفيين متمرسين يتطلب الحفاظ عليهم أجورا عالية، كما يلقون باللوم على التضخم وما شابه، لكن دانا توماس تفند هذا بقولها: «لم ألاحظ أن التضخم أثر على أشياء أخرى ارتفعت بهذه النسبة والوتيرة، وتصوري أنه لو ارتفعت أسعار الخبز والبيض والبنزين مثلا لكنا سنرى ثورة عارمة في الشوارع».
 
لكن الأمر يختلف عندما يتعلق بالموضة والجمال ربما لأنه من الكماليات، ومن لم يستطع إليه سبيلا يمكن أن يتنازل ويشتري من محلات الموضة التي تقدم أزياء مستنسخة وبأسعار أقل.
 
المهم أن هذا التناقض يفتح جدلا مثيرا بين مستنكر ومقدر، فرغم أن شريحة الأثرياء لا تهزهم هذه الأسعار بقدر ما تثيرهم وتزيد من رغبتهم في اقتنائها، فإن من الصعب على كثير منا فهم كيف أن الحقيبة نفسها التي كانت تقدر بـ 300 جنيه إسترليني منذ عشر سنوات، أصبحت اليوم تقدر بـ3 آلاف جنيه إسترليني.
 
كما أكدت دانا توماس، فإن السبب الزبون نفسه الذي لا يزال يقبل عليها ويجعلها مطلوبة، وهذه النوعية أغلبها، إما من محبي التسوق، أو من المتنافسين على التباهي واستعراض الجاه، حسبما جاء في مقال نشر في صحيفة «نيويورك تايمز» منذ فترة، سلط الضوء على مظاهر بذخ وإسراف الرؤساء التنفيذيين تحديدا. 
 
وقد جاء في المقال أن «التفاخر بالثراء أصبح يتطلب الآن امتلاك يخت ضخم لا يقل طوله عن 80 قدما، ويضم مهبط مروحيات، وصالة ألعاب رياضية، وقطع أثاث ذات طراز قديم». وكلما زاد سعر المنتج زادت الرغبة فيه على أساس أنه فريد من نوعه وبعيد المنال عن العامة، مما يجعل صاحبه يدخل نادي النخبة من أوسع الأبواب.
 
الرأي نفسه يعبر عنه روبرت دافي، رئيس دار «مارك جاكوبس إنترناشيونال» بطريقته الخاصة حين يقول: «إنك لا تحتاج الفخامة، لكنك ترغب فيها، لقد كان الكيس الذي تناولته اليوم من شرائح البطاطس على الغداء ضربا من الترف بالنسبة لي، ويبدو أنه في هذه الأيام عندما تسأم الناس من الأخبار السيئة والوعود التي لا يتم الوفاء بها سياسيا واقتصاديا، يصبح الانغماس في الملذات وعدا يمكن تصديقه». 
 
ويوضح سام شهيد، الذي طور صورة الشركة من زاوية أخرى، بقوله: «كيف يمكنني القول بأن هذه السترة من (أبيركرومبي) تمثل الترف مثلا؟ 
 
والجواب سهل؛ يكفي أن تلصق بها هذا الوصف ليصدقه الناس. فالترف أفضل شيء يمكنك الحصول عليه، وعالم الأزياء مثل الفن، حتى إذا لم يكن بمقدورنا دفع ثمن اللوحة المعروضة في متحف، فإننا نحب النظر إليها والحلم بها». ويبدو أيضا أنه من السهل الترويج للترف فقط برفع السعر.
 
بيد أن هذه الآراء يمكن أن تنطبق على طبقة الأثرياء ممن لا تهزهم الأسعار، ولا ينتبهون أساسا أنها تغيرت بهذا الشكل المتسارع خلال السنوات القليلة الماضية، لكن بالنسبة للأغلبية التي لا تستطيع لهذه المنتجات سبيلا، فإن امتلاك يخت طويل وعريض من سابع المستحيلات، وفستان أو بدلة يفوقان 30 ألف دولار، وإن كانوا مضطرين للتسوق ومتابعة تطورات الموضة لمواكبة العصر والحفاظ على صورة اجتماعية لائقة. 
 
لهذا من الطبيعي أن يشد انتباهنا فستان كوكتيل أو بدلة رجالية يفوق سعر كل واحد منهما 2.300 دولار، وفي الوقت ذاته لا بد أن نتساءل عن مدى جدوى فستان يفوق سعره 33.905 دولار أميركي. فمهما قيل عن حرفيته وفنيته وما يثيره من حلم، هناك صوت بداخلنا يصرخ بأن الأمر وصل حدا غير أخلاقي يتحدى العقل والمنطق.
 
فالنسبة بين التكلفة والقيمة غير مبررة، حسب تأكيد دانا توماس، مشيرة إلى أنها تؤمن بأن كلمة «لاكجري» أو «ترف» لا تعني بالضرورة الجودة، وتشرح ذلك: «كلمة ترف الآن هي وسيلة أو كلمة السر بالنسبة لبعض الماركات لتسويق منتجاتها بأسعار عالية». 
 
بالفعل، فإن وصف دار أزياء الآن بأنها علامة مترفة لا يعني أن منتجاتها مصنوعة باليد وبأحسن أنواع المواد والخامات، بل قد يكون العكس صحيحا، فكثير ممن يطلقون على أنفسهم علامات فخمة ومترفة يصنعون منتجاتهم بالآلات في مصانع بالصين، إلى جانب شركات أخرى تعد من العلامات المتوسطة التي تتوفر في شوارع الموضة الشعبية. وهذا يعني أن الأشخاص واحدة والتقنيات تستعمل في كلتيهما، والفرق هو اسم الماركة والسعر، حسب قول دانا توماس.
 
في الوضع الطبيعي تكون تكلفة تصنيع الفستان بسعر الجملة 800 دولار، وبسعر التجزئة 1.600 دولار، لكن الأمر لا يسير عادة على هذا النحو. ويقول أحد العاملين في مجال تصنيع الملابس: «السر غير الأخلاقي لارتفاع الأسعار هو هامش الربح الذي يتم تحقيقه على مستوى تجارة الجملة والتجزئة، فبعض مصممي الأزياء يحددون سعرا يبلغ ضعف سعر التكلفة، وتزيد بعض المتاجر ذلك السعر بمقدار أكثر من الضعف حتى يحقق الجميع الربح». وأحيانا يزيد مصممو الأزياء الأسعار إذا كانوا يعتقدون أن تصميمها مميز، في حين يتبع تجار التجزئة طرقا خاصة بهم لتحديد الأسعار حتى تغطي النفقات وتزيد لكي ترضي المساهمين، ويعني كل هذا إمكانية بيع فستان تبلغ تكلفته 1.600 دولار بضعف هذا المبلغ.
 
همسات جانبية:
- أكبر دليل على أن هذه الأسعار لا تؤثر على شريحة النخبة ولا تهزهم، أن الجواهر الرفيعة دخلت مجال التسوق الإلكتروني، فبعد أن كانت المرأة تتسوقها بنفسها وربما بحضور حارس شخصي، ولا تبخل على نفسها على أساس أن الجواهر والذهب زينة وخزينة للزمن، أصبحت تتسوقها من موقع إلكتروني، وهذا هو الجديد. 
 
اللافت في هذه الظاهرة أن الأسماء الكبيرة لا تفتأ تنضم إلى موقع «نيت أبورتيه» بدءا من «شانيل» إلى «ريبوسي» وغيرهما، حيث نرى أن أسعار أقراط أذن أو خاتم مثلا بـ30 ألف جنيه إسترليني.
 
- من أغلى البدلات التي طرحت للرجل في السنوات الأخيرة بدلة يقدر ثمنها بـ599.000 جنيه إسترليني من تصميم ريتشارد جويلز من مانشستر وستيوارت هيوز من ليفربول. البدلة مصنوعة من مزيج من الكشمير والحرير واستغرق تنفيذها 600 ساعة، لكن ليس هذا السبب الوحيد لسعرها، فهي مرصعة بما لا يقل عن 480 ماسة بجودة عالية.
 
- أن تكاليف إنتاج فستان كوكتيل أسود، مثلا، يتم تسويقه بـ2.300 دولار تقسم على النحو التالي، حسبما نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» سابقا:
 
القماش الخارجي: 3 أمتار (50 دولارا - 150 دولارا).
 
البطانة الداخلية: 3 أمتار (10 دولارات - 30 دولارا).
 
الأزرار والسحاب والكبشات وما إلى ذلك: (15 دولارا).
 
متفرقات (اسم العلامة التجارية والشحن إلخ): (5 دولارات).
 
العمل (القطع والحياكة): (مائتي دولار).
 
إجمالي التكاليف الأولية للتصنيع: (400 دولار).