الأزواج في المغرب .. هل هم ضحايا عنف؟

هناك من تمنعهم الكبرياء والأعراف من اللجوء إلى القضاء والبوح بالمشكلة
هناك من تمنعهم الكبرياء والأعراف من اللجوء إلى القضاء والبوح بالمشكلة

تنتشر في المجتمع المغربي ظاهرة جديدة من العنف الأسري، لم يعد ضحيتها النساء فقط، بل أيضا الرجال الذين يتعرضون له على المستويين المادي والنفسي من قبل زوجاتهم.


وتقول المعطيات إن العديد من الحالات يتعرض فيها الأزواج للضرب والتطليق وحرمانهم من رؤية أطفالهم.

وتسجل نسبة قضايا العنف الأسري، المرفوعة من قبل الأزواج ضد زوجاتهم ارتفاعا ملحوظا في المحاكم المغربية، لتؤكد الأرقام أن 23 في المائة منهم يتعرضون للعنف بمدينة أكادير (جنوب المغرب)، كما يسجل قسم الفحص والاستماع بمركز الطب الشرعي في مدينة الدار البيضاء، أكثر من 200 حالة عنف متبادل بين الأزواج سنويا، من بينها عشرات الحالات لأزواج تعرضوا للضرب.

ونشرت تقارير صحافية مغربية، أن عددا من الأزواج يتعرضون لأنواع شتى من العنف الأسري، من بينها تعرضهم للاحتجاز في البيت من طرف زوجاتهم، لمدة تصل في بعض الأحيان إلى أسبوع كامل، قبل أن يستسلموا للأمر ويسلموا كل ما لديهم من ممتلكات، مقابل نقلهم إلى المستشفى.

ونقلت التقارير نفسها، أن زوجا حبسته زوجته في البيت، قبل أن تتخلى عنه وتتركه وحيدا يصارع الموت، ولولا تدخل الجيران لما تم نقله إلى المستشفى، حيث أجريت له عملية جراحية، وخضع للعناية المركزة بسبب حرمانه الطويل من الأكل والشرب.

بعد عام من الزواج، تحولت حياة سمير أمين، 28 سنة، إلى جحيم، فبعدما كان يعيش في سعادة وهناء، وأنجب من زوجته طفلا، انقلبت حياته الزوجية رأسا على عقب.

يقول إن تصرفات زوجته تغيرت بسبب تدخل شقيقها وعائلتها في حياتهما الزوجية، ووصل بها الأمر إلى ضربه والصراخ في وجهه كلما دخلا في نقاش حاد، خصوصا حول المسائل المادية المتعلقة بالشركة التي كان يملكها.

حياة أمين الحميمة أيضا اهتزت عندما أشهرت زوجته السلاح الأبيض في وجهه عدة مرات، كما قذفته بكأس زجاجي، ما سبب له جروحا مازالت آثارها بادية على يده اليسرى.

 وعلى إثر ذلك، سلمت له شهادة طبية تثبت عجزا لمدة 18 يوما. وحسب روايته، فقد تعرض أيضا للضرب من طرف شقيق زوجته، كان من نتائجه فقدانه لأسنانه الأمامية. ووسط هذه المعاناة، أضحت حياته مع شريكة حياته مستحيلة، ما اضطره إلى تطليقها.

والنتيجة هي أنها تحرمه من زيارة طفله، «بالرغم من حصوله على حكم قضائي صادر عن المحكمة بهذا الشأن» على حد قوله.

حكاية إبراهيم الذي رفض الإدلاء باسمه الحقيقي، 38 سنة، لا تختلف كثيرا عن معاناة أمين. وحسب روايته، فهو أيضا تعرض للتهديد بالسلاح الأبيض، والضرب على يد زوجته وعائلتها، ثم الطرد من بيته. ويطالب إبراهيم حاليا، بزيارة طفلتيه اللتين حرم من رؤيتهما منذ لحظة طرده من البيت، ما يعتبره «عنفا نفسيا ممارسا ضده».

انتشار ظاهرة العنف الأسري ضد الأزواج في المجتمع المغربي، دفعت مجموعة من المهتمين والمثقفين والناشطين إلى تأسيس «شبكة مغربية للدفاع عن حقوق الرجال».

وعلى غرار ما هو معمول به في بعض الدول، مثل اسبانيا وتونس ومصر، فالهدف من تأسيسها، هو مساعدة ضحايا العنف الزوجي. ولتحقيق أهدافها، أصبح للشبكة مركز للاستماع، يقدم الدعم الاستشاري والقانوني للأزواج ضحايا العنف بمختلف أشكاله

كما تضم الشبكة العديد من النساء في أجهزتها التقريرية والتنفيذية، في إشارة إلى ابتعادها عن الأفق الضيق في الدفاع عن حقوق الإنسان.

واستقبل المركز لحد الآن حوالي 300 حالة، لأزواج تعرضوا للعنف سواء النفسي الذي يكون بالشتم والتجريح والحرمان من رؤية الأبناء، أو العنف القانوني الذي يمثله ما يصدر ضد الزوج من أحكام قضائية، تكون جائرة في حقه، ولا تراعي ظروفه المادية.

وقال رئيس الشبكة عبد الفتاح بهجاجي: «إن الشبكة تهتم بالأزواج الذين حرموا من زيارة أطفالهم بعد الطلاق، والنضال من أجل السماح لهم بتتبع أحوالهم يوميا، وليس خلال عطلة نهاية الأسبوع التي تبقى غير كافية لهذا الغرض، إضافة إلى مساعدة هؤلاء الأزواج الذين يسلمون مبالغ مالية إلى أبنائهم، تنفق في غير ما وجهت إليه، أو يعتقلون لعدم تمكنهم من أداء النفقة».

وطالب بهجاجي «بتفعيل دور صندوق التكافل الاجتماعي الذي يعوض تسديد نفقات الأبناء، والوارد في أحد فصول مدونة الأسرة، معتبرا أن إجراء الاعتقال ليس تعسفا في حق الرجل أو المرأة فقط، بقدر ما هو تعسف في حق المجتمع».

ويرى بهجاجي أن التعاطي مع قضية العنف الأسري يجب أن تتم في إطار شمولي. فإذا كانت نسبة انتشار العنف الموجه ضد الزوجات مرتفعة، فيجب أن نقر بأن هناك عنفا موجها ضد الزوج.

لكن مع ذلك، فإن العنف الأسري ضد الأزواج يمثل حالات معزولة بالرغم من انتشارها. ويرى عبد الرحيم العطري، أستاذ علم الاجتماع، أن هذا النوع من العنف الأسري «لم يتحول بعد إلى ظاهرة اجتماعية، إذ ما زال العنف الزوجي موجها بالأساس ضد النساء في أغلب الحالات، لأن المجتمع المغربي ذكوري بامتياز». ويفسر العطري، العنف الممارس ضد الأزواج في المجتمع المغربي، «باختلال التوازن في العلاقة الزوجية».

ويشخص العطري عددا من الأسباب التي تؤدي إلى هذه «الحالات المعزولة» على رأسها «تدبير الزوج للحياة الزوجية، وسوء فهم بعض النساء المغربيات لمضمون مدونة الأسرة، بالموازاة مع ضعف الحوار والتواصل بين الزوجين».

وفي الوقت الذي تطالب فيه بعض الحركات النسائية بمحاربة العنف ضد المرأة، ارتفعت أصوات نسائية أخرى تطالب بمحاربة «العنف ضد الرجال».

 وتعتقد المحامية فاطمة مستغفر، القيادية في حزب الحركة الشعبية اليميني المعارض، أن «غالبية الأزواج الذين يتعرضون للعنف النفسي والمادي من طرف زوجاتهم، هم موضع السخرية والضحك، وبالتالي فهم لا يفصحون عن حالهم، وإذا ما فعلوا ذلك، فإن الأمر لا يتجاوز نطاق الأسرة والأهل، كما أن أغلبية الأزواج تمنعهم الأعراف والتقاليد والكبرياء من اللجوء إلى القضاء إلا في حالات نادرة».