المراهقون والحرمان من النوم .. مشكلة صحية شائعة يدرس العلماء حلولا لها

لدى الدكتور واين جاليز، مدير شعبة الصحة السكانية بالمركز الوطني للوقاية من الأمراض المزمنة وتعزيز الصحة بالولايات المتحدة (National Center for Chronic Disease Prevention and Health Promotion)، عبارة مهمة حول النوم يقول فيها «النوم الكافي ليس ترفا، بل هو ضرورة ويجب النظر إليها على أنها علامة حيوية على صحة جيدة». وهذه العبارة تصف حقيقة صحية وطبية، إضافة إلى أنها حقيقة اجتماعية وتربوية.
 
قلة النوم
وأخيرا، لاحظت دراسة أميركية جديدة أن أكثر من 90 في المائة من طلاب المدارس الثانوية الأميركية محرمون بشكل مزمن من النوم بشكل كاف، مما يُعرض وضعهم الصحي وأداءهم الأكاديمي للخطر، وفق ما ذكرته الدراسة.
 
وكان الباحثون من جامعة كولومبيا في مدينة نيويورك قد استندوا في دراستهم الحديثة إلى البيانات القومية الأميركية «U.S. National Data»، التي وجدت أن معظم المراهقين لا يحصلون على 9 إلى 10 ساعات من النوم اليومي بالليل وفق ما توصي به الإرشادات الطبية بشأن النوم بالنسبة لأعمارهم.
 
ويشير الخبراء الصحيون في تعليقهم على هذا إلى أن المراهقين يواجهون تحديات حقيقية في محاولاتهم للحصول على قسط كاف من النوم.
 
ويقول الخبراء الصحيون إن المراهقين يواجهون عددا من التحديات في محاولة الحصول على النوم الكافي.
 
وعلق البروفسور تشارلز باسش، أستاذ الصحة والتعليم بجامعة كولومبيا والباحث الرئيس في الدراسة، بالقول «لا أعتقد أن هناك جانبا واحدا يُوجه إليه اللوم كسبب، بالنسبة لبعض الأطفال والمراهقين هناك الواجبات المدرسية، وآخرون لديهم مشاكل صحية كالربو، وهناك منْ لديه قلق أو اكتئاب والذي ربما يتناول أدوية ووصفات طبية لمعالجتهما، وأيضا المخدرات لها دور، كما أن وجود الأجهزة الإلكترونية في غرف النوم له دور مهم آخر». 
 
لكنه يُعقب بالقول «وأيا كان السبب، لا تزال الإحصائيات الصحية الحكومية تظهر في نتائجها أن قلة النوم هي قضية مستمرة بالنسبة لمعظم المراهقين».
 
ويُضيف «هذه البيانات قد بدأ جمعها منذ عام 2007، لذلك لا يُمكننا القول إن الوضع يزداد سوءا تاريخيا، وما يُمكننا قوله بوضوح هو أن جزءا كبيرا جدا من طلاب المدارس الثانوية في جميع أنحاء أميركا لا يحصلون على قسط كاف من النوم».
 
وأشار فريق الباحثين إلى أن المراهقين بالذات يحتاجون لنيل قسط كاف من النوم لما لذلك من أهمية بالغة في قدرات الذاكرة والانتباه والرفاه العاطفي (Emotional Well-Being) وعموم الصحة البدنية.
 
وضمن دراستهم المنشورة في عدد ديسمبر (كانون الأول) من مجلة الوقاية من الأمراض المزمنة (Preventing Chronic Disease) التي تصدرها المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض واتقائها «CDC»، قام الباحثون بتتبع ومراجعة نتائج الإحصائيات القومية بالولايات المتحدة التي تم إجراؤها في أعوام 2007، و2009، و2011 و2013 كجزء من نظام مراقبة مخاطر السلوك للشباب (Youth Risk Behavior Surveillance System).
 
وعادة في هذا المسح الإحصائي السنوي، يتم سؤال ما بين 12 إلى 15 ألفا من طلاب المرحلة الثانوية حول عدد ساعات نومهم في أيام الدراسة، أي غير عطلات نهاية الأسبوع.
 
وإجمالا، لاحظ الباحثون أن أقل من 10 في المائة فقط من أولئك المشمولين في المسح الإحصائي ينالون القسط الكافي من النوم الليلي اليومي بما يتوافق مع إرشادات النوم الصادرة عن مراكز مكافحة الأمراض واتقائها بالولايات المتحدة.
 
كما لاحظت نتائج الدراسة أن الأمور تزداد سواء بزيادة عمر المراهق، وأن 5 في المائة من الطلبة المشارفين على نهاية المرحلة الثانوية فقط ينامون بشكل كاف، وأن المشكلة لدى الفتيات أسوأ مما هي لدى الصبيان، لأن غالبيتهن ينمن فترة أقصر من الصبية.
 
ووفق ما ذكره الدكتور باسش، فإن البدء المبكر لوقت المدرسة هو من أسباب قلة نوم هؤلاء المراهقين، وأضاف قائلا «ينصب المزيد والمزيد من الاهتمام على أوقات البدء في المدارس مع فكرة أن المواعيد المبكرة جدا لا تخدم الحصول على أنماط نوم جيدة».
 
ووافقت الدكتورة كيلي بارون، الأستاذة المساعدة في علم الأعصاب ومديرة برنامج الطب النوم السلوكية في قسم علم الأعصاب مع كلية فاينبيرغ للطب في جامعة نورث ويسترن في شيكاغو، على كلامه بقولها «هذا هو بالتأكيد واحدة من المشاكل». وأضافت أن إحصائيات التقرير الجديد «مثيرة للقلق».
 
واستطردت بالقول «بينما نحن لا نزال نحاول أن نفهم لماذا يحدث هذا، فإن من الواضح أن أحد الأسباب هو أوقات البدء المدرسية. واستيقاظ الأطفال لبدء المدرسة في السادسة أو السابعة صباحا هو حقا على خلاف مع البيولوجيا الحيوية الخاصة بهم»، على حد قولها.
 
وأوضحت أن نمط نوم الشخص يتغير بشكل طبيعي عبر مراحل عمره، ومن التغيرات الأكثر عمقا هو طبيعة تحولات إيقاع النوم على مدار 24 ساعة مع دخول وبدء مرحلة البلوغ لدواع منها ما هو اجتماعي ومنها مجرد رغبة المراهق أن يتأخر في نومه، ولكن تظل الحاجة لدى المراهق للبقاء مستيقظا فترة أطول وتأخير النوم إلى وقت لاحق أيضا تمثل تغيرا بيولوجيا طبيعيا.
 
نصائح حول النوم
ومع هذا كله، تضيف الدكتورة بارون حقيقة يجدر التنبه لها، وهي أن على الوالدين التعامل مع هذه المشكلة في نوم المراهقين والمشاركة في حلها، عبر وضع مواعيد للنوم، ومنع كثرة تحرك وتجول الأطفال في المنزل خلال ذلك الوقت الذي ينبغي عليهم النوم فيه والحد من طول وقت مشاهدة الشاشات للكومبيوتر أو التلفزيون أو ألعاب الفيديو، وأكدت على أن وجود بيئة صحية للنوم داخل المنزل وحجرات النوم بالتحديد هو المفتاح للتعامل مع هذه المشكلة والتغلب عليها.
 
إن الحصول على فترة كافية من النوم الليلي هو مسألة حياتية مهمة للناس من جميع الأعمار، وذلك للبقاء في صحة جيدة، وهذه هي عبارة مراكز مكافحة الأمراض واتقائها بالولايات المتحدة.
 
وتضيف «كيف تشعر وأداؤك خلال اليوم يرتبط بمقدار النوم الذي تحصل عليه في الليلة السابقة؟»، ذلك أن النعاس يتداخل مع الأنشطة اليومية. ومزيد من النوم في كل ليلة يعمل على تحسين نوعية ساعات الاستيقاظ الخاصة بك.
 
ويرتبط النوم غير الكافي مع عدد من الأمراض المزمنة، مثل مرض السكري وأمراض القلب والأوعية الدموية، والسمنة، والاكتئاب، التي جميعها تهدد الصحة.
 
وبشكل أدق في العبارة، يرتبط عدم الحصول على قسط كاف من النوم مع رفع احتمالات بدء ظهور الإصابة بهذه الأمراض وأيضا مع تعقد إدارة عملية معالجتها ونتائجها، ويتزايد الاعتراف من قبل الكثير من الهيئات الصحية بأن النوم الكافي جانب أساسي للوقاية من الأمراض المزمنة وتعزيز الصحة.
 
وكثيرا ما يُطرح السؤال التالي: كم عدد ساعات النوم اليومية التي تكفي؟ وللإجابة، فإن احتياجات النوم تختلف من شخص لآخر وتتغير مع التقدم في السن. وبمراجعة الإرشادات الطبية لمراكز السيطرة على الأمراض واتقائها، ووفق احتياج مختلف الفئات العمرية، فإن الأطفال حديثي الولادة يحتاجون إلى ما بين 16-18 ساعة من النوم اليومي.
 
والأطفال في سن ما قبل المدرسة يحتاجون إلى ما بين 11-12 ساعة من النوم اليومي الليلي.
 
والأطفال في سن المدرسة يحتاجون إلى ما لا يقل عن 10 ساعات من النوم اليومي الليلي. والمراهقون يحتاجون إلى ما بين 9-10 ساعات من النوم الليلي اليومي. ويحتاج عموم البالغين من الجنسين، بمن في ذلك كبار السن منهم، إلى ما بين 7-8 ساعات من النوم الليلي اليومي.
 
ومن المعروف أن تعزيز فرص الحصول على النوم المنتظم يتطلب الاهتمام بما يُعرف طبيا بـ «نظافة النوم» (Sleep Hygiene).
 
وهنا بعض النصائح البسيطة لنظافة النوم كما تذكرها مراكز السيطرة على الأمراض واتقائها بالولايات المتحدة، ومنها:
- الذهاب إلى الفراش في الوقت نفسه كل ليلة، والاستيقاظ في الوقت نفسه كل صباح.
 
- النوم في بيئة هادئة ومظلمة، والاسترخاء، ودرجة حرارة الغرفة ليست ساخنة جدا ولا باردة جدا.
 
- جعل السرير مريحا واستخدامه فقط للنوم وليس لغيره من الأنشطة، مثل القراءة، ومشاهدة التلفزيون، أو الاستماع إلى الموسيقى.
 
- إزالة جميع أجهزة التلفاز، وأجهزة الكومبيوتر، والأجهزة الإلكترونية الأخرى من غرفة النوم.
 
- تجنب تناول الوجبات الكبيرة قبل النوم.