جهاز يتيح للجراحين التشاور حول صور الأشعة للمرضى أثناء العمليات الجراحية

التشاور بين الأطباء الجراحين داخل غرفة العمليات الجراحية، بخصوص صور الأشعة الطبية للمرضى مثل الأشعة المقطعية بالكومبيوتر (CT scans)، والأشعة السينية (أشعة X)، من بين الجوانب المهمة في تشخيص وعلاج المرض، كما أن هناك حاليا اعتمادا متزايدا للجراحين على استخدام الصور ثلاثية الأبعاد (D images3) للأعضاء والأجزاء المصابة لإجراء العمليات الدقيقة والمعقدة.
وخلال العملية الجراحية قد يتوقف الجراح ويتشاور عدة مرات، مع زملائه حول الصور الطبية للمرضى، وقد يستخدم الجراحون بأنفسهم أجهزة الكومبيوتر للحصول على الصور ومعالجتها، أو الاعتماد على مساعدين لهم للحصول على الصور الصحيحة. 
ففي منتصف العملية الجراحية، قد يترك الجراح طاولة الجراحة والانتقال في الداخل أو للخارج لمسح ومعالجة الصور بأجهزة الكومبيوتر، الأمر الذي قد يتسبب في مزيد من التعقيدات، مثل نقل التلوث من بيئات غير معقمة، كما قد يكون مشتتا ومحبطا لهم في كثير من الأحيان، هذا بالإضافة إلى إضاعة الوقت والجهد.
ولكن، باستخدام تجارب حديثة على تقنية جديدة «من دون لمس» (touchless)، سوف تسمح للأطباء بالتعامل مع الصور ثلاثية الأبعاد، وذلك فقط باستخدام إيماءات وحركات الأيدي والصوت، بدلا من استخدام أجهزة غير معقمة أثناء العملية مثل لوحة مفاتيح وفأرة جهاز الكومبيوتر، الأمر الذي سوف يمنح الأطباء مزيدا من التركيز والتحكم، وضمان المحافظة على سلاسة التشاور عند إجراء العمليات، كما يجنبهم إهدار الوقت والجهد. 
ومؤخرا، في 31 مايو الماضي، أعلن جراحون في مستشفى «غاي وسانت توماس» في لندن، عن تمكنهم من تجربة نظام تقني جديد واعد، يعتمد على استخدام تكنولوجيا شبيهة بتلك المستخدمة في ألعاب الكومبيوتر التفاعلية «كينيكت» (Kinect)، التي تدار فقط عن بعد من دون لمس وبتحريك من الأيدي.
فالجهاز الجديد يستخدم كاميرا «كينيكت إكس بوكس» (Xbox Kinect Camera) لاستشعار وضع الجسم، حيث يستجيب لحركات أيدى الجراحين وأصواتهم أثناء إجراء العمليات، فباستخدام حركة اليد يتمكن الجراح من تكبير أو تصغير صورة الجزء المصاب بالجسم، وكذلك تحريك الصورة للزاوية المناسبة للحصول على صورة دقيقة. 
وقد أشارت مجلة «نيو ساينتست» العلمية البريطانية الأسبوعية الشهيرة، في 17 مايو الماضي، إلى أن الجهاز الجديد يتيح للجراح تشاور الصور الطبية للمريض والتدقيق فيها، بينما يكون في منتصف العمليات الجراحية، وذلك فقط من خلال التلويح بذراعيه، الأمر الذي سيحافظ على بيئة معقمة في غرفة العمليات، التي تعد في غاية الأهمية، كما يجنب الجراحين إهدار الوقت والجهد، ويساعدهم على التركيز في أثناء إجراء العملية، فاعتمادا على نوع الجراحة، سوف يتمكن الجراح من تشاور الصور الطبية في أي مكان، من مرة واحدة في الساعة إلى كل بضع دقائق. 
يقول توم كاريل، جراح استشاري في الأوعية الدموية في مستشفى «غاي وسانت توماس» بلندن، الذي قاد عملية جراحية في 8 مايو الماضي لإصلاح تمدد الأوعية الدموية في الشريان الأورطى للمريض، بأنه «حتى وقت قريب، كنت أنادي عبر غرفة العمليات لأطلب من أحد المساعدين التقنيين أن يقوم بمعالجة الصور وتحريكها إلى أعلى أو إلى أسفل وتكبيرها أو تصغيرها، ولكن مع تقنية (كينيكت) الجديدة، تمكنت من الحصول على الصور والسيطرة عليها والتحكم فيها بسهولة وسرعة وبطريقة بديهية جدا».
فقد تمكن كاريل، باستخدام هذا النظام الجديد، من النظر إلى نموذج ثلاثي الأبعاد (D model3) من جزء مصاب من الشريان الأورطى لدى المريض، تم تصويره بواسطة الأشعة المقطعية بالكومبيوتر، حيث أمكنه رؤية ما يحدث داخل المريض، كما ساعده النموذج ثلاثي الأبعاد في التنقل داخل الالتواء في فروع الشريان الأورطى. 
يقول كارول، إنه قد استشار الصور الطبية 4 أو 5 مرات خلال 90 دقيقة مدة العملية الجراحية. ويضيف بأن «هذه التقنية الجديدة تساعد على التحقق بسهولة من الصور الطبية للمريض، ومساعدة الجراحين على الحفاظ على تركيزهم طوال فترة إجراء العملية، ويمكن فعل كل هذه الأشياء بصورة غير لفظية وبسرعة أكبر بكثير، مع الحفاظ على ما يجري داخل غرفة العمليات بصورة سلسة متدفقة». 
يقول غيراردو غونزاليز، من شركة مايكروسوفت للأبحاث في كمبريدج بالمملكة المتحدة، الذي ساعد في تطوير النظام التقني الجديد، بالتعاون مع فريق من الجراحين من مستشفى «غاي وسانت توماس» وكلية «كينغز كوليدج» في لندن، وجامعة لانكستر البريطانية، إنه «تم وضع مجموعة من الحركات والإيماءات (gestures)، التي يمكن للجراح استخدامها في الفضاء المقيد، عندما يكون واقفا أمام طاولة العمليات هي: بالنسبة للإجراءات الأكثر شيوعا – مثل تناوب نموذج الصورة ثلاثية الأبعاد - صمم الفريق البحثي إيماءات بحركة يد واحدة، تتحد مع الأوامر الصوتية، مع ترك اليد الأخرى حرة للعمل، ولوضع علامة على الصورة، يشير الجراح ببساطة إلى الصورة لتنشيط المؤشر (cursor).
ثم يقول: ضع علامة (place marker)، أما الوظائف الأخرى مثل تكبير أو تصغير الصورة وتحريكها، فإنها تتطلب استخدام اليدين». 
يقول كالفين لو، رئيس قسم الجراحة في مستشفى «سونيبروك» في تورونتو بكندا، الذي انتهى حديثا من دراسة عن كيفية استخدام الجراحين لتقنية «كينيكت» لعرض الصور الطبية، إن «الجراحين عادة ما ينظرون إلى الشاشة ويحتفظون في ذاكراتهم بالصور التي يحتاجون إليها للاستفادة منها».
ويضيف أن «التلاعب في الصور الطبية مباشرة، باستخدام الإيماءات والأوامر الصوتية، يعطي للجراح الحرية في التركيز في استخدام يديه وكذلك التركيز ذهنيا أثناء إجراء العملية»، فقد توصل في دراسته إلى أن الجراحين يرجعون إلى الصور أكثر من المعتاد في كثير من الأحيان، ولكن باستخدام هذه التقنية الجديدة سوف يشعرون خلال إجراء العملية بأنه لم تعد هناك ضرورة لديهم للاحتفاظ بكل شيء في ذاكراتهم. 
جدير بالذكر أن هناك حاليا دراسات وأبحاثا متزايدة في معامل ومراكز البحوث بالدول المتقدمة، حول أنظمة التفاعل عن بعد من دون لمس بين الإنسان والنظم والأجهزة الإلكترونية، من خلال إيماءات وحركات وإشارات الجسم البشري، التي ستفيد في عمليات السيطرة والتحكم والتواصل والتفسير عند استخدامها على كثير من الأشياء في عالمنا، فمع ظهور تقنيات متطورة للاستشعار، أمكن التحكم عن بعد والتفاعل بطرق جديدة مع العالم الرقمي.
ومن خلال استخدام إيماءات وحركات الجسم والصوت وموجات الدماغ، أمكن التفاعل مع العالم الرقمي من دون اتصال، الأمر الذي سيفتح آفاقا جديدة واعدة لتطبيقات متنوعة عبر سياقات جديدة تعمل فقط من دون لمس، ستحقق قيمة ومعنى للأفراد والأشياء في سياقات الحياة اليومية.