صناعة أفراح الهند .. إبهار في إبهار وأصبحت تتحول إلى أفلام سينمائية بميزانيات ضخمة

أفراح الهند لها طعم آخر، ففيها تلمس تعلقا بالتقاليد بدءا من الحناء إلى اللون الأحمر الذي تلبسه العروس ولم تغيره على الرغم من دخول الموضة على الخط منذ سنوات. التغييرات الواضحة في هذه الأعراس، والناتجة عن تطور إيقاع الحياة العصرية، تجسد رغبة محمومة في أن تزيد أعراسهم فخامة، الأمر الذي جعل الميزانية ترتفع بشكل صاروخي.
ويتردد أن قيمة سوق حفلات الزفاف وصلت إلى نحو 1.500 مليار روبية (نحو 30 مليار دولار) وإنه ينمو بمعدل يتراوح بين 15 و20 في المائة سنويا. 
والسبب يعود إلى التفاصيل التي لم يعد يكتفي أي أحد بأن تكون بسيطة، من بطاقات الدعوة التي أصبحت تأتي مرصعة بالأحجار، وديكورات قاعات الحفلات، وغيرها من التفاصيل التي يراد منها أن يبقى العرس على كل لسان ولسنوات طويلة؛ فبرامج بعض الحفلات مثلا تحولت إلى ما يشبه أفلاما يكون فيها العرسان أبطالا، كأن يكون على شكل حفل تنكري أو مستوحى من الأفلام الهندية أو الحكايات العربية الشرقية.
يقول نيلاب كابور، الشريك في «ستوديو نيلاب»، الذي يعمل في إدارة حفلات الزفاف: «لقد بات هذا رائجا بين الأثرياء، لقد تجاوز نمونا 300 في المائة خلال السنوات الثلاث الماضية». فقد بلغت تكلفة حفل زفاف فانيشا ميتال، ابنة لاكشمي ميتال، الملياردير وقطب الحديد الذي يقيم في المملكة المتحدة، 60 مليون دولار، مما يجعله واحدا من أكثر حفلات الزفاف فخامة حتى هذه اللحظة.
وأقيم الحفل الذي استمر خمسة أيام، في أفخم أماكن فرنسا. وبدلا من الدعوات، تم إرسال دفاتر مكونة من 20 صفحة مبطنة بالفضة إلى ألف مدعو، كانت من بينهم كوكبة من نجوم بوليوود. منذ ذلك الحين، زاد الطلب على حضور المشاهير إلى الحد الذي جعلهم يحددون أجرا للمشاركة في الفعاليات التي تسبق حفل الزفاف.
ويتراوح المبلغ الذي يطلبونه ما بين 70 ألفا إلى 800 ألف دولار، بحسب شهرتهم والمهمة المطلوبة منهم في الحفل. واللافت أيضا انتشار «حفلات الزفاف ذات الوجهة»، أي التي يقوم فيها المضيف بنقل الحفل بالكامل إلى بلد أجنبي، مثل تايلاند وإندونيسيا وجزر موريشيوس وجزر المالديف، إلى جانب دول أوروبية مثل إيطاليا أو تركيا. 
حفل الزفاف الذي أقامه السياسي السابق سوخبير سنغ جاونا بوريا، لابنته العام الماضي، جذب بدوره أنظار الصحافة العالمية بعدما قيل إن تكلفته بلغت 55 مليون روبية. أقام جاونا بوريا خيمة ترفيهية تشبه قصرا من قصور راجستان، عمل عليه ألف عامل واستغرق الانتهاء منه 40 يوما.
وتم تقديم 100 طبق لـ 15 ألف مدعو، كما وضع عدد كبير من الشاشات التي تعرض عليها فعاليات الحفل، فيما أهدي قضيب فضي وبزة و50 دولارا إلى كل قروي من الألفين المدعوين إلى المراسم التي تسبق الحفل، فضلا عن هدايا تقدر بـ5 ملايين دولار لأسرة العريس وبقشيش قيمته 5 آلاف دولار لمصفف شعر العريس.
ومنح جاونا بوريا زوج ابنته مروحية «بيل 429» هدية للفرح. وسبَّب هذا البذخ والإسراف صدمة حتى لأثرياء الهند المعروف عنهم البذخ.
الأمر الآخر الفريد في مشهد حفلات الزفاف الهندية بطاقات ادعوة.
يقول نيراج كابور، الرئيس التنفيذي لشركة «كابكو بريس»، الذي يعمل في هذا المجال منذ 26 عاما: «أصبح الناس يسرفون في بطاقات الدعوة، مما ساعد على ازدهار عمل المصممين والمصنعين ومستوردي الورق.ونظرا لارتفاع التكاليف والتنوع، لم يعد هناك حد للابتكار»؛ فالجميع يطلب الأفضل والأفخم، حيث تصنع بعضها من الحرير وتكون الكتابة بارزة وبماء الفضة.
يقول راج كابور، مصمم بطاقات دعوة الزفاف«الابتكار هو الأساس مع الوضع في الاعتبار عودة التصميمات ذات الطابع الإثني. كذلك باتت البطاقات ذات التصميم الذي يوضع بناء على الطلب والمصنع يدويا رائجا لما يضفيه من رومانسية على المناسبة».
يتحدد سعر بطاقات دعوة الزفاف على أساس المواد المستخدمة في تصنيعها، ويبدأ سعر البطاقة العادية من 0.30 روبية ويصل إلى مائة ألف روبية (نحو ألفي دولار) للبطاقة المزخرفة متعددة الطيات والملحق بها صندوق. التصميم الذي يحظى بطلب كبير هو المزين بجواهر وذو ألوان زاهية وأشكال قديمة تتناسب مع جهاز العروس.
يقول غورلين بوري، أحد منظمي حفلات زفاف علية القوم:«أثرياء الهند يسرفون دائما في حفلات الزفاف، لكن على مدى العقدين الماضيين زاد عدد الذين يقومون بذلك، حيث باتت حفلات الزفاف مناسبة للتفاخر بالثروة والمكانة الاجتماعية».
كل هذا ولَّد الحاجة إلى نوعية جديدة من المحترفين في مجالات تنظيم حفلات الزفاف والتجميل والتصوير وموظفي التسويق عن طريق الهاتف الذين يتولوا مهمة تذكير المدعوين بالحفل. ويمكن أن يتراوح أجر مصممي الديكور من 400 ألف إلى 5 ملايين روبية. وتستغل العلامات التجارية العالمية الفاخرة هذا التوجه، بتوجهها لهذا السوق، فقد أنتج جيمي تشو مثلا حذاء «تشاندرا» وأنتجت دار «إيترو» سترة هندية.
وقال نيلاب كابور: «لم يكن هناك إدارة لحفلات الزفاف في الهند منذ عشر سنوات، لكن الأمر تغير الآن بفضل الأثرياء». وأوضح كابور قائلا: «كان القبول يمثل عائقا عندما بدأت العمل في هذا المجال، ظهرت الآن عدة مستويات بدت وكأنها مجالات قائمة بذاتها، مثل تغليف الهدايا ومونتاج الصور أو صناعة المقاطع المصورة التي لا تتعدى مدتها 15 دقيقة».
هناك عدد من المؤشرات التي تدل على تغير هذا المجال، حيث وسعت سلسلة متاجر الزهور «فيرن إن بيتالز» نشاطها، بحيث امتد إلى مجال تنظيم حفلات الزفاف منذ ست سنوات.
تقول لاليتا راغاف من «فيرن إن بيتالز إيفينتس آند ويدينغز»: «يتراوح النمو السنوي من 25 إلى 30 في المائة. وبات الناس أكثر انتقائية فيما يريدونه، مما يزيد من حجم المنافسة». وتقول نيها خان، الكاتبة المستقلة التي تقيم في دلهي: «ليس من الضروري أن يكون حدثا فوق العادة، لكن هذا لا يعني أنه لا يمكن أن يكون مميزا، لقد اخترت لحفل زفافي اللون الأبيض، وأضفت زهور الأوركيد والزهور الإنجليزية جمالا بصريا على الحفل»
وتتفق معها عارضة الأزياء آريا باتا، التي ترغب في أن تزف وسط مياه شاطئ غوا الصافي قائلة: «أريده وسط إيقاع الأمواج وسرادق على الشاطئ. لا يمكن أن يكون هناك زفاف أغرب من هذا».
ودشنت شركة «فيرسترات» لبرامج الكومبيوتر ومقرها سان فرانسيسكو، برنامجا لإدارة حفلات الزفاف للهند باسم «شادي إيخاس». وأقبل على شراء البرنامج منظمو حفلات الزفاف وعملاء التجزئة، حيث يساعدهم في تنظيم دعوات الزفاف ومواعيد سفر المدعوين والحسابات وحجز الفنادق ووصف طريق الوصول إلى الحفل وتحميل صور الزفاف والمقاطع المصورة. كذلك يتاح للعملاء فرصة نشر الصور والمقاطع المصورة للزفاف على الإنترنت.
الفئة التي تستهدفها شركة البرمجيات هي الشباب الماهرون في مجال التقنية الذين يحاولون توفير نفقات حفل الزفاف. من هؤلاء العملاء سميريتي كان، مسؤولة التسويق المقيمة في دلهي، والتي استعانت هي وزوجها ببرنامج «شادي إيخاس» لتنظيم حفل زفافهما.
وأكدت سميريتي إن فضل إنجاز مهام اللحظة الأخيرة يعود إلى خاصية التذكير الذاتي التي يشملها البرنامج.
وعملت ناينا رضا، خريجة من معهد «سيمبيوسيز» لإدارة الأعمال، التي تقيم في دلهي، في مجال تصوير حفلات الزفاف بعد تصوير حفل زفاف شقيقتها عام 2009. وتقول: «لم يعد الجميع يرغب في الأوضاع التقليدية والمصورين غير المحترفين».
والتقطت صورا فوتوغرافية لـ12 حفل زفاف ويبلغ أجرها 150 ألف روبية في اليوم، فيما يتراوح أجرها لتصوير مراسم الخطوبة بين 50 و75 ألف روبية. وتمثل الهدايا بندا هاما من بنود ميزانية الزفاف. ويتخصص متجر حلويات «ألكا غوبتا» بدلهي في شوكولاته حفلات الزفاف، وتربطه علاقة عمل مع شركة «كاريزامتيك» التي تعمل في مجال تنظيم حفلات الزفاف , ويبلغ سعر كيلو الشوكولاته من هذا المتجر 1500 روبية.
وتقول سالوني غوبتا مؤسسة شركة «كاريزامتيك»: «في الماضي كان الناس يشترون علب شوكولاته هندية، لكن أدت زيادة القوة الشرائية إلى تنوع الأذواق».
وربما تكون حفلات الزفاف طريقة للتباهي بالثراء، لكن ترابط العائلة الهندية أمر ضروري لإدخال السعادة على نفوس الأبناء. وتوضح جاين رئيسة تحرير مجلة «لاغجري فاكتس» قائلة: «يريد الآباء بدافع عاطفتهم منح أبنائهم كل ما يستطيعون منحه إياهم في ليلة زفافهم. وتتجه حفلات الزفاف نحو الأفضل، فلا حدود للأمر.