إنماء أنسجة بشرية .. من دعامات حيوانية

خلال الشهور التي تسبب فيها انفجار قنبلة على جانب الطريق في أفغانستان في بتر جزء من فخذه الأيسر، تساءل الرقيب رون سترانغ عما إذا كان سيتسنى له السير بشكل طبيعي مجددا. خلف التفجير والجراحات التالية لدى سترانغ، 28 عاما، الضابط البحري، فجوة ضخمة في أعلى فخذه، حيث موضع العضلة رباعية الرؤوس.
وبات بإمكانه تحريك ساقه للخلف، ولكن مع إزالة جزء كبير جدا من العضلة، لم يعد بوسعه فردها. كما بات بإمكانه السير، ولكن بشكل تعوزه البراعة.
«كنت أسقط كثيرا» هكذا تحدث عن جهوده.
وقد تعين على سترانغ، وهو رجل طويل رياضي، التخلي عن رياضة الجري.
ولكن ذلك كان قبل عامين، الآن، يستطيع المشي بسهولة، وبإمكانه الجري على جهاز الجري ويفكر في مسيرة حياته المهنية ما بعد الجيش من خلال العمل ضابط شرطة.
وقال: «إذا كنت تعرفني أو تعرف كيفية البحث عن موطن الخلل في حركتي، فيمكنك أن تبصر عرجا خفيفا»،وأضاف:«لكن الآخرين يقولون: (لم أكن لأخمن هذا مطلقا)».
ثمة أمر آخر لم يكونوا ليخمنونه قط، ألا وهو أن سترانغ قد أصبحت لديه عضلة جيدة بفضل شريحة رقيقة من مادة مأخوذة من جسد خنزير.

دعامات طبيعية لنمو الأنسجة

تعتبر المادة، التي تعرف باسم «النسيج خارج الخلية» extracellular matrix، هي الدعامة الطبيعية التي تدعم جميع الأنسجة والأعضاء، في البشر وفي الحيوانات بالمثل.
وهذه المادة تفرزها الخلايا، وظن العلماء لسنوات أن دورها الرئيسي هو إبقاؤها (أي الخلايا) في موضعها المناسب.
غير أن الباحثين الآن يدركون أن النسيج خارج الخلية يبعث إشارة للجسم بالنمو وإصلاح تلك الأنسجة والأعضاء.
ومن خلال تسلحهم بتلك المعلومات، يستخدم لاعبو كمال الأجسام الجدد أنسجة خارج الخلايا من خنازير وحيوانات أخرى لهندسة نمو الأنسجة البديلة لدى البشر.
وتحمل هذه التقنية، على الرغم من كونها ما زالت قيد التطوير، أملا لبضعة آلاف من المحاربين الذين أصيبوا بتشوه جراء التفجيرات وفقدوا كما هائلا من العضلات من ذراع أو ساق إلى الدرجة، التي أحيانا ما يصبح معها البتر هو الحل الأمثل.
وتعتبر حالة سترانغ واحدة من أولى الحالات التي سوف تمثل تجربة تشمل 80 مريضا لزراعة أنسجة العضلات الطرفية.
ويمول هذه التجربة مكتب تحول التكنولوجيا التابع لوزارة الدفاع، ولكنه سوف يضم مدنيين أيضا.
وقال الدكتور بيتر روبين، جراح التجميل بالمركز الطبي التابع لجامعة بيتسبرغ الذي يرأس الدراسة، إن النتائج الأولى في حالة سترانغ ومجموعة من المرضى الآخرين أظهرت أن النسيج خارج الخلية كان يحفز نمو العضلات.
وقال: «نحن نشهد دليلا على إعادة بناء الأنسجة».

جذب الخلايا البشرية

في الخريف الماضي، استأصل روبين النسيج الندبي من ساق سترانغ، ثم خيط طبقة رقيقة تحاكي شكل قطعة سميكة من ورق البرشمان parchment paper – أي نسيج خارج الخلية مأخوذ من مثانة خنزير – في عضلة الفخذ السليمة المتبقية.
بدأ جسده على الفور في تدمير النسيج، الذي يتألف بالأساس من كولاجين وأنواع أخرى من البروتينات.
لكن الأطباء كانوا قد توقعوا وأرادوا حدوث ذلك – وبالتحلل إلى مركبات أصغر، بدأ النسيج عملية إرسال إشارات، موجها الخلايا الجذعية إلى الموقع الذي ستتحول فيه إلى خلايا عضلية.
«إننا نحاول العمل مع الطبيعة لا محاربتها»، هذا ما قاله مؤلف آخر بارز للدراسة، وهو الدكتور ستيفن باديلاك، نائب مدير معهد ماكغوان لطب تجديد الأنسجة بالجامعة.
ويعتبر باديلاك رائدا في استخدام النسيج خارج الخلية، بعد اكتشافه كثيرا من خصائصه منذ أكثر من عشرين عاما، أثناء إجرائه بحثا في مجال أبحاث الهندسة الطبية الحيوية بجامعة بورديو.
وكجزء من عمله على جهاز قلب آلي، كان يبحث عن طريقة لنقل الدم من جزء من الجسم إلى جزء آخر، ولكنه أراد تجنب المواد الصناعية، التي يمكن أن تتسبب في تكون جلطات الدم.
يسترجع بذاكرته قائلا: «فكرت، ما الذي يبدو أشبه بأنبوب؟ إنه جزء من الأمعاء».
ومن ثم، فباستخدام كلب أبحاث يحمل اسم روكي، قام باستبدال شريان رئيسي بالقرب من قلبه بجزء من أمعائه الدقيقة.
(«سوف أجد صعوبة في التمكن من الحصول على تصديق على التجربة اليوم»، هذا ما قاله باديلاك).
وعندما وصل إلى عمله في صباح اليوم التالي، كان يتوقع مواجهة كل أنواع المشكلات.
قال باديلاك: «لكن روكي يقف في قفصه، منتظرا طعام الإفطار وهو يهز ذيله. اعتقدت أن هذا شيء رائع».
أظهرت تجارب لاحقة أنه بمرور الوقت يفقد ذلك الأنبوب الخلايا الداخلية الخاصة بالأمعاء ويكتسب خلايا خاصة بالأوعية الدموية.
وقال: «لقد تشكلت في صورة هيكل مشابه للأوعية الدموية، وهو ما ظنناه أمرا لا يصدق».
وأضاف: «في النهاية، اكتشفنا أنها لم تكن الأمعاء بأكملها، بل فقط النسيج خارج الخلية المسؤول».
لقد استخدم النسيج خارج الخلية المستأصل من الخنازير والماشية وغيرها من الحيوانات الأخرى في العقد الماضي كطبقة مدعمة للمساعدة في إصلاح تلف أوتار الكف والفتاق وغيرها من الإصابات الأخرى.
«الجراحون يعتبرونها شبكات تربط الأشياء معا»، هذا ما قاله باديلاك.
السواد الأعظم منهم لا يفهمون دور النسيج في إرسال الإشارات وترميم الخلايا.
وقال: «لم يفهموا الفكرة، ولم نفهمها بالمثل في البداية».

زرع النسيج

يتم فصل النسيج خارج الخلية باستئصال كل الخلايا الحية من أحد الأنسجة أو الأعضاء، على نحو يترك شبكة معقدة ثلاثية الأبعاد من البروتينات وغيرها من المركبات الأخرى.
وتقضي إزالة الخلايا احتمالية رفض المادة المأخوذة من أحد الحيوانات مباشرة من جانب الجسم عند زراعتها فيه.
غير أن النسيج يثير رد فعل مناعيا أقل حدة، على حد قول باديلاك، الذي يعتبر ضروريا بالنسبة لها كي تعمل.
وأضاف: «أنت تحتاج بالفعل لأن يتعرف الجهاز المناعي على المادة».
وأضاف: «ربما يقول الجسم: (هذا ليس أنا)، لكن الإشارات الموجودة هناك تخبرني بأنني بحاجة إلى إعادة بناء ذلك النسيج».
يجب أن يكون النسيج على اتصال بالنسيج السليم، ولهذا يجب استئصال النسيج الندبي أولا.
«إذا وضع النسيج في وسط ندبة، لا يعاد بناؤه مجددا لأنه ليس معرضا لمجرى الدم ومصادر الخلايا»، على حد قول باديلاك.
علاوة على ذلك، فإن توصيل النسيج مباشرة بالعضلات يضمن أنه سيتمدد عندما يتم تنشيط العضلة، بداية من اليوم الذي يلي إجراء الجراحة، عندما يبدأ المرضى برنامجا مكثفا من العلاج البدني. ووضع حمل ميكانيكي على النسيج يبعث بإشارة إلى هذا الجزء من الجسم مفادها أنه يجب أن يصبح عضلات وليس نوعا آخر من الأنسجة.

تجربة على الساق

كان سترانغ متشككا عندما وقع على التجربة وأزال كل العقبات المادية التي تقف حجر عثرة في طريق تأهله للمشاركة - من بين أشياء أخرى، يجب أن يكون لدى المرضى بعض العضلات المتبقية وعدد كاف من الأعصاب السليمة، بحيث يمكن أن تقوم العضلة بوظيفتها. لكن عند تلك النقطة، كان على استعداد لتجربة أي شيء كي تتسنى له العودة للسير بشكل طبيعي مجددا.
وكانت إصابات سترانغ هي الأكثر حدة بين مجموعته من المحاربين. وقد منح 42 وحدة دم وتم نقله جوا إلى ألمانيا، ثم خضع لعلاج لمدة شهر في مركز جيش والتر ريد الطبي في بيثيسدا بولاية ميريلاند.
وعاد إلى منزله خارج بيستبرغ، حيث خضع لعلاج طبيعي خارج المستشفى لعدة أشهر. وعندما سار، ضغط على ساقه الأيمن، مما تسبب في شعوره بألم في ركبتيه وظهره ووركه ورقبته.
وقال: «كل شيء كان مائلا إلى الجانب».
وعن شعوره عندما أخبره الأطباء بما خططوا للقيام به، يقول سترانغ: «لم أصدق في البداية. الأمر يصيبك بالدهشة، ويبدو كما لو أنه ينتمي إلى فنون الخيال العلمي عندما يشرحونه لك».
وقال باديلاك إنه كان من الأهمية بمكان عدم وضع توقعات غير واقعية.
وقال: «نحن نخبرهم بأن هذا ليس سحرا وليس معجزة. إننا لن نعيد لك تركيب جسمك الطبيعي بنسبة 100 في المائة. لكننا نعتقد أننا سوف نتمكن من صنع اختلاف لك. ستكون قادرا على القيام بأشياء ليس بمقدورك القيام بها الآن».
ما زالت هناك حفرة كبيرة في ساق سترانغ، التي توضح كيف يمكن أن تصنع عضلة جديدة صغيرة اختلافا.
قال: «كان الأمر مدهشا. على الفور، أصبح بإمكاني السير بخطى واسعة وأن أثني ركبتي وأفردها قليلا بما يكفي للوصول إلى تلك القفزة الأولية، حيث تتولى الجاذبية بقية المهمة. وبعد أسبوعين، ذهب في رحلة إلى الغابات للصيد مع أصدقائه».
ربما ينبع جانب من التطوير الأولي من التواصل الميكانيكي بين النسيج والعضلة الحالية، على حد قول الأطباء. لكن مع تحلل النسيج، استمرت حالة سترانغ في التحسن، على الرغم من أن ثمة إشارات دالة على أن تقدمه يتباطأ.
كان لتحسن حالته تأثير نفسي أيضا، على حد قول سترانغ. قبل ذلك، إذا ما ذهب إلى مطعم مزدحم أو مكان مكتظ، كان يضيع وقتا في التخطيط لموضع الجلوس، لأنه كان يدرك أنه لن يكون قادرا على الحركة بسرعة في حالة الخطر.
وقال: «دائما ما كان ذلك في ذهني». لكن الآن، على حد قوله، «لا يتعين علي الجلوس إلى جانب الباب».