المصري سويلم «ترزي الرؤساء» : الأزياء فن .. ودراسة تشريح الجسم ضرورة
11:06 ص - السبت 30 مارس 2013
سويلم، أو دكتور حسن سويلم ترزي الرؤساء وصفوة الصفوة في المجتمع المصري منذ ما يقرب من 60 عاما، وما زال مستمرا في هوايته التي يمتهنها بكل عشق، ويضع لمساته الأنيقة المصرية على من يرتدي أزياءه.
تعود شهرة حسن سويلم إلى أنه واحد من أقدم مصممي وصناع الملابس في مصر، حيث يعمل في هذه المهنة منذ أكثر من ستين عاما، والأهم من ذلك أنه معروف باسم «ترزي الرؤساء والمشاهير» في مصر ابتداء من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر ومرورا بالرئيس الراحل أنور السادات ثم الرئيس حسني مبارك وعشرات المشاهير في السياسة والفن والصحافة.
في محله بشارع عدلي بمنطقة وسط القاهرة بدا حسن سويلم في غاية الحيوية والنشاط، رغم أنه تخطى الثمانين من عمره، متأنقا يرتدي بدلة كاملة متناسقة الألوان وذات ذوق واضح، وهو يرتبط بالمحل الذي افتتحه هو وشقيقه في العام 1954، أي أن عمر المحل 55 عاما. وتردد عليه المشاهير من رجال السياسة والفن والصحافة، فقد ترك الشقيقان محل والدهما في حي السكاكيني الذي تعلما فيه أصول المهنة.
وما زال يحتفظ محله بطرازه وديكوراته في عصر الخمسينات، والفاترينة التي تعرض الروب دي شامبر، والوشاح الرجالي الأنيق، والبيجاما بخطوطها الأنيقة، والقميص المميز ماركة سويلم المصرية.
يقول سويلم إنه ولد ونشأ في هذا الحي القريب من حي العباسية وكان يقطنه اليهود، وكان أشبه بالحي اللاتيني في فرنسا، والتحق بالعمل مع والده وكان يتردد على المحل كبريات العائلات في مصر، وكان حسن صغير السن لا يتجاوز عمره الخامسة عشرة وكان ينظم وقته بين العمل بالمحل كمساعد لوالده والدراسة في إحدى المدارس الفرنسية بالحي، والتي أكسبته اللغة الفرنسية نطقا وكتابة وثقافة.
ويضيف أن المهنة كانت في ذاك الوقت تعتمد على الممارسة والخبرة بلا دراسة علمية وافية، وكان «الأسطى» قليل العلم ويعتمد على مهارته الشخصية، لهذا كانت المهنة متردية وكان طموحه كبيرا لدراسة أصول مهنة التفصيل والتعمق فيها، وقرر أن يسافر إلى فرنسا عام 1949 ولم يكن وقتها أكمل العشرين عاما من عمره، في الخمسينيات من القرن العشرين وسافر إلى باريس بغية البحث عن أصول التفصيل وركب سفينة إيطالية وكان سعر التذكرة ثلاثين جنيها ذهابا وعودة، وقضى في باريس عامين كاملين تعلم خلالها أصول التفصيل الرجالي والحريمي وبحث عن المصادر والمؤلفات العلمية لمهنة التفصيل واشتراها، ولكنه قرر التخصص في التفصيل الرجالي.
ويبين أنه فتح عقله وقلبه لمهنة التفصيل وتعرف على أحدث صيحات الموضة وأصولها، وعاد إلى مصر بشهادات معتمدة من أشهر مراكز التفصيل والموضة في باريس ومنها دبلومة معهد جيرلافنتي، ودبلومة معهدي نابولتيان ودارو وهي معاهد فرنسية شهيرة في مهنة التفصيل والموضة، وجمع خلال الدراسة بين العلم النظري والممارسة العملية، وعندما عاد إلى القاهرة كان لديه الطموح والعلم الكافيان للنجاح، فقرر إغلاق محل والده بالسكاكيني وحقق حلمه بافتتاح محل في منطقة وسط القاهرة ومعه شقيقه الأكبر محمود، لافتا إلى أنه حريص على السفر للمشاركة في المهرجان العالمي لتصميم الأزياء والملابس الذي يجمع كل مصممي الأزياء في العالم، للتعرف على أبرز مستجدات الموضة والاستفادة منها في عمله الذي يعشقه.
ويقول أنه مارس المهنة منذ ذلك الوقت، فوالدي كان لديه محل في منطقة السكاكيني اسمه «كارتيير» ثم بعدما جئت من فرنسا انتقلنا إلى منطقة وسط القاهرة في نفس المحل عام 1952 ومارسنا المهنة أنا وأخي من منطلق علمي، وبدأنا في كسب زبائن من الطبقة المخملية في المجتمع المصري، أمثال الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والسادات الذي كان زبونا دائما ولا يلبس إلا من تصميماتي، والكتاب الكبار موسى صبري ومحمد حسنين هيكل الذي يتعامل معنا حتى الآن، حتى الرئيس السابق مبارك كان يتعامل معنا في بدايات حكمه، وكان لدينا فرع آخر لنا في فندق النيل هيلتون الذي تم بيعه ويتم ترميمه حاليا، كان يتعامل معنا من خلاله ملوك وأمراء عندما يكون هناك اجتماعات لجامعة الدول العربية ويكونون نزلاء بالفندق. فذات مرة اشترى منا الملك الراحل حسين ملك الأردن بعض الأشياء وكان له ذوق رفيع جدا.
ترزي الكبار
يقول سويلم: «حققنا شهرة طيبة بعد فترة قصيرة من افتتاح المحل، حيث تميزنا بصناعة وتفصيل القمصان والبدلات وبدأ الزبائن يترددون علينا ونحظى بثقتهم وكان من بين هؤلاء كبريات العائلات والساسة والفنانون والكتاب، ومنهم محمد أحمد سكرتير الرئيس عبدالناصر، والذي كان يتعامل معنا باستمرار، وفي إحدى المرات جاء إلى المحل يخبرنا بأن الرئيس عبدالناصر يريد أن يتعامل معنا، وقبلنا المهمة التي لم تتوقف عند الرئيس عبدالناصر وحده، ولكنها امتدت إلى الرئيسين السادات ومبارك».
ويضيف: «كان اللقاء الأول بالرئيس عبدالناصر في عام 1968، وكان قبلها يتعامل مع اثنين من الخياطين هما سيد علي وإمام سليمان، ولكنه مل من التعامل معهما فقرر الاستعانة بغيرهما، وفي أول مقابلة طلبت من الرئيس عبدالناصر ارتداء جاكت بدلة لأراه عليه فوجدته غير مناسب وبه أخطاء في التفصيل، خاصة أن جسم الرئيس عبدالناصر كان يتسم بالصدر المرتفع والظهر الصغير فبدأت أعالج هذه المشكلة، وفصلت له ثلاث بدل حظيت بإعجابه واستمر التعامل معه حتى رحيله في عام 1970».
ويوضح سويلم: «ظللنا نفصل البدل والقمصان للرئيس عبدالناصر، وكانت طلباته بسيطة، خاصة أنه كان قليل الكلام وكان يحب الأشياء المريحة، فمثلا كان يفضل أن يكون البنطلون واسعا ومريحا لأنه يظل جالسا به لساعات، وكانت العلاقة في حدود العمل فقط، وكان التعامل معه يتم من خلال مدير مكتبه محمد أحمد، وعندما كانوا يحتاجون إليَّ يتصلون بي لعمل بروفات وأخذ المقاسات، وكان التعامل المادي يتم مباشرة بعد الانتهاء من العمل، وكنت وقتها أتعامل مع المشير عبدالحكيم عامر وسكرتيره علي شفيق ومشاهير آخرين من الوزراء والفنانين».
وعن كيفية تعرفه على الرئيس أنور السادات، يقول: «تعرفت عليه حيث كان نائبا للرئيس عبدالناصر وكان يبدي إعجابه بطريقة التفصيل التي يقوم بها وطلب منه القيام بتفصيل مجموعة بدل وقمصان، وبرحيل عبدالناصر وتولي السادات رئاسة الجمهورية تغيرت الأمور تماما وكانت نقطة تحول في مسيرته المهنية؛ لأن الرئيس السادات استعان به منذ اليوم الأول لتوليه الحكم ليعتمد عليه في ملابسه بشكل كامل طيلة سنوات حكمه».
ويتذكر سويلم أن بداية تعامله مع السادات رئيسا عندما اتصل به سكرتيره فوزي عبدالحافظ وأخبره بأن الرئيس السادات يريده على وجه السرعة وعندما ذهب إليه طلب منه تفصيل بدلة سوداء لحلف اليمين، وفي عدة أيام كانت البدلة جاهزة وأعجب بها الرئيس السادات، ومن وقتها فهم ذوق وطريقة لبس الرئيس السادات، والذي وثق به وكان يكلفه بتفصيل كل ملابسه من البدل والقمصان وحتى البيجامات والأرواب وملابس النوم والمنزل باستثناء الجلبيات الفلاحي التي كان يتولى تفصيلها أحد الخياطين في المنوفية. وكان الرئيس السادات يثق به بدرجة كبيرة ويأخذ رأيه في كافة ملابسه وعندما كانت تأتيه ملابس من الخارج كان يرفض ارتداءها لعدم قناعته بها.
العصر الذهبي
يعتبر سويلم فترة حكم الرئيس السادات هي «العصر الذهبي» له مهنيا وإنسانيا، حيث توطدت العلاقة بينه وبين السادات وكان يعتبره صديقا له ويتبادلان الآراء في كل مناحي الحياة، خاصة أنه كان يتردد على الرئيس السادات مرتين في الأسبوع وفي أحيان كثيرة كان يطلبه السادات للمجيء إليه في إحدى استراحاته بأسوان أو برج العرب أو القناطر الخيرية لعمل بدلات أو الدردشة معه في أمور عامة.
ويؤكد أن السادات كان يفهم جيدا في الملابس والموضة وكان يناقشه كثيرا في أحدث صيحات الموضة وكان يفضل أن تكون البدلة ضيقة من الصدر والأزرار على الصفين مع البنطلون الواسع من القدم، وكان يفضل أن تكون القمصان ذات ياقة مرتفعة وياقة البدلة منخفضة حتى تظهر أناقة البدلة.
وعن ذوقه في الملابس العسكرية، يبين سويلم أن للسادات ذوقا خاصا يميل إلى الطابع الألماني، وفي حفل إعادة افتتاح قناة السويس للملاحة، قدم له البدلة العسكرية التي ارتداها وبهرت الجميع وكان مصمما على أن تكون ياقة البدلة مقفولة وعليها رسوم زهرة اللوتس.
ويقول: «كثير من بدل الرئيس السادات كانت تحظى بإعجاب الجميع لدرجة أن إحدى الشائعات كانت تقول إن السادات لديه خياط فرنسي وآخر إيطالي لصنع ملابسه، وهذا خطأ كبير فأنا مصمم بدل السادات». ويؤكد سويلم أن آخر بدلة ارتداها السادات في أعياد أكتوبر 1981 وشهدت اغتياله لم تكن من تصميمي وكانت شؤما عليه.
عندما جاء الرئيس حسني مبارك إلى الحكم طلب منه تفصيل مجموعة بدل وقمصان وكانت طلباته محددة، حيث كان يفضل القمصان ذات الياقة المرتفعة والكم الطويل عن كم الجاكت، والعلاقة قائمة معه حتى الآن، ولكن ليست بنفس الدرجة مع الرئيس السادات، وبمرور الوقت بدأ الرئيس مبارك يتعامل معه على فترات متباعدة، وإذا احتاج إلى شيء يلبي له طلبه.
ويلفت إلى أنه غير منتم سياسيا، ويحرص على التعامل مع كافة الزبائن الذين يعرفونه منذ سنوات ويرتاحون لعمله ويثقون به ولا يصادق أحدا من الزبائن إلا من يقترب منهم إنسانيا مثل مصطفى أمين وفؤاد المهندس والرئيس أنور السادات، فهؤلاء كانوا أصدقاء، ويتذكر موقفا طريفا حدث مع مصطفى أمين حين طلب منه تفصيل بيجامات له وعندما انتهى منها فوجئ بقرار سجن مصطفى أمين لخلافه مع عبدالناصر وعندما زاره بعد سنوات في السجن طلب منه تفصيل بيجامات لحاجته إليها فأتى إليه بالبيجامات القديمة.
علاقة مهنية ذات صبغة إنسانية
يقول حسن سويلم إنه سعيد بالتعامل مع رؤساء مصر لأنهم وثقوا بعمله ولم يستغل ذلك لصالحه ولم يطلب أمرا شخصيا منهم وكان حريصا على أن تكون العلاقة في حدود العمل باستثناء الرئيس السادات الذي كانت علاقته به ودودة جدا، وهو يتعامل مع أي رئيس مثل أي زبون عادي، باستثناء أنه يذهب إلى الرئيس في المكان الذي يحدده ولم يكن يجامل أحدا منهم ولم يكن يعنيه التعامل المادي بقدر ما يعنيه نجاحه في العمل وأن يرى الجميع جهده على جسد أهم شخصية في البلد.
ويضيف أن لقب ترزي الرؤساء الذي أطلق عليه لم يكن يعنيه؛ لأن المعيار عنده هو النجاح في العمل كما أنه لم يتعامل مع الرؤساء فقط بل تعامل مع عدد كبير من الشخصيات العامة وكبار الساسة والوزراء والفنانين والصحفيين وأمراء وشيوخ من الدول العربية.
ومن أبرز من تعامل معهم المهندس عثمان أحمد عثمان والمهندس سيد مرعي وأحمد محرم ووجيه أباظة ووزير الداخلية الأسبق سيد فهمي ورؤساء الوزراء السابقون ممدوح سالم وكمال حسن علي وعاطف عبيد وكمال الجنزوري والصحفيون محمد حسنين هيكل وموسى صبري وعلي ومصطفى أمين والأخير كان صديقا شخصيا له وإبراهيم نافع والكاتب أحمد الصاوي محمد والفنانون يوسف وهبي ونور الدمرداش وعبدالمنعم إبراهيم وصديقه فؤاد المهندس وصالح سليم وعمر الشريف، ومازال عدد كبير من الوزراء السابقين زبائنه حتى الآن وبينهم علاقات قوية ويبدي معهم آراء في السياسة والحياة