وفاة شيخ كتاب السيناريو عبد الحي أديب .. والجمال تعزي أسرته

اعتاد منذ بدايته الغوص في تفاصيل الحياة وملفاتها التي كثيراً ما توغل في معانيها ليقدم لعشاق الفن السابع صورة قريبة من الأصل بجميع ملامحه وبخاصه التي تحمل في طياتها شجناً. لم يعد قلبه الضعيف يتحمل المزيد فأعلن التمرد على صاحبه الذي طالما أشجاه بأوجاع البشر.


هو الفنان والسيناريست الذي منحه زملاء المهنة لقب «الشيخ»، عبد الحي أديب الذي رحل عن عالمنا أمس الأحد في سويسرا بعد صراع مع المرض تاركاً رصيداً كبيراً للسينما المصرية يزيد على المائة وثلاثين فيلماً قام بكتابة سيناريوهاتها. ومن بينها أربعة أفلام تم اختيارها ضمن أفضل مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية. وهي «باب الحديد»، «أم العروسة»، «الخائنة»، و«صغيرة على الحب». ولد عبد الحي أديب في الثاني والعشرين من ديسمبر (كانون الاول) من عام 1928 في مدينة المحلة الكبرى بمحافظة الغربية.

كانت ميوله الفنية تحول بينه وبين التفكير في طريق عدا السينما. فقرر الالتحاق بالمعهد العالي للفنون المسرحية الذي درس من خلاله في قسم التمثيل. ثم التحق بالعمل كمساعد مخرج للمخرج يوسف شاهين الذي قدم معه في عام 1958 رائعة «باب الحديد» الذي شارك فيه شاهين من خلال دور «قناوي».

بعدها فتحت السينما ذراعيها لهذا السيناريست الموهوب الذي أيقن منذ لحظة البداية أن عمله لا يتطلب فقط الالمام بالقواعد الفنية، ولكنه يتطلب التعرف عن قرب على مشاكل المجتمع الاقتصادية والسياسية التي تشكل خلفية أي عمل درامي. وهو ما عبر عنه بقوله ذات مرة: «كاتب السيناريو لا يعني فقط مترجم لقصة بشكل سينمائي، ولكنه في المقام الاول محلل للخلفيات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يحياها المجتمع. فهو يصنع تمثالاً بملامح واضحة ويعطيه للمخرج كي يمنحه الحياة». بعد فيلمه «باب الحديد» بدأ عبد الحي أديب في تقديم المزيد من الاعمال التي منحته مكانة في السينما المصرية.

وقد تميزت أفلام عبد الحي أديب بالرصد الاجتماعي لكافة ظواهر المجتمع وهو ما بدا في جميع أفلامه ومنها «الخبز المر» عام 1982، و«بيت القاضي» عام 1984، و«البدروم» عام 1987. وعلى الرغم من تقدم العمر بالسيناريست عبد الحي أديب الا أنه كان من أكثر كتاب السينما قدرة في التعبير عن الشباب. كما يتضح من فيلم «ديسكو ديسكو» الذي قدمه عام 1994، وفيلمه الاخير «مذكرات مراهقة» في العام 2003. أما آخر أعمال أديب التي لم تر النور فهو سيناريو فيلم «ليلة البيبي دول» الذي كان يستعد لتقديمه مع إبنه المخرج عادل أديب الا أن القدر لم يمهله لإتمام هذا العمل.

حياة أديب الخاصة لا تختلف كثيراً عن حياته العامة فقد كان زوجاً محباً لزوجته السيدة بسيمة محمد التي تزوج بها في العام 1949. وارتبط بها في قصة حب حفلت بالعشرة والمودة التي ميزت زيجتهما والتي تابعها الوسط الفني طوال تلك السنوات. كانت تجلس فيها الى جواره تتابع تفاصيل الأعمال الدرامية التي يكتبها، تذرف الدموع على من مات من الأبطال وترجوه أن يغير النهايات إذا كانت غير سعيدة.

وقد أثمر عن ثلاثة أبناء يمثلون للسيناريست عبد الحي أديب «ثلاث عمارات كبيرة» على حد تعبيره. الإبن الأكبر هو الإعلامي والكاتب الصحافي عماد أديب الذي يرأس الآن شركة جود نيوز للإنتاج الفني. أما الإبن الأوسط فهو المخرج السينمائي عادل أديب الذي سبق له إخراج عدد من الافلام السينمائية في مقدمتها فيلم «هيستريا» الذي قام ببطولته الراحل أحمد زكي وعبلة كامل في منتصف التسعينات. اما الابن الاصغر فهو المذيع الشهير عمرو أديب مقدم برنامج القاهرة اليوم على قناة اوربت.

ويحكي عادل أديب عن والده فيقول: ونحن صغار لم نكن ننتمي الى طبقة الاثرياء كان بيتنا بسيطاً كحياتنا إلا أن إصرار أبي وأمي على تقديم أفضل تعليم لنا دفعهما الى إلحاقنا بأعرق مدارس القاهرة. وأتذكر أنه في إحدى السنوات تعثر أبي في سداد المصروفات فقررنا نحن الثلاثة إخبار والدينا بعزمنا على الانتقال إلى مدرسة أخرى. فكان نصيبنا علقة ساخنة لمجرد التفكير في هذه الفكرة حيث أصرا على إكمال الطريق معنا مهما كلفهما الامر». وفي العام الماضي أصر عبد الحي أديب رغم متاعبه الصحية على الوجود في افتتاح باكورة إنتاج شركة جود نيوز في عالم السينما حيث حضر افتتاح فيلما «عمارة يعقوبيان»، و«حليم».

وقد حصل السيناريست عبد الحي أديب على العديد من الجوائز والأوسمة من بينها جائزة أحسن سيناريو عن فيلم «سعد اليتيم» في مهرجان جمعية الفيلم. وجائزة أحسن سيناريو من المهرجان القومي للافلام الروائية عن فيلمه «ديسكو ديسكو». كما وصل فيلمه «أم العروسة» الى التصفيات النهائية للأوسكار في منتصف الستينات، بينما شارك فيلمه «باب الحديد» في مهرجان برلين السينمائي الدولي في مطلع الستينات. يذكر أنه من المنتظر وصول جثمان أديب إلى القاهرة غدا الثلاثاء قادماً من سويسرا. بينما لم يتقرر حتي الان موعد تشييع جنازته وما إذا كانت غداً الثلاثاء أم بعد غد الاربعاء.