تفوق علمي جديد .. نجاح طريقة علاج السرطان بالجينات

تشير إحصائيات دولية إلى أن نسبة الذين يتوفون نتيجة الإصابة بالأمراض السرطانية في العالم تزداد، ووصلت إلى 10%، وعليه يسعى الأطباء لإيجاد العلاج الكفيل بالقضاء على هذا المرض الخبيث أو منح المريض بضعة سنوات يعيش فيها بشكل مريح بعيدًا عن الآلام المبرحة. ولقد عرف الطب في الآونة الأخيرة علاجًا جديدًا على أساس جينات المريض، يلجأ إليها حاليًا أطباء في إلمانيا من بينهم  البروفسور الألماني بورغهارت فيتيش عالم الأورام ومستشار علمي ويمارس معالجة السرطانيات بوساطة الجينات في مستشفى MEO CLINIC في العاصمة برلين.


وفي حديث له شرح  البروفسور هذه الطريقة التي تكللت حتى الآن بالنجاح.

بروفسور فيتيش، هل عثر العلماء على امل جديد للشفاء من هذا المرض المستعصي؟
- اعتقد ان البحوث التي جرت في السنوات الأخيرة مكنت العلماء والاطباء من تحديد المسببات الجزئية  لهذا المرض، وتكون البداية دائمًا بإصابة بضعة جينات كشفنا هويتها سابقًا بتغيير في تكوينها، وهذا يؤدي إلى تطور خلايا الجسم العادية وبالتالي الى تكوين خلايا سرطانية. بالطبع تكون هناك خصوصيات لهذا التغيير تتطلب وقتًا طويلاً، لكن كما قلت يصيب  في البداية بعض الجينات تغيير يدفع بخلايا  الى ترك محيطها في العضو الذي تكون فيه ثم انقسامها اجزاءً عديدة اكثر من الخلايا التي انتمت اليها في مكانها الاصلي . وفي النهاية  يصبح لديها القدرة على التسلل والانتشار في كل اجزاء الجسم ثم الدخول  من عضو الى اخر والخروج منه، وهذا يسمى الانبثاثات البعيدة التي تتولد من الورم السرطاني الاصلي  ويتطلب انتشارها سنوات،  لكن السبب في المرض هو حدوث تغيير على عدد من الجينات.

هل مرض السرطان  وراثي؟
- يوجد جوابان على هذا السؤال الاول، تعلمنا الكثير من انواع السرطانيات بأن بعضها هو جزء بسيط سببه بالفعل عامل وراثي مثل سرطان الثدي. فنسبة بسيطة من النساء اللواتي يصبن به لاسباب وراثية، لكن معظم الإصابات السرطانية الأخرى التي نعرفها حتى الآن تحدث دون أن تكون هناك حالة مثيلة في العائلة.

بعد هذا التحديد الذي ذكرته هل يمكن القول على المرأة التي أصيبت والدتها أو جدتها  بسرطان الثدي أن تكون تحت المراقبة الدائمة لأن احتمال أصابتها كبير؟
- هذا ليس صحيح تمامًا، فهذه النسوة غير معرضات بنسبة عالية  للإصابة بسرطان الثدي، اللهمَّ إذا كان المرض تنقل بين افراد العائلة بشكل ملحوظ. وقد تصاب الأم بالمرض، وتكون الجدة غير مصابة به لذا لا يمكن التحدث عن خطر اصابة كل جيل به.

وعندما تقول امراة بان في عائلتها عدة حالات سرطان نجري عندها، ومن اجل ازاحة كل الشكوك،  فحصًا صعبًا وباهظ الثمن لتتأكد المرأة من عدم حدوث تغيير لجينات معينة لديها اي انها لم ترث مرض جدتها او امها اللتين اصيبتا بالسرطان لأنها ترث التغيير الجيني منذ ولادتها، واذا ثبت ذلك، فإن نسبة احتمال  اصابتها بسرطان الثدي كبيرة جدا. وهذا التحليل ليس جديدًا ويلجأ الطب اليه منذ سنوات.

هل يمكن إجراء هذا التحليل لأمراض سرطانية اخرى؟
- بالإمكان اجراء التحليل نفسه لمن لديهم ميول كبير للاصابة بسرطان الامعاء الذي لا ياتي نتيجة عامل وراثي ، لكن هناك نسبة بسيطة من الناس يمكن القول بان احتمال اصابتهم كبيرة وهم من يشكون من وجود الكثير من البوليب ( سليلة مخاطية في الامعاء) ، والمشكلة ان الطبيب لا يجري تنظيرًا للامعاء الا في حالات معينة وقد  يعثر بالصدفة على هذه البوليبات على جدار الامعاء الداخلي، فإذا كانت بأعداد كبيرة فقد تسبب  الإصابة بسرطان الامعاء.

لكن هناك ايضًا أكياس صغيرة على الكلى والورم العضلي على جدار الرحم، هل يعني ذلك القابلية لاصابة الشخص  بالسرطان؟
- الورم العضلي في الرحم ( ميومين) غير خبيث ويظل على ما هو عليه ولا يبني انبثاثات وقد يكبر حجمه ويصبح بحجم رأس الوليد، لكن  الخلايا الخبيثة لا تتفسخ ولا تذهب الى مجرى الدم او أي مكان اخر لبناء اورام اخرى. والمشكلة في السرطان ليس الورم الاصلي بحد ذاته الذي يستأصله الجراح بل الخلايا التي تنتشر في الجسم وتبني اورامًا اخرى  تكون خبيثة ومن الصعب القضاء عليها بسبب تكاثرها.

من العلاجات الجديدة ضد السرطان العلاج الجيني فإين هو من العلاج الكيمائية او غيره؟
- هناك علاجات طبية  مسموح بها وأخرى تكون لمعالجة تقرر  لكل ورم، مع استثناءات قليلة جدًا، أي حسب نوع الورم ومكانه. لكن يأتي العلاج الجراحي في الدرجة الاولى بعد، وحسب وضع الورم وفي أي مرحلة يكون، يحدد العلاج بالأشعة أو الكيميائيات فهذه قواعد ثابتة.

والعلاج الذي نعتمده حاليًا، واعطى حتى الان نتائج جيدة هو العلاج الجيني. فهو علاج له مفعول ومسموح به حاليًا لمعالجة المرضى الذين تعرضوا لعلاجات اخرى لكن الورم تابع نموه، وهذا يحدث دائمًا بعد علاج طويل ، فعندما لا يكشف عن المرض في مراحله المبكرة بل بعد احداثه  انبثاثات من اجزاء من الجسم  مثلا في الرئة او العظام يعني هذا مبدئيًا أن لا شفاء للمريض،على الرغم من ذلك  يمكنه ان يبقى على قيد الحياة خمسة وعشرة اعوام اذا ما نال العلاج المناسب والجيد.

وما يحصل عند خضوع المريض للعلاج الكيمائي او الاشعاعي ان  ياتي وقت تقاومه الخلايا لانها تعرفت عليه وعلى طرق عمله، واوجدت لها طريقة لتعطيل مفعوله والتعايش معه. لذا وجدنا في العلاج الجيني افضل طريقة لحماية المريض من ذكاء الخلايا وتأمين حياة أطول له.

ما هو العلاج الجيني؟
-نقدم للمريض نوعين من هذا العلاج لكن مهمة كلاهما تقوية نظام المناعة عنده ضد الخلايا السرطانية في الجسم . فكما نعرف وظيفة نظام المناعة بشكل طبيعي هو الحماية من  الالتهابات الفيروسية او البكتيرية بعد ان يعرف بانها عدو دخيل على الجسم فيرسل وسائله الدفاعية او ما يسمى بالخلايا القاتلة من اجل القضاء عليها. الميكانيكية نفسها تساعد كل واحد منا على عدم الاصابة بمرض السرطان.

ولأن الخلايا السرطانية كما سبق وقلت تحمل في داخلها كل المقومات لتغيير شكلها لذا لا يمكن لخلايا الجسم الدفاعية تحديد هويتها. أي ان خلية متغيرة في الامعاء او الثدي ليست هي الخلية الاصلية  التي كانت في السابق لذا لا يمكن لنظام المناعة التعرف إليها وقتلها.

وهنا اقول ان جسمنا السليم  ينتج يوميًا كمية من خلايا سرطانية يقضي عليها نظام المناعة  لان بامكانه تحديد هويتها.

 لكن عند المرضى لا يمكن لنظام المناعة لديهم كشف نوع من الخلايا في هذه الحالة تتكاثر بشكل لا يمكن السيطرة عليه، ولانه لا يوجد خصم طبيعي يواجهها وهو نظام المناعة عندها تصبح خلايا خبيثة.

لكن بواسطة العلاج الجيني نعمل على أن يتعرف نظام المناعة على مكان العدو الخبيث ونكشف له خفاياه ، أي نعطيه معلومات عن شكل  الخلايا الخبيثة ونعلمه كيف يقضي عليها.

كيف يتم ذلك؟
- نجمع من العديد من المرضى المصابين بالسرطان خلايا نضعها في بنك "خلايا" نحقنها لمرضى اخرين  فيما بعد، لكن   يجب ان تكون انسجتهم متطابقة مع انسجة المرضى المتبرعين كما الحال في عملية زرع عضو مثل الكلى.

وتحضير الخلايا يتم بالشكل التالي"  نأخذ الخلايا السرطانية ونحقنها بمعلومات جينية جديدة  عن اربع جينات مختلفة تدخل الى الخلايا في وقت واحد، وعلى الاساس يتم احداث تغيير في الخلايا، أي ان معلومات الجينات الاربعة المختلفة تدخل الى الخلايا الخبيثة فتتغير بشكل تصبح بالنسبة لنظام المناعة ملفتة للنظر ومعروفة.

ومن مهمات هذه الجينات التي تكون على شكل لقاح يعطى للمريض  تحت الجلد  ارسال خلايا المناعة للكشف عن الخلايا الخبيثة والتعرف عليها  وتحديد شكلها. وعندما تتعلم كل ذلك تتكاثر الخلايا المناعة وتحدث فياضًا في كامل الجسم بحثًا عن الخلايا الشبيهة بتلك التي حددت هويتها على انها خبيثة لانها تشبه التي تعرفت عليها. 

ويمكن تشبيه الوضع مثل كلب الشرطة الباحث عن المخدرات ، فهو يتعلم شم المخدارت وتميزها من بين باقي الاشياء وهذا ينطبق ايضًا على الجينات فهي تتعلم كيف هو شكل الخلايا الخبيثة ثم ترسل جنودها الخلايا المانعة للقضاء عليها، وكل ذلك يعتمد على الخلايا السرطانية  التي نأخذها من المرضى الاخرين.

باي طريقة  تعطي معلومات جينية؟
- نستعمل لوحة  DNA ، ويحمل عنصر الـ DNA عادة كل المواصفات الجينية للانسان. ونخزن في هذه اللوحة   كل المعلومات التي جمعت من المرضى عن اشكال الخلايا السرطانية يضاف الى ذلك مادة  نحدد عبرها كم يجب ان تكون كمية المنتجة من  الجينات الجديدة الدفاعية، أي انه  نظام من اجل ادخال ما يحمله DNA  اضافة الى المعلومات المطلوبة.

وتؤدي هذه  التقنية الى تزويد الخلايا السرطانية التي جمعت ووضعت في  بنك الخلايا بمعلومات جديدة عن العدو، وبهذا تعمل ضد المبدأ التي وجدت من اجله.

اذا هنا يؤدي عنصران دورًا مهمًا، الخلايا التي اخذت من المريض وقطعة الـ DNA  لكن كيف يتم العمل فيما بينهما ؟
- انها تقنية لمعالجة مرضى السرطان يمكن اللجوء اليها فقط في مختبر خاص. وفي مستشفى ميو كلينكي يوجد مختبر يتم العمل فيه تحت ظروف معنية ونظافة فائقة حيث نرفع الخلايا السرطانية من المريض وتكون مناسبة لمريض قيد العلاج ، فلكل مريض مواصفات للخلايا خاصة به.

 بعدها يلقح  الطبيب لوحة الDNA  بالخلايا السرطانية كما سبق وذكرت  ويحقنها للمريض تحت الجلد أي انه يحقنه بمعلومات جنية جديدة.

واريد ان انوه هنا ايضًا ، يجب ان تكون الخلايا السرطانية للمتبرع وليس فقط الانسجة متناسبة للخلايا السرطانية للمريض المستقبل، فخلايا سرطان الامعاء تختلف عن الخلايا السرطانية وانسجتها  ونوعها عن سرطان الكبد او الثدي، والامر مثل زرع الجلد، اذ لا يمكن لمريض تقبل أي جلد كان بل جلد لا يرفضه جسمه، وهذا ينطبق ايضا على الخلايا السرطانية رغم انها من مريض مصاب بالسرطان ، لذا نجمع في البنك عدة انواع منها كي تتوفر امكانية الاختيار والعثور على المطلوب.

ويحقن المصاب بالسرطان بحقنة واحدة اسبوعيا من DNA على مدى اربعة اسابيع.

في أي مرحلة من الاصابة يجب ان يطبق هذا العلاج على  المريض؟
- في العادة نجري  هذا العلاج للمرضى الذين استئصل منهم الورم لكن  انتشرت في جسمهم  انبثاثات وخضعوا لعلاج كيمائي او اشعاعي ولم يعد يؤثر على الورم لأن الخلايا السرطانية اصبحت تقاومه. بعدها ياتي المريض الى المستشفى ونبحث له عن الخلايا المناسبة لخلايا السرطان الذي اصابه .

لكن قبل المباشرة بالعلاج نحدد عن طريق كميبوتر للرسم الطبقي الخاص بالاورام السرطانية اماكن الورم والانبثاثات وحجمها ونقارنها برسم طبقي اخر عن طريق الجهاز نفسه بعد اسبوعين او ثلاثة اسابيع من انتهاء العلاج  لمعرفة ما اذا واصلت الانبثاثات نموها، أو بقيت على حالها او بدأت تنكمش وتتقلص.

وهناك حالات كثيرة تصبح حسب التعبير الطبي مرضًا مزمنًا غير مميت، أي ان نظام المناعة يسيطر على التوازن في جسم المريض، وهذا بحد ذاته نجاح ، وهناك مرضى يتجاوبون جزئيًا للعلاج  أي ان الانبثاثات تتقلص 50 في المئة او النجاح الكامل ولم يعد للورم اثر.

بناء على هذا العلاج متى يمكن القول إن المريض قد  شفي؟
- يجب اخضاع مريض السرطان للمراقبة الدائمة، فاول تقدير يوضع له بعد فترة من انتهاء العلاج لمعرفة ماذا حدث للخلايا السرطانية ، هل تابعت نموها ، عندها يكون العلاج قد فشل وهذه الحال مع حوالى نصف المرضى. اما النصف الثاني فيظهر اما شفاء ثابت  او نصف شفاء.

ولدينا عدد كبير من المرضى تم شفاؤهم بالكامل، نجري لهم في البداية بعد ثلاثة اشهر ثم بعد عام تقريبًا  صور اشعة وقياس انواع معينة من السرطانيات ويتم ذلك عن طريق سائل خاص للقياس، فاذا ما ظهرت اورام اخرى بالامكان اعادة العلاج مرة اخرى لكن عند تكرار بروز اورام جديد نخضع المريض لجلسات كيمائية خاصة تكون اكثر راديكالية من التي سبق وخضع لها.

لو انكمشت وتقلصت الاورام السرطانية هل يمكن القول إن المريض لن يصاب بعد ذلك بالسرطان؟
- لا يمكن قول ذلك، فحسب القواعد الموضوعة لمرضى السرطان فإن الوقت الحرج للمصاب يظل حوالى خمسة اعوام، أي اطالة حياته خمسة اعوام وهذا يعني انه تم تحقيق نجاحًا جيدًا، بعدها اذا لم تظهر أي اورام يمكن الحديث عن الشفاء من حالات سرطانية كثيرة عدا سرطان الثدي، فقد تظهر بعد عشرة اعوام مرة اخرى انبثاثات.