الـ «تيراميسو» كعكة اجتاحت العالم فمَن الذي اخترعها ؟

قال كارمينانتونيو يناكوني، بلكنة إيطالية وبتواضع: «ليس اختراعاً عظيماً.. فهو ليس مثل الهاتف.. بل مجرد حلوى».


ويتحرك يناكوني من مقعده في مكتبه الواقع فوق فرن بيديغروتا، الذي يشهد ازدحاما منقطع النظير في بالتيمور. فالحلوى التي يدعي انه اخترعها ليست حلوى عادية، انها "تيراميسو". وإذا كان يناكوني قد اخترع أشهر حلوى ايطالية، وهناك أسباب تدعو للاعتقاد بذلك، فأنا اجلس في حضرة ما يمكن مقارنته باللورد ساندويتش، الارستقراطي الانجليزي الذي اخترع الساندويتش.

ورواية يناكوني بسيطة، فقد تدرب كطاه للحلوى في بلدة افلينو في جنوب إيطاليا، ثم هاجر لميلانو للعثور على عمل وهو في الثانية عشرة من عمره. وفي عام 1969، تزوج برونا، وافتتح مطعما أطلق عليه اسم بيديغروتا في ترفيزو، حيث اعد حلوى تعتمد على المذاقات العادية التي تشتهر بها المنطقة: قهوة قوية، وجبنة ماسكاربوني، وبيض، ومادة المارسالا حلوة المذاق (من دون كحول)، وبسكويت على شكل أصابع، لكن من دون نكهة، يعرف باسم LADYFINGER. ويقول إن الأمر استغرق عامين لاستكمال الوصفة، التي كانت تقدم على شكل كعكة طرية بعض الشيء.

وحققت تيراميسو، ومعناها بالايطالية «نشطني»، في إشارة إلى قهوة الاكسبرسو المستخدمة في إعدادها، نجاحاً فورياً.

ويقول يناكوني إن الطهاة كانوا يحضرون لتذوقها، واخذ بعضهم يعدونها في مطاعمهم، بينما فضل البعض الآخر الحصول عليها من مطعمه. وفي الثمانينات انتشرت تيراميسو في جميع إنحاء ايطاليا وما بعدها. ففي ميامي بيتش، يوجد مطعم يحمل نفس الاسم، بينما تعتبر التيراميسو رمزا للنخبة الذويقة اليابانية.

لكن تختلف أي تيراميسو عن تلك التي يعدها يناكوني، فهي رائعة وليس لها علاقة بالحلوى الطرية التي نعتقد انها اصلية. يقول يناكوني «أصبح الأمر فوضى. لكن إذا كنت تحبها وتصنعها جدتك بتلك الطريقة، فلا مانع».

إلا أن الأمر كله لا يبدو مقنعاً، فلماذا يدير مخترع التيراميسو مخبزاً صغيراً في ضواحي الحي الايطالي في بالتيمور؟ وهل لا يزال مخترع هذه الحلوى على قيد الحياة؟.. الايطاليون يتباهون بتقاليدهم في مجال الطعام، ومن المؤكد أن حلوى مثل التيراميسو تعود إلى عصر النهضة، فكاترين دي ميدتشي قدمت لنا الخرشوف والفطر والجيلاتي، بل حتى الشوكة، وليس ببعيد أن تكون قد قدمت التيراميسو أيضاً.

وفي عصر ينشغل الطهاة بتسجيل وسائل وطرق طهي جديدة لحفظ حقوقهم، ويرفعون قضايا على بعضهم بعضا، تعتقد انه يمكنك معرفة من الذي اخترع التيراميسو أولا بسهولة.

لكن قبل 40 سنة، وفي بلدة ايطالية صغيرة، لم يكن أي شخص، لا سيما كارمينانتونيو، يفكر في الحفاظ على قائمة طعام، لأنه لم يكن يعرف أن تيراميسو سيصبح رمزا للطعام الايطالي، ويؤدي إلى حلويات مثل بيرتميسو وقرع التيراميسو، ولم يكن يعرف انه في العام الحالي، سيزور 4.9 مليون شخص مواقع تتعلق بـ "غوغل" للبحث عن هذه الكعكة وطريقة تحضيرها. وكما يقول يناكوني، الذي لا يزال يتحدث الانجليزية بصعوبة ويحكي معظم قصته بالايطالية، انه مجرد حلوى، مضيفا انه ليس لديه الوقت ولا الطاقة لإثبات انه اخترع التيراميسو. لذا، قررت إجراء بعض الأبحاث نيابة عنه.

فحصت أولا الأساطير التاريخية، واكتشفت أن بعضها يقول إن الحلوى اخترعت في القرن السابع عشر تكريما لدوق توسكانيا الأكبر، كوسيمو دي ميدتشي الثالث، لكن أصبح منتشرا بين النساء في القصور للحصول على مزيد من الطاقة، وأطلق عليه اسم «نشطني». وتشير أسطورة أخرى إلى أنها اخترعت في تورينو في منتصف القرن التاسع عشر بناء على طالب أول رئيس وزراء لايطاليا كاميلو كافور، الذي يشتهر بحبه للطعام، والذي كان يحتاج إلى طاقة نظرا لجهوده في توحيد ايطاليا.

روايات جيدة، لكن ليست حقيقية طبقا لآراء خبراء الطعام في ايطاليا. فالمسكاربوني، وهي المادة الأساسية في تيراميسو، أتت من إقليم فنتو في شمال ايطاليا وليس من الممكن العثور عليها في توسكانيا قبل مئات السنين. وحتى في القرن التاسع عشر، ومن دون وجود الثلاجات، فإن إعداد الحلوى من بيض نيئ ربما قد يؤدي إلى إصابة المئات بالتسمم.

وعقب ذلك فحصت العديد من كتب الطهي بحثا عن وصفات يمكن أن تسبق ادعاء يناكوني. لكن، كما توقع، لا شيء يذكر. فمؤلفة كتب الطهي البريطانية اليزابيث دافيد، لا تشير للحلوى في كتابها الصادر عما 1954 بعنوان «الطعام الايطالي»، ولا حتى مارسيلا هازان في «كتاب الطهي الايطالي الكلاسيكي" الذي نشر عام 1973.

وبدأت الإشارة إلى تيراميسو في الثمانينات، على يد مطعمان في فيترفيزو. الأول هو مطعم «التولا»، الذي أشير إليه في كتب كل من كلوديا رودن وانا ديلكونتي ومجلة سافور. والثاني مطعم ليوشيري، الذي ظهر اسمه في عديد من كتب ومجلات الطهي.

ويعلق يناكوني: «التولا قدمها بعدنا، وقد طبع في كتب الطهي بسبب شهرته.. ونحن غير مشهورين.. ولا يهمنا».

وفي الحقيقة لم يدع صاحب مطعم التولا ارتورو فيلبيني هذا الشرف، وعندما اتصلت به هاتفيا في تريفيزو، اعترف أن التولا ساهمت في تطوير التيراميسو، مشيرا إلى أنه يعتقد بأن الحلوى اخترعت في الخمسينات في كاسا تشيوسو، وهو منزل للدعارة، من اجل النساء اللائي يحتجن إلى «تنشيط».

وما يهتم به يناكوني هو الإشارة إلى مطعم لوبشيري، فبالرغم من عدم وجود دلائل لإثبات وجهة نظره، فإنه يشير إلى أن شقيقه الراحل جيوسيبي، كان يبيع التيراميسو لمطعم لوبشيري، حيث كان أصحابه يقدمونها وكأنها من إعدادهم.

ويشير كارلو كامبيول، صاحب مطعم لوبشيري، إلى أن هذا الادعاء كاذب. ففي محادثة هاتفية أصر على انه لم يلتق ولم يسمع بياناكوني أو بمطعمه بيديغروتا.

واضطررت للجوء إلى بيترو ماسيوني، زوج مدرسة الطهي في لوس انجليس، الذي أصبح خبيرا في تيراميسو بعدما قرأ ادعاء يناكوني في نشرة متخصصة للطعام "روزنغرتين ريبورت". والوصفة المنشورة في المطبوعة تطالبك بضرورة إعداد زاباغوليوني، وهي كريمة معدة للحلويات، ويوضح ماسيوني أنها «تبدو مزورة»، واضاف: «انها تبدو مثل وصفات الطهاة. انتظر يومين لذلك، ثم افعل ذلك. ليست هذه هي الطريقة التي يطهى بها الطعام في ايطاليا. كل شيء هناك في غاية البساطة ويصنع على الفور».

وقد بدأ ماسيوني في إجراء أبحاث وسط مجموعته الضخمة من كتب ومجلات الطهي الايطالية. وأخيراً، وفي نسخة صادرة عام 1981 لمجلة «فين فنيتو»، عثر على سلسلة من الوصفات لحلوى من القهوة جمعها جيوسبي مافيولي، وهو خبير في الطعام يحظى بالاحترام. وأخيراً ظهرت لأول مرة وصفة التيراميسو.

وقالت المجلة الايطالية: «ظهر أخيراً، قبل اقل من عقدين من الزمن في بلدة تريفيزو حلوى يطلق عليها تيراميسو، أعدت لأول مرة في مطعم لوبشيري على يد حلواني اسمه لولي لينغواونوتو». واضافت المجلة التي استخدمت لهجة فينسيا في كتابة اسم الحلوى" «لقد أصبحت الحلوى واسمها تيراميسو، التي تشير إلى إمكاناتها الغذائية وقدرتها على إعادة النشاط، شعبية فورية، وبدأ تقليدها ليس فقط في مطعم تريفيزو ولا المنطقة بل في فنيتو وايطاليا كلها».

وتحتوي الوصفة، التي يطلق عليها مافيولي «تيراميسو الشرعية»، على بيض وسكر ومسكاربوني وبسكويت مغموس في القهوة، ولا تحتوي على كحول، لأنها ـ كما يوضح كامبيول ـ كانت تقدم للأطفال وكبار السن على حد سواء.

ويوضح ماسيوني الذي سافر إلى ترفيزو للقاء أفراد أسرة كامبيول في الخريف الماضي، أن البا كامبيول أكدت له أنها حصلت على الفكرة بعد مولد واحد من أولادها. فبحكم أنها كانت ضعيفة للغاية، أحضرت لها حماتها كريمة زابغليوني وعليها قهوة بهدف منحها طاقة.

وعندما عادت للمطعم، عملت مع الطاهي ليغيوانوتو على إعداد حلوى من طبقات أطلقت عليها اسم تيرامسو.

الدلائل تشير إلى لوبشيري كمخترع التيراميسو، لكن، كما أكد أفراد أسرة كامبيول، فإن وصفتهم لم يكن بها مادة مارسالا.

إذن، ماذا عن التيراميسو التي اجتاحت العالم؟ فهي تحتوي على كمية وافرة من المارسالا. والمارسالا هي التي تحقق التوازن بين القهوة وكريمة زباغليوني، وتمنح الحلوى تعقيدها، أو كما يعترف مافيولي «تميزها»، ويشاركه يناكوني الرأي، فهو يعد التيراميسو بها. فالبسكويت يغمس بسرعة في القهوة بحيث يحتفظ بشكله، أما الزباغليوني ومزيج من صفار البيض والسكر والمارسالا وقشر الليمون (مبشورا) والفانيلا وكريمة العجينة المعدة من الحليب وصفار البيض والسكر والدقيق، فتعد بطريقة منفصلة وتترك في ثلاجة خلال الليل قبل خلطها بالمسكاربوني والكريمة المخفوقة قبل تجميعها.

ويبدو ذلك معقدا للغاية بالنسبة لماسيوني، لكن يناكوني يوضح أن ذلك يحدث لأننا اعتدنا على إعداد تيراميسو بطريقة «سهلة ورخيصة».

وربما هي «مجرد حلوى»، لكن الهدف منها ـ كما يقول يناكوني ـ هو استعراض لمذاق المنطقة ومهارات طهاتها.

المقادير:
ـ 3 ملاعق طعام قهوة نيسكافيه مذابة في الماء.

ـ بضع نقاط من الفانيللا.

ـ 100 غرام سكر الفانيلا إن أمكن.

ـ بياض بيضتين.

ـ 225 غرام جبنة نوع «ماسكوبوني» أو جبنة كريمة إذا لم تتوفر الأولى.

ـ كوب قشدة.

ـ 18 حبة بسكويت.

55 غرام شوكولاته مبشورة للتزيين.

الطريقة:
1ـ تخلط القهوة والفانيللا جيداً، ثم تترك جانباً، إلى حين يتم خلط السكر مع جبنة «الماسكوبوني» أو جبنة الكريمة. في إناء عميق، تخفق الكريمة جيدا حتى تصبح كثيفة، ثم تضاف إلى خليط جبنة الماسكوبوني والسكر.

2 ـ في إناء آخر، يخفق بياض البيض جيداً قبل أن يضاف إلى خليط الجبنة. تصف قطع البسكويت، في الطبق الخاص بتحضير الحلويات، ثم يسكب فوقها خليط القهوة، ثم خليط الكريمة والجبنة، وترش عليها الشوكولاته المبشورة للتزيين.