رغم الصعوبات .. عمليات التجميل تنتشر في إيران

اقتلني واجعلني أجمل" مثل شعبي إيراني قديم، لكنه اليوم قد يعود للشيوع في حلة جديدة بسبب رواج عمليات التجميل بين الإيرانيين. وربما جاز تحوير هذا المثل ليصبح "اقتلني واجعل أنفي جميلا" لأن إيران تحتل المرتبة الأولى عالميا في إجراء هذا النوع من الجراحة التجميلية.


في مقهى بمجمع "تنديس" التجاري شمال العاصمة طهران، غالبا ما ترى الكثير من الشبان والشابات وعلى أنوفهم ضمادات طبية، بل لقد باتت الأنوف المضمدة مظهرا شائعا في طهران.

"إصلاح الأنف أسهل من إصلاح الكثير في هذا البلد"، عبارة بادرنا بها رامين فلاحي، مهندس الكمبيوتر الذي دخل المقهى مع أربعة من أصدقائه، اثنان منهما أخضعا أنفيهما لعملية تجميل.

ترف اجتماعي
ويضيف فلاحي، البالغ من العمر 22 سنة، في حديث للجزيرة نت أن الأنف المستقيم الجميل بات علامة على مستوى اجتماعي رفيع، مقابل الأنف المدبب الكبير الذي صار علامة طبقية غير مرغوب فيها.

ويرى المتحدث نفسه أن تجميل الأنف، أو "إصلاحه" كما يحلو له أن يسميه، يجعل الإيرانيين أكثر شبها بالعرق الآري الذي ينتمون إليه.

أما صديقه رضا خدا بخشي فيرى أن الإيرانيين لديهم مشكلة في شكل أنوفهم لأنها في الغالب كبيرة، ويضيف أن التجميل يمنح إحساسا بالثقة ويساعد على النجاح في العمل وبناء العلاقات.

وكان الرحالة ويلز -الذي زار إيران في فترة ناصر الدين شاه القاجارية- سجل في مذكراته اهتمام نساء الطبقة العليا في إيران بجمال وجوههن وسعهين لجعلها مختلفة عن نساء الطبقة الوسطى.

أسلوب للاحتجاج
إقبال النساء في إيران على جراحات تجميل الوجه بات ظاهرة ملفتة، حتى أصبحت عبارة "أنوف صغيرة متشابهة" جواب نكته دارجة تسأل عن القاسم المشترك بين نساء طهران.

وفي المنطقة المحيطة بميدان "ونك" حيث تنتشر الكثير من العيادات التجميلية تقابل الكثير من الفتيات وهن خارجات للتو وما تزال عليهن آثار مبضع الجراح.

في إحدى العيادات تقول فرشته بيروستامي وهي تتأوه والزرقة على وجنتيها "أنفي لم يكن يحتمل، كان قبيحا، وكان الشبان في الشارع يسمعونني كلاما قاسيا".

وتواسيها ندا نصيري التي "أصلحت" أنفها أيضا بالقول "لا غنيمة بدون ألم، فيما بعد ستشعرين بالفرق والسعادة".

"تحتل إيران المرتبة الأولى عالميا من حيث إجراء عمليات تجميل الأنف، وتتراوح كلفتها بين 400 و600 دولار أميركي"

وحسب الباحثة باران شجاعي المتخصصة في علم الاجتماع فإن لإقبال الإيرانيات على التجميل أسبابا من أبرزها فرض الحجاب، حيث "أصبح الوجه مجال المرأة الوحيد لإبراز مفاتنها، وهو ما يفسر الإفراط في استخدام مساحيق التجميل حتى بين الطالبات والفتيات المراهقات".

وتضيف شجاعي للجزيرة نت أن هذه المظاهر في بعض جوانبها "أسلوب للاحتجاج على فقدان الفرص التي تمكن المرأة من إثبات ذاتها".

وفاتان يوميا
وتشير نتائج دراسة أجراها الدكتور عبد الرضا كردي من جامعة طهران أن إيران تشهد يوميا وفاة امرأتين أثناء إجراء عملية تجميلية.

وتحتل إيران المرتبة الأولى عالميا من حيث إجراء عمليات تجميل الأنف، وتتراوح كلفتها بين 400 و600 دولار أميركي، وتوجد في البلد 100 عيادة مرخصة لهذا النوع من العمليات.

وحسب ما أفادت به نقابة جراحي التجميل الإيرانية الجزيرة نت يوجد في إيران 3000 طبيب يجرون هذه الجراحات، 125 منهم فقط هم من لديهم الإذن القانوني بذلك.

وقد حذرت رابطة الجراحين الإيرانيين من خلال موقعها على الإنترنت المواطنين من وجود الكثير من الأطباء غير المتخصصين.

ويقول إحصاء رسمي للرابطة إن إيران تجري سنويا 50 ألف عملية تجميلية للأنف، نصيب الرجال منها 15 ألفا.

عدد العمليات في تصاعد مستمر
تكبير الصدر؟ الزيادة في الشعر؟ حمامات الشمس للبشرة؟ كل هذا قامت به «زيبا» في ايران الاسلامية المحافظة، حيث لا يجوز ان يظهر من المرأة وجهها وكفاها، اما رداؤها امام الناس فلا بد أن يخفي شكل الجسم.

وفي تلك البلاد يعتبر ارتداء الشادور الذي يخفي معالم الجسم او غطاء الرأس (الحجاب) والملابس الطويلة والعريضة حتى القدمين من الامور الالزامية في الشريعة الاسلامية، وقد فرض على النسوة ارتداؤها في اعقاب الثورة الاسلامية عام 1979. اما من يخالف ذلك فانه يتعرض للغرامة او الجلد او السجن. وستظل بعض المواضيع موضع خلاف عميق لزمن طويل.. ما هو اللباس المحتشم؟ وما هو المسموح به في ما يخص التصرف في الجسم؟ هذا هو السؤال الذي تطرحه الكثير من الشابات والشباب الايرانيين اليوم وسط الحملة التي تشنها السلطات على الذين ترى انهم لا يلتزمون الزي المحتشم.

والواقع فإنه لا شيء استطاع أن يمنع المرأة الايرانية التي تهتم بالمظهر من الاهتمام بنفسها، وهناك اعداد متزايدة يخضعن للمشرط من اجل عمليات تجميل الانف او البطن او الشفاه او الحواجب وتكبير الصدر. وانتشرت في العاصمة الايرانية طهران العشرات من مراكز التجميل بما فيها المراكز الرياضية وصالونات التجميل من اجل تحسين مظهر المرأة. ولقد اجريت على طالبة الفنون «زيبا»، البالغة خمسة وعشرين عاما، عمليات جراحية لتجميل الصدر والانف، حسب تحقيق لـ«رويترز» أمس، وهي تقول «اريد الآن ان اتعرض لأشعة الشمس لكي اظهر بشكل اكثر جاذبية»، في ذلك الوقت كانت تجلس في غرفة الانتظار لمركز الرياضة في شمال طهران.

أما فاريبا، 34 سنة، وهي ربة بيت فانها تفضل أساليب اخرى وتقول «احضر الى هنا مرتين في الاسبوع. وارتداء الحجاب لا يعني ان علينا الا نهتم بمظهرنا».

لدى هذا المركز حوالي اربعين زبونة في اليوم، خاصة خلال فترة الصيف عندما «يقام المزيد من الحفلات» حسب قول سارة، مديرة المركز، التي قالت أيضا «من بين زبائننا من يرتدين التشادور، انهن يرغبن في ان يظهرن جميلات في الحفلات الخاصة».

وتضيف قائلة: «تدر الاعمال المتعلقة بالمظهر النسائي في ايران اموالا كثيرة. ونحن نوفر لهن خدمات مختلفة منها التدليك والتعرض للاشعة وتنقية بشرة الوجه».

وفي دولة لا يسمح فيها للعزاب من الرجال والنساء بالاختلاط، وحيث يتوجب على المرأة ان تتقيد بالزي الاسلامي، تقول طبيبة الاسنان شكوفيه مولاي انها تصرف حوالي ألف دولار في الشهر على مظهرها.

بينما تقول امرأة في الخامسة والثلاثين انها تدفع حوالي احد عشر دولارا لكل جلسة من جلسات التعرض للاشعة لتلوين البشرة «لا بد لي من الظهور جميلة ونضرة للمحافظة على حياتي الزوجية». وفيما تضع على وجهها كريمات خاصة بقيمة 250 دولارا وتلون اظافرها بمنتج فرنسي فإنها تنتقد القوانين الايرانية لانها لا تمنح المرأة الدعم اللازم. وتقول الخبيرة الاجتماعية ميهتابسارفاري، كما أورد تقرير رويترز، ان ارتفاع نسبة ما تصرفه المرأة على مظهرها هو جزء من الجهود التي تبذل من اجل تحسين دورها في المجتمع.

«بدأت المرأة تمارس استقلاليتها اكثر فاكثر، والاهتمام بالمظهر هو جزء من هذه العملية»، كما تقول.

ولا تقتصر الجراحة التجميلية على الموسرات فحسب، بل انه انتشر بين العائلات المتوسطة الدخل، حيث يحصل المدرس او المدرسة على مائتي دولار في الشهر.

وتقول جراحة التجميل ميترا خليلي ان الحقن اصبحت شائعة حتى بين ذوات الدخل المنخفض من الايرانيات. وتزيد «تريد النسوة على اختلاف طبقاتهن الاجتماعية التخلص من التجاعيد، وهذا يتكلف حوالي مائتي دولار»، تقول خليلي. اما جراحة النهد فتكلف حوالي 10 الاف دولار، مما يبعد الايرانيات من الطبقة المتوسطة، كما يقول جراح فضل عدم ذكر اسمه «ومع ذلك فإنني اجري عمليتين في النهد كل يوم على الاقل».

ولا يقتصر التجميل على العمليات الجراحية، فان فاندي الشعر جامع جام يعرض تطويلا للشعر بقيمة الف دولار تقريبا «لمن تردن الظهور مثل الشهيرات الاوروبيات». وتقول مريم، 25 سنة، ابنة احد رجال الاعمال «ابدو مثل انجيلينا جولي الان بشعر اكثر كثافة فهو دليل الجمال».