قطاع التجميل .. صناعة جمال أم آلة لجني المال؟

«أجمل ماكياج للمرأة هو الحب، لكن الحصول على مستحضرات تجميل أسهل بكثير»، مقولة تفكه بها الراحل إيف سان لوران منذ عقود، ولا تزال ترن في الآذان إلى الآن، لصحتها.
 
طبعا لم يقل المصمم ما قاله اعتباطا، فقد كان يروج حينها لمجموعة جديدة من مستحضراته التي كانت، ولا تزال، تحقق الكثير من الأرباح إلى حد أنها أصبحت بمثابة الأوكسجين الذي تتنفسه باقي المنتجات المترفة.
 
الآن، أكثر من أي وقت مضى، أصبحت صناعة التجميل إما طوق النجاة بالنسبة لبيوت بدأت أرباحها تتراجع، مثل جوتشي التي دخلت هذا المجال لأول مرة بمجموعة طرحتها في بداية هذا الشهر، أو وسيلة لا بد منها للتوسع وضمان المستقبل.
 
هذا المستقبل الذي، على ما يبدو، سيكون في يد شرائح جديدة من الطبقات المتوسطة، والزبونات الصغيرات اللاتي سيكبرن وتكبر معهن إمكانياتهن ليعانقن كل ما تطرحه هذه البيوت من أزياء وأكسسوارات، وحتى مجوهرات. 
 
ونذكر ضمن الشريحة الأخيرة دار «بيربيري»، التي طرحت هي الأخرى في بداية هذا الشهر مجموعة ماكياج فضلا عن عطر جديد، أطلقت عليها «ماي بيربيري» My Burberry، من دون أن ننسى الإشارة إلى كريستيان لوبوتان الذي طرح بدوره مجموعة من طلاء الأظافر، يمكن أن تكون بداية لما هو أكثر.
 
الخطوة تبدو طبيعية لكل هؤلاء، خصوصا أن كل الدراسات، منها دراسة نشرتها مؤسسة «باين أند كو» بالتعاون مع «التاغاما» أخيرا، تفيد بأن قيمة صناعة التجميل والجمال تقدر حاليا بـ 180 مليار يورو، مع توقعات بارتفاع هذا الرقم بنسبة 4 في المائة أو 6 في المائة في أواخر هذا العام.
 
وهكذا من كريستيان لوبوتان الذي أطلق مجموعة طلاء أظافر، يمكن اعتبارها الأغلى حتى الآن بسعر 36 جنيها إسترلينيا، إلى بيربيري، التي دخلت هذا المجال بكل إرثها العريق وثقلها التجاري، مرورا بغوتشي، يمكن القول إن عالم التجميل يحفل هذا الخريف بشتى المنتجات التي تخاطب المرأة وتتودد إليها. 
 
وإذا كانت دار جوتشي تعاونت مع «بروكتر أند جامبل بريستيج» لإطلاق مجموعتها، فإن بيربيري، الشهيرة بمعطفها الواقي من المطر، قررت أن تُعول على نفسها وعدم الدخول مع أي شراكة خارجية.
 
فقد استفادت من دروس سابقة، جعلتها تستعيد كل تراخيصها، بما فيها ترخيص «إنتر بارفان» في عام 2012 لتصبح المسؤولة الوحيدة عن الإنتاج والتسويق وكل ما يتعلق بالتوسع في مجالات العطور والتجميل.
 
ذهبت إلى أبعد من ذلك وأسست قسما خاصا بهذا الجانب وظفت له مبتكرين وخبراء يعملون تحت إشراف مصممها الفني، الذي يقوم أيضا بدور الرئيس التنفيذي، كريستوفر بايلي.
 
فالمتعامل به في السابق دائما، كان دخول بيوت الأزياء في شراكات مع شركات تجميل كبيرة مثل «لوريـال» أو «إيستي لودر» أو «سيفورا»، علما بأن المقصود هنا ليس بيوت أزياء عريقة، مثل «شانيل» أو «ديور»، أصبحت لها أقسام مستقلة وقائمة بحد ذاتها، بل بيوت مثل «توم فورد»، «مارك جايكوبس»، «مايكل كورس»، «دولتشي أند غابانا»، «جيورجيو أرماني» وغيرهم، ممن دخلوا هذه الصناعة في العقد الأخير.
 
فهؤلاء يفضلون، في البداية على الأقل، التعامل مع شركات لها باع طويل في صناعة الجمال وتسويقه، لضمان منتج في المستوى يليق بأسمائهم، ويحقق لهم النجاح، ومن ثم الربح. من جهتها لا تمانع الشركات العالمية في التعامل مع هؤلاء المصممين أو بيوت الأزياء، نظرا لسهولة تسويقهم؛ فهم يتمتعون بشعبية كبيرة من الأساس تجعل كل الطبقات متعطشة لمنتجاتهم. 
 
الدليل على هذا أن صافي أرباح شركة «إيستي لودر» من العام الحالي قدرت بنحو 4.210 مليون دولار، والفضل، كما أعلنت، يعود إلى خط توم فورد للعطور والتجميل.
 
كما سجلت «لوريـال لوكس» التي تتعاون مع كل من جيورجيو أرماني وإيف سان لوران، ارتفاعا في مبيعاتها بنسبة 7.4 في المائة بفضل الأسواق النامية المتعطشة لهذه الأسماء.
 
لكن عندما أعلن كريستوفر بايلي منذ فترة، وبصفته رئيسا تنفيذيا للدار، نية الدار اقتحام الأسواق الآسيوية وغيرها بكل ما له علاقة بالأناقة والجمال، فإن «رؤيته واستراتيجيته كانتا واضحتين»، كما تؤكد سيمونا كاتانيو، نائب رئيس قسم التجميل، التي التحقت بالدار البريطانية في عام 2012 محملة بخبرة طويلة في شركة «لوريـال»، ثم في مجموعة «إل في آم آش» وتحديدا عطور كريستيان ديور.
 
تقول في لقاء خاص مع «الشرق الأوسط»: «نحن لا نقارن أنفسنا بشركات تجميل لها تاريخ طويل في هذه الصناعة، لأننا ما زلنا مثل طفل يحبو بالمقارنة، لكن هذا لا يلغي أننا طفل مدلل بإرثه العريق الذي يستلهم منه الكثير، وتحديدا من القطع الأيقونية التي تشتهر بها الدار، مثل المعطف الممطر. إضافة إلى هذا، توصلنا إلى وصفات وتركيبات ناجحة بعد أبحاث طويلة من شأنها أن تميزنا عن غيرنا».
 
وتتابع: «ما أريد أن أشير إليه أن نظرتنا للجمال متميزة تقوم على فلسفة خاصة وتوجه مختلف، لأن كريستوفر كان ولا يزال له وجهته التي تركز على الأناقة المنطلقة البعيدة عن التكلف، وهذه غير متوفرة بشكل كبير في السوق».
 
ما تعرفه «بيربيري» جيدا أن صناعة التجميل أصبحت مهمة ولم يعد بالإمكان تجاهلها أو التأخر عنها في هذا الزمن؛ فهي أسرع طريق لجيب الزبون، من حيث إنها تتيح له فرصة شراء منتج من دار معروفة بغض النظر عن قدراته المادية.
 
وهذا يعني أن منتجا بسيطا مثل أحمر شفاه أو عطر، يمكن أن يربط علاقة ود بينهم وبين الدار، تتوطد مع الوقت وتتطور إلى ما هو أكثر وأكبر.
 
تعرف الدار أيضا، من خلال تجربتها، أن تنامي الطبقات المتوسطة في الأسواق النامية، خصوصا الآسيوية، متعطشة لكل ما يحمل اسمها، وكل ما يحمل شعار «صنع في بريطانيا»، ما يجعل الفرصة سانحة أمامها لكي تربط مع زبائنها ولاءات جديدة وبعيدة المدى.
 
حتى اسم مجموعتها الجديدة «ماي بيربيري» My Burberry تتضمن صبغة شخصية، يصبح فيها المنتج ملكا خاصا وكأنه صمم خصيصا لمشتريه.
 
تشرح سيمونا أن مفهوم «صنع في بريطانيا» جزء مهم من جينات الدار ومن جاذبيتها. لكنها تؤكد أنها لا تستكين إليه، لأن التطوير لا يقل أهمية عن الإرث، بدليل ريادتها في دخول مجال الإنترنت وبث عروضها مباشرة، فضلا عن نشاطها على مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها.
 
تشرح: «نحن دائما نحتفل بإرثنا، الذي يعود إلى عام 1856، لكننا في الوقت ذاته، لا نتوقف عن تطوير أنفسنا حتى يبقى هذا الإرث مواكبا للعصر.
 
وفي كل الحالات تحدث هذه التطويرات تحت إشراف المصمم كريستوفر بايلي ونظرته للأناقة التي تتحدى الزمن وأيضا تلك الروح الإنجليزية التي تميل إلى الهدوء والطبيعة».
 
كل هذه الفلسفة والنظرة تظهر جليا في المجموعة الجديدة التي طرحتها هذا الشهر، وغلبت عليها ألوان طبيعية تتمتع بشفافية بعيدة عن البهرجة، بحيث تبدو فيها المرأة ببشرة ندية ووجنتين اكتسبتا حمرة الورد وكأنها آتية لتوها من نزهة في الريف الإنجليزي.
 
الروح البريطانية طبعت أيضا ألوانها، التي استلهم بعضها من ألوان المعطف الأيقوني، وبعضها الآخر من الريف البريطاني، حيث تتباين بين المطفي الهادئ والمتوهج المتفتح.
 
وتشير سيمونا إلى أن الخطوة التالية ستكون منتجات للعناية بالبشرة «فهذه وحدها قطاع قائم بذاته يحتاج إلى دراسة وتحضيرات كبيرة، نظرا لأهميتها الكبيرة، لا سيما في أسواق آسيا».
 
وتشرح: «كما تعلمين، السوق الصينية أهم سوق بالنسبة لعطورنا، ونفخر بأننا رقم واحد فيما يتعلق بالعطور الرجالية تحديدا، وهذا ما يجعل أهمية التوجه إلى هذه الأسواق بمستحضرات التجميل والعناية بالبشرة في غاية الأهمية بالنسبة لنا، بدليل أننا عندما ابتكرنا هذه المجموعة، راعينا أن تلبي متطلبات هذا السوق، من ناحية التفاصيل والتركيبات وأيضا درجات الألوان؛ فالسوق اليابانية مثلا تعرف تماما ما تريده، وهذا يضعنا أمام تحديات كبيرة لتلبيته، إضافة إلى أن كل سوق في آسيا لها بشرة مختلفة تتطلب تركيبات مختلفة وألوانا خاصة، وبالتالي الكثير من الجهد من قبلنا، وإن كانت النتيجة النهائية تهون كل المصاعب».
 
وبالفعل، فإن الاختلاف ومتطلباته، ليس مشكلة مقارنة بالتسويق؛ فصورة بيوت الأزياء العريقة قوية في مجال الأزياء إلى حد يصعب معه تقبل منتجاتها الأخرى؛ فهي جديدة من جهة، وتجد منافسة قوية من قبل منتجات شركات تجميل لها تاريخ طويل في هذا المجال مثل «جيرلان»، «كلارنس إيستي لودر»، «لوريال» وغيرها، من جهة ثانية، الأمر الذي يحتاج إلى عملية تسويق مذهلة. سيمونا توافق على أن المقارنة قد تكون تحديا بالنسبة لبيوت الأزياء التي توجهت لصناعة الجمال، لكنها في الوقت ذاته تؤكد أنها لا تؤثر على «بيربيري». 
 
والسبب أن معظم بيوت الأزياء تتعامل مع التجميل على أنه صناعة مستقلة عن جانب الأزياء وباقي الإكسسوارات «بينما نحن نحرص على أن تكون جزءا لا يتجزأ من الدار ككل، حتى تتمتع بنفس المصداقية؛ فعندما يشعر الزبون بهذه المصداقية وبأن كل ما تطرحه له، على اختلافه، يخضع للمعايير نفسها وبنفس النظرة الإبداعية والجمالية، فإنه يثق بها أكثر. وهذا ما نعده خطوة رائدة ومهمة، فالمصداقية هنا لا تعتمد على التسويق فحسب، بل تدخل في صميم ما نؤمن به».