الملابس الجاهزة .. مجال صعب علي المصممين العرب

تكون الخياطة الراقية ذاك العالم الرفيع الذي يستقطب انظار النساء ويأسر قلوبهن، تدفع بالكثيرات إلى متابعة عروض الازياء عبر الشاشات وعلى صفحات المجلات، بغض النظر عن ميزانيتهن. لكن مشاعر الاعجاب والحلم التي يؤججها هذا العالم وإبداعاته، ليست كفيلة وحدها بتثبيت خطى المصمم الطامح الى العالمية ومحافظته على نجاحه، ذلك ان جمالية التصميم والابتكار يساعدان على تقديم الافضل إنما ليسا «المفتاح» الوحيد لباب العالمية بمعناها التجاري. فهذا يتطلب احتراف صناعة الملابس الجاهزة التي تتوجه الى الجمهور العريض من النساء أو الرجال على حد سواء.


وللأسف يبقى هذا المجال بالنسبة الى غالبية المصممين اللبنانيين والعرب، أشبه بأرض لم تستثمر بعد، وإن حاول البعض اختبارها فـ«بخجل». ورغم كل التجارب الاخيرة التي قام بها لبنانيون وعرب عرضوا مجموعاتهم على منصات باريس وروما، يمكن القول انهم يقفون عند عتبة الـ«بري تا بورتيه» من دون التجرؤ على دخوله من الباب الواسع، اي من باب المجموعات التي تقدم فساتين وملابس تشمل كل المناسبات ولا تقتصر على كونها تلائم اوقاتا ومناسبات محددة.

واسباب هذا الامر متعددة ترجع أولا الى ضخامة رأس المال المطلوب، فضلا عن ان المجتمعات الشرقية لا تزال تصب جلّ اهتمامها على الانتاج الفاخر للمناسبات. يضاف الى ذلك، القدرتان الانتاجية والتسويقية اللتان يقتضيهما خوض غمار هذه الصناعة.

المصمم اللبناني العالمي زهير مراد تحدث عن أبرز الحواجز التي تبقي المصممين العرب على مسافة بعيدة من تصميم الملابس الجاهزة موضحا أن المرأة التي دخلت سوق العمل، فقدت الوقت الذي كانت تمضيه في الاعتناء بمظهرها، بالذهاب الى الخياط مرات عدة لتجربة ثوب واحد، وأصبحت تفضل الملابس البسيطة والمتوفرة في متناول يدها.

ومن هنا اكتسبت الملابس الجاهزة المرتبة الاولى على الصعيد العالمي من حيث التسويق، فيما يقتصر عالم «الهوت كوتير» على حفنة من الاثرياء. ولان الثياب الجاهزة تتوجه الى الجمهور العريض فهي أيضا تبتغي الربح السريع، وتشكل مجالا يشتد فيه وطيس المنافسة، وتبرز فيه أسماء عالمية كانت بدايتها مع الخياطة الراقية.

وهذا ما ينطبق تحديدا على تاريخ المصممين الفرنسيين، الذين كانوا في بداية القرن الماضي يركزون على الخياطة الراقية، الى ان ظهر خط الملابس الجاهزة الذي سلكوه تدريجا وصولا الى هذه المرحلة التي تراجعت فيها أهمية الهوت الكوتير، حتى ان بعض مصمميهم يركزون على الملابس الجاهزة ولا يفكرون في الهوت كوتير تماما، على عكس المصممين الشرقيين وتحديدا اللبنانيين، الذين يمكن القول انهم مطلعين على الملابس الجاهزة لكن لا يملكون امكانات تتيح لهم دخولها».

ويوضح زهير مراد ان «الملابس الجاهزة لا يمكن ان تخاط تحت الطلب بل تقتضي من المصمم تحضير مجموعة كاملة وانتاج كميات كبيرة من القطعة نفسها وبمقاسات متعددة لعرضها في محلات. وهذه العملية تتطلب وجود هيكلية عمل متفرعة ومتخصصة، فضلا عن ميزانية كبيرة تكفي عمليتي الانتاج والتسويق». وشرح انه ليس بالضرورة ان يملك المصمم معملا لينفذ تصاميمه إذ يمكن ان يتعاقد مع معامل متخصصة في انتاج قطع معينة. فلكل نوع معين من الاقمشة معمل خاص. مثلا هناك مصانع للقطع الجلدية وأخرى للاقمشة الناعمة، وثالثة للجينز وغيرها.

وقال: «إن لبنان والدول المجاورة تعاني نقصا في وجود مصانع متخصصة وذات جودة عالية. قبل الحرب كان لبنان يتمتع بمعامل متخصصة ومتطورة جدا، اما ما هو موجود اليوم فشعبي لا يصلح لتنفيذ تصاميم انيقة، لذلك عمدت الى تأسيس معمل خاص بي لإنتاج كل تصاميمي باستثناء ما يتعلّق بالجلد والجينز، التي استوردها من إيطاليا.

ولكن طبعا التعاقد يفرض أولا انتاج كميات كبيرة وتنفيذ نموذج للصنع (باترون) والنموذج الاول (Prototype) وهذا مكلف جدا. وتوقع الاسباب المادية والخوف من الخسارة المصمم في تردد وخوف من خوض هذه المغامرة. في المقابل، إن تمتع المصمم بالاسم والصيت الجيدين والخبرة في التعامل مع السيدات، يدعم حظوظه في النجاح عند خوض هذا المجال».

وعن السبب الاساسي الذي يمنع اللبنانيين والعرب من منافسة الاسماء العالمية، قال إنه يعود إلى «ميزانياتهم المتواضعة مقارنة بمنافسيهم وغياب فريق العمل الخاص وجهاز الإدارة الذي يتولى التسويق والاشراف على عملية التنفيذ لتأتي مضاهية للانتاج الاوروبي والاميركي»، موضحا «إن الـ«بري تا بورتيه» على بساطته صعب لانه فن السهل الممتنع، فقصاته واضحة وتنفيذه دقيق ونظيف، أي ممنوع ارتكاب الاخطاء لأنه من الصعب تعديلها كما هو الحال في الهوت كوتور الذي أشبهه بلوحة يستطيع المصمم التصرف بها على هواه والتحكم في ريشته».

ورأى ان تخصص اللبنانيين في الخياطة الراقية لا يمنعهم من النجاح في الملابس الجاهزة «إذا أتيحت لهم الفرصة المناسبة لانهم يتمتعون بالذوق الرفيع ولا ينقصهم الا الدعم المادي. ففي الخارج تتبنى شركات كبيرة مصمما متخرج حديثا. أما نحن فيترتب علينا الاهتمام بكل تفاصيل الادارة والتجارة وهذا عبء كبير جدا لا يلطّف وطأته الا إقدام المهتمين واصحاب رؤوس الاموال الاستثمار في هذا المجال. سمحت لي التجربة التي خضتها مع «مانغو» بتنفيذ تصاميم راقية من الملبوسات الجاهزة لانهم قدموا لي فريق عمل يتألف من 5 آلاف شخص محترف. وما شجعني على خوضها هو انتشار «مانغو» الواسع في العالم والذي يطاول كل الفئات.

التسويق أيضا يختلف بين الخياطة الراقية والملابس الجاهزة، بحسب مراد. ففيما يكفي لتسويق الاول إقامة عرض ودعوة الصحافيين المحليين والاجانب والزبونات وبعض الشخصيات المعروفة وصورة المصمم، يتطلب النوع الثاني، تنظيم حملات إعلانية وترويجية في التلفزيونات والصحف والمجلات وعلى الطرق والتعامل مع نجمة معينة. ومن الطبيعي ان تكون ميزانية الترويج للملبوسات الجاهزة اضخم.

كذلك تحدث المصمم اللبناني باسيل سودا الذي سيدخل قريبا عالم الملابس الجاهزة عن خطوته التي ستأتي «تثبيتا» لعمله، عارضا ابرز الصعاب التي تحول دون دخول المصممين العرب بشكل عام هذا المجال. فقال ان المصمم الشرقي ليس مؤهلا بعد لان ينافس زملاءه الاجانب ودور الازياء العالمية التي تضخ انتاجها في السوق العالمي بما فيه الدول العربية، وذلك «لانه يستحيل علينا إنتاج كميات ضخمة من القطعة نفسها فضلا عن مراعاة شؤون التجارة ومعاييرها. فلا نستطيع ان ننافس غوتشي او أرماني أو كافالي في بيع بنطلون الجينز أو قميص معين، فهي تنتج كميات تكفي أكثر من 300 محل في العالم، ما يخفض تكاليف الانتاج ويضاعف حظوظهم في الربح وتوسيع نطاق عملهم.

كذلك هم يتجهون نحو دول شرق آسيا حيث اليد العاملة رخيصة جدا ومعامل الخياطة تقدم لهم أسعارا مغرية. كما يسارعون الى حجز اقمشة معينة أو رسوم معينة يمنع بيعها لغيرهم من المصممين لانهم ببساطة يشترون كل الكمية المتاحة».

في المقابل، اشار الى ان «المصمم العربي يستطيع ان ينافس بيوت الأزياء هذه في خطوط اخرى ضمن الملابس الجاهزة عبر اللجوء الى فساتين السهرة أو غيرها من الفساتين المخصصة لمناسبات معينة. وهذه سياسة يعتمدها غالبية المصممين اللبنانيين الذين دخلوا أخيرا عالم الـ«بري تابورتيه»، إذ نراهم يقدمون ملابس تليق بالليل دون سواها من ملابس النهار، وذلك لان فساتينهم تضاهي بجمالها وذوقها الفساتين التي تقدمها دور الازياء في اوروبا وبأسعار اقل.

ومن نجح منهم توصل الى عرض أعماله في نقاط بيع وليس عبر فتح بوتيك خاص به كما هو مألوف في الخارج. ومن جرّب الـ«بري تابورتيه» خارج هذا النطاق فشل لانه لا يستطيع منافسة الاستثمارات الضخمة. يستحيل أن ننفق 250 مليون دولار على حملات الترويج كما يفعلون. يضاف الى ذلك ان امتهان هذا المجال الواسع يتطلب وجود دار ضخمة ذات هيكلية واضحة في توزيع المهمات وتقسيمها لا مجرد محترف صغير. وقلة من المصممين اللبنانيين أو العرب يملكون معاملهم الخاصة. والتعاقد الفرعي الذي تلجا اليه الدور في الخارج ليس متاحا لنا لأننا لا نملك طلبا عالميا فيما الطلب الاقليمي لا يكفي للاقدام على خطوة كهذه».

وعن سبب اقبال المصممين الشرقيين على هذه الخطوة في الفترة الاخيرة، قال: «إن مهنتنا تعرف تحولات كبيرة بسبب سرعة الحياة إذ تفضل الشابة العصرية التوجه الى السوق حيث تجد طلبها فورا ومن دون الحاجة الى اجراء بعض التعديلات. لذلك نلاحظ انه في الخارج، حيث يتركز انتاج الملابس الجاهزة، تحولت الهوت كوتير إلى مجرد صورة تعكس هوية الدور الكبرى.

واوضح ان «المصمم الذي يطمح الى تثبيت خطاه في عالم الموضة يتوجه نحو الملابس الجاهزة، بعد النجاح في مجال الخياطة الراقية، حيث يكوّن رصيده ويطبع بصمته ويذيع صيته»، معتبرا ان «السبيل الوحيد لذلك هو ان يحظى بجهة تتولى عمليتي التسويق والانتاج، وهنا لا بد من وجود أسبوع موضة بيروتي فعال، لذلك يتم التحضير لتأليف نواة نقابة تعمل على تحضير اسبوع متقن».

وأثار سودا نقطة مهمة وهي ندرة الشباب والفتيات الذين يقبلون على تعلم الخياطة ذلك ان «الجميع يتهافتون على درس التصميم ليصبحوا مشهورين. فمهنة الخياطة أصبحت حرفة تنقرض كسائر الحرف لانها متعبة وتتطلب صبرا. والحل في ان تتحول لتصبح صناعة، حينذاك تظهر وظائف متخصصة في الخياطة تتطلب مهارات تقنية».