دار «إمبرور 1688» .. من دبي إلى العالم

3 إخوة يجمعهم الحس الجمالي والتجاري وأم تقود المركب في السوداء
3 إخوة يجمعهم الحس الجمالي والتجاري وأم تقود المركب في السوداء

همان، وباباك، وفرحان غولكار، ثلاثة إخوة في عمر الزهور، حطوا الرحال في لندن مؤخرا قادمين من دبي، للمشاركة في مسابقة «وولمارك» العالمية، فيما يعتبر إنجازا غير مسبوق.
 
فقد كانوا أول ممثلين من منطقة الشرق الأوسط يصلون إلى المرحلة النهائية، التي ضمت خمسة مصممين، من بين 60 مصمما عالميا كان يطمح للجائزة والشهرة على حد سواء. 
 
الإخوة غولكار، وهم من أصول إيرانية، استقروا في دبي منذ فترة طويلة، وفيها أسسوا دار أزياء باسم «إمبرور 1688» أصبحت تعرف في أوساط الموضة كدار تجمع العصرية بالأناقة. 
 
ما يحسب لها أنها لا تعتمد على خض التابوهات أو تجري وراء تقديم المبتكر المجنون بهدف استعراض قدراتها ولفت الانتباه، بقدر ما تهدف إلى تلبية رغبة رجل مقتدر في تصاميم تخدمه، وامرأة متذوقة للموضة في أزياء مميزة تجعلها تشعر بالثقة.
 
بالنسبة لجائزة «وولمارك»، سبب حضورهم إلى لندن، فهي محطة مهمة في مسيرتهم، لأنها تستمد أهميتها من تاريخها الطويل، كونها تأسست في 1953، لتشجيع مصممين صاعدين على استعمال الصوف، كما تستمدها من اسمين كبيرين فازا بها في بدايتهما، وهما الراحل إيف سان لوران والمخضرم كارل لاغرفيلد مصمم دار «شانيل» و«فندي» حاليا. 
 
الأول فاز بجائزة تصميم أجمل فستان، ما فتح له أبواب دار «ديور» على مصراعيها، والثاني بجائزة تصميم أحسن معطف ما ساعده على دخول دار «بالمان». 
 
لهذا فإن وصول الإخوة غولكار، أو بالأحرى ماركة «إمبرور 1688» (Emperor 1688)، إلى النهائيات ليس بالأمر الذي يستهان به، ولا سيما أنها أول مرة تُرشح فيها ماركة ذات أصول عربية للجائزة. 
 
صحيح أنها لم تكن من نصيبهم، إذ ذهبت إلى ماركة أميركية، إلا أن مجرد المشاركة كان إنجازا عزز ثقتهم بأنفسهم، ويتوقع أن يفتح لهم الأبواب. فالإخوة لا يتسرعون النجاح، ويفضلون طبخه على نار هادئة.
 
انطلقت «إمبرور 1688» في عام 2008 كدار متخصصة في تصميم وتفصيل القمصان الرجالية. 
 
السبب حسب تفسير الإخوة أنهم كانوا يريدون في البداية بناء دار أزياء على أسس قوية تجذب لها الأنظار والثقة، «كان من المهم أن نمشي قبل أن نجري أو نقفز»، حسب قول بابان، متابعا: «كنا ندرك منذ البداية أن الطريق الذي علينا أن نسلكه هو التركيز على قطعة واحدة وأساسية يحتاجها الزبون ويريدها في الوقت ذاته». 
 
بعد دراسة للسوق، لاحظ الإخوة أن هناك ثغرة في مجال القمصان، فتوفرها بتصميم أنيق وتفصيل راق وخامة مترفة، كان شحيحا، ما جعلهم يقررون الاهتمام بها بصب كل طاقتهم عليها. ونجحت التجربة، ما عبد الطريق للتوسع إلى قطع أخرى، شملت كل ما يحتاجه الرجل الأنيق والمرأة المتطلبة. 
 
ما يُحسب لها دائما أنهم يقترحون خزانة متكاملة. الحديث مع الإخوة ممتع، لأنك تستغرب أن تكون لثلاثة إخوة نفس الميول والطموحات، وتكتشف سريعا أن هناك تناغما وانسجاما يجمعهم. 
 
أول القواسم المشتركة بينهم أناقتهم الكلاسيكية العصرية، في دلالة واضحة أنهم يتمتعون بنفس الذوق والأسلوب. 
 
عند مواجهتهم بهذه الملاحظة، يضحكون ويُعلقون أن اتفاقهم على نفس الأسلوب الشخصي صدفة، أما في العمل، فهم يكملون بعض. 
 
فباباك درس تصميم الأزياء، وهمان تصميم المنتجات، وفرحان تصميم الغرافيك، لهذا فإن «لكل واحد منا تخصصه الذي يساعد على سير المركب بهدوء والدفع به بقوة إلى الأمام، فضلا على أن لا أحد منا يحاول فرض رأيه على الآخر، بقدر ما يحاول أن يكمله»، حسب قول فرحان. 
 
وبالفعل فإن باباك، مثلا، يهتم بفكرة الموضة من وجهة نظر تاريخية، يترجمها كل من فرحان وهمان إلى الواقع، من خلال تصاميم تخاطب الزبون.
 
يلتقط دحان خيط الكلام ويقول: «بالنسبة لملاحظتك بأنه من النادر أن تكون لثلاثة إخوة نفس الطموحات والأفكار، فلا بد من التنويه بأنه من الخطأ أن يحيط الإنسان نفسه بأشخاص يتفقون معه في كل شيء. فللدفع بالإبداع إلى أقصى حد لا بد من بعض الاختلاف والمناقشة، ولحسن الحظ أن هذا يتم بيننا بشكل ودي، لأن عنصر الثقة بيننا قوي، ونريد مصلحة بعضنا البعض. 
 
لا بد من احترام آراء الغير وتقديرها، ولحسن الحظ أننا نتقاسم هذا الرأي ونقدر اختلافات بعضنا ونوظفها بشكل إيجابي. فقد علمتنا التجارب أن الإصغاء للآخر يأتي دائما بنتائج إيجابية ومرضية».
 
يتدخل همان معقبا: «ثم إن هذا التفاهم لا يعني انعدام عنصر المنافسة بيننا، فهي موجودة وإلا ما كنا حققنا ما حققناه حتى الآن».
 
ويضيف: «لا شك أن هناك قواسم كثيرة مشتركة بيننا في الأفكار والتطلعات والطموحات وحتى الذوق، إلا أننا نتجادل دائما لكي نتفق في النهاية على نقاط العمل. المهم بالنسبة لنا، أن نخرج من مكان العمل ونفوسنا صافية. فالمسألة تتعلق بوجهات نظر لا أقل ولا أكثر».
 
ما لم يعترف به الإخوة صراحة وإن لمحوا إليه بطريقة غير مباشرة أن الحلقة التي تجمعهم ببعض هي والدتهم، التي يطلقون عليها ربان المركب. فهي المشرفة على قسم البيع بالتجزئة، وهي نقطة البداية والنهاية التي يلتقون عندها دائما. 
 
مؤخرا، وعلى ضوء نجاحهم في المجال الرجالي، شجعتهم على دخول مجال الأزياء النسائية، وبالنظر إلى ما عرضوه مؤخرا، فقد اتبعوا نفس الوصفة التي اعتمدوها في الأزياء الرجالية، ألا وهي التركيز على الخامات المترفة والتصاميم العصرية ذات التفصيل الكلاسيكي. 
 
كان لا بد لهم من دخول مجال التصميم النسائي، لأن فرص الإبداع فيه ويخلق تحديات أكبر. يسارع بابان قائلا: «هذا لا يعني أن التصميم للرجل يخلو من التحديات، بل العكس، فهي كثيرة وعلى رأسها كيف تجعل قطعة كلاسيكية تعود عليها تبدو مبتكرة ومتجددة، والأهم من هذا تناسب الواقع حتى يسهل تسويقها إليه. فهناك خيط رفيع بين الابتكار والتسويق حاليا، فهما في وقتنا الحالي وجهان لعملة واحدة، لهذا من الأساسي أخذ هذه النقطة بعين الاعتبار وتحقيق التوازن بينهما».
 
يرفض كل من الإخوة فكرة أن الجمع بين الجانبين الإبداعي والتجاري تتداخل مع دور المصمم الفني، مجمعين على أن معظم الناس رسموا صورة رومانسية عن الموضة والمصممين. 
 
يشرك باباك: «هذه الصورة تتلخص في أن المصمم يقضي معظم أوقاته مع عارضات أزياء، يجرب أمتارا طويلة من الأقمشة يلفها أو يثنيها على أجسادهن، على خلفية موسيقى بوتشيني. الواقع غير ذلك تماما، إذ نقضي أغلب الأوقات أمام جهاز كومبيوتر نختار الأقمشة ونحسب تكاليفها وتكاليف الإنتاج». 
 
ما فهمه الإخوة مبكرا، أنهم عندما يصلون إلى المرحلة التي سيتعاملون فيها مع الموضة على أنها مزيج من الابتكار والتجارة، أي على أنها صناعة قائمة بذاتها، فإنهم سيتوصلون إلى مفتاح النجاح ويرسخون أقدامهم جيدا في مجال لا يفهم كل المصممين الشباب خباياه وأسراره.
 
لتحقيق هذه الموازنة، كان عليهم القيام بخطوات مهمة لتحسين إنتاجهم، ففي كل مرة ينتهون فيها من تصميم أي تشكيلة يراجعونها بدقة من كل الزوايا حتى يقدموها للزبون بصورة جذابة ومغرية. 
 
أما بعض العرض، وعندما ينتبهون إلى بعض الثغرات التي كان بإمكانهم تجنبها، فإنهم يتعاملون معها كدرس مفيد لا ككبوة .. «فلا مكان للوم في هذا العمل، ومن الأخطاء يتعلم الإنسان»، حسب قول همان. 
 
فهذا ما تعلموه من والدتهم ويطبقونه في عملهم بشكل يومي، والنتيجة أن تشكيلاتهم تزيد قوة موسما بعد موسم، وخصوصا أنهم ركزوا أيضا على الجودة والترف، فهم يستوردون أقمشتهم إما من بلغاريا أو من إيطاليا. 
 
وهذا ما أعطى ثماره، بدليل وصولهم إلى لندن مؤخرا، وقبل ذلك إلى زبون مترف وعارف. زبون يعتبر زيارة إلى محلاتهم أو معاملهم أمر ضروري في كل زيارة يقومون بها إلى دبي، سواء كانوا في رحلة عمل أو في رحلة سياحية. 
 
بل وحتى عندما يسرقهم الوقت ولا يستطيعون التسوق بشكل شخصي، فإنهم يشترون ما يحتاجونه عن طريق الإنترنت. 
 
أما همان فيشير بفخر إليه بأن زبائنهم يسافرون إلى دبي خصيصا من أجل التعرف على جديدهم في كل موسم.
 
ولا يخفي الإخوة شعورهم بالفخر عندما وصلوا إلى المرحلة النهائية في مسابقة «وولمارك»، لأنها أتاحت لهم فرصة التعرف على شخصيات مؤثرة في صناعة الموضة مثل بول سميث والناقد تيم بلانكس وغيرهم. 
 
بيد أنه على الرغم من أهمية الفعالية، فإن نقطة التحول المهنية، بالنسبة لهم كانت ترحيب محلات «ساكس فيفث أفينيو» بتصاميمهم. كان الأمر قفزة مؤثرة في مسيرتهم، بالنظر إلى أهمية هذه المحلات عالميا. 
 
فقبل ذلك، كان من الصعب عليهم أن يفرضوا أنفسهم في الساحة، وإقناع محلات أصغر بعرض منتجاتهم فيها، لكن بين ليلة وضحاها، تغير الوضع، واكتسبت «إمبرور 1688» ديناميكية غير مسبوقة في العمل. ولا تزال تربطهم علاقة متينة بـ«ساكس فيفث أفينيو» حتى الآن. 
 
فقد كانت فألا حسنا عليهم ولا تزال. مشاركتهم في أسبوع لندن الرجالي من خلال مسابقة عالمية، قد يوحي بأن أقصى طموحهم العرض في أي عاصمة من العواصم العالمية، لكن ردهم يأتي مفاجئا، يعبر عن أقدام ثابتة في الأرض، «أحد الأصدقاء المخلصين قال لنا يوما: يجب أن تلمعوا وتكبروا في ملعبكم أولا قبل أن تفكروا في الانتقال إلى ملاعب الغير». 
 
هذه النصيحة كان لها تأثير كبير تأكدوا منه بعد مشاركتهم في «فاشون فوروورد» الفعالية التي تقام بدبي مرتين في العام، وتحتفل بالمصممين الواعدين في المنطقة العربية.
 
مشاركة شجعتهم على تقدير المنطقة التي يعيشون فيها وانطلقوا منها، ورسخت لديهم فكرة أن ينضجوا فيها قبل أي تفكير في التوسع إلى الخارج. 
 
يقول بابان: «العرض في باريس أو لندن رائع، ولا شك أنها وسيلة لتوسيع الماركة والتعريف باسمها، لكن لن نفكر في الأمر إلا بعد أن نرسخ أقدامنا في الشرق الأوسط أكثر، ونتأكد أننا بنينا دارا قوية على كل الأصعدة».
 
يتابع: «مفهوم الأناقة مترسخ في منطقة الشرق الأوسط منذ زمن طويل، كذلك ثقافة الجمال، لهذا عندما تجمع هذا الإرث بزيادة الوعي بالموضة كصناعة قائمة بذاتها، فإن المنطقة تصبح ميدانا خصبا للإبداع والعطاء وتحولها من منطقة مستهلكة للموضة إلى منطقة مصدرة للإبداع». 
 
الجميل أن هذه القناعة قوية بداخلهم، فهم يشعرون بأنهم جزء من المنطقة ومن حركة الموضة التي تعيشها منذ سنوات، وبالتالي يشعرون بالمسؤولية الممزوجة برغبة في التطوير ووضع المنطقة على خريطة الموضة العالمية أولا. 
 
بيد أنهم يعرفون أن هذه الحركة جماعية تستدعي مشاركة كل المصممين والجهات المسؤولة، ولا سيما في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها المنطقة على المستوى السياسي ما يضاعف حجم المسؤولية لإظهار الوجه الجميل للمنطقة وشخصيتها الإبداعية التواقة للجمال المطلق.